قامت منصة الجونة السينمائية، وهي فعالية مهرجان الجونة السينمائي المخصصة لصناع الأفلام وعناصر الصناعة بهدف تنمية وتطوير مشاريع الأفلام السينمائية الواعدة على المستوى المصري و العربي و مساعدتها على إيجاد الدعم الفني والمادي، باستضافة محاضرة رئيسية بعنوان "رحلة في مسيرتي: الماضي والحاضر والمستقبل" للمخرج الكبير وكاتب السيناريو داود عبدالسيد، بينما أدار النقاش المخرج المصري أمير رمسيس. تعكس أفلام داود عبدالسيد محاولة عرض الواقع الوجودي للمصريين الكادحين، كما تسعى لإظهار واقعهم والتغيرات التي تحل به. هذا وقد غطت المحاضرة العديد من جوانب حياة داود عبدالسيد ورحلته منذ البداية، وتأثره بالسينما الأوروبية والفرنسية خصوصا والتي فتحت عيناه على أبعاد سينمائية جديدة بعيدا عن الأنماط السينمائية التجارية الرائجة المتمثلة في السينما الأمريكية، وهو ما دفعه لدراسة وخوض غمار عالم السينما، حيث قال عبدالسيد إنه بدأ يفهم الفرق بين الأفلام ذات الطابع الفني والتجاري عندما كانت تجتاحه رغبة لمشاهدة فيلم أكثر من مرة دون ملل، بالمقارنة بالأفلام التجارية. ثم تطرق النقاش الى الإنتاج السينمائي لداود عبدالسيد وتجربته في كتابة السيناريو، لكونه قد كتب سيناريو 9 من الأفلام التي أخرجها، فقال معلقا: "لم أعتقد يوما أني كاتب عبقري، ولكني لطالما أدركت أن لا أحد يستطيع أن يعكس الأحاسيس التي بداخلي تجاه موضوع معين أكثر مني. أنا ، لا أعتقد أن وصف موضوع أو إحساس ما لكاتب محترف سيعكس الصورة الكاملة لدى وضعه على الورق وبنفس درجة الشغف، ولذا فإني أفضل في كثير من الأحيان الكتابة بنفسي". ووضح عبدالسيد أنه إذا وجد سيناريو جيد ومتوائم مع رؤيته، فإنه لا يتوانى عن إخراجه، وأنكر كون ذلك هو ما حدث مع فيلمه (أرض الأحلام) من بطولة الفنانة الكبيرة فاتن حمامة، حيث قال عبدالسيد: "عندما تقرر العمل مع العمالقة كفاتن حمامة، فيجب أن تعرف أن لذلك ثمنا. لقد أرادت حمامة اختيار قصة معينة تتماشى مع عودتها الى السينما بعد غياب طويل، وعلى الرغم من ترشيحي لرواية مهمة للكاتب يوسف إدريس، إلا أنها رفضت لاختلاف الرؤية عما تخيلته بالنسبة لهذا المشروع. لذا فقد قررنا التوصل الى حل وسط من خلال اختيار كاتب سيناريو شاب وموهوب للعمل على النص، وتوصلنا أخيرا الى نسخة من السيناريو تتماشى مع رؤيتها ولا تتعارض مع رؤيتي الإخراجية". وأكمل عبدالسيد قائلا إن العمل مع فاتن حمامة يعد أحد الإنجازات المهمة التي تستحق المخاطرة، وعلى الرغم من أن حمامة لم تعجب بالنتيجة النهائية للفيلم، إلا أنهما اختارا استمرار الاحترام المتبادل مع التوافق على عدم العمل سويا مرة أخرى، وهو ما تحقق لكون فيلم أرض الأحلام هو آخر فيلم لفاتن حمامة قبل وفاتها. ولدى سؤاله عن سبب تعاونه بشكل كبير مع نجوم الصف الأول في أفلامه، قال عبدالسيد إنه لم يكن يوما ضد السينما التجارية أو ثقافة النجم في السينما: "غالبا ما يرجح المنتجين أسماء النجوم الكبار للمشاركة في الأفلام المثيرة للجدل لضمان عودة استثمارهم الأساسي على الأقل والذي يأتي من اسم النجم وشهرته. فبينما كانت الأفلام ذات ربحية جيدة بشكل عام، فهي أيضا طريقة جيدة لتفادي الخسارة. مشكلتي الوحيدة مع ثقافة النجم هي عندما يتدخل الممثل في رؤية ودور المخرج بناء على تأثيره". كما أوضح عبدالسيد التغيرات التي طرأت على السينما منذ الثمانينيات وحتى اليوم، حيث كان النجوم الكبار يمثلوت ثلاث أو أربع أفلام كل سنة وهو ما كان يتيح لهم أخذ عدد أكبر من المخاطرات في اختياراتهم، على عكس نجوم اليوم الذين يمثلون في فيلم واحد كبير كل عام وهو ما يجعلهم أكثر ترددا في أخذ قرار المشاركة في عمل مختلف. كما تطرق عبدالسيد لمناقشة المعطيات المميزة لأفلامه خلال المناقشة، حيث عبر عن مدى الأهمية التي يعكسها الديكور والموسيقى في رسم الصورة الكاملة للرواية، وأحد العوامل التي تؤثر بشكل مباشر في نجاح الفيلم. حيث لطالما بذل عبدالسيد قصارى جهده لتحقيق التناغم بين عناصر إنتاج الصورة. كما تحدث عن الاستعانة بالنصوص الأدبية في أفلامه وأعطى بعض الأمثلة من خلال فيلم الكيت كات والذي استوحي من قصة طويلة تضم مئات الشخصيات بعنوان "مالك الحزين" وهو ما اضطره لاختصار الشخصيات والتركيز على العناصر الأهم في القصة. كما قال إن فيلم سارق الفرح مستوحى من قصة قصيرة تطلبت الكثير من العمل لبناء عوامل قصصية متكاملة لدى تحويلها الى فيلم.