اللامركزية ليست هي الحرية.. والمركزية لا تعني الديكتاتورية والرأي الواحد.. والقضية هنا في الاستخدام السياسي للمصطلحات.. إذ البعض في زحمة المصطلحات التي نعيشها.. يحاول ابتداع مسميات سياسية.. والمسمى السياسي غير المصطلح الأكاديمي.. وتكمن المشكلة فيمن يفلسف خلافة السياسي.. أو أن يرمي بمصطلح في غير مكانه خدمة لهدف سياسي.. والمشكلة هنا أن مطالبة وبوصلته طوال الوقت تكون أسيرة لفلسفات عفى الزمن ومصطلحات لم تصبح ذات جدوى. تكمن المشكلة هنا في أن استخدام مصطلح اللامركزية إذا جاء في إطار خلاف مع السلطة.. يتحول إلى إيمان بأن اللامركزية هي الحل.. ويصبح أبناء تيارات سياسية كاملة يتصورون أن لفظ اللامركزية يعنى انه هذا بديل عن وحدة القرار في نظام الدولة أو أنه مرادف لتوزيع السلطات.. وهذا أمر خاطئ جملة وتفصيلًا. تزداد الأزمة عندما يتجه مروجو اللامركزية للحديث عن الفيدرالية كي يضع مسمى جديدًا.. يكمل في ذهنه شكل النظام اللامركزي.. وهو يتخيل أيضًا أن الفيدرالية تعني عدم وجود المركز أو تحد من صلاحيات القرار المركزي.. وهذا أيضًا خطأ فادح. الحقيقة التاريخية أن المركزية واللامركزية مصطلحان انتهى الصراع بينهما منذ سنوات طويلة.. وحسمت عوامل كثيرة هذه الحالة..ويبدو أن من يستخدمون هذا المصطلح الآن ما زالوا يعيشون في سنوات ما قبل نهاية القرن العشرين بعشرين عامًا..فالذي حدث ببساطة أن العالم بفضل تكنولوجيا المعلومات استعاد مركزية القرار.. مع قدرة المركز على تحليل كم ضخم من المعلومات والبيانات. وكذلك تحولت هياكل الإدارة التقليدية الى دعم المركزية لكن بأشكال مختلفة.. فتحول النظام الهرمي الرأسي إلى نظام أفقي أو شبكي.. يكون فيه مركز القرار أكثر اتصالًا بالإدارات أو الوحدات المؤسسية المرتبطة به.. وقد عوض هذا فكرة انعزال المركز عن الوحدات التابعة له. في النظام الحديث للإدارة تم رفع كفاءة مركزية القرار.. بأنماط من الرقابة تحافظ على رشادة القرار المركزي.. يتلخص ذلك في حوكمة الإدارة.. والتي تعني وضع نظام رقابة ذاتي متكامل.. عبر تمثيل وتوسيع دائرة أصحاب المصلحة في الكيان أو المؤسسة أو الدولة والمجتمع.. كما بدأت التكنولوجيا تلعب الدور الأكبر فيه عبر نظم الرقابة السابقه وليست اللاحقة.. وبعض مُنظري الإدارة بدأوا في اعتبار أن التكنولوجيا ستنهي الحاجة إلى الرقابة اللاحقة أيضًا. وفيما يتعلق بفكرة القرار وتعددية الرأي فهناك طرق في الإدارة الحديثة تؤسس لمنظومات في التفكير هدفها وضع السيناريوهات وقياس الاحتمالات وترتيبها وتصنيفها بشكل يخدم القرار بشكل أفضل.. ويضمن تنوع القرار واتجاهات المؤسسة أو المنظومة إستراتيجيا. وبالتالي حُسمت الفوارق بين الآراء والأفكار.. حول المركزية.. وتكمن إشكالية المركزية في نظم توسيع قاعدة المركز وفى شفافية أداء المنظومة ولهذا تتنوع اشكال الرقابة والافصاح المستمر. وهنا تكمن القضية.. أن أي اصلاح مرتبط بتحسين نظم الرقابة والشفافية وليست الغاء المركزية أو تفتيت السلطة.. فالنظم الديمقراطية هي نظم مركزية..وأي مجتمع قوى يتحرك بقوة القرار المركزي. وبالتالي فالمركزية ليست ضد الديمقراطية ولا الحرية.. وإنما المركزية هي الثابت الأهم في أي نظام.. وهو الوسيلة الوحيد لمواجهة فوضى القرار او ضعف القرار بعيدا عن آليات اتخاذه. المركزية هي الأصل في شكل وحقيقة الطبيعة والكون.. فالكواكب تدور حول النجوم وفى محور ثابت.. والمجموعات الشمسية تدور في مجرات.. وللكون مركز واحد نشأ منه وسينتهي فيه وله بحكم الحسابات العلمية. أما فيما يتعلق بالفيدرالية فهذا موضوع مقال آخر. كاتب المقال: عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين