منذ هجمات 11 سبتمبر فى أمريكا 2001، باتت السياسية الخارجية الأمريكية فى الشرق الأوسط قضية أساسية فى كل انتخابات رئاسية أمريكية، وانتخابات 2020 لا تختلف عن ذلك. ورغم أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ومنافسه الديمقراطى جو بايدن لم يتحدثا بشكل كثيف عن السياسة الأمريكية فى الشرق الأوسط خلال المناظرتين بينهما، إلا أن فريق ترامب وفريق بايدن يدركان أن هناك حاجة لإجراء تغييرات فى سياسة أمريكا فى المنطقة. فخلال الولاية الأولى لترامب كانت إيران هى مركز اهتمامه، فقد انسحب من الاتفاق النووى الإيرانى، وفرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق، واغتيل الجنرال قاسم سليمانى قائد لواء القدس فى الحرس الثورى الإيرانى. وعلى صعيد المنطقة استهدفت المخابرات الأمريكية زعيم تنظيم «داعش» أبو بكر البغدادى، وسحبت واشنطن المزيد من قواتها من العراق. كما نجح ترامب فى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية. لكن فى المقابل فشلت واشنطن فى إنهاء الصراع فى سوريا، بل على العكس زادت سياساتها غير المتسقة المشهد السورى تعقيدا. كما أنها لم تقدم مبادرات لتهدئة التوترات الطائفية فى العراق. وظل ملايين المدنيين فى اليمن يدفعون ثمن حرب لا تبذل إدارة ترامب جهودا كافية لوقفها. أما فى ليبيا، فالتحركات الأمريكية والأوروبية بطيئة وتحتاج إلى استراتيجية كاملة لمنع تحويل البلد إلى «فناء خلفي» للإرهاب الدولى ومافيا للاتجار بالمهاجرين والميلشيات الأجنبية. وبالنسبة لكثيرين، يبدو أن الشرق الأوسط كمنطقة مشاكلها مستعصية على الحل، ما يغرى الإدارات الأمريكية الواحدة تلو الأخرى بالحديث عن تقليل الانخراط فى المنطقة. فالرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما تحدث عن الشرق الأوسط على أنه «مقبرة» لغطرسة القوة العسكرية الأمريكية. أما ترامب فندد منذ اليوم الأول بالعبء المالى للمنطقة، قائلا إن الشرق الأوسط كلف أمريكا 7 تريليونات دولار بدون عائد. لكن خوفا من إحداث فراغ استراتيجى تلمؤه روسيا والصين لم تترك أمريكا المنطقة، بل وضعت قدما فى الداخل وقدما فى الخارج. فالخروج من الشرق الأوسط مكلف بالنسبة لها لأنه سيوفر للصين وروسيا الفرصة لتوسيع نفوذهما فى المنطقة على حسابها. لكن الأخطر أن الفراغ الاستراتيجى فى المنطقة قد يفتح الباب أمام الجماعات المتطرفة مثل «داعش» و«القاعدة» للعودة للدول الكبيرة مثل سورياوالعراق وليبيا واليمن التى أرهقتها الحروب والنزاعات الداخلية. وهذا سيشكل خطرا كبيرا على المنطقة وأمنها والأمن الأوروبى والعالمى. وبالتالى، سواء انتخب بايدن أو أعيد انتخاب ترامب فإن أحد الأسئلة الجوهرية أمام الإدارة الأمريكية المقبلة هو حجم الانخراط العسكرى الأمريكى فى المنطقة وكيف يتم تحويل ذلك الانخراط إلى نجاح سياسى. فإدارة ترامب بعدما كانت على وشك مغادرة سوريا خلال العامين الماضيين، قررت البقاء بقوات محدودة. وبالتالى تمكنت من منع انتصار الحكومة السورية وروسياوإيران، وفتحت الباب أمام توغل تركى فى شمال سوريا وغربها فى محافظة إدلب وفرض أمر واقع سيكون من المعقد على أى رئيس أمريكى تغييره بسهولة، إلا بضغط أوروبي-أمريكى مشترك على أنقرة. «الأهرام» حاورت أربعة من أهم المسئولين والخبراء الأمريكيين والأوروبيين فى شئون الشرق الأوسط . وتباينت وجهات نظرهم حول المتوقع من ولاية ترامب الثانية إذا فاز، أو رئاسة بايدن إذا دخل البيت الأبيض. أرون ديفيد ميلر، الدبلوماسى الأمريكى الذى شغل منصب مستشار شئون الشرق الأوسط لدى ستة من وزراء الخارجية الأمريكيين قال ل «الأهرام» فى حديث خاص إن بايدن، إذا انتخب، سيكون أكثر صرامة مع تركيا، لكنه سيجد صعوبة فى إحياء الاتفاق النووى مع إيران بسبب التعقيدات الداخلية فى أمريكاوإيران. أما بروس ريدل، الذى شغل منصب مستشار الشرق الأوسط فى مجلس الأمن القومى الأمريكى فى أربع إدارات أمريكية فقال ل «الأهرام» إنه يتوقع نهجا أمريكيا أكثر توازنا فى الشرق الأوسط فى حالة فوز بايدن. فيما أعربت باربارا سلافين، مديرة برنامج مبادرة مستقبل إيران فى مركز «المجلس الأطلنطي» للدراسات بواشنطن، فى حوارها مع «الأهرام» عن أملها فى أن الإدارة الجديدة ستنشط دبلوماسيا لمحاولة حل صراعات المنطقة، متوقعة أن ينهى بايدن حظر سفر المسلمين لأمريكا. بينما أكد أنطونى دوركين، كبير الباحثين فى شئون الشرق الأوسط فى «المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية»، ل «الأهرام» أنه ليس لدى ترامب سجل ناجح من الإنجازات فى المنطقة وأن الإدارة المقبلة أمامها تحديات كبيرة. وبرغم التباينات بين ميلر وبروس وسلافين ودوركين حول الأولويات ومدى سهولة أو صعوبة إحياء الاتفاق النووى الإيرانى، يتفق الخبراء الأربعة، على أن الاسترايجية الأمريكية فى الشرق الأوسط تحتاج إلى إعادة مراجعة فورية، سواء فى ظل رئاسة ترامب أو بايدن. فخلال العقدين الماضيين تدهورت الأوضاع فى المنطقة لمستويات غير مسبوقة مع «تضعضع» دول كبرى بالمنطقة على رأسها العراقوسوريا بسبب عدم وجود استراييجية أمريكية واضحة. كما تدهورت الأوضاع فى اليمن وليبيا. وبالنسبة لمتابعى شئون المنطقة، ف الشرق الأوسط فى سباق مع الزمن لوقف التدهور، الذى أدى لضياع أجيال من الثروة البشرية وعطل استثمارات ومبادرات تنموية فى المنطقة. وفى رأى كثير من خبراء الشرق الأوسط ، فإنه حتى دول المنطقة ذاتها بدأت تدرك أهمية تغيير النهج الحالى، فدول عدة كانت مصممة على إسقاط حكم الرئيس السورى بشار الأسد ودعمت تنظيمات المعارضة لسنوات، تراجعت الآن عن ذلك النهج وأعادت فتح سفاراتها فى دمشق. كما أن عدة دول خليجية فتحت قنوات اتصال مع إيران خلال الأشهر القليلة الماضية، تحسبا لولاية ثانية لترامب يقوم خلالها بعمل عسكرى ضد إيران، فتلك الدول لا تريد أن تكون فى الخط الأمامى لمواجهة بين طهرانوواشنطن. وأيضا تحسبا لبيت أبيض بقيادة بايدن يقوم فيه بإحياء الاتفاق النووى، فتحت دول خليجية قنوات حوار مع طهران لأنها لا تريد أن تقف على طرف نقيض مع ساكن البيت الأبيض، خاصة أن المنطقة تواجه عدوا أكثر شراسة وضررا وهو تركيا. ويتفق الخبراء الأربعة على أنه بينما استثمرت روسياوتركيا عسكريا فى سوريا، فليس لدى أى منهما استراتيجية شاملة للحل هناك. ولحماية سوريا من التفكك والانهيار يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة مع الاتحاد الأوروبى ودول إقليمية كبيرة، دائما ما اعتمدت عليها الإدارات الأمريكية المختلفة خاصة من الحزب الديمقراطى، أن يلعبوا جميعا دورا مضادا لوقف التدهور فى المنطقة. لأنه إذا تُرك الحل فى سوريالروسياوتركياوإيران فقد يطول الصراع وقد لا يتم حله أبدًا. فتركيا مصممة على الحفاظ على الوضع الراهن فى سوريا حتى يتم العثور على حل سياسى يتضمن سيطرتها على الحدود الشمالية لسوريا، وبناء حكم ذاتى فى إدلب. كما أن النظام التركى يتعامل بشكل متزايد مع العناصر المتطرفة فى سوريا، خاصة فى محافظة إدلب. وهذا كله يشكل خطرا ليس فقط على أمن المنطقة، بل على الأمن العالمى. ولوح مستشارو حملة بايدن لشئون الشرق الأوسط ، بأن بايدن إذا انتخب سيحرك عقوبات أمريكية ضد تركيا بسبب شراء أنقرة صواريخ «إس» 400 الروسية، التى تقول واشنطن إنها تعرض دفاعات الناتو للخطر. وقللت تركيا من شأن احتمالات فرض عقوبات عليها، ووعدت بفرض عقوبات مضادة وهذا يعنى أن العلاقات بين أنقرةوواشنطن فى حالة فوز بايدن ستواجه مطبات كبيرة. إذن تمثل الانتخابات الأمريكية دائما مفترق طرق بالنسبة للمنطقة. وكما يرى دوركين فإن إعادة انتخاب ترامب ستؤدى لاستمرار الاتجاهات الحالية التى كانت فى صالح إسرائيل إلى حد كبير. أما أكبر الخاسرين فلا شك سيكون إيران. لكن أيضا دول المنطقة التى تريد سياسة أمريكية لها ملامح واضحة ويمكن الاعتماد عليها. ومع ذلك فإن بايدن إذا انتخب لن يستطيع النكوص عن سياسات ترامب فيما يتعلق بعدة ملفات على رأسها الاعتراف بالقدس كعاصمة لإسرائيل بسبب قوة اللوبى اليهودى فى أمريكا. فكيف يرى هؤلاء الخبراء المنطقة وتوقعاتهم للأربعة أعوام المقبلة خاصة إذا كانت هناك إدارة أمريكية جديدة؟ نقلا عن صحيفة الأهرام