تحرص الأمم الإنسانية منذ القدم على وجود الدولة وضرورة بنائها وسلامة أركانها وتحقيق أمنها وأهدافها واستقرار مسيرتها العمرانية والحضارية، ومواجهة الأزمات والكوارث واحتوائها بشتى أنواعها، وتأمين مصالحها، وحمايتها من الأخطار والتحديات القائمة والمحتملة داخليًّا وخارجيًّا. وهى محددات ضرورية جامعة يشملها مفهوم « الأمن القومي » عبر دوائر ثلاث: فالدائرة المحلية يراعى فيها التحديات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والسياسية والأمنية بما يفى باحتياجات الشعب وأهدافه ومتطلباته الغذائية والتعليمية والعلاجية والخدمية، ويراعى فى الدائرة الإقليمية تأمين الموارد والحدود الجغرافية والسياسية برًّا وبحرًا وجوًّا بشكل مباشر، وفى الدائرة العالمية يتم التعامل مع الأخطار ومراعاة مختلف المتغيرات التي تؤثر على ذلك سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. ولا شك فى أن وطننا الغالى مصر يواجه منذ عام 2011م تحديات متنوعة وخطيرة ذات أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية بما شكل تهديدًا حقيقيًّا للدولة المصرية ومؤسساتها ومسيرتها نحو التقدم والرخاء والتنمية، وهو أمر قد أصبح جليًّا لدى جماهير الشعب المصرى خاصة بعد تولى جماعة الإخوان السلطة والحكم؛ حيث انحطَّت هذه الجماعة بالبلاد إلى منحنى شديد الخطورة على أمنها ووحدتها الوطنية، ولم يعد هناك لأحد القدرة على مراجعتها في سياساتها؛ لتسلطها على مؤسسات التشريع والقضاء حتى صارت خصمًا وحكمًا فى آن واحد! وهنا أدرك الشعب المصرى الخطر الداهم فأعلن فى 30 يونيو 2013م بمختلف طوائفه واتجاهاته خطورة استمرار هذا الفصيل فى الحكم، وسعت جماهيره إلى خلعه والمطالبة بعزله، فانحاز الجيش المصرى إلى إرادة الشعب وترجم عنها بإعلان « خريطة طريق » لاحتواء الأزمة؛ لكن واجهت الجماعة إرادة أهل مصر بالإرهاب والعنف، قتلًا لرجال الجيش والشرطة، وتدميرًا لأقسام الشرطة، وإفسادًا للممتلكات العامة والخاصة، وتخريبًا لمساجد مصر، وحرقًا لكنائسها، ونهبًا لمتاحفها، وحرقًا لمكتباتها، وكذبًا على العامة والخاصة، واستقواء بالخارج. وهى جرائم شنيعة تظل شاهدة بحق عبر التاريخ أن هذه الجماعة لا يصلح أفرادها للحكم وليسوا رجالَ دولةٍ، فضلًا عن أن يكونوا قادة أمة، وأن قوتهم تكمن فى التدمير لا فى التعمير، وأنهم يحسنون العمل فى الفوضى ويتقنون التشغيب والهرج والإثارة، على حساب الإنارة والعمارة وحسن الإدارة. وبعدما أذن الله تعالى برفع الغمة سارت الأمة المصرية خلال سبعة أعوام مرت على ثورة 30 يونيو المجيدة عبر مسار منظم، وخطة حكيمة استعادت فيها –بفضل أبنائها المخلصين- هيبة الدولة وسلامة أركانها، وخاضت فيها معارك متواصلة فى مواجهة الإرهاب والجماعات المتطرفة، وقامت بشكل مواز بإصلاحات حقيقية وواقعية وصلت إلى الجذور ولم تكتف بالقشور من أجل تحقيق البناء والعمران والتنمية فى سائر ربوع مصر المحروسة. لقد تحطمت كل التحديات الجسيمة على صخرة إرادة الشعب المصرى العظيم الذى تكاتف مع قيادته وجيشه ومؤسساته الوطنية، من أجل تحقيق الأهداف السامية، التي من أهمها واولاها: حماية الأديان وصيانة الأوطان واستقرار المجتمعات، مصداقًا لقول الله تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، وقوله تعالى: (إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ). إننا فى هذه المرحلة العصيبة من عمر الوطن نهيب بشعب مصر العظيم استلهام هذه الروح الأبية، وتلك الإرادة القوية، التى بذلها خالصة فى سبيل وطنه خلال ثورة 30 يونيو 2013م وما بعدها، وأن يقف بلا خوف فى الصف الأول من صفوف حماية الوطن والدفاع عن أمنه وسلامته ضد المخاطر المحدقة به؛ لأن من يقف على الحياد من قضايا وطنه فى أوقات الأزمات والتحديات لا يستحق شرف الانتماء لهذا الوطن، فلا حياد فى القضايا الوطنية وثوابت الأمن القومي المصري، وهو واجب شرعيٌّ؛ حيث أمرنا الله تعالى بالثبات فى مواجهة الأخطار فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين). نقلًا عن صحيفة الأهرام