الخبراء يحذرون من سد عجز الموازنة بفرض مزيد من الضرائب ---------- إنها ليست المرة الأولي التي يتم الإعلان فيها عن فرض ضرائب علي الأرباح الرأسمالية ولكنها المرة الأولي التي تعلن فيها الحكومة إصرارها علي تنفيذها بشكل جدي غير عابئة برد فعل مستثمري البورصة الذين سارعوا بإجراء عمليات بيع واسعة للأسهم والتهديد بالانسحاب من السوق كوسيلة للضغط علي الحكومة للتراجع عن قرارها مثلما حدث في السابق أكثر من مرة لينتهي الأمر إما بإعلان الحكومة تأجيل فرض الضرائب وإما بنفي الخبر والاكتفاء بالاعلان عن أنها شائعات الغرض منها ضرب البورصة. فمنذ عام2005 وكل حكومة جديدة يتم تعيينها في مصر تنظر إلي أرباح البورصة وكأنها منجم ذهب لسد عجز الموازنة لا تعرف كيف تستغله حتي أتت حكومة محلب ووضعت يدها بقوة علي الأرباح الرأسمالية معلنة أن حجم حصيلة الضريبة المتوقع سيصل الي أكثر من10 مليارات جنيه حسب قول محلب خاصة ان مجال التهرب الضريبي في هذا القطاع شبه مستحيل بسبب الرقابة الصارمة علي تعاملات الشركات المقيدة في البورصة وعلي تعاملات الأسهم المتداولة. إصرار الحكومة هذه المرة لتنفيذ قانون الضريبة الجديد أصاب كل المتعاملين والعاملين في البورصة بحالة هياج غير طبيعية كالحمل الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة لتمتلئ كل وسائل الاعلام بصرخات واستغاثات الخبراء الذين يطالبون بوقف تلك الضريبة مؤكدين أن آثارها ستكون سلبية علي الاقتصاد المصري. ومن ناحية أخري لم تتوقف الاجتماعات الطارئة التي لاتزال تعقد في جميع الجمعيات والمنظمات المهتمة بقطاع الأوراق المالية وكان آخرها الاجتماع الطارئ الذي عقدته شعبة الأوراق المالية الذي شهد عدة اقتراحات لمحاولة وقف القانون بدأت بمناشدة رئيس الشعبة عوني عبد العزيز لرئيس الجمهورية بعدم التصديق علي القانون وانتهت بتهديدات من بعض أعضاء الشعبة بالطعن علي القانون أمام القضاء. كما أصدرت الجمعية المصرية للأوراق المالية برئاسة الدكتور محمد تيمور بيانا طالبت فيه بضرورة تحقيق العدالة الضريبية بين الادوات الاستثمارية المختلفة خاصة بين الاستثمار في الاوراق المالية التي تتضمن درجة من المخاطرة الاستثمارية وبين الاوعية الادخارية المنخفضة المخاطر الاستثمارية بمنح المستثمر في الاوراق المالية اعفاء ضريبيا يعادل متوسط اسعار الفائدة علي امواله المستثمرة قبل خصم ضريبة الارباح الراسمالية. وأشار البيان الي ضرورة التفرقة بين الاستثمارات القصيرة الاجل والطويلة الاجل في المعاملة الضريبية باعفاء الاخيرة من ضريبة الارباح الرأسمالية كما نوه البيان بضرورة اعفاء توزيعات الاسهم المجانية من ضريبة التوزيعات والاكتفاء بفرضها علي التوزيعات النقدية فقط تشجيعا للشركات علي اعادة استثمار ارباحها وخلق فرص عمل. أما الجمعية المصرية للتمويل والاستثمار فأصدرت بيانا سردت فيه كل الآثار المتوقعة علي البورصة والاقتصاد المحلي نتيجة فرض الضريبة, مؤكدة أن القيمة المتوقعة من فرض الضرائب علي البورصة ستكون أقل في حالة خضوع المستثمر الصغير للضريبة علي الدخل لأن صغار المستثمرين لن يفكروا في اعادة استثمار أرباحهم في السوق بسبب المخاطر المالية التي تحاصر الاستثمار في البورصة بالاضافة الي ارتفاع معدل الضرائب المستحقة منه. ثانيا: ان مثل هذه التعديلات ستفقد البورصة المصرية تنافسيتها بين الاسواق الاخري المماثلة فكل دول المنطقة واغلبية الاسواق الناشئة تعفي التعاملات والتصرفات التي تتم داخل اسواق المال من اي ضرائب او رسوم لتشجيعها مما سيؤدي الي هروب الاسثمارات من سوق المال المصرية بما يضر جذريا بحجم الاستثمارات الأجنبية والمحلية المستهدفة. وأضافت الجمعية في بيانها ان هذه التعديلات تأتي في وقت تعاني فية السوق من عدة مشكلات هيكلية مثل ضعف الجاذبية الاستثمارية وعدم الاستقرار ونقص السيولة وانخفاض احجام التعاملات وضعف الاستثمار المؤسسي وخروج العديد من الشركات العملاقة من القيد بالبورصة المصرية وهو امر قد يؤدي إلي الإخلال بمبدأ العدالة في توزيع الأعباء العامة للمستثمرين نتيجة تدمير هذه الصناعة الحيوية بمثل هذه التعديلات الضريبية الجديدة. وأشار البيان الي ان أثر الضريبة الجديدة علي الاستثمار يعتمد علي مدي الزيادة التي يحدثها فرض الضريبة علي الاستثمار العام بسوق الاوراق المالية فالضريبة لن تؤدي الي زيادة الطلب العام وبالتالي تعويض النقص في الاستثمار الخاص نتيجة لفرض الضريبة بينما يؤدي قيام الدولة بتجميد الحصيلة الضريبية إلي الحفاظ علي مستويات الاسثمارات الحالية علي اقل تقدير كما أن فرض هذه الضريبة علي ذوي الدخول المنخفضة للأفراد المحدودي الدخل يقلل من مقدرتهم علي الاستهلاك وكذلك علي الإنتاج وهو ما يؤدي إلي انخفاض مستوي الدخل القومي وبالتالي يؤدي ذلك إلي انخفاض ونقص في الإيرادات العامة للدولة. هذا بالاضافة الي ان ما تنطوي عليه الضريبة من استقطاب جانب من دخول الأفراد فإنها تؤدي إلي تخفيض الادخار. وما من شك أن ذلك يتوقف علي عوامل, لعل من بينها حجم الدخل الفردي, ومستوي المعيشة ومدي رغبة الفرد في العمل والإنتاج لتعويض الاستقطاع الضريبي من جهة, وطبيعة هيكل النظام الضريبي من جهة أخري لذلك فعلي صانع السياسة الضريبية أن يراعي إحداث قدر من التوازن بين هدفين أساسيين هما, تشجيع الادخار وتحقيق العدالة الضريبية ولذلك فعند فرض الضريبة الجديدة فان قيمة الحصيلة المتوقعة للدوله مع هذا القرار لا تتماشي مع حجم خسائر الاستثمار التي قد تترتب علي تأثيراته. وطالبت الجمعية المصرية في بيانها بارجاء العمل بهذه الضريبة في هذا التوقيت واعادة فتح باب المناقشات مع اطراف سوق المال المختلفة لوضع بدائل افضل وحفاظا علي القدرات الاستثمارية والتنافسية بسوق المال المصرية مؤكدة في نهاية بيانها ان السياسات المالية يجب ان تتعامل بحرص مع قطاعات الاستثمار حتي لا تؤدي الي الانكماش الاقتصادي نتيجة تراجع الاستثمار الذي يعاني من سياسات نقدية ومالية انكماشية بالفعل نتيجة رفع أسعار الفائدة وزيادة الضرائب علي الارباح التجارية والصناعية, علي الرغم من أن مصر في حاجة ملحة الي سياسات توسعية لتوفير فرص عمل لاستيعاب البطالة التي اتسع نطاقها. ومن ناحية أخري أعرب حافظ الغندور نقيب التجاريين عن تعجبه الشديد من توقيت إصدار القانون الذي أعلنت عنه الحكومة قبل أيام قليلة من تولي رئيس الجمهورية الجديد لمنصبه وقبل التشكيل الوزاري المرتقب مؤكدا أن هذا التوقيت يثير علامات شك وريبة من إصرار الحكومة علي تنفيذه بهذا الشكل المفاجئ والسريع. وأكد الغندور أنه قد يكون الهدف الرئيسي من فرض تلك الضريبة بهذا الشكل وسط هذه الانتقادات الرهيبة هو معالجة عجز الموازنة بشكل سريع ولكن المشكلة أن الآثار السلبية لمثل هذا القرار أكبر بكثير من مشكلة سد عجز الموازنة موضحا أن هناك العديد من الطرق الأخري والأصح لسد عجز الموازنة ولكن الحكومة لم تفصح عن أسباب هذه الضريبة المفاجئة خاصة أن مؤشرات البورصة تعد من أهم المؤشرات المعبرة عن الاقتصاد المصري في الساحة الدولية وهو الأمر الذي يزيد الوضع سوءا واندهاشا خاصة انه كان من المتوقع أن تستفيد منه الحكومة خلال فترة أداء الرئيس الجديد لليمين الدستورية. وحذر الحكومة من التعنت في قراراتها المتعلقة بالاقتصاد موضحا ان تطبيق تلك الضريبة في ظل الأوضاع السيئة التي تعاني منها البورصة سيبعد المستثمرين عن السوق المصرية خاصة المستثمرين الأجانب الذين سيبحثون عن بورصة أخري للاستثمار تكون أقل تكلفة وأحسن استقرارا وأقربها بورصة الكويت التي تعمل علي جذب المستثمرين. وقال الغندور إن البورصة المصرية لم تعد تقوم بدورها الحقيقي في دعم الاقتصاد وهي تحتاج إلي اصلاحات كثيرة, مؤكدا أن انخفاض البورصة او ارتفاعها لا يمثل اي قيمة مضافة حقيقية للاقتصاد بل هي عبارة عن لعبة لتبادل الثروة بين المتعاملين في سوق الأسهم بعيدا عن دور البورصة الحقيقي الذي يتمثل في تمويل الشركات للتوسع في المشروعات الانتاجية وهو ما لم يعد يحدث بسبب عزوف الشركات عن القيد في البورصة بعد إلغاء ميزة الاعفاء الضريبي للشركات المقيدة. أما عوني عبد العزيز رئيس شعبة الأوراق المالية باتحاد الغرف التجارية فأكد بصوت حزين محبط تعليقا علي ما يحدث في البورصة إن الشعبة طلبت آراء عدد من القانونيين في جدوي تحريك دعاوي قضائية ضد قانون الضريبة علي ارباح البورصة فاذا كان من المتوقع أن يكون هناك أمل في إلغائه فسيتم اتخاذ الاجراءات القانونية فورا. وأوضح عوني أنه كان لابد أن يصاحب قانون الضريبة حزمة تحفيزات للسوق وجذب الاستثمار بالاضافة الي تغيير توقيت تطبيق القانون لتلافي الآثار السلبية التي حدثت في البورصة نتيجة أسلوب فرض الضرائب المتعنت. وانتقد رئيس شعبة الأوراق المالية عدم دراسة تداعيات ضرائب البورصة وتأثيرها علي السوق, لافتا إلي أنه من غير المعقول إصدار مشروع قانون دون إعلان آليات تنفيذه, أو طرحه للحوار المجتمعي. ويقول محسن عادل خبير أسواق المال إن الحكومة لديها إصرار قوي علي تنفيذ القانون ونتوقع في اي وقت البدء الفعلي لتطبيقه ولم نعد نملك اي شيء لوقف القانون. ومن جانبه قال محمد ماهر نائب رئيس شعبة الأوراق المالية إن من المتوقع تنفيذ القانون بدءا من شهر يوليو القادم وأن السوق بدأ يستوعب الضريبة خاصة أن الجميع أصبح يتعامل معه الآن علي أنه قرار سيادي لا مناقشة فيه بعد إصرار الحكومة كل يوم علي تنفيذه. وأوضح ماهر أن تعديل القانون برفع حد الإعفاء من ضريبة الأرباح الرأسمالية للبورصة الي15 ألفا والأخذ بالأعلي من سعر الشراء الأصلي أو السعر التقديري للسهم قبل يوم صدور القانون أيهما أعلي عند احتساب ضريبة الأرباح الرأسمالية ساهم في تهدئة المستثمرين بعض الشيء وتقبلهم للوضع الراهن بدليل بدء البورصة في الاتجاه صعودا مع بداية جلسات الاثنين الماضي.