"التنازل".. كلمة تلخص ما فعله الأمير فيليب دوق أدنبرة في سن الخامسة والعشرين، ليعود ويفعله مرة أخرى في سن الخامسة والتسعين، في المرة الأولى تنازل عن ألقابه الملكية من أجل أن يظفر بقلب الملكة، وفي الثانية تنازل عن مهامه الرسمية لتقدم العمر الذي أفناه بجوارها، وبين تاريخ التنازلين يوم طويل استمر 70 عامًا يروي نجاح أطول الزيجات الملكية وأكثرها رومانسية في العصر الحديث. فما أن أعلنت الملكة إليزابيث الثانية عن اجتماع طارئ في قصر باكينجهام صباح اليوم، حتى تهامست تقارير وسائل الإعلام عن الوضع الصحي لزوجها الأمير فيليب دوق أدنبرة صاحب ال 95 عامًا، لتتأكد التقارير بإعلان القصر عن تنحي زوج الملكة عن مهامه الرسمية بدءًا من الخريف المقبل، مع الاحتفاظ بدعم الملكة الكامل. ولد الأمير فيليب في العاشر من يونيو عام1921 لأسرة ملكية بامتياز فقد كان عمه قسطنطين الأول ملكًا لليونان، فيما كان والده أندرو وليا للعهد، أما والدته فهي الأميرة أليس أميرة بيتينبرج في الدنمارك، ولكن ثورة عارمة اجتاحت اليونان في العام التالي على ولادته أفضت لترحيل الأسرة إلى فرنسا ثم الولاياتالمتحدة وصولا للاستقرار في ألمانيا. وما أن اندلعت الحرب العالمية الثانية حتى شارك فيليب في البحرية الملكية البريطانية، فيما كانت الأميرة إليزابيث تشارك هي الأخرى في مهام التمريض على جبهات القتال. الحُب لم يكن ممنوعا في زمن الحرب، فقد خطفت نظرات فتى البحرية الوسيم قلب الأميرة إليزابيث في زيارة للكلية البحرية الملكية، فتفوقه العسكري ونُبل أسرته أهلاه لذلك،إذ إن أسرته تنحدر من نسل الملكة فيكتوريا الأولى التي جعلت من العائلات الملكية في أوروبا أسرة واحدة. وفي صيف عام 1946، طلب الأمير فيليب من الملك جورج السادس يد ابنته ، وعلي الفور وافق الملك، ولكنه اشترط أن ينتظروا حتى تتم إليزابيث عيدها ال 21 لكي يعلنوا هذا الزواج . هنا جاء دور الأمير فيليب ليثبت للأميرة إليزابيث عن مدى حبه لها، وما كان هذا الإثبات إلا التنازل عن جميع ألقابه الملكية اليونانية والدنماركية، وشبه البعض هذه الخطوة بما فعله الملك إدوارد الثامن عم الأميرة، حين تخلى عن حُكم بريطانيا طواعية من أجل زواجه من واليس سمبسون عام 1936، وهذا ما دفع بعرش بريطانيا إلى أخيه الملك جورج السادس، ليتم تصعيد الأميرة إليزابيث لتصبح وريثة العرش البريطاني. فور التنازل تم الإعلان عن خطوبة فيليب وإليزابيث يوم 10 يوليو 1947، وتزوجا في 20 نوفمبر 1947، في كنيسة وستمنستر، في حفل تم بثه في جميع أنحاء العالم عن طريق الإذاعة، وفي صباح يوم الزفاف، أصبح فيليب دوق إدنبرة رسميا، وأثمر الزواج عن أربعة أبناء هم تشارلز وأن وأندرو وإدوارد. وفي السادس من فبراير عام 1952، جلست الملكة إليزابيث على عرش البلاد فور وفاة والدها، وطيلة 55 عاما اكتفى فيليب بالظهور خلف الملكة، مؤديا دور الأمير النبيل، والزوج المُحب، غير عابئا بلقب "زوج الملكة" وأن دوره شرفيًا لا أكثر. وبين ردهات القلاع في وندسور وأدنبرة، والحدائق الغناء في باكينجهام وكينسينجتون، وحلبات الخيول في رويال سكوت التقطت عدسات المصورين آلاف الصور للملكة وزوجها الأمير فيليب، حيث تعكس النظرات والابتسامات المتبادلة مظاهر الحب والاحترام بينهما، وقد أرجعت الملكة سبب قوتها في الحكم في حوار لها إلى الدعم غير المحدود الذي قدمه لها زوجها فقالت: "لقد كان بكل بساطة مصدر قوتي وقدرتي على البقاء طوال هذه السنوات، أنا وأسرته ندين له بدينٍ أكبر من أن يُرد له، وأكثر مما يمكن أن نعرفه". وخلف كل هذا الحب أخفى الأمير فيليب شخص الفنان الذي خصص فنه لزوجته الملكة فقط، دلّ على ذلك لوحاته التشكيلية ومنحوتاته على المجوهرات التي خصصها للملكة، ولم يزح الستار عنها أمام الناس إلا قبل 5 سنوات حين كان يحتفل بعيد ميلاده التسعين، ليتم إيداع هذه الأعمال في الأرشيف الملكي البريطاني.