لا يمكن لمنصف أيا كان أن ينكر حجم المصاعب التي تتعرض لها مصر في الآونة الأخيرة أو يتجاهل آثارها على الاقتصاد المصري، فكل دول العالم بما فيها الأشد ثراء، مثل دول النفط تعاني عجزًا ماليًا كبيرًا، اضطر بعضها إلى الاقتراض أو تأجيل مشروعات، وبعضها عدل من خططه الاقتصادية، وفرض ضرائب ثقيلة مست المواطنين من الموظفين إلى كبار رجال الأعمال، ومن لم يدفع من منطلق الوطنية والتقدير لبلده الذي جعله من كبار رجال الأعمال، فقد اضطر إلى الدفع بالقوانين و مراجعة مصادر الثروات ، فالأزمة عنيفة وهزت أكبر اقتصادات العالم من الولاياتالمتحدة وأوروبا حتى اليابانوالصين وكوريا، ومن أكبر الدول إلى أفقر دول العالم في قلب إفريقيا ودول آسيا وأمريكا الجنوبية. ولأن الأزمة عنيفة والشعوب قدرتها على التحمل محدودة، فقد ظهرت بعض علامات الغضب في العديد من الدول، وأشدها عنفًا واتساعًا وقع في دول أمريكا الجنوبية، ف وباء كورونا شل الاقتصاد العالمي وجعل الإنتاج يتراجع بمعدلات خطيرة، والعلاج والصحة التهما نصيبًا كبيرًا من الموازنات المالية لكل الدول. وعندما يأتي الشلل الاقتصادي مصحوبا بمعدلات إنفاق عالية مع اضطرابات سياسية واجتماعية، فإننا نصبح مع كارثة لم تنجح أقوى الدول في مواجهتها. فالولاياتالمتحدةالأمريكية التي يصل ناتجها القومي إلى ما يقرب من 20 تريليون دولار، تراجع ناتجها إلى أقل من 16 تريليون دولار، والبطالة تضاعفت إلى حافة الخمسين مليون عاطل، يكلفون الدولة مبالغ باهظة، وشركات كثيرة أعلنت الإفلاس أو خفَّضت من أعداد العمالة وحجم الإنتاج؛ لأن هناك سبعة ملايين من المصابين، وأكثر منهم معرضون للإصابة حتى الدول التي استطاعت أن تنجو نسبيًا من معدلات الإصابة الخطيرة بالجائحة، مثل الصين وكوريا وألمانيا واليابان لم تتمكن من تجنب الأزمة العنيفة، فإنتاجها لا يجد من يشتريه، لأن معظم الدول بين إفلاس وطلبات قروض وخفض في الإنفاق، وأخرى على حافة الإفلاس التام. والأسوأ أن الأزمات العالمية لم تهدأ برغم الجائحة التي هبت على العالم من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، فلا توجد دولة ناجية من تلك الأزمة الاقتصادية والصحية والاجتماعية التي لم يشهد لها العالم مثيلا. نأتي إلى مصر ونتحدث بشفافية ووضوح عن أوضاعنا وكيف تصرفت قيادتنا السياسية مع هذا الخطر الجامح، فكانت البداية بمحاولة طمأنة الناس حتى لا يكون الذعر أداة هدم، وهو أكثر خطورة، فالشخص المذعور لا يمكن أن ينجو بنفسه ولا مساعدة المقربين منه، بل يصيبهم بعدوي الذعر، وقد رأينا دولًا تهتز من مجرد شائعات حول اقتصادها أو عملتها أو أمنها، فماذا سيكون الحال لو سمحنا للذعر بأن يسيطر على قراراتنا؟ قيادتنا السياسية بفضل حكمة الرئيس عبدالفتاح السيسي أسرعت بتشكيل لجنة لإدارة الأزمة، راعت التوازن بين الجهد الممكن لمواجهة الجائحة، دون أن نصل إلى حد الذعر الذي يمكن أن تكون آثاره ونتائجه أكثر تخريبًا من الوباء نفسه. وبدأت عمليات الوقاية والعلاج تتم بخطوات هادئة ومدروسة، بالتعاون مع باقي دول العالم ومنظمة الصحة العالمية، وتبادل المعلومات حول جائحة لا يعرف العلماء في أكبر المختبرات العالمية عنها شيئًا، لدرجة خروج تعليمات وبيانات متضاربة حول الأعراض والآثار الجانبية. لا يمكن إنكار الجهد الذي بذلته الدولة في مواجهة هذا الوباء الخطير، لكنها كانت لا تبالغ في تسليط الضوء على جهودها، حتى تتجنب إثارة الرعب، فكانت توفر الأدوية، وتقلل من الزحام، وتخفض أعداد العاملين في الكثير من الشركات الصناعية والخدمية، وهو ما لمسناه جميعًا، لولا بعض التجاوزات الناجمة عن قلة وعي بعض المواطنين، أو عدم تقديرهم حجم المخاطر. أما الآثار الاقتصادية لهذه الجائحة فلم تكن أقل خطورة، فالقطاعات المتأثرة بالجائحة كانت ضخمة للغاية، ولا أبالغ إذا قلت إنها كانت أفدح مما تصور كثيرون، فلم تقتصر على قطاعات إنتاجية وخدمية توقفت كليًا أو جزئيًا، مع خفض ساعات العمل، بل تم حظر التجوال في بعض الأوقات والمناطق لفترات طويلة؛ بل جاء التأثير الأكبر من عوامل إضافية، أهمها أن عوائد المصريين العاملين في الخارج تراجعت بشدة، فهؤلاء كانوا يعانون مرارة البطالة والغربة عن الوطن، ويحتاجون إلى تكاليف كبيرة في الوقاية والعلاج، مما أثر على تلك العوائد التي هي من أهم أعمدة الاقتصاد المصري. أما الضربة الأقوى فكانت للسياحة وفي مقتل، فشركات الطيران توقفت، وجرى منع التنقل بين معظم الدول، حتى الحالات الطارئة كان يجري احتجازها في الحجر الصحي بأنواعه ودرجاته، ولا يمكن تصور إمكان تشغيل السياحة في ظل تلك الظروف، وهذا لم يخص مصر وحدها، بل كل البلدان المعتمدة على السياحة بمعدلات تفوق مصر بكثير، وهناك دول لولا تدفق مساعدات ضخمة وعاجلة إليها، لظلت عاجزة عن تسيير أمورها. وبدأت بعض العمالة في العودة من البلدان التي ضربتها الجائحة بقوة، منها دول الخليج وأوروبا الغربية وغيرها، لتزداد الأزمة صعوبة، ومع كل هذه العوامل ظلت مصر واقفة على قدميها بثبات، بفضل الكثير من القطاعات، وفي مقدمتها القوات المسلحة التي لا يخفى على أحد ما تفعله وتقدمه في مختلف المجالات الإنتاجية والصحية، وكان أطباؤها كتفًا بكتف مع أطباء مصر وأطقم تمريضها كذلك، يسعون إلى توفير كل ما يمكن تقديمه من أدوية وخدمات ومراكز صحية وعلاجية. في ظل هذه الأزمة التي لم تتمكن الدول العظمى من التغلب عليها وعانت شعوبها وخرجت في مظاهرات واضطرابات، كان الشعب المصري يعيش حياة شبه طبيعية، وبرغم أن الأزمة قوية وغير مسبوقة في العالم كله، وكان علينا أن نبحث عن مصادر تمويل والتقليل من الاقتراض، هنا كانت أمام قيادتنا السياسية عدة سبل، منها رفع أسعار الأغذية والأدوية والمعدات الطبية، وهو خيار تم رفضه؛ لأنه سيؤثر على قطاع كبير من الشعب، أو زيادة الضرائب على رجال الصناعة ومختلف الأعمال في توقيت يعانون فيه خسائر كبيرة، ستضطرهم إلى الاستغناء عن أعداد أكبر من العاملين، ويمكن أن يصل الأمر إلى الإغلاق التام لشركاتهم. كانت البدائل كلها سيئة، وتزيد من شدة الأزمة، في الوقت الذي كانت فيه إثيوبيا تستغل الأوضاع وتحاول تثبيت أمر واقع يلحق الضرر بحقوقنا في المياه. وكان ملف الاعتداء على الأراضي الزراعية قد تضخم بشكل خطير يهدد أكبر ثروة تركها لنا أجدادنا من أكثر الأراضي خصوبة في العالم، وتشكلت من طبقات طمي متراكمة عبر آلاف السنين، ونحن نبورها ونبدد مصدر أرزاقنا وطعامنا اليومى. كان لابد من فتح هذا الملف الذي يضم نحو نصف مساكن مصر المبنية دون تخطيط أو ترخيص، وتحولت إلى مصدر نهب منظم، وكان لابد من مواجهة هذا الخطر. استغلت جماعة الأشرار قرار هدم المباني المخالفة تطبيقًا للقانون، ووجدته فرصة للتهييج وإثارة الفزع، فنصف مساكن مصر تقريبًا بلا تراخيص مكتملة، فكثفوا من حملاتهم بصور وفيديوهات وحملات دعائية من الواضح أنها كانت تتلقى دعمًا كبيرًا، لبث الشائعات باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي ونشر صور معدات الهدم التي تتكرر في قنواتهم، وتعطي شعورًا زائفًا بأن مصر كلها تتعرض للهدم، برغم أن عدد المساكن التي تم تنفيذ هدمها لا يزيد على العشرات، ومع ذلك واصلت تلك الجماعة والدول الداعمة لها حملات تهييج في ظل تلك الأزمة، وراحت تثير جموع السكان، وبرغم تجمع كل تلك الأزمات في توقيت واحد فإن الجماعة فشلت في مكيدتها، واضطرت إلى بث مقاطع من مظاهرات قديمة تعود إلى الفترة ما بين 2011 و4 201، وتدعي أنها منتشرة في جميع أنحاء مصر، وتدعو الشعب إلى أعمال تخريب واضطرابات. وبرغم كل ذلك فشلت كل جهود تلك الجماعة والدول المحركة لها، وهو ما يؤكد أن الشعب المصري يتمتع بوعي شديد، ويدرك حجم الأزمة، ويثق في قيادته السياسية، وفي المقابل فإن إدراكه بما يحاك له لإغراقه في دائرة الفوضى جعله لا ينساق وراء تلك الجماعة التي لا تجلب سوى الخراب، ويدرك أن مصر تخطو بنجاح نحو تجاوز الأزمة، وأنها في الطريق الصحيح نحو البناء والتنمية. * نقلًا عن صحيفة الأهرام