د. محمد نعمان جلال في 6 أغسطس 2014 دشن الرئيس عبدالفتاح السيسي مشروعًا طموحًا تم إعداده بدقة لتوسيع قناة السويس لتتماشي مع التطورات العالمية في مجال النقل البحري، وخاصة سفن الحاويات العملاقة. وتم إنجاز الهدف في عام واحد لإصرار الرئيس على الإنجاز السريع، بدلا من ثلاث سنوات كانت مقدرة - وفقًا لدراسات الخبراء العالميين والمصريين- وسأقتصر على تبيان الخطوط العريضة للمشروع وما يتصل به. نبدأ بمعالم القناة الجديدة فإجمالي طول التوسعة 35 كيلو مترًا، وعمقها 24 مترًا، وحجم أعمال التكريك 242 مليون متر مكعب، وحجم الحفر الجاف 250 مليون متر مكعب، وبلغت التكلفة 8.5 مليار دولار قدمها الشعب في شكل تبرعات أو شهادات استثمار باسم قناة السويس الجديدة؛ حيث جمعت البنوك مبلغًا أكثر من 64 مليون جنيه مصري خلال أسبوع واحد. ولهذا دلالات مهمة أولاها أن الشعب لديه أموال يتطلع لاستثمارها إذا وثق في حسن الاستفادة من ذلك، وثانيتها أن الثقة المفقودة عبر السنين بين الشعب والقيادة تراجعت فجوتها، مقابل زيادة الثقة في قيادة الرئيس السيسي؛ لما لمسه الشعب من إنجازاته السريعة وتضحياته الجمة، وفي مقدمتها العمل على التخلص من الحكام الذين كانوا على وشك تحويل مصر إلى بحيرة دماء عبر تهديدات كثيرة من قياداتهم، ولجوئهم لبعض الدول الإقليمية الساعية للسيطرة على مصر وتدميرها، كما دمرت العراق وسوريا واليمن وليبيا؛ نتيجة إدخال الفكر الطائفي في الإسلام الذي لا يعرف في جوهره فكرة الطوائف أو الانقسامات الدينية. فالدين عند الله واحد وهو الإسلام بمعنى التسليم بإرادة الله العلي القدير، وهذا الدين الواحد يشمل اليهودية والمسيحية والإسلام الذي جاء به النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ومن هنا قال القرآن الكريم " آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ."الآية 285 البقرة. وقد أعلن الرئيس السيسي أن مشروع قناة السويس الجديدة هو هدية مصر للعالم، وتفسير ذلك أن قناة السويس كانت هدية مصر للعالم في منتصف القرن التاسع عشر والتوسعة بقناة السويس الجديدة هي هدية مصر للعالم في القرن الحادي والعشرين، وهذا يعني إتاحة الفرصة لتقصير مدة العبور بالقناة من 18 ساعة إلى 11 ساعة، وهذا يوفر النفقات ويجتذب الشركات العالمية الكبرى وتزدهر التجارة؛ كما حدث مع قناة السويس القديمة بعد افتتاحها عام 1869. وإذا قلنا إن القناة هدية مصر للعالم فهي قبل كل شيء هدية القيادة المصرية للشعب المصري الذي يتطلع دائمًا للرخاء والازدهار بزيادة عائدات القناة من ناحية، وتطوير البنية الأساسية في المنطقة المحيطة بها وتحويلها لمنطقة جاذبة للشركات العالمية الكبرى من ناحية ثانية، وزيادة فرص العمل للشباب والفنيين، بل والعمالة المتوسطة الكفاءة، كل بما يتناسب مع إمكاناته ومؤهلاته من ناحية ثالثة. والأهم من ذلك كله إعادة الثقة للشعب المصري في ذاته وفي قدرته على الإنجاز، وإعادة الثقة بين الشعب وقيادته المخلصة التي عندما تعد الشعب تفي بما تعد. التساؤل بعد مرور عامين على افتتاح قناة السويس الجديدة وتشغيلها هل حققت الآمال المعلقة عليها؟ نقول نعم حققت، ولكنها لم تحقق كل الآمال و السبب في ذلك أن حركة المرور في القناة تتأثر بعاملين عامل التجارة العالمية، وعامل الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط خاصة. ولهذا إذا لم تحقق القناة العائد المتوقع في العامين الماضيين فلذلك أسبابه، ولعل السبب الأول أنه مشروع عملاق وعادة المشروعات الكبرى لا تؤتي ثمارها بسرعة بل يستغرق ذلك فترة من الزمن، ولنا في مشروع السد العالي خير نموذج فبعد اكتماله استغرق الأمر فترة لتتحقق نتائجه ومكاسب الشعب منه، سواء في منع الفيضانات الكبرى التي كانت تدمر الزراعات المصرية أو في الإنارة لمختلف المحافظات المصرية، أو في توفير الطاقة الأحفورية لمصلحة الطاقة الكهرومائية، وبعد بضع سنين اكتشف الشعب مزايا السد العالي، وكان البعض يشكك في ذلك في المرحلة الأولى. وأقول إن الشيء نفسه ينطبق على قناة السويس الجديدة فالبنية الأساسية على ضفتي القناة تأخذ وقتا، ثم إن حجم التجارة العالمية انخفض بسبب الركود الاقتصادي في العالم كله، ومن ثم لم تتحقق النتائج بالسرعة أو بالحجم الذي كان متصورًا في فترة وجيزة. وبقت نقطة أخري مهمة وهي الارتباط بين قناة السويس وبين طريق الحرير البحري الذي ينبع من جنوب شرق الصين حيث بداية طريق الحرير البحري ومنه عبر المحيط الهادي ثم الهندي إلي موانئ شبه القارة الهندية ثم موانئ شرق أفريقيا ثم البحر الأحمر وقناة السويس ثم إلي أوروبا. إذن أهمية القناة متعددة وأدوارها متنوعة، وهي بحق هدية مصر للعالم والتجارة العالمية في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، والشواهد أن الركود الاقتصادي في طريقه للتراجع، والازدهار في طريقه للعودة لأوروبا وآسيا، ولو بقدر ما وهذا سوف ينعكس على قناة السويس وعوائدها. وختامًا نقول تحية تقدير للشعب المصري؛ لمواقفه النبيلة والوطنية كما تتجلى في تمويل بناء القناة الجديدة، وتحية للقيادة السياسية والفنية برئاسة السيسي البطل الذي حمل روحه على كفه للتخلص من حكم الإخوان، وتحية ثالثة لجيش مصر الباسل لحمايته لترابها الوطني، ومواصلة قتاله للإرهابيين مع أشقائه من قوات الأمن الوطني ورجال وزارة الداخلية. ولا يخفى على أحد أن أمام مصر طريقًا طويلًا، وصراعًا ممتدًا لعدة سنوات حتى تسترد قوتها وعافيتها، بعد ما تعرضت له من دمار وإرهاب وعدم استقرار، وابتعاد عن العمل للتظاهر، ثم للجلوس في المنازل والمقاهي دون إنتاج، وهي أمور لم يسبق أن تعرضت لها مصر دفعة واحدة، ولا تزال تناضل لتحيا مصر وشعبها، ويتحقق لها الأمن والأمان والسلام، بفضل عزيمة قيادتها، وبسالة جيشها وشرطتها، ووعي نخبها السياسية ومثقفيها، والآن عاد الجميع للعمل الجاد إيمانًا بوطنهم وثقة في قيادتهم. كاتب المقال: خبير في الدراسات الصينية، وسفير مصر الأسبق في الصين