شكلت القمة المصرية اليونانية قوسا يطلق السهام على أطماع أردوغان، ووضعت حوله خطوطًا حمراء تقيد تحركاته العدوانية فى شرق المتوسط، بل تحبط مشروعه التوسعى المعتمد على استخدام الجماعات الإرهابية التى يطلقها فى كل مكان ليبتز بها دول وشعوب أوروبا والمنطقة الممتدة من آسيا الوسطى شرقًا وسوريا والعراق فى الجنوب وأوروبا غربًا، والتى لم تسلم جميعها من سياساته الدامية. وأرست كلمة الرئيس عبدالفتاح السيسي الموجزة والقوية مبادئ الأمن والتعاون واحترام أسس الشرعية الدولية ، لتضع حدا للسياسات العدوانية المعتمدة على الإرهاب واستخدام القوة فى السيطرة على ثروات الدول، فقد بعثت كلمة الرئيس رسالة شديدة اللهجة لتلك السياسات، وأعلنت التصدى لها ووضعت لبنة تحالف دولى فى مواجهة السياسات العدوانية، بل وضعت نُظُما لحل المشاكل الإقليمية بالوسائل السلمية رغم امتلاكنا وسائل القوة، فتناولت سبل حل القضية الفلسطينية والأزمتين فى ليبيا وسوريا وفق قرارات الشرعية الدولية ، وسحب القوات الأجنبية، ومعاقبة الدول الداعمة للجماعات الإرهابية، سواء بالتسليح أو التدريب أو تسهيل تنقلها أو إيوائها. لقد شكلت القمة المصرية اليونانية مركز انطلاق لعملية سياسية واسعة تعيد الأمن والاستقرار إلى تلك المنطقة الملتهبة، مستندة إلى تأييد دولى واسع والتى عانت طويلا من التوتر والفتن والحروب والكراهية، خاصة من جانب أوروبا التى تشعر بالخطر من المشروع الأردوغانى التوسعى الذى استخدم النازحين السوريين لإغراق أوروبا فى المشكلات الاقتصادية، واتسعت المخاوف الأوروبية من عمليات العنف الآتية من الجماعات الإرهابية المدعومة من تركيا . ولم تكن أوروبا وحدها التى نالت نصيبها من إيذاء المشروع الأردوغانى، بل جميع المسلمين فى العالم، الذين وجدوا أنفسهم فى قفص الاتهام ظلمًا بسبب جرائم تلك الجماعات المارقة التى تحمل راية الإسلام زورا وبهتانا، والتى لوثت سمعة الجاليات المسلمة فى أوروبا والعالم، وأشاعت أجواء من روح العداء الدينى والعرقى، التى كان لسياسة الرئيس التركى أردوغان النصيب الأكبر منها، لاستخدامه تلك الجماعات وتسليحها ونقلها من منطقة إلى أخرى، فقد كانت الطائرات والسفن التركية تنقل الميليشيات المسلحة من سوريا إلى ليبيا بهدف السيطرة على أجزاء واسعة من الأراضى الغنية بالبترول والغاز، ليعقد اتفاقيات تحت تهديد الإرهاب، لإضفاء شرعية وهمية لعدوانه على مياه شرق المتوسط وما تحتها من ثروات، متجاهلا حقوق باقى دول وشعوب المنطقة، وفرض ما يراه أمرًا واقعًا، ويقطع الطريق على تصدير البترول والغاز إلى أوروبا، لكن الفشل أخذ يلاحق المشروع الأردوغانى. وقد وضع الرئيس عبد الفتاح السيسى خطا أحمر أمام زحف الميليشيات المدعومة من تركيا، والتى كانت على مشارف مدينة سرت الليبية، التى استهدفت وضع يده على الهلال النفطى الليبى، وكان لهذا القرار المصرى دوره الكبير فى وضع حد لأطماع أردوغان فى ليبيا، لكن تلك الأطماع مازالت تشكل تهديدا لمناطق واسعة، حيث تتنقل بنيرانها من مكان إلى آخر، حاملة معها المآسى والدمار والموت، من ليبيا إلى اليونان وقبرص وسوريا والعراق وأرمينياوأذربيجان، حيث يختلق أردوغان الحجج لتأجيج الصراعات الداخلية لتكون ذريعة للتدخل وتحقيق الأطماع فى ثروات تلك الدول. لقد فطنت شعوب المنطقة إلى لعبة أردوغان التى تكشفت أهدافها الحقيقية، وسقط عنه رداء حماية المسلمين الذى كان ينتحله، ويروج لدولة خلافة وهمية، تبين أنها مشروع استعمارى لا يجلب إلا الخراب والدمار، وسوف يفيق الشعب التركى من أوهام أردوغان الذى وعدهم بعودة الإمبراطورية العثمانية على يديه، ووجدوا أن تركيا تترنح تحت وطأة أزمات تشتد من عام إلى آخر، وتتراجع الصادرات التركية وتهبط الليرة إلى أدنى مستوى لها، وتفقد ما يقرب من 80% من قيمتها. ولم يجد أردوغان سوى ترديد أكاذيب عن اكتشافات لحقول نفط وغاز فى البحر الأسود الذى يقع داخل المياه التركية، بعد أن وجد نفسه يغوص فى مياه شرق المتوسط، ثم توجه إلى أذربيجان ليشعل النار مع أرمينيا حول إقليم ناجورنى قره باغ، ليتسبب فى حرب جديدة مازالت تتأجج بسبب الفتن التى تشعلها الأطماع الأردوغانية، ويوقظ الأحقاد القديمة وينكأ الجراح بدلا من علاجها. ولهذا كانت كلمة الرئيس السيسى بمثابة إستراتيجية بديلة، تضع حدًا للفتن والحروب والصراعات المسلحة واستخدام الإرهاب، لترسى مبادئ تستند إلى السلام والمنفعة المتبادلة التى لا تحفظ للشعوب حقوقها فقط، وإنما تحميهم من شرور الفتن والحروب والإرهاب والدمار. وبدلا من تصدير الأزمات إلى أوروبا عن طريق النازحين والإرهاب طرح الرئيس عبدالفتاح السيسى التعاون الاقتصادى سبيلا للتنمية والبناء، ولهذا تمت الإشادة بالجهود المصرية فى منع تدفق اللاجئين لأوروبا مع إيواء ملايين النازحين على أرض مصر دون أى استغلال سياسى، ومعاملتهم مثل المواطنين المصريين، وعدم وضعهم فى معسكرات إيواء مثل الكثير من الدول، وكذلك معاملتهم بكل تحضر ورقى يليق بمكانة مصر وتاريخها وتحضرها. لهذا تحظى مصر بكل التقدير والثقة والاحترام من العالم أجمع، وسيكون لما حققته مردود كبير على العلاقات مع اليونان وأوروبا كلها، فقد ارتفع التبادل التجارى مع اليونان بنسبة 35%، وها هى أوروبا تفتح ذراعيها أمام الصادرات المصرية، وترى أنها المكان الأكثر جدارة بالاستثمار، لما تتمتع به من استقرار واحترام للمواثيق الدولية، ورأت فى مشروع الرئيس عبد الفتاح السيسي لتنمية إفريقيا السبيل الأمثل لحل جذرى لمشاكل التنمية والهجرة غير الشرعية وتبادل المنفعة على أساس تنمية القارة السمراء، لتكون مصدر خير للجميع. إن الحفاوة التى استقبلت بها اليونان الرئيس عبد الفتاح السيسى تعكس التقدير الكبير لدوره فى إرساء أسس وعلاقات جديدة تقوم على التعاون لا الحرب، وتبادل المنفعة لا إثارة الفتن، ونموذج حقيقى للتسامح الإسلامى وليس الغزو والإرهاب باسم الإسلام، ولهذا كانت دول الاتحاد الأوروبى داعمة لهذه القمة، ووجدت فى سياسة مصر ونهجها مفتاح الحل الحقيقى لمواجهة مخاطر الإرهاب والحروب، لأنها على النقيض من سياسة أردوغان التى غذت اليمين المتطرف العنصرى فى أوروبا ومنحته المبررات للحملات ضد الإسلام والمسلمين. عند متابعتى لتغطية الإعلام الأوروبى للقمة المصرية اليونانية تأكدت أن مصر تدخل قلوب الأوروبيين من أوسع الأبواب، وسيكون لسياساتها انعكاس كبير على مستقبل المنطقة، وأنها فى سبيلها لتكون الصديق الأمثل لدول الاتحاد الأوروبى، وأنها ستكون مركز ثقل لصياغة علاقات جديدة تفتح آفاق التعاون المثمر، وتطفئ نيران الضغينة والأحقاد والفتن، وتعيد الصورة المشرقة للإسلام المتسامح، وتمحو آثار الإرهاب الذى أجج الكراهية، ونال من استقرار دول المنطقة والعالم. وعما قريب ستظهر نتائج الإستراتيجية الجديدة التى طرحها الرئيس عبدالفتاح السيسي على العلاقات بين دول المنطقة، وستخبو السياسة الأردوغانية العدوانية، التى لابد أن يلفظها الشعب التركى، الذى عانى ويعانى من نتائجها المدمرة، وستجنى مصر المزيد من التقدم والنمو والازدهار إلى جانب التقدير والمحبة والاحترام على كل المحافل الإقليمية والدولية. * نقلًا عن صحيفة الأهرام