فى معظم الأحيان لا نرى غير الوجه الجاد ل رجال الشرطة يوقفون السيارات فى الأكمنة الأمنية للتفتيش على رخص السيارات والقيادة ويوقفون المشتبه بهم، وترتبط صورتهم بالحوادث والمواقف الصعبة والمؤلمة، فنلقى عليهم اللوم فى أى خطأ أو حادثة، فهم أول من يأتون ويتصدرون المشاهد فى الظروف الصعبة، ولأن التحقيقات فى أى حادث تستوجب التحقيق مع جميع المشتبه بهم، فنلقى عليهم أحيانا باللوم إذا أوقفوا مشتبها لم يثبت تورطه بعد، ولا ندرك أن طبيعة عمل رجال الشرطة تتطلب منهم أن يوسعوا دائرة الاشتباه والتحقيقات والشكوك وإلا ما توصلوا إلى الحقيقة. وعندما نرتكب خطأ ما وتفرض علينا الشرطة غرامة، فإننا نختلق المبررات والأعذار لأنفسنا ونلقى باللوم عليهم، لكننا لا بد أن نقدر أنهم ينفذون القانون، فمثلا عندما يجلس باعة جائلون على الأرصفة المخصصة للمشاة أو حتى وسط الشوارع فيرى بعض المتعاطفين أنهم فقراء يبحثون عن الرزق ولا داعى لطردهم، لكن يرى آخرون أن هناك شوارع احتلها الباعة وتم إغلاقها تماما، فأصابها الشلل والفوضى ومن ثم أعمال البلطجة، وعندئذ نبحث عن الشرطة ونطالبها بتنفيذ القانون لأننا تعاطفنا مع بعض البائعين من البداية. فالشرطة هى الملاذ الأخير للمواطن لحمايته من مثل هذه السلوكيات الضارة، وهى أيضا الشماعة التى نعلق عليها جميع أخطائنا، لكنهم يتحملون فى صبر اعتادوه، فهم يتعاملون مع كل أنواع البشر من أعتى المجرمين إلى الأبرياء وكبار المسئولين. ونجدهم أثناء أى كارثة أو حادث خطير يتعاملون بمنتهى الجدية والتفانى. لقد شعرنا بأهمية الشرطة عقب أحداث 28 يناير 2011 عندما انسحبت الشرطة من الشوارع والميادين لتجنب سقوط الكثير من الضحايا، فهى كانت قادرة على التصدى للتجمعات الكبيرة، لكن كان ذلك سيكلفنا الكثير من الأرواح البريئة خصوصا أن المطالب التف حولها أناس لا ذنب لهم إلا نواياهم الحسنة التى استغلتها جماعات الشر واتضح لهم فيما بعد خطورة ما كانت تخطط له تلك الجماعات. وبعد ذلك حدثت أعمال البلطجة وانتشر الخوف وقَطع الطرق عندها أدركنا أهمية وجود رجال الشرطة فى حياتنا، فقد عشنا أياما طويلة من الخوف والرعب على أرواحنا وأهلنا وممتلكاتنا وتمنينا أن يعود الأمان بعد أن افتقدنا الجانب المهم والضرورى ل رجال الشرطة ، فى الوقت الذى لم يكن لدى جهاز الشرطة سوى أدوات وطرق تقليدية ورثها واعتاد عليها لسنوات وأزمنة طويلة وكانت تناسب عصرا بسيطا يسهل فيه معرفة المجرم والمشتبه بهم بما يناسب تعداد سكان مصر الذى كان قليلا، فلم تكن الأعداد بمثل هذا التكدس ولم تكن الجرائم بمثل هذا التنوع والاتساع فى استخدام التقنيات ووسائل الاتصال الحديثة. كل هذا والإمكانات المتوافرة ل رجال الشرطة محدودة والرواتب قليلة والإغراءات كثيرة مما شكل عبئا ثقيلا على رجال الشرطة الشرفاء، لكن جهاز الشرطة الذى يظللنا بالأمان ظل يعمل أفراده بالأمانة والنزاهة والشرف من أجل أن ننعم بحياة هانئة ويحمينا من كل مكروه بمنتهى الشفافية. ولقد تابعت عن كثب تلك النقلة النوعية الهائلة فى أدوات وتأهيل رجال الشرطة وتوسيع عملية الرقمنة والتطور التكنولوجى الهائل، الذى يسير جنبا إلى جنب مع عملية التطوير الإدارى التى انعكست بالفعل على سرعة وسهولة ودقة العمل الشرطي، بما يحسن من مستوى أداء وسرعة الخدمات ودقة التحريات والمعلومات، فقد أصبح لدى جهاز الشرطة أدوات وطرق لجمع المعلومات مما يسهل التحريات، إلى جانب تقديم الخدمات للجماهير بسرعة ويسر، مثل تجديد التراخيص المرورية واستخراج البطاقات وجوازات السفر وغيرها من الخدمات المتصلة بملايين الناس، وكانت تشكل عبئا ثقيلا على الطرفين. أما فى مجال متابعة الجريمة، فهناك عمل دءوب يلاحق التطورات السريعة فى عالم الجريمة، التى أصبحت مترابطة مع الخارج خصوصا فى مجال الاتصالات والمعلومات و جرائم الإنترنت وعمليات النصب الدولية و سرقات الآثار وغيرها من الجرائم ذات الطابع الدولى، مع التوسع فى إنشاء معامل البحث الجنائى المتطورة ومراكز المعلومات الحديثة والمترابطة فى الوقت الذى يجرى فيه رفع مستوى التأهيل لجميع الضباط والأفراد. وقد لمسنا بشائر تلك النقلة النوعية المهمة فى الكثير من الخدمات إلى جانب الوجود الشرطى المتحرك وسرعة وصول سيارات النجدة والتطوير فى أقسام الشرطة ومراكز الخدمات المرورية وغيرها، لتكون الخدمات الشرطية على أعلى مستوى وتعزز من العلاقة بين المواطن والشرطة لتثبت ركائز الاحترام المتبادل، فهم متواجدون أثناء حظر التجوال وعند تفشى الوباء أو أى مخاطر أو أعمال بلطجة، معرضين أنفسهم لمخاطر شتى دون تذمر أو شكوى من وجودهم فى الشوارع حتى فى أشد فترات الحر الشديد أو البرودة القارسة التى لا يمكن احتمالها. ليجد المواطن فى الشرطة ملاذه وحمايته، وهى الصورة الحقيقية ل رجال الشرطة ، والتى حاول أهل الشر تخريبها بشتى الطرق، لكن ما حدث من نجاحات حققتها أجهزة الأمن فى الوقاية من الجريمة أو الكفاءة فى ضبطها بالسرعة والدقة المتناهية أحبط تلك المؤامرة التى استهدفت الوقيعة بين الشعب والمؤسسة الأمنية الوطنية التى لها أهميتها الكبيرة فى استقرار وحماية الدولة وتوفير الأمن للشعب بمختلف فئاته. ولهذا كانت سعادتى لا توصف وأنا أتابع تلك القفزات الكبيرة المذهلة التى جرت وتتواصل بكل جدية واهتمام من جانب القيادة السياسية والقيادات الأمنية، لتكون مصر قادرة على مواجهة أى تحديات فى ظل الأوضاع الإقليمية والدولية المضطربة. خطوة للانتصار لقيم الجدية بالجامعات موافقة مجلس الوزراء على مشروع قانون يقضى بتحميل الطالب الراسب فى الجامعات جزءا من الرسوم الدراسية، له عدة غايات مهمة، أولاها أن يجعل الطالب منتبها لأهمية التعليم، وأن رسوبه يشكل عبئا عليه وعلى أسرته، وليس على الدولة فقط، وهو ما يجعله أكثر جدية فى متابعة دروسه والحرص على التفوق أو على الأقل عدم الرسوب، حتى لا يُحمِّل عائلته عبئا إضافيا بسبب رسوبه، وهناك فئة من الطلاب ليست جادة فى دراستها ولا يهمها أن ترسب أكثر من مرة ما دامت مصروفات الجامعة زهيدة وتتحملها الدولة، فتؤجل الكثير من المواد وتقضى وقتها فى اللهو على المقاهي، وهذا القانون سيضع حدا للتكاسل ويدفع الطلاب إلى متابعة المواد والحضور بدرجة أفضل. والغاية الثانية هى أنه سيرفع عن كاهل الدولة بعض النفقات التى يمكن توجيهها لتطوير الكليات والجامعات ومساعدة الفئات الفقيرة من الطلاب، ودعم المتفوقين والنابغين. أما الثالثة، فهى إنجاز الطلاب لمرحلتهم التعليمية فى وقت أقصر بسبب الجدية والاهتمام بالحضور والتدريب مما سيوفر مقاعد لعدد أكبر من الطلاب للالتحاق بالجامعة لتعم الفائدة قاعدة أوسع من الطلبة، وأن يصبح التنافس على التفوق سمة فى جامعاتنا والقضاء على استهتار البعض ودفعهم إلى الإنجاز والاهتمام بعدم إضاعة سنوات من عمرهم ويرسخ قيم الجدية والمثابرة. لكن علينا أن نأخذ فى الحسبان الظروف الاستثنائية التى يمكن أن يمر بها بعض الطلاب، سواء كانت صحية أو اجتماعية، فالإنسانية والرحمة من أهم المبادئ التى نحرص عليها إلى جانب الحث على العلم والمثابرة والتفوق، فهناك على سبيل المثال شريحة من الطلاب تعمل إلى جانب الدراسة، فيمكن أن يتيح لها القانون وقف قيدها بالجامعة للالتحاق بسوق العمل والعودة إلى الجامعة فى الوقت المناسب، كما يحدث فى العديد من الجامعات العالمية. * نقلًا عن صحيفة الأهرام