في وقت الأزمات والشدائد، تبتلى الأوطان بظواهر وأصناف من البشر تشكل عبئًا عليها وعائقًا غير مرغوب فيه أمامها، لأنها تستهلك وتستنزف من طاقاتها التي يتعين ادخارها وتوجيهها كاملة دون انتقاص باتجاه تهيئة السبل الملائمة لتجاوز الأزمة بأقل الخسائر المادية والبشرية الممكنة، فما بالنا بضائقة من نوعية فيروس كورونا التي لا تزال تعصف بالعالم، الذي يخوض معركة مصيرية ومضنية، بغية القضاء عليه قضاءٍ مبرمًا، والخروج منها مظفرًا. من بين تلك الظواهر العجيبة فئة الممتعضين على مدار الساعة والذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب كما نقول، فهم يشككون ويعارضون ويرفضون كل ما يصدر عن حكومة الدكتور مصطفى مدبولي من قرارات وخطوات وبيانات متعلقة بكورونا ومواجهتها، وإن نظرت وراجعت مواقف الممتعضين وأسبابها تفاجأ بأنها بلا أساس متين يدعمها، وأن دوافعها نابعة من الأهواء الشخصية المحضة، أو سيرًا خلف جوقة موتورة مدفوعة الأجر احترفت ترديد الأكاذيب وترويج الشائعات المغرضة علي السوشيال ميديا. فقد شهدت الأيام الماضية سجالا ومهاترات يندى لها الجبين، فهذه الفئة الممتعضون أقامت الدنيا ولم تقعدها بعد للضغط على الحكومة لوقف الدراسة، عقب دخول البلاد الموجة الثانية لكورونا، وارتفاع حالات الإصابة والوفاة، ويوظفون أو قل يجيشون وسائل التواصل الاجتماعي للإيهام بأن ذلك مطلب عام يؤيده المواطنون عن بكرة أبيهم، ولابد من الرضوخ له باعتباره وسيلة لازمة للحد من انتشار الفيروس. إن وجهت لهؤلاء السؤال التالي: لنفترض جدلا أنه حدث المراد وتم إيقاف الدراسة، فماذا سيكون البديل المتاح؟ بنسبة كبيرة جدًا ستجد صمتًا مطبقًا من قبل رافعي شعار وقف الدراسة وتأجيل الامتحانات، وإن أجابك أحدهم سيخبرك بأنه بالاستطاعة إكمال العام الدراسي من المنزل، عظيم جدًا، وماذا ستكون البدائل المطروحة للامتحانات، وكيفية التمييز بين الطالب المجتهد والمهمل، وإعطاء كل واحد منهما ما يستحقه؟ ونتبع ما سلف بسؤال ثان، هل لديكم دراية بما تحت يد صانع القرار وما يتوافر لديه من معلومات وسيناريوهات ودراسات غير معلومة لي ولك، وأنه يعمل جاهدًا لأجل المصلحة العامة، وليس لايذائك وإيذاء أولادك، وهل وضع الممتعضون نصب أعينهم العواقب الناتجة عن وقف الدراسة على مستقبل أولادنا وبناتنا؟ أشك كثيرًا في أنهم فكروا في هذه الزاوية، أو بهذا المنطق، فالعديد منهم يريدون إراحة أنفسهم وأذهانهم، وربما يعتبرون وقف الدراسة وقتًا مستقطعًا سيمضونه في التنزه، وزيارة الأهل والأصدقاء، وحضور المناسبات والأنشطة الاجتماعية المتنوعة. ثم هل يدري السادة الممتعضون متى سينتهي وباء كورونا ونطوي صفحته للأبد، فقد يستمر لأشهر، أو لسنوات، حينئذ هل سيبقى أبناؤنا بالمنازل لا يبرحونها لتلقي تعليمهم بالمؤسسات التعليمية، خصوصًا للملتحقين بالتخصصات العملية التي تفرض على دارسيها دخول المعامل، وقاعات التشريح، والتدريب على المعدات والأجهزة المرتبطة بطبيعة دراستهم. حالة الامتعاض نفسها رأيناها أيضًا فور تسلم مصر الدفعات الأولى من اللقاح الصيني المضاد لكورونا، إذ واجهنا حملات منظمة وممنهجة للتشكيك فيه، وأنه غير آمن، ودعوا الناس للإحجام عن تلقيه!. حقك وحق أي شخص قبول أو رفض ما يشاء، لكن حدثني ابتداء عن مبرراتك وبراهينك وأسانيدك، ووجهنا - مشكورًا - ناحية البديل المناسب، ستسمع صوتًا قادمًا من الخلف صائحًا: لماذا تركتم اللقاح الأمريكي وفضلتم الصيني؟ ومن أدراك ياعزيزي أن اللقاح الأمريكي هو الأفضل، وأنه العلاج السحري لكورونا، ولماذا تقلل من حرص صانع القرار على صحتك وتوفير الأحسن والملائم لنا ولقدراتنا التخزينية وطبيعتنا المناخية وغيرها من العناصر الحاكمة عند اختيار هذا اللقاح أو ذاك. ما أود قوله إن القصد من كلامي ليس دعوة للتفريط في حياة أبنائنا ولا المغامرة بهم، أو الحجر على الرأي، والانتقاد، والاعتراض، فتلك حقوق مكفولة ومصونة ولا نقاش فيها، وإنما دعوة مخلصة وأمينة لمراعاة الظرف العام الذي تمر به بلادنا، وألا نتحول لمعول يستغله أعداؤنا والكارهون لنا، وأن يكون لدينا معلومات صحيحة وموثقة بشأن ما نريد الخوض فيه ومعارضته، وأن نساعد صانعي القرار بطرح البدائل لما يتم رفضه والمطالبة بالتخفف منه، خاصة ما يتصل بالتعليم، وأن نصغي لصوت العقل ولا نستخف بالدعوات المستمرة للالتزام بالإجراءات الاحترازية، لكي نعبر أزمة كورونا سالمين آمنين.