د. عبد المنعم سعيد فى الأول من نوفمبر الحالى كان على تمثيل المركز المصرى للفكر والدراسات الإستراتيجية فى حلقة نقاشية عن الطاقة نفطا وغازا والمدى الذى يمكن أن تصل إليه فى خدمة الاقتصاد العالمي، الحلقة عقدت فى إطار سلسلة الاجتماعات الدولية التى عقدتها السعودية خلال فترة قيادتها مجموعة العشرين . ما فعلته المملكة ذكرنى بما فعلته مصر خلال رئاستها الاتحاد الإفريقى عندما لم تجعل من المناسبة تقليدا روتينيا يمر على دول الاتحاد حسب القواعد، وإنما مناسبة لتوثيق العلاقات بين الدول الإفريقية وأيضا توثيق العلاقات المصرية الإفريقية. هذه المرة كان الأمر على نطاق أوسع، ومن المعلوم وفى أثناء آخر الأزمات التى تعرض لها الاقتصاد العالمى عام 2008 وأدت إلى معدلات غير مسبوقة من البطالة والانكماش فى الأسواق المحلية والدولية، فإن الخروج منها قام إلى حد غير قليل على التعاون الذى جرى بين أعضاء المنظمة العشرين التى تضم الاقتصادات العشرين الأقوى فى العالم. كانت أزمة الكورونا قد أدت إلى نتائج عميقة، بل إن النظام الاقتصادى العالمى بات أقرب إلى حالة من الكساد الرهيب الذى لم يتحقق منذ عام 1929. ولكن الأوضاع الراهنة جرت فى وقت كانت فيه السياسة الدولية تتعرض أيضا لحالة من الانكماش والتراجع بفعل سياسات الرئيس دونالد ترامب التى تنظر بريبة للمنظمات والمفاوضات المتعددة الأطراف، وبفعل السياسات المماثلة التى اتبعها قادة آخرون فى دول وأقاليم أخرى. رئاسة السعودية مجموعة الدول العشرين كان من الممكن أن تكون مجرد رئاسة دورية كما تقضى بذلك البروتوكولات الدولية. ولكن ذلك لم يحدث حيث قامت الرياض بانتهاز الفرصة، وأيضا التقدم التكنولوجى الراهن فى التواصل العالمى الافتراضى لكى توثق التعاون الدولى فى مجال مقاومة الفيروس ونتائجه الاقتصادية الفادحة الخسارة. وهكذا عقدت الكثير من المؤتمرات الافتراضية لوزراء الصحة والمال والأعمال والبنوك المركزية والمعامل البحثية للتعامل مع المرض. وضمن هذا الإطار عقد خلال يومى 31 أكتوبر، والأول من نوفمبر مؤتمر شاركت فيه بحضور ما تسمى مراكز التفكير Think Tanks أو T20 للنظر فى القضايا الدولية، ليس من وجهة نظر الدول والحكومات، وإنما من منطلقات بحثية وأكاديمية فى موضوعات تمس البشرية وصحتها واقتصادها ومستقبل التعاون الدولي. وكما ذكرت فى البداية فإن موضوعى كان فى حلقة عن الطاقة فى حضور ثلاثة من الخبراء فى الأمر. كان نصيبى بحكم التخصص هو تقديم البيئة الجيوسياسية للطاقة فى منطقة الشرق الأوسط، فرغم ما للبترول والغاز والكهرباء وغيرها من متفرعات الطاقة من عرض وطلب فإنها لا تدور فى فراغ، وإنما تجرى فى إطار من الدول وعلاقات القوة. ولم يكن ممكنا فى هذه المداخلة تجاهل التجربة التى عاشتها المنطقة خلال السنوات العشر الماضية، والتى كانت سنواتها الخمس الأولى مظلمة. لم تكن هذه المرحلة رحيمة لا بحكومات ولا بشعوب ولا بدول المنطقة فى عمومها بعد أحداث ما سمى الربيع العربي، وتوابعها التى غلبت عليها هيمنة المنظمات الإسلامية المتطرفة من أول الإخوان المسلمين وحتى داعش التى أقامت دولة الخلافة. نتيجة ذلك كانت سلسلة من الحروب الأهلية، وعمليات للتدمير واسعة النطاق فى دول ومدن ومجتمعات. ولكى تكتمل الأقدار الصعبة فإن انهيارا جرى فى أسعار النفط فجاء من أعلاه الذى كان متجاوزا مائة دولار للبرميل، لكى ينزل فى منتصف العقد إلى عشرين دولارا للبرميل. كان نتيجة ذلك أمران: أولهما أن دولا إقليمية - تركيا وإيران وإسرائيل وإثيوبيا - انتهزت الفرصة للتدخل فى أحوال الإقليم بما يحقق الكثير من أطماعها، وحدث ذلك بفرض الأمر الواقع، أو التدخل المسلح. وثانيهما أنه لابد لدول الإقليم من مواجهة هذا الواقع الصعب من خلال عملية إصلاح جذرية وواسعة النطاق، واستعادة توازن القوى المسلح، والمبادرة الدبلوماسية والسياسية لتغيير الواقع الإقليمي. والحقيقة هى أن كل هذه التوجهات كانت متكاملة للتغيير فى الداخل والخارج، وكان من أولى الخطوات التى اتخذت الشروع فى تخطيط الحدود البحرية التى بدأتها مصر مع السعودية ، ثم تلتها بالأمر نفسه مع قبرص واليونان فيما بعد. هذا التوجه فتح الأبواب لجعل البحر الأحمر وجزره والمنطقة الاقتصادية الخالصة فيه على الجانبين السعودى والمصرى منطقة رخاء مشترك. وضمن هذا الإطار يمكن النظر إلى عمليات التعمير والبناء الجارية فى مصر فى جميع أرجاء سيناء، ومثيلتها الجارية فى منطقة الشمال الغربى للمملكة. وفى البحر المتوسط كان إنشاء منتدى غاز شرق البحر المتوسط شمالا لمصر وفلسطين وإسرائيل وقبرص واليونان والأردن وإيطاليا. وسواء كان هذا الأمر أو ذاك فإن كليهما التحمت فيه جهود الإصلاح الداخلى مع جهود التعاون الخارجي، ولم تكن هناك مصادفة أن هذه الجهود تبعتها جهود أخرى لتخطيط الحدود البحرية الإسرائيلية اللبنانية لكى يتدفق الغاز اللبنانى ويجعل تعمير لبنان وخلاصها الاقتصادى ممكنا. اتجاه الإمارات والبحرين إلى توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل وضع المنطقة كلها فى اتجاهات هدفها استيعاب النتائج السلبية للعشرية الأخيرة، وشق طريق آخر للتعامل مع مشكلات ومعضلات المنطقة. وإذا كانت صناعات الحديد والصلب قد لعبت دورا تاريخيا فى تجاوز أوروبا صراعاتها، فإن التعاون هذه المرة فى الشرق الأوسط يجرى فى إطار النفط والغاز والاستغلال للمناطق الاقتصادية وتحقيق النمو الاقتصادى والتنمية الاجتماعية. مثل ذلك بالطبع لا يسير دائما بالسهولة المتصورة لأن هناك دولا مثل تركيا وإيران لا تتوقف عن العدوان على الدول المجاورة، وإسرائيل تريد الاستفادة من هذا التعاون، ولكنها لا تريد دفع ثمن ذلك من خلال تحقيق التقدم فى القضية الفلسطينية اللهم إلا من تعليق ضم الأراضى الفلسطينية. إثيوبيا هى الأخرى تريد مناخا تعاونيا فى كل ما يتعلق بمياه النيل، ولكنها لا تريد اتفاقا ملزما فى هذا الشأن. مثل ذلك من الأمور المحبطة، ولكن القدرة على تغيير الواقع بالإصلاح الداخلي، وتنمية عناصر القوة، والمبادرات الدبلوماسية والسياسية يفتح فى النهاية أبوابا كانت مغلقة. كان ذلك ما قلته فى حضرة اجتماعات دول العشرين.