التعامل مع إدارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب سيكون مليئا بالألغام لأصدقاء أمريكا وأعدائها على السواء. فقد ألغى عمليا عبر «توتير» لقاء بينه وبين الرئيس المكسيكى إنريكه بينيا نييتو فى واشنطن بعدما أعلن من جانب واحد بدء بناء الحائط بين أمريكاوالمكسيك. وأنهى مكالمة عصبية حادة مع رئيس وزراء استراليا مالكولم تورنبول بسبب رفض ترامب تنفيذ اتفاق سابق ينص على استقبال أمريكا 1200 لاجئ من استراليا. سياسات ترامب فى الشرق الأوسط لم تتضح بعد. وكل الملفات مفتوحة على الشيء ونقيضه. وتحولات سياسة ترامب فى المنطقة، سيبلورها إلى حد كبير نوع العلاقات بين أمريكاوروسيا. ويقول أرون ديفيد ميلر الذى عمل مستشارا ل6 وزراء خارجية أمريكية لشئون الشرق الأوسط وكان مفاوضا فى عملية السلام خلال إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون فى حوار مع «الأهرام» إن علاقات تفاهم ودية مع موسكو، سيترتب عليها نتائج مختلفة جذريا عن علاقات تصادمية متوترة. ويتوقع ميلر، الذى يشغل حاليا منصب نائب رئيس مركز وودرو ويلسون الدولى فى واشنطن، تصعيدا فى العلاقات الأمريكية -الإيرانية. ولأن الكثير فى المنطقة سيعتمد على مسار العلاقات الأمريكية -الروسية. فإن مراقبة كيف ستتطور هذه العلاقات خلال ولاية ترامب يصبح أمرا ضروريا. فيما يلى نص الحوار: تصريحات وتصرفات ترامب وبعض مستشاريه المقربين تلقى بظلال من الشك على سياساته حيال الصراع العربى -الإسرائيلي. فهل إدارة ترامب ما زالت ملتزمة بحل الدولتين؟ أعتقد أنه لو وجه السؤال إلى إدارة ترامب حول ما إذا كانت تؤمن بحل الدولتين، الإجابة ستكون: نعم. لكن هذا ليس مؤشرا على حجم الالتزام الذى ستظهره الإدارة إزاء حل الدولتين. أعتقد أننا سنشهد تحولا كبيرا من جانب الإدارة الجديدة لن تضغط فيه واشنطن على اسرائيل من أجل بدء المفاوضات، ولن تضغط من أجل وقف الأنشطة الاستيطانية، ولن تأخذ عملية السلام بجدية الإدارة السابقة. والسؤال هو: إلى أى مدى ستصمت أمريكا إزاء التحركات أحادية الجانب لإسرائيل على الأرض؟. فإدارة ترامب عندما سئلت: هل سيتم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، قال المتحدث باسم البيت الأبيض: «ترقبوا اعلانا». ما يعنيه هذا ما زال غير واضح . لكن نقل السفارة المحتمل ومجمل انحياز إدارة ترامب لإسرائيل ستكون آثاره سلبية على كل الشرق الأوسط؟ فى اعتقادى أن نقل السفارة الأمريكية إلى القدس يضع المصالح الأمريكية فى المرتبة الأخيرة. فمن الصعب رؤية المصلحة القومية الأمريكية التى تبرر خطوة بهذا الحجم تفوق المخاطر المرتبة عليها. وطبعا هناك مخاطر. ومن المرجح أن يكون هناك المزيد من العنف. لكن هل هذا سيدفع الفلسطينيين والإسرائيليين لإتخاذ القرارات التى يترددون فى اتخاذها. أنا لا أعتقد هذا. القيادة الفلسطينية منقسمة بشكل جذري. والرئيس محمود عباس مقيد. كان هناك محادثات حكومة وحدة وطنية فى موسكو برعاية روسية. لكن لو لم تكن حكومة الوحدة الوطنية تعنى سلاحا واحدا وفريقا تفاوضيا واحدا وموقفا تفاوضيا واحدا، فإنها ليست حكومة وحدة. على الجانب الإسرائيلى لديك رئيس وزراء، بنيامين نيتانياهو، ايديولوجيته وسياساته تسير على الضد من اتخاذ القرارات المقبولة فلسطينيا فيما يتعلق بالأمن والحدود والقدس واللاجئين وقضايا أخري. السياسات الأمريكية حيال إيران دائما ما ساهمت فى تحديد وجه التطورات فى الشرق الأوسط، فكيف ترى سياسات ترامب تجاه إيران؟ أولا لدى ترامب ثلاثة خيارات فيما يتعلق بالاتفاق النووى مع إيران. الخيار الأول إلغاء الاتفاق النووى من جانب واحد. الخيار الثانى محاولة إعادة التفاوض على الاتفاق مع إيران وباقى دول 5 زائد 1. والخيار الثالث إجراء مراجعة لمحاولة تشديد إجراءات تنفيذ الاتفاق. أعتقد انه سيحافظ على الاتفاق النووى مع إيران، لكن الكثير من العوامل تشير إلى ان الاتفاق سيكون فى خطر فى كل الحالات وذلك لعدة أسباب. أولا: سلوك إيران فى المنطقة والذى قد يقود إلى رد فعل صارم من ترامب أكثر مما كان عليه الوضع خلال إدارة اوباما. ثانيا: طبيعة الاتفاق نفسه. فالاتفاق يحتاج إلى قدر هائل من الانتباه والمراقبة. وبينما أعتقد انه لن تكون هناك حاجة ملحة للتحرك ضد الاتفاق. فالاتفاق يتطلب جهدا لأنه سياسيا لا يحظى بشعبية كبيرة. فهو غير شعبى فى أمريكا، بالذات فى الكونجرس. كما أنه لا يحظى بشعبية وسط اثنين أو ثلاثة من حلفاء أمريكا فى الشرق الاوسط وهم إسرائيل والسعودية والامارات. وهو لا يحظى بالشعبية وسط الدوائر المحافظة فى بنية النظام الإيراني. وأعتقد أنه بدون جهد وإرادة من إدارة ترامب للحفاظ على الاتفاق، فإنه سيكون فى خطر. العلاقات بين أمريكاوإيران أوسع من الملف النووي. هل ترى امكانية انخراط بينهما فى قضايا مثل سورياوالعراق والحرب ضد داعش من أجل الحد من التوتر فى المنطقة؟ العلاقات بين إيرانوأمريكا مقيدة ومحاصرة للعديد من الأسباب. فحتى خلال إدارة أوباما، كان هناك إدراك ان الاتفاق النووى هو فقط اتفاق للحد من انتشار التسلح ولن يغير جوهريا من طبيعة العلاقات الثنائية بين البلدين. فهناك العديد من العوامل التى تقف أمام العلاقات بين طهرانوواشنطن. منها طبيعة النظام الإيرانى وسجله فيما يتعلق بالديمقراطية وحقوق الانسان. وهناك سلوك إيران فى المنطقة، فى سوريا واليمن وحتى العراق. ودعم طهران لحزب الله. وبالتالى لا أرى أن إدارة ترامب ستبذل جهدا للانخراط بجدية مع طهران على المستوى الثنائي. كيف ترى سياسة ترامب حيال سوريا؟ سياسة ترامب حيال سوريا تعنى قتال داعش، وترك الباقى للأسد وإيران. فإدارة ترامب لن تحاول، كما سعت إدارة أوباما، للتوصل إلى تسوية سياسية تجبر الأسد على ترك السلطة. سياسة ترامب سوف تذعن للأهداف الروسية، التى تتفق الآن مع الأهداف الإيرانية وهى الحفاظ على الأسد فى السلطة. فترامب سيعطى روسيا الأزمة السورية كمقاولة من الخارج للتوصل لأى تسوية سياسية يعتقد الروس أنها ملائمة. فالإدارة الأمريكية ستركز على داعش وليس على الأسد. هذا يعنى أن الصراع فى سوريا سيستمر لكن بمستوى أقل بكثير. وفقا لهذا لا يجب على المعارضة السورية توقع الحصول على دعم من إدارة ترامب؟ هذا سؤال مثير للاهتمام. فالاستخبارات الأمريكية تدير برنامج ميزانيته مليار دولار لمساعدة المعارضة السورية. ولا ندرى موقف إدارة ترامب من استمرار هذا البرنامج. ربما يقررون وقف البرنامج لأنه يتعارض مع ما يحاول الروس إنجازه فى سوريا. وربما يواصلون البرنامج لإستخدامه كورقة نفوذ ضد الروس. فى هذه المرحلة من المستحيل معرفة ماذا سيحدث للبرنامج. لكن الحقيقة ان برنامج دعم المعارضة السورية لم ينجح. ما هو تقييمك لتشكيلة الإدارة الأمريكية؟ التعيينات فيما يتعلق بالأمن القومى ووزيرى الدفاع جيمس ماتيس، والخارجية ريكس تيلرسون جيدة، وتؤشر إلى مواقف أكثر واقعية من مواقف ترامب خلال الحملة الانتخابية. أعتقد أنه سيكون هناك نقاش داخل الإدارة وأعتقد أن الكثير من المواقف التى اتخذها ترامب فيما يتعلق بحلف شمال الأطلسى والاتفاق النووى مع إيران على سبيل المثال قد تتغير إلى حد كبير بسبب مستشاريه المستعدين لإعطاء وجهات نظر مختلفة. لكن التحديات كبيرة أيضا. ففى وزارة الخارجية، على تيلرسون ليس فقط التعامل فى وزارة خارجية وسط أجواء محبطة بعد استقالة المئات من موظفيها الكبار احتجاجا على سياسات ترامب، بل والوصول إلى أذن الرئيس للتأثير عليه. فترامب لديه فريق استشارى نافذ جدا، مدير الأمن القومى الأمريكى مايك فلين، ومستشاريه جارد كوشنير وستيف بانون وكيلى كونواي، وكلهم يتصرفون دون التزام بالتقاليد الدبلوماسية المتعارف عليها، وكلهم أقرب للرئيس. وعلى تيلرسون بعدما صدق الكونجرس على تعيينه البدء فورا. ففى الأسبوعين الماضيين اتخذت الكثير من المبادرات السياسية المتعلقة بالهجرة وإيران التى حددت لهجة واشنطن وصورتها ومصالحها. كما توترت العلاقات مع المكسيكواستراليا، وأرسل ترامب إشارات للروس حول سياساته المستقبلية فى سوريا كل هذا بدون انخراط وزارة الخارجية. وعلى تيلرسون العمل من أجل تغيير وضبط هذه السياسات.