ظاهرة العنف في مجتمعنا تصاعدت بشكل لافت في السنوات الأخيرة، مع ما يصاحب ذلك من سلوك شاذ من بعض الأفراد في الأماكن العامة أخذ يعكر السلم الاجتماعي ويقلق الجميع، وتتمحور أسبابها في عدة عوامل اجتماعية واقتصادية وينحصر أهمها في ضعف الثقافة القانونية لدى شريحة كبيرة من الناس والجهل بالقانون باعتباره الوسيلة المشروعة للحصول على الحقوق، وهذا يدفع عددًا منهم إلى العنف وأخذ الحق باليد. بنية المجتمع فالشأن الاجتماعي حاليًا يقرأ عناوين ساخنة تعكس حالة من "التفسخ الاجتماعي" بعد انتشار الجريمة داخل الأسرة الواحدة أو على نطاق المجتمع ككل، فمثل هذه الجرائم أصبحت تحمل معها خطورة الخلخلة في بنية المجتمع، وتفكيك نسيج الأسرة الواحدة، وهو ما يسبب انزواء لثقافة التسامح، وتغييبًا لروح الحوار، حتى أصبح استخدام "العنف الاجتماعي" هو السبيل لحل الخلافات. ومن أهم الوسائل للحد من هذه الظاهرة الدخيلة تدعيم الثوابت الدينية والوطنية من خلال الأسرة" في المقام الأول" بدعوة الآباء والأمهات لأبنائهم إلى التعايش السلمي وقبول الآخر وترسيخ قيم التسامح، هذا بالإضافة إلى المدرسة من خلال زيادة النشاطات اللامنهجية في المدارس لإشغال الطلبة بما هو مفيد والابتعاد عن كل ما هو ضار، وكذلك المساجد والكنائس بالدعوة لتحمّل واجباتهم الدينية والأخلاقية، ودعوة الناس إلى التمسك بمنظومة القيم الموروثة عن الآباء والأجداد. فهناك عدة جرائم مجتمعية طرأت علينا وكانت آخرها القضية التي شغلت الرأي العام والمعروفة إعلاميا ب" أطفال المريوطية"، ملابساتها دقت ناقوس الخطر لما وصلنا إليه، لذلك فإنه يوجد الكثير من الأبحاث والدراسات والتي قامت "بوابة الأهرام" بتقدميها من المختصين عن الأسباب والحلول لتقديمها.. أزمة القيم والانفلات الأخلاقي في البداية تقول الدكتورة سوسن فايد أستاذة علم النفس الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ل"بوابة الأهرام": إن هناك مناخا عاما مهيأ للعنف، مشيرة إلى أن هناك عدة عوامل طرأت ليس على مستوى المجتمع المصري بل وعلى المستوى العالمي أيضا، وكان من وأهم المتغيرات أنها أزمة قيم وتراجع وانفلات أخلاقي، هذا بالإضافة إلي أن هناك عاملا مهما ومؤثرا وهو انتشار الإدمان وتناول المخدرات، وغياب للوعي أثناء ارتكاب الجريمة. وتضيف فايد أن هناك الكثير من الأمراض النفسية والتي تكون الأمراض الذُهانية وهي تلك التي تكون مرتبطة بالعقل والعرض، فهذه الأمراض تظل كامنة إلا إذا تعرض لضغوط نفسية. غياب ثقافة الوعي وترى فايد أن غياب ثقافة اللجوء إلى الطب والعلاج النفسي واعتباره بأنه وصمة، موضحة أن هناك تخلفا ثقافيا وغيابا تاما لثقافة الوعي في العناية بالحالة النفسية، هذا بالإضافة إلي أن ما يتعرض له المواطن العادي من ضغوط حياتية تشبعت عيناه بالعنف والجريمة، كل هذه العوامل تتشابك لتظهر هذه الصورة. المؤسسات الدينية وتؤكد فايد أن هناك تراجعا للمؤسسات الدينية عن الوعي بالعقوبة الإلهية فظهورها عند كل جريمة يحقق درجة من الردع، هذا بالإضافة إلي أن البطء في الإجراءات القانونية جعل قانون القوة هو الغالب على العكس من أن قوة القانون يجب أن تكون هي القوة الغالبة، لافتة إلى أن هناك أجيالا نشأت بأساليب خاطئة نتيجة العنف الأسرى وعدم الوعي التام بكيفية تربية النشء مما أدى إلى ظهور أجيال تربت بصورة عشوائية. صياغة الشخصية المصرية وشددت أستاذ علم الاجتماع على ضرورة تتضافر جهود المؤسسات الدينية والثقافية والإعلام والتعليمية على أن يكون بينهم هدف مشترك لوضع خطة أو مشروع لإعادة صياغة الشخصية المصرية وبث قيم السلام والتسامح والبعد عن العدوانية والقسوة والعنف الذي يؤدى إلى العنف والجريمة. تغير التركيبة المجتمعية ويشير الدكتور وائل وفاء استشاري العلاقات الإنسانية وتنمية المهارات، الفكرة كلها تغير في التركيبة المجتمعية في خلال ال"20 عامًا" الأخيرة حدث تباعد بين أفراد الأسرة الواحدة، فلم تكن هناك قواعد لاختيار الزوج أو اختيار الزوجة أدى بنا في النهاية خروج أبناء غير مناسبين للحياة، مضيفًا ليس هناك أي نوع من أنواع التربية، فالضغوط الاقتصادية المتلاحقة والهدف إلى السعي وراء جني الأموال أدى في النهاية إلى الوصول لمجتمع متباعد. ويرى وفاء أن عدم وجود أي نوع من أنواع الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة، بعدما أصبح التلفاز هو المعلم الأول، لافتًا إلي غياب القدوة بعدما أصبحت القدوة الحقيقية هم "الأقران" عديمي الخبرة، هذا بالإضافة إلي أن المثل العليا التي أصبح يصدرها الإعلام والدراما وترسيخ الكراهية والعنف من خلال تجسيد بعض الشخصيات التي تؤثر في النشء، كما أن تعنيف الأبناء بقوله على سبيل المثال "أنا مش بحبك - أنت كذاب" تزيد من الفجوة وفقدان الأمان. دار إيواء وأردف وفاء أن المنزل أصبح مؤخرًا "دار إيواء" بدون أي مشاعر حقيقية تربط أفراد الأسرة مع بعضها البعض، مما سهل ارتفاع معدلات الجريمة داخل البيت الواحد. وشدد استشاري العلاقات الإنسانية على ضرورة العودة مرة أخرى إلى المنازل ومعرفة دور الأم الحقيقي في احتواء الأبناء، ووجود ما يسمى مجتمعات الأسرة والتواجد حول مائدة الطعام الواحدة والتفكير بأن كل فرد في الأسرة له دور ما لم يحدث ذلك فالنتيجة سوف تكون كارثة محققة. إبادة العائلة ومن جانبه يضيف الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي أن الأوضاع الاقتصادية والتي تكون نتيجتها عدة ضغوط تؤدي إلى ارتفاع معدلات العنف والجريمة كإبادة رب الأسرة لعائلته والتي تكون "إبادة عائلية" وذلك لاعتقاده بأنه يحميهم من غدر الزمان وإنقاذهم مما يمكن أن يتعرضوا إليه، لافتًا إلى أن مثل هذه الجرائم قد انتشرت في الآونة الأخيرة مثل جريمة "مذبحة بولاق الدكرور" وأخيرا "أطفال المريوطية" فكل هذه الجرائم جرس إنذار للمجتمع. استعراض شو ويشير صادق إلى أن الضغوط النفسية بجانب الضغوط الاقتصادية تؤدي إلى ارتفاع معدلات الجريمة الأسرية، هذا بالإضافة إلى زيادة معدلات الطلاق والعزوف عن الزواج، لافتًا إلى اتجاه البعض لظاهرة الانتحار والتي لم تنتشر إلى حد كبير ما هو إلا "استعراض شو" مثلما حدث مع الفتاة التي ألقت بنفسها أمام مترو الأنفاق خلال الأيام القليلة الماضية، وأيضا الشاب الذي ألقي بنفسه من أعلى كوبري قصر النيل، كل هذا صرخة احتجاج على ما يحدث ولكن بطريقة تلفت النظر. تنمية بشرية ويرى صادق أن من أهم الحلول التي يمكن أن تقلل نسبة العنف والجريمة بالمجتمع هو الإحساس بتحسين الأوضاع الاقتصادية بحيث يشعر بها المواطن، لافتًا إلى أن عدم العمل على ذلك سوف يتحول هذا العنف من عنف مجتمعي إلى "عنف سياسي" وهو ظهور الإرهاب من جديد، هذا بالإضافة إلى زيادة معدلات الأمية. وتابع صادق قوله بضرورة التركيز على التنمية البشرية وليست التنمية العمرانية. مسخ ثقافي وفي السياق ذاته يضيف الدكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي لقد وصلنا إلى مرحلة المسخ الثقافي نتيجة لدخول عدة ثقافات غريبة طرأت على المجتمع المصري خلال ال"40 عامًا" الماضية طغت على الهوية المصرية وأصبحت تتلاشي تدريجيًا، مشيرًا إلى أن الثقافة الدينية والوعي الديني الصحيح أصبح اليوم ظاهريا، هذا بالإضافة إلى انهيار العلاقات بين أفراد الأسرة بعضهم البعض. بناء الإنسان وشدد فرويز على ضرورة إعادة العلاقات داخل المجتمع المصري من خلال التعريف بكيفية التعامل من الآخرين، والحفاظ على المبادئ وتغيير المفاهيم المغلوطة الأمر الذي يؤدى إلى إعادة بناء الإنسان تأهيله مرة أخري لتقديم جيل واع مؤهل، مشددًا على ضرورة إنشاء وزارة قوية للثقافة والإعلام لتغير المفاهيم الخاطئة، خاصة الإعلام المرئي والمسموع والمقروء.