محطات فى رحلة «الفيروس» داخل مصر من تسجيل «أول إصابة» حتى وصول «اللقاح الصينى» لا نعرف قيمة الأشياء إلا بعد فقدانها.. حكمة تثبت صحتها وواقعيتها دائماً، يؤمن بها الكثير ورغم ذلك لا يستعدون لها بالشكل الكافى، فيستمرون فى عدّ الابتلاءات وينسون المكافآت، يتوقعون الأسوأ فلا يستمتعون بوجود الأفضل، يعيشون النعمة ويرونها نقمة، هذه الحقائق التى كشفها لنا ووضعنا فى مواجهتها فيروس كورونا، لنمر جميعاً بالاختبار الصعب ولا نعلم إن كنا ممن اجتازوه أم فشلوا فيه. إذا كنا نبحث عن اللقب الأنسب لعام 2020 سيكون عام كورونا بجدارة، وإذا سألنا عن الأحداث الأبرز فى 2020 سيكون للوباء العالمى نصيب الأسد منها سواء بالحديث عن أولى الإصابات والبحث وراء طرق الانتقال وبداية التوغل والانتشار والخروج من دائرة الصين لباقى دول العالم وأعداد الإصابات والوفيات حول العالم والإجراءات الاحترازية وقرارات الإغلاق والحظر والحجر وغيرها، ثم الحديث عن موجة أولى وثانية تبدأ بشكل أكثر شراسة وأخرى ثالثة تظهر فى الصورة من بعيد وفقاً لتصريحات منظمة الصحة العالمية ووفقاً للمنحنى التصاعدى الذى اتخذه الفيروس فى عدة دول من جديد، وأخيراً وربما ليس آخراً الحديث عن اللقاح المنتظر والتجارب والدراسات التى تجريها عدة دول فى سبيل إعلان هزيمة ساحقة لكورونا. قد يكون هذا الملخص سريعاً ولكن بقدر سرعته وإيجازه كان مؤلماً فى كل مرحلة خضناها فى محاربة الوباء العالمى اللعين، الألم الذى بدأ بالخوف والقلق منذ بداية انتشار كورونا فى ووهان فى الصين ثم أصبح رعباً بتخطى الحدود الصينية بأكملها، ورغم أن المخاوف لم تكن بنفس الصورة فى بداية انتشار الفيروس فى الصين إلا أنها كانت تزداد كلما توسعت دائرة انتشاره واقتربت من حدود مصر. هو عام كورونا بالنسبة للعالم كله، ولكننا نسلِّط الضوء على عام كورونا المصرى، نرصد أهم وأبرز محطات فى رحلة الفيروس فى مصر من لحظة تسجيل أول إصابة، ولأننا لن نتمكن مهما حاولنا من رصد كافة تفاصيل الرحلة التى لازلنا نمضى فيها حتى هذه اللحظة إلا أننا سنرصد فى لقطات موجزة أكثر اللحظات التى كان لها بالغ الأثر على سير الرحلة بأكملها. ولكن علينا أن نعود بالزمن قليلاً قبل إعلان وصول الفيروس إلى مصر، لنرصد ما تم إعداده مسبقاً من إجراءات استعداداً لتلك اللحظة التى كان يعلم الجميع أنها آتية لا محالة. إعادة العالقين ب«ووهان» بدأت أولى الإجراءات بقرار تعليق جميع الرحلات الجوية من الصين إلى مصر فى أواخر يناير، إلى جانب إجراء لا يمكن إغفاله ضمن مجهودات الدولة المصرية وحرصها على حماية ورعاية أبنائها فى الداخل والخارج من خلال مساعدة المصريين الموجودين بالصين وتحديداً مقاطعة «ووهان» منبع كورونا بإجلائهم منها وعودتهم إلى وطنهم من خلال تواصلهم مع السفارة وإعلان رغبتهم فقط فى العودة لتقوم الدولة المصرية بكل ما يلزم فى سبيل تحقيق ذلك. أول إصابة وأول 1000 فيما عشنا اللحظة الصعبة بإعلان الإصابة الأولى داخل الدولة مرتين، المرة الأولى لشخص أجنبى حيث تم اكتشاف إيجابية نتيجة تحليله فى 14 فبراير من خلال تتبع القادمين من الدول التى ظهرت بها إصابات وإجراء تحاليل للمشتبه فى إصابتهم، أما المرة الثانية جاءت مع إعلان تسجيل أول إصابة لمواطن مصرى يوم 5 مارس ورغم أنه كان الحالة الإيجابية الثالثة بعد تسجيل أول أجنبى كان حاملاً للفيروس ولم يغادر الحجر الصحى إلا بعد إجراء تحليلpcr عدة مرات وخروج النتيجة سلبية وبعده أجنبى آخر تم الإعلان عنه يوم 1 مارس حيث تم عزله بعدها وتلقى الرعاية الطبية اللازمة، ليتم بعدها تسجيل الحالة الإيجابية الثالثة لمواطن مصرى عائد من الخارج. ومع توالى الإصابات ومعه عداد الوفيات وإعلان الحالات الإيجابية بانتظام وشفافية أشادت بها منظمة الصحة العالمية آنذاك ظهرت نبرة التحذير جنباً إلى جنب مع الإجراءات الاحترازية والاستعدادات التى تقوم بها الحكومة، فالتشديد على منع التجمعات وارتداء الكمامة وغسل اليدين وغيرها من التعليمات الوقائية صاحبها تحذيرات من الوصول إلى ألف إصابة لصعوبة حصر دائرة المخالطين بعدها، وفى أبريل حدث ما كنا نخشاه ونستعد له، فقد تخطينا حاجز الألف. القرارات الصعبة وفى رحلة كورونا لا يمكن أن نغفل إجراءات الدولة المصرية متمثلة فى قرارات الحكومة كمحاولة لإحكام القبضة والسيطرة على الوباء، وذلك حتى قبل بلوغ أول ألف، الأمر الذى لم يقتصر فقط على حزمة القرارات التى أُطلق عليها مجازاً قرارات الإغلاق بهدف مواجهة انتشار الفيروس إلا أن المسألة تعدت ذلك بحديث وتواصل حكومى فى فترة عصيبة كان رئيس الوزراء حريصاً خلالها على التشديد على التوعية والحديث بشكل مبسط يستهدف بث الطمأنينة فى نفوس المتابعين وعدم إثارة الذعر وتوضيح كافة التفاصيل الخاصة بالمرحلة التى نشهدها وكذلك ملامح عن المرحلة المقبلة والحديث عن استعدادات الأطقم الطبية وداخل المستشفيات للوضع وغيرها من الأمور التى كان حريصاً على الإدلاء بها من خلال المؤتمرات التى كان يظهر فيها سواء لإعلان بعض القرارات الجديدة أو تمديد البعض الآخر فيما بعد. من هذه القرارات تعليق حركة الطيران فى جميع المطارات المصرية وكذلك تخفيض أعداد العاملين فى الأجهزة الحكومية من أجل تقليل الزحام وتحقيقاً للتباعد الاجتماعى، وقف عروض السينما والمسرح وإيقاف الأنشطة الثقافية ومد تعليق المدارس والجامعات أكثر من مرة والاعتماد بشكل أكبر على التعليم الإلكترونى «أون لاين» وكذلك تطبيق حظر حركة المواطنين بشكل جزئى، الأمر الذى ترتب عليه إقرار مواعيد محددة لوسائل النقل العام والمحلات التجارية والحرفية لساعات معينة مع الغلق التام يومى الجمعة والسبت، إلى جانب تعليق بعض الخدمات الحكومية تفادياً للتزاحم. صلوا فى بيوتكم بعد تخطى الألف الأولى باتت الزيادة معتادة يومياً وبات تجديد القرارات الحكومية كل أسبوعين أيضاً أمراً معتاداً مع تعديل بعضها أو الإضافة عليها أو الحذف منها وفقاً لمستجدات الوضع، مثلما حدث مع حلول شهر رمضان المعظم وعدم السماح بإقامة صلاة التراويح فى المساجد وحتى قبلها عندما صدر قرار تعليق الصلاة بجميع المساجد مع تعديل صيغة الأذان بإضافة عبارة «ألا صلوا فى بيوتكم» كما تم تعليق الخدمات الطقسية والقداسات والأنشطة فى جميع الكنائس وغلقها فى محاولة للحد من انتشار الوباء وحرصاً على عدم تزاحم المصلين. رسائل «مهمة» على مدار الأزمة من المحطات المهمة التى لا يمكن إغفالها فى رحلة كورونا الصعبة هى قرار سفر وزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد إلى الصين الذى جاء مبكراً فى بداية الأزمة فى خطوة غير متوقعة كرسالة تضامن مع الصين فى حربها مع كوفيد 19 فى مطلع مارس الماضى، إلى جانب تقديم مساعدات طبية ومستلزمات كالكمامات والمعقمات وغيرها من الأدوات الطبية كرسالة واضحة للتضامن والدعم التى بعثت بها مصر للشعب الصينى ومن بعده للشعب الإيطالى أيضاً على متن طائرتين عسكريتين يحملان مستلزمات طبية كهدية من مصر لها فى عز أزمتها، تلك المساعدات التى كان لها صداها لدى الدولتين وغيرهما من الدول التى قدَّرت الدعم فى ظل وباء عالمى يهدد الجميع ورسائل التأكيد على معانى التعاون والإنسانية. كما جاءت صرف منحة للعمالة غير المنتظمة كمساعدة وتعويض عن تضررهم من تداعيات كورونا كرسالة هامة للداخل والخارج تؤكد أن الدولة المصرية لا تتخلى عن أبنائها أبداً، فى الوقت الذى يُحسب لها إجراء لم تفكر فيه دول أقوى اقتصادياً بالعالم فى مسألة التعويض أو تحمل الخسارة مع الشعب. «تعايش» لا بد منه ما يقرب من أربعة أشهر هى عمر غالبية القرارات الاستثنائية سواء كما هى أو بإجراء بعض التعديل عليها سواء فى مواعيد تطبيقها أو الطريقة التى تُنفَّذ بها، لنستعد لمرحلة جديدة مع الفيروس أُطلِق عليها مجازاً مرحلة التعايش حيث بات من الصعب آنذاك الاستمرار على نفس سياسة التعامل مع الفيروس فكان لابد من التعايش مع وجوده لفترة واتخاذ ما يلزم من استعدادات وإجراءات وقائية واحترازية تقوم أولاً على التوعية بأن الأزمة لم تنتهِ بعد وأن إجراءات الفتح والتعايش لتحقيق مصلحة الاقتصاد المصرى وبمثابة تعويض لكل من تضرر من أصحاب المهن من طول مدة قرارات الغلق، لذلك حان موعد الفتح والتعايش ولكن مع الالتزام بإجراءات التباعد وارتداء الكمامة واستخدام المواد المطهرة. استراحة مُحارب ليعقب مرحلة التعايش فترة شعر البعض أنها بمثابة هدنة أو استراحة محارب، وهى فترة اتخذ فيها الوباء منحنى تنازلى فى معظم دول العالم حتى تلك التى استفحل فيها وتوغل بصورة مرعبة، فبدأت مرحلة التقاط الأنفاس وسيطر شعور عام بانحسار الفيروس، الأمر الذى واجهته الحكومة بتحذيرات مستمرة وممتدة وتأكيدات بأن الالتزام بالإجراءات الاحترازية يجنبنا خطر الوقوع فريسة لموجة ثانية، والتى ستحدث أيضاً لا محالة، ولكن على أمل ألا تزيد الأعداد بصورة كبيرة وخطيرة حتى يبقى الوضع تحت السيطرة. موجة ثانية ومع اقتراب حلول الشتاء بدأت بعض الدول إعلان ارتفاع أعدادها من جديد واستعدادها لخوض الموجة الثانية، الأمر الذى دفع الحكومة المصرية لتشديد التحذيرات وجاءت نبرتها هذه المرة صارمة مُحذِّرة مما نحن على موعد معه خاصة بعد ملاحظة ضعف الاهتمام بالإجراءات الاحترازية وشروط التباعد بل والعودة لبعض العادات الخاطئة كالتقبيل وعدم الالتزام بالكمامة، لذلك استعدت الحكومة للموجة الثانية خاصة مع الزيادة اليومية الملحوظة التى باتت ملحوظة فى بيان تسجيل الإصابات والوفيات اليومى لوزارة الصحة. ولم تكتف الحكومة بمجهودات الحماية من الداخل بل لازمتها متابعة الدراسات والأبحاث والتجارب التى يتم الإشارة إليها والإعلان عنها بخصوص تصنيع اللقاح القادر على هزيمة كورونا، الأمر الذى أكدته تصريحات رئيس الوزراء ووزيرة الصحة وكل الجهات المعنية حول فرصة مصر فى الحصول على اللقاح لطمأنة المواطنين على سعى الدولة وجهودها فى سبيل توفير الخلاص الآمن لهم من الفيروس. اللقاح والخلاص المُنتظَر ليأتى الإعلان عن تسلم مصر أول شحنة من اللقاح الصينى كخطوة جديدة لمواجهة فيروس كورونا ومحاولة السيطرة عليه خاصة فى ظل الإعلان عن زيادة جديدة فى الأعداد يومياً، لقاح «سينو فارم» الذى وصل منه 50 ألف جرعة للفئات الأولى بتلقى التطعيم فى مصر كالأطقم الطبية على أن يتم استقبال دفعات جديدة، الأمر الذى أكده المتحدث باسم مجلس الوزراء منذ أيام قليلة مشيراً إلى توفير نصف مليون جرعة من اللقاح الصينى بنهاية ديسمبر الحالى. حيث يأتى اللقاح الصينى ضمن قائمة من اللقاحات التى تتنافس من أجل تصنيعها والتأكد من فعاليتها أكثر من شركة عالمية فى دول مختلفة فى سبيل تحقيق هدف واحد هو إلحاق الهزيمة الساحقة بكورونا فى العام الجديد.