لم تكن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى فرنسا زيارة عادية، لا فى توقيتها ولا فى حجم الملفات التى جرى تداولها، وأهم ما اتسمت به هو الصراحة والوضوح اللازمان لتصحيح المفاهيم والتقارب المبنى على أسس صحيحة، لتكون نموذجا لنوع متين من علاقات التعاون والشراكة بين الدول، ولهذا لم يكن المؤتمر الصحفى المشترك للرئيسين عبدالفتاح السيسي و إيمانويل ماكرون مقتصرا على العبارات الدبلوماسية المعتادة، إنما تناول كل نقاط الخلاف والاتفاق بأسلوب حضارى رفيع، خاصة عندما تطرق إلى قضايا شائكة مثار اهتمام شعبى ودولى، مثل الحريات وحقوق الإنسان ، لاسيما بعد نشر الصور المسيئة للرسول . لهذا أريد التوقف عند ما أكده الرئيس، من أن حرية الاعتقاد حق أساسى لكل إنسان، وأنه لا إكراه فى الدين، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، وفى الوقت نفسه نبه إلى ضرورة وضع حد فاصل بين حرية الرأى والتعبير ، و ازدراء الرموز الدينية التى يعتنق مليارات البشر قيمها ومبادئها، فالسخرية من تلك المقدسات لا تعد حرية رأى بل هى ازدراء لتلك القيم والمبادئ التى يجسدها أنبياء الله ورسله. هنا وضع الرئيس السيسي يده على مكمن الداء، سواء عند التطرف الدينى أو التطرف العلمانى، فالطرفان يحرضان على الكراهية، ولا يحترمان الاختلاف، فالكلمة مسئولية، وهى مقدمة ودافع للفعل، فالكلمة الطيبة تقرب بين الناس والشعوب، والكلمة السيئة تثير الفتن والحروب والضغائن، ويدفع الجميع ثمنها، والحرية لا تعنى حق الإساءة إلى الآخرين، والمساس بمعتقداتهم. وجاءت كلمات الرئيس السيسى عن المواجهة الجماعية للإرهاب منسجمة مع رأيه فى عدم الإساءة للأديان باسم حرية الرأى والتعبير ، فالجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان اتخذت من الدين ستارا لنشر الكراهية وممارسة الإرهاب، وإذا كانت دول الاتحاد الأوروبى قد عانت من الإرهاب فإن مصر وعددا كبيرا من الدول العربية والإسلامية عانت وما زالت تعانى أضعافا مضاعفة من جرائم تلك الجماعات. وقبل الحديث عن حرية الرأى والتعبير علينا أن نحترم الحق فى الحياة والأمن، فتلك الجماعات أهدرت الدماء، ومارست كل أنواع العنف والبطش والتنكيل، ولا ينبغى أن ننظر إلى نشر أفكارها الهدامة على أنه نوع من حرية الرأى والتعبير وأحد حقوق الإنسان، فهذه الجماعات العنيفة والإرهابية هى العدو الأول لحقوق الإنسان، ونشر أفكارها ومعتقداتها هدر لتلك الحقوق، ورغم ذلك توفر بعض الدول الداعية لهذه الحقوق ملاذًا آمنًا لجماعة الإخوان بوصفها ضحية، لكنها فى الحقيقة هى الجانى فى حق آلاف بل ملايين الضحايا على مدى تاريخها الدموى الطويل، فى العديد من دول العالم وليس فقط فى مصر والبلاد العربية والإسلامية. الرئيسان عبدالفتاح السيسي و إيمانويل ماكرون خلال مؤتمرهما الصحفي لقد رأيت أن كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال المؤتمر الصحفى مع الرئيس الفرنسى ولقاءه مع صحيفة «الفيجارو» الفرنسية قد كشفا الالتباس فى تناول تلك القضايا التى لا يمكن أن ننظر إليها من جانب واحد، وأن نتناول الجوانب المختلفة مجتمعة، لتكون رؤيتنا أكثر شمولا ودقة، لأن النظرة الأحادية والمجتزأة تصب فى صالح الجماعات الإرهابية التى تعانى منها أوروبا الآن، كما شدد الرئيس السيسي أيضا على ضرورة التفرقة بين الدين الإسلامى وتلك الجماعات، حتى لا يدفع المسلمون المسالمون ثمن تلك الجرائم المشينة التى ترتكبها تلك الجماعات، مما يزيد من تعقيد الموقف، فتستشرى العنصرية من جهة اليمين المتطرف والإرهاب من جهة الجماعات ونظل فى حلقة مفرغة. ويرتبط الموقف من الإرهاب بعدد آخر من الملفات فى المنطقة والعالم، ومنها استغلال تركيا تلك الجماعات الإرهابية فى تحقيق أطماعها فى ليبيا، وهى الراعى الرئيسى وحاضنة تلك الجماعات، وتنقلها من مكان إلى آخر، لتصبح ذراعها الطولى فى نشر الفوضى والفتن، وانتبهت أوروبا إلى خطر المخطط الأردوغانى وأطماعه التوسعية، ولهذا أعتقد أن هناك شراكة حقيقية بين مصر وأوروبا فى مواجهة الإرهاب وسيسهم تقارب وجهات النظر فى حل أزمات المنطقة وفى مقدمتها الأزمة الليبية. كما يجمع مصر وأوروبا توافق كبير حول سبل حل الأزمة المتعلقة باستخراج الغاز من شرق البحر المتوسط والتصدى لأطماع أردوغان وتهديده لأوروبا من خلال الجماعات الإرهابية، و ابتزازه لها بالمهاجرين. وستكون باريس أوسع الأبواب لعلاقات تعاون تشمل الاتحاد الأوروبى كله، وقد اتضح مسار التعاون والشراكة الإستراتيجية بين مصر وفرنسا من خلال اتفاقيات التعاون الاقتصادى والأمنى والعسكرى، والتى قطعت شوطا مهما خلال الزيارة الناجحة، وستكون نتائجها مبشرة للاقتصاد المصرى الذى استطاع تجاوز أزمة تفشى وباء كورونا بأقل الأضرار، وحقق نموا كبيرا فى ظل الجائحة، بما يبشر بقفزة كبيرة بعد أن يتعافى الاقتصاد العالمى، مع قرب حملات التطعيم بالأمصال الجديدة. وفى ظل سعى مصر إلى توطين الصناعات المعتمدة على التكنولوجيا المتقدمة فإنها على موعد مع تحقيق طفرة كبيرة ومهمة فى العديد من القطاعات، سواء السياحة أو الصناعة؛ فالبنية الأساسية من الخدمات والمشروعات القومية ستمنحنا قوة دفع كبيرة للوصول إلى معدلات نمو أعلى، وسيعود تدفق السياح من أوروبا، وستنتعش صادراتنا وسيتضاعف تدفق الاستثمارات إلينا من مختلف البلدان. إن زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى فرنسا ستكون فاتحة خير لمصر والمنطقة كلها، فهى خطوة مهمة ومحطة رئيسية لانطلاقة جديدة للدبلوماسية المصرية والاقتصاد المصرى، وبداية انفراجة كبيرة يستحقها الشعب المصرى الذى ثمن الرئيس السيسى صبره وتحمله الإصلاحات الاقتصادية التى كانت ضرورية، ومكنت الاقتصاد المصرى من النمو رغم جائحة كورونا، لتعبر مصر إلى مكانة أعلى بفضل صبر شعبها وحكمة قيادتها. * نقلًا عن صحيفة الأهرام