وسط طرقات يغيم عليها ظلام دامس، وأناس يجلسون على الأرصفة فى أماكن لا يوجد بها أى مبانٍ سكنية، يبعد كل منها عن الآخر بنحو 500 متر، قطعت "بوابة الأهرام" أكثر من 400 كيلو متر، من القاهرة حتى سيناء، فى محاولة للوصول إلى الهدف الذى بات يبحث عنه كل مصرى، وهو معرفة هوية الذين غدروا بجنود مصر المرابطين على الجبهة.. لم تكن الرحلة سهلة، بل أصعب مما يتخيلها عقل. حين تنتهى من طريق الإسماعيلية، لابد أن تسلك كوبرى السلام، أول الطرق المؤدية إلى سيناء "أرض الخوف"، وقتها تصطدم بدوريات أمنية، تحول دون مرور أى سيارة مهما كان قائدها، وفى البداية استوقفنا ضابط وأمينا شرطة، حددنا لهم هويتنا، والهدف من الزيارة إلى سيناء، لكنهم تناسوا ما ذكرناه لهم، وسألنا أحدهم: "إيه الحل؟". لم نستطع أن ندلى لهم بإجابات مقنعة عن حادث سيناء، لكن الأمين كان رده سريعًا، وقال: "إحنا ممكن نعمل أى حاجة ممكن تتخيلوها، لكن ممكن يطلع علينا واحد من بتوع الدقون، يقول الداخلية رجعت لعهد حبيب العادلى تانى، وبتوع حقوق الإنسان ينتشرون على الفضائيات، لكن هنسكت لما الشعب هو اللى يطالب بتدخلنا الحازم". يكمل الأمين، بعدما بدا على عينيه ملامح الغضب: "لما بتوع أمريكا عملوا مظاهرات فى وول ستريت، أجهزة الأمن مسحت بيهم الأرض، واحنا لو عملنا أى حاجة تافهة، يقولك آدى النظام الجديد، مفيش حاجة اتغيرت.. ربنا يسترها عليكى يا مصر". هنا تركنا الضابط والأمين، لنقف مرة أخرى على بعد 10 أمتار بالضبط، حيث يتواجد 4 مجندين من قوات الجيش، يقومون بالكشف على السيارة بواسطة جهاز، يحدد ما إذا كانت تحتوى على أسلحة أو مخدرات من عدمه، ثم سمحوا لنا بالرحيل. بدأنا الصعود أعلى كوبرى السلام، فى طريقنا إلى الهدف "سيناء أرض الخوف"، لكن بدا لنا أن الكوبرى خلا تماما من أى سيارة تسير أمامنا أو خلفنا. تشعر وأنت تسير على الكوبرى، كأنك طائر فى الهواء، حيث يبلغ ارتفاعه نحو 60 مترًا عند المنتصف، بينما يزداد الارتفاع عند السير أعلى الكوبرى، ومن أسفلك المجرى الملاحى لقناة السويس، حيث يبلغ ارتفاع الكوبرى هنا 80 مترًا. وبدأ الظلام الدامس.. لا شىء على الطريق. وهنا كانت نهاية الكوبرى "المعلق" فى الهواء. فجأة تظهر أمامك مصفحة من الجيش، يقف عليها مجندان، ويحيط بها مجموعة من الجنود، لكنهم لا يستوقفون أى سيارة.. وتستمر الرحلة. على جانبى الطريق أعمدة إنارة لا حصر لها، لكن وجودها كان مثل عدمه، حيث استمر الظلام، وبدأت لحظات الخوف، فى طريق لا أحد يعرف نهايته. فى مسافة استغرقت أكثر من 45 دقيقة، لم نشعر بأحد سوانا على هذا الطريق، الذى بدأ بنهاية كوبرى السلام، وانتهى بلافتة "رفح 200 كيلو، العريش 160 كيلو".. وعادت الأنوار مجددًا.