طوال عمرى أعشق الصور، أحتفظ بالآلاف منها حتى ما لا يخصني شخصيًا، كنت أهوى ترتيب صور عائلة والدي في ألبومات، وكأني أدون التاريخ، أماكن ولحظات يمكن الحفاظ على ذكراها بصورة حلوة؛ حتى وإن فرغت من الأشخاص.. حين تركت بيت الأسرة لأنتقل إلى بيت الزوجية لم أحمل معي أي شيء قديم سوى شيئين الكتب والصور. منذ طفولتي وصوري الشخصية مختلفة؛ ربما لأني كنت "شقية" لابد أن آخذ وضعًا غريبًا عند التصوير، أو أستعد لتلك اللحظة بأسلوب مختلف؛ وكأني في برنامج تليفزيوني أو أصور "فيلم كوميدي". وطبعًا خرجت تلك الصور تنم عن بهجة كنت أحياها في تلك المرحلة العمرية.. تتابعت الصور خلال السنوات اللاحقة؛ حيث استمر عشقي لتسجيل أغلب لحظات العمر بالتصوير. ثم ظهرت التكنولوجيا التي أغنتنا عن أفلام الكاميرا وطباعتها، وأصبح التليفون يصور مئات الصور في لحظات؛ مما زاد عدد الصور بشكل هائل. لكن النظر للصور القديمة الآن لم يعد يحمل إلى الذكريات فقط كما كان يفعل من قبل، أتحدث هنا عن صوري الشخصية، أنظر إلى نفسى وتنظر لي يبدو عليها أنها لا تعرفني، تتساءل من أنت؟! هناك تشابه أدركه أحيانًا لكني لا أعرفك. أما أنا فأشعر بنفس حالة الغربة التي تنتاب تلك التي في الصورة، لقد تغير شكلي كثيرًا، كان أفضل، ماذا حدث؟ هل علامات السن تسللت بسهولة فغيرت ملامحي؟ كل شيء تغير، كل شيء لم يعد كما كان، تغير واضح لا تخطئه عين؛ لكن لا يمكن الإمساك به، فتلك نفس الملامح والألوان لم تظهر تجاعيد كثيرة فتؤثر بشكل ملموس؛ لكن التغير أيضًا واضح. ربما هو الزمن فتلك الصور من حقبة زمنية أخرى، موضة مختلفة ومراحل عمرية مختلفة، لكن الأمر مازال أكبر من ذلك، ربما أيضًا الحياة التي عشتها بحلوها ومرها وتجاربها وقسوتها ونجاحاتها وإخفاقاتها، شيء في الروح أيضًا يمكن أن ألمسه في عيني أعني في عين تلك التي في الصور. حقًا أصبحت أنظر لتلك الصور على أنها شخص آخر يعيش بداخلي يمكنني التحدث معه، إن نظرت إلى عينيه بتركيز؛ فأرى جزءًا من روحي بداخله أيضًا.. أحدثها بلغة "ألا ليت الشباب يعود يومًا" لكن بصيغة مختلفة، وإن كان المعنى واحدًا، وكأني أقول لها كم كنت صغيرة بريئة وساذجة، لم تكوني تتوقعين ما ستمرين به، وما آل إليه حالك الآن. ومهما كانت الأحوال جيدة والحمد لله، والشكل سليمًا إلا أن هذه الشخصية في الصور التي تنظر إليَّ لا تصدق إني هي، تراني غريبة عنها مهما آمنت أنا بالعكس، أو شعرت بنفس الغربة، إنها علاقة جديدة تبدأ مع التقدم في السن حين تتحدث عن تلك الصور كونها صورك؛ لكنك تنظر إليها على أنها شخص آخر أحيانًا صديق حميم، وأحيانًا منافس لن تهزمه أبدًا.