قال المدون محمد الدهشان الفائز بجائزة "الديمقراطية والمواطنة" أنه عمل فى مرحلة ما بعد الحرب ضمن جهود الإغاثة فى آتشيه بأندونيسيا وشارك فى إعادة الإعمار بعد إعصار كاترينا فى نيوأورليانز بالولايات المتحدة، وركض عن طريق الخطأ عبر حقل ألغام بجنوب لبنان ووضع قدماه فى المياه المقدسة بإندونيسيا. وأكد فى حوار مطول مع " بوابة الأهرام" أنه شاهد فينوس من قمة جبل سيناء واستمع إلى الأوركسترا النمساوية فى فيينا، وتذوق لحوم أسماك القرش فى تايبيه، وذهب للحج فى مكةالمكرمة والمدينة المنورة، ولعب الهوكى فى شوارع رام الله وصلي تحت المطر داخل حرم المسجد الأقصي.. وقال لقد فعلت الكثير من الأشياء الغبية التى لم أندم عليها". هكذا قدم المدون محمد الدهشان أو "المسافر" نفسه عبر مدونته التى حصل من خلالها على جائزة آنا ليند الأورومتوسطية للصحافة، والتى فاز فيها بجائزة "الديمقراطية والمواطنة" كأحد وجوه الربيع العربي لهذا العام. عن ترشيحه للجائزة قال محمد أن ترشيحه تم منذ شهور عن مجموعة من المقالات عن الثورة المصرية ومنذ حوالى شهر قاموا بإبلاغه إنه وصل للمجموعة قبل الأخيرة ومنذ أسبوع تمت دعوته لحفل توزيع الجوائز بإمارة موناكو، حيث فوجئ بأنه من الفائزين، بالإضافة إلى استحقاقه جائزة شرفية أخرى عن المدونة وعن مجمل كتاباته عليها. وأوضح محمد أن المدونة بدأت منذ حوالى ست سنوات بانطباعات شخصية وتعليقات حول رحلات سفره المتنوعة ثم بدأ يكتب عن الشرق الأوسط وفلسطين ومصر ،وبعد عودته كان تركيزه على مصر أكثر حيث بدأ فى المشاركة السياسية فى الشارع والنزول فى المظاهرات التى كان يكتب عنها وعن الحراك السياسي فى الشارع. وأضاف أن الإعلام البديل أو الاجتماعى كما يحلو للبعض أن يطلق عليه يقدم خدمة إعلامية مثلت للكثيرين فى مصر وخارجها بديلا للإعلام التقليدى لأن المدونات وغيرها من وسائل الإعلام البديل كانت ومازالت تتناول موضوعات لا يتم تناولها أو لا تلقى التغطية التى تستحقها فى وسائل الإعلام التقليدية. بالتالى لها قارئها الذى يدرك هذه الحقيقة جيدا، فكل المظاهرات والحراك الذى كان يحدث قبل الثورة كانت المدونات تكتب عنه وترصده إلا أننا لا نجد لها تغطية فى الصحافة المطبوعة وغيرها من وسائل الإعلام التقليدية، مما ساهم فى إضافة أهمية خاصة لوسائل الإعلام البديل. بالإضافة إلى أن من كان يكتب عبر تلك المدونات هم النشطاء السياسيين والحقوقيين الفاعلين فى ذلك الحراك، حيث كانوا ينقلون ما يحدث من أجل إعلام الناس داخل وخارج مصر بما يحدث وبما هو مخفى ومحجوب على الإعلام التقليدى وسرعان ما انضم لهم صحفيين توسعوا فى تغطيتهم للأحداث عبر مدوناتهم الخاصة. وعن العلاقة بين الاعلام التقليدى والإعلام البديل بعد الثورة يرى أنه كانت هناك فجوة كبيرة بين النوعين قبل الثورة حيث كان الإعلام التقليدى يؤدى دوره دون أن يدرك مايحدث على وسائل الإعلام البديلة التى أدارها أفراد شكل البعض منهم وكالة أنباء متكاملة دون أن يلجأ إلى أساليب الإعلام التقليدى، حيث لم يعرف الإعلام التقليدى أن هناك أخبارًا تنشر وتحدث ربما بمعدل أسرع عما يعتاد عليه ويمارسه، وتتسم بالمصداقية عبر وسائل بديلة أخرى. ومنذ بدء الثورة التفت الإعلام التقليدى للإعلام البديل وأدرك أهميته فسعت كثير من المؤسسات الصحفية إلى إيجاد مساحة لها على مواقع التواصل الاجتماعى، حتى تتمكن من التواصل والتفاعل مع قرائها حتى الصحفيون فى تلك المؤسسات أصبح لهم وجود أيضا على مواقع التواصل الاجتماعى مثل تويتر والفيسبوك وغيرها، والصحفيون أنفسهم كأشخاص بدأوا يدمجون بين استخدامهم للإعلام البديل وبين عملهم فى وسائل الإعلام التقليدية فالكثير منهم يفضلون نشر الأخبار عبر تويتر لأنها أسرع من دورة تحديث الأخبار فى الصحف التقليدية، لذا يرى أن هناك أملا فى أن تدرك الصحافة التقليدية أهمية الإعلام البديل وتبدأ فى توظيفه واستخدامه إلا أنه لن يحدث تطابق بين الإثنين أو دمج نظرا للفارق فى مساحة حرية التعبير لذا من الممكن أن نجد مستقبلا نوعًا من التكامل البناء بينهما. وعن دور الإعلام البديل بعد الثورة أكد "المسافر" أنه لا يرغب فى تحميل الإعلام البديل أكثر مما يحتمل، مشيرًا إلى أن الصحفى الشعبي دوره يتمثل فى رصد ونقل الأحداث ونقدها وليس مطلوب منها تقديم حلول أو بدائل وأن ما يوجهه البعض للمدونين من انتقادات حول ذاتية أفكارهم وآرائهم هو أمر وارد، لأن المدونة فى النهاية لا تعبر إلا عن رأى صاحبها الذى يضع لنفسه مجموعة من المعاييروالأخلاقيات التى يلتزم بها فأى قارىء للمدونات يدرك جيدا الفصل بين قدر المعلومات الصحيحة الموجودة على المدونة والجزء الذاتى المتعلق برأى صاحبها وبقدر مصداقية المعلومات وموضوعية الرأى والتزامها بالمعايير التى حددها المدون لنفسه تكتسب المدونة مصداقيتها تدريجيا. واشار إلى أن هذا الدور لن يبتعد كثيرا عن نفس الدور الذى كان يمارسه قبل الثورة فسيستمر المدونون فى كتابة ما يرونه فى الشارع أثناء مشاركتهم فيه ويمارسون دورهم فى الرقابة الشعبية على ممارسات الدولة وأدائها وسيستمر نقد الصحافة والإعلام التقليدى وغيرها إلا أن ما جد بعد الثورة هو انضمام الكثيرين إلى مواقع التواصل الاجتماعى بعد أن كانت تقتصر على مجموعة من النشطاء الحقوقيين والسياسيين الذين باختلاف آرائهم فهم متفقون على مجموعة من الأساسيات، الأمر الذى غير طابع النقاش على تلك المواقع، فبالإضافة لآرائهم وتوجهاتهم المختلفة يستخدم الوافدون الجدد اساليب مختلفة فى التعبير عن آرائهم، وهذا سيؤدى إلى شيئ من اثنين، إما تحزب المشاركين الأصليين على تلك المواقع وانغلاق كل مجموعة متشابهة على نفسها أو الانفتاح على الآراء الأخرى والدخول فى مشاحنات وجدال ومحاولات اقناع للأطراف الأخرى، وهذا بدوره قد يؤدى إلى فهم أعمق لمختلف التيارات والاتجاهات الفكرية والسياسية فى المجتمع. اعتبر "المسافر" أن كل ما يحدث من بعد الثورة أصبح مبنى على "رد الفعل"، ولا يتم اتخاذ أى خطوات إيجابية للأمام فى حين أن مصر تحتاج تغييرات جذرية فى مجالات مختلفة اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا والملايين التى خرجت وعرضت نفسها للموت والضرب أثناء الثورة خرجت من أجل التغيير وطالبت بحكومة بها عناصر تحقق لها هذا التغيير إلا أن هذا لم يحدث. أضاف إذا نظرنا للمشهد الآن نجد لدينا عدة عناصر فهناك الاتجاه الذى يملك القوة والسلطة يريد البقاء كما هو ويتمسك بالسلطة، ولا يقوم بأى تغيير كى يبقى الحال كماهو عليه والحكومة التى نعتبرها انتقالية ليس لها حول ولا قوة منزوعة الصلاحيات والأحزاب السياسية، سواء تلك التى كانت موجودة قبل الثورة أو تلك التى برزت للوجود بعدها إلا أن مشكلتهم الوحيدة هى تغليب مصالحهم الحزبية واستثمار رأس مالهم السياسي فى التركيز على الانتخابات وحصد أكبر عدد من المقاعد بينما لاتتواجد تلك الأحزاب فى الشارع من أجل ممارسة أى ضغط على الحكومة أو المجلس من أجل استكمال مطالب الثورة، وأخيرا الشارع الذى قام بالثورة والذى ننتمى له، والذى مازال يعانى من أجل المطالبة بمطالب طالب بها منذ 8 أشهر، وتم وعده بتحقيقها ولم تتحقق بعد وبالتالى المحصلة وطن به شعب وعناصر طيبة جدا تملك مؤهلات وكفاءات وإرادة للتغيير ومع ذلك مازال يقف كما هو ولا يتقدم للأمام . رحب بمشاركة الشباب فى الانتخابات القادمة لأن من كان فى الشارع يطالب بحقه وحق هذا الشعب فى حياة كريمة هو الأولى بالمشاركة والفوز فى الانتخابات القادمة وليست تلك العناصر التى كانت موالية أو مهادنة للنظام السابق، مشيرًا إلى تجربة تونس فى دعم الشباب المستقلين فى الانتخابات القادمة، إلا أنه لم يستطع إخفاء قلقه من تأثر هؤلاء الشباب بدهاليز العمل السياسي والانخراط في مناخ المؤامرات والمقايضات السياسية بشكل يمنعهم من تحقيق الأهداف التى شاركوا من أجلها فى الانتخابات. محمد الدهشان اقتصادى وكاتب صحفى ومدون بدأ مدونته منذ 6 سنوات يحمل درجتى ماجستير فى الإدارة العامة والتنمية الدولية من جامعة هارفارد وفى العلاقات الدولية الاقتصادية من معهد باريس للدراسات السياسية ودرجة دكتوراة، بالإضافة إلى عدة دورات وشهادات مهنية أخرى من عدة معاهد ومؤسسات أكاديمية وبحثية حول العالم. يتخصص عمله فى مجال التنمية الاقتصادية، حيث عمل مع بعض المنظمات الدولية وبكتب فى مدونته عن مصر، كما نشرت له مقالات عن مصر فى صحف أجنبية، وبدأ التدوين بعد تخرجه من كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة عام 2003. وتعتبر جائزة آنا ليند للصحافة فى المتوسط بمثابة جائزة رائدة في المنطقة، حيث تم أنشاؤها عام 2006 لتكريم الأعمال الصحفية، التى تعالج قضايا التنوع الثقافي والعلاقات بين الثقافات، وتقوم لجنة تحكيم عالمية باختيار الفائزين، ويتم تكريمهم خلال حفل سنوي تستضيفه إمارة موناكو.