لا أذكر متى - بالضبط - وقعت في غرام الفنانة العظيمة ليلى مراد، لكنني أقر وأعترف - هنا.. أمام القارئ- بأنني مفتون بسحر صوتها، ومتيم بسيرتها العطرة، ومبهور بطلتها البهية، ومسكون باستعراضاتها الغنائية والفنية، ومعجب - إلى درجة الإدمان - بمشاهدة أفلامها، منذ وعيت على الدنيا، وحتى اليوم. لهذا، فقد انصعت، وأذعنت، إلى مشاعري العاطفية الجياشة، وذهبت برجلي إلى الاحتفال بمرور مائة عام على مولد هذه الفنانة الرائعة، الذي أقيم بمسرح مركز الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية، الأسبوع الماضي. في أوائل عام 2018، كتبت عن مئويتي الزعيمين العربيين الخالدين، جمال عبدالناصر، وزايد بن سلطان آل نهيان، ولم أكن أعرف أن في العام الحالي، نفسه، سوف تحل الذكرى المئوية لمولد البطل الأسطوري، نيلسون مانديلا، الذي جسد فكرة النضال، من أجل الحرية والحق والعدل، في أرقى معانيها الإنسانية، وكذلك الفنانة الملهمة، ليلى مراد، التي أمتعت أجيالا وأجيالا، من المصريين والعرب، بصوتها الساحر الحنون، وبفنها الراقي. شاءت الأقدار أن يرحل عن الدنيا الفانية جمال عبدالناصر، في عام 1970، وعمره 52 سنة، وترحل ليلى مراد في عام 1995، وعمرها 77 سنة، ويرحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في عام 2004، وعمره 86 سنة، ويرحل الزعيم مانديلا في عام 2013، وعمره 95 سنة، وبالرغم من انتقال هؤلاء القادة والعظماء الأفذاذ إلى الدار الآخرة، إلا أن سيرتهم العطرة، وعطاءهم، الذي لا ينضب، جعلهم أحياء بيننا، إلى يوم الدين. وسط حشد من الحضور لمحبي ليلى مراد، الذين امتلأت بهم قاعة مسرح الهناجر للفنون، جاء مقعدي إلى جوار كاتبين صحفيين كبيرين، هما: الأستاذ محمد الشافعي، رئيس تحرير مجلة الهلال السابق، والأستاذ أشرف غريب، رئيس تحرير مجلة الكواكب السابق. الفرقة الدائمة لمركز الهناجر للفنون قدمت مقطوعات موسيقية، لأشهر أغاني ليلى مراد، وفي مقدمتها، الحب جميل، وقد تغنى بها المطرب أحمد محسن، كما قدمت المطربة أنغام مصطفى أغنيات: يا أعز من عيني، ليه خليتني أحبك، أنا قلبي دليلي، يا رايحين للنبي الغالي، سنتين وأنا أحايل فيك. وبمصاحبة المايسترو إيهاب عبدالحميد على آلة الكمان، شدت المطربة أنغام مصطفى بأغنية عهد الهوى، واختتم الحفل ب دويتو شحات الغرام للمطربين أحمد محسن وأنغام مصطفى. باستثناء هذه الفقرات القصيرة من العزف الموسيقى والغناء والطرب، لم تفلح وزارة الثقافة، الممثلة في المركز القومي للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية، التابع لقطاع شئون الإنتاج الثقافي - أقول إن كل هذه الجهات العتيدة - لم تفلح في تقديم برنامج احتفالي متكامل بمناسبة مئوية ليلى مراد، يشبع تطلعات جمهور الحاضرين، المتعطشين والمتيمين بالفنانة العظيمة، برنامج احتفالي حقيقي يليق بمكانة وقيمة وقامة "بنت الأكابر"، وبالمئوية التي تستحقها عن جدارة. سوف أتغاضى عن سرد ملاحظات محبطة، رأيتها بعيني في الاحتفال غير المنظم، للفنانة ليلى مراد، لأنها قد تبدو للبعض شكلية، مثل الصورة المرسومة، والمطبوعة، على " البانر" للفنانة المحتفى بها، رسمًا هزليًا لا يمت بصلة إلى الملامح المحفورة للفنانة في أذهان جمهورها العريض، وكذلك نسيان عرض فيلم تسجيلي لسيرة الفنانة الراحلة، والامتناع عن توزيع كتيب تذكاري باسم ليلى مراد، كما تردد في البيانات الصحفية التي دعت إلى حضور المناسبة. هذه الأجواء السلبية، التي صاحبت الاحتفالية بمئوية ليلى مراد، من المؤكد أنها لن ترضي وزيرة الثقافة، الفنانة القديرة، إيناس عبدالدايم، خاصة، إذا تلقت الوزيرة عرضًا أمينًا لما جرى من ارتباك، وسوء تصرف وتقدير في وقائع وملابسات الترتيب والإخراج لبرنامج الحفل، أملا في تجنب تكرار الأخطاء في مناسبات احتفالية مماثلة. أذكر أنني كنت قد كتبت مقالا في صحيفة "الأهرام" الغراء، بعد مرور وقت من وفاة السيدة ليلى مراد، طالبت فيه بتكريم هذه الفنانة العظيمة، التي اعتزلت الفن وهي في قمة تألقها، وعمرها 37 عاما، في 1955، بإطلاق اسمها على الأقل، بالشارع الذي كانت تسكن فيه بالقاهرة، ووقتها، تلقيت اتصالًا هاتفيًا وتعقيبًا على المقال، من نجلها رجل الأعمال، أشرف وجيه أباظه، يحمل قدرا من العتب والمرارة بأن والدته، الفنانة القديرة، لم تنل ما تستحقه من التقدير الرسمي، بما يتساوى ويتواكب مع ما يكنه لها جمهورها العريض من محبة وتوقير. لأن الزميل محمد الشافعي كان عضوا - ولايزال- في اللجنة التنظيمية العليا للاحتفال بمئوية الزعيم الخالد جمال عبدالناصر، فقد روى لي عددا من السلبيات المماثلة، التي واجهتها لجنته، في مساعيها الجليلة لترتيب مظاهر احتفائية رسمية وشعبية ب جمال عبدالناصر، ولم يستغرب الشافعي الارتباك المصاحب للاحتفاء بمئوية ليلى مراد، وكأن ما شاهدناه مجرد تحصيل حاصل. وللمقارنة والتعلم من الآخرين في احتفالاتهم المئوية، تذكرنا – محمد الشافعي وأشرف غريب وأنا - بكل فخر وإعجاب ما جرى من ترتيبات شعبية ودولية للاحتفال بمئوية الزعيم التاريخي نيلسون مانديلا، وقد حضرها، بنفسه، الرئيس عبدالفتاح السيسي، وكذلك الاحتفال بمئوية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وقد عمت مظاهرها كل أنحاء دولة الإمارات العربية المتحدة، ومصر. وكفى. [email protected]