لم تعد الطرق التقليدية للاستثمار مجدية في التعامل مع ممتلكات وأصول الأوقاف بعد أن عرف العالم آليات وأساليب جديدة للتعامل مع هذه الأصول وتعظيم العوائد منها. وأصبح من الطبيعي أن تجد مؤسسات مالية عملاقة تدخل بثقلها وخبرة كوادرها في انشاء وإدارة صناديق لاستثمار أموال الأوقاف مما جعل الأمر أقرب الي صناعة جديدة في عالم المال والعمال. هذه الخبرة العالمية المتطورة في ادارة واستثمار الاصول المالية نحن في حاجة إليها فكيف يمكن أن تتوافر لمصر مثل هذه الخبرات؟! هذا السؤال يجيب عنه عدد من الخبراء المصرفيين الذين أكدوا وجود عدة طرق يمكن من خلالها للمؤسسات المالية سواء كانت بنوكا تجارية او استثمارية أن تضطلع بدور أكبر في عملية التنمية الاقتصادية والاستثمارية لأصول الوقف عبر تدشين ادارات مختصة بالإشراف علي ادارة اراضي الوقف وعقاراته بشكل رئيسي بحيث يمكن للبنوك القيام بدور أعمق من خلال اسناد عملية التطوير والتنمية لأراضي الوقف لها مع تحديد طرق الاستثمار الأنسب. وتمتلك بنوك الاستثمار رؤية قد تكون أكثر ملاءمة لتطوير أصول واموال الوقف وجميع أشكاله عبر تدشين صناديق عقارية قد تكون بمثابة أوعية استثمارية لادارة هذه الاصول سواء كانت اراضي زراعية او عقارية علي ان يكون للبنوك المتخصصة دور أكبر في ذلك. فعلي سبيل المثال الوقف المالي يمكن استخدامه في عمليات الاقراض سواء لصغار العملاء الذين يصعب عليهم الحصول علي قروض من البنوك كذلك فبإمكان البنوك المتخصصة مثل التنمية والائتمان الزراعي العمل علي منح سلف من الوقف المالي واسناد عملية زراعة أراضي الوقف لصغار المزارعين كذلك الامر بالنسبة لبنك التنمية الصناعية وبنك التعمير والاسكان للاستفادة منها سواء في بناء وحدات سكنية او لأغراض صناعية. في البداية أكد محمد فاروق الخبير المصرفي ومدير ادارة الائتمان ببنك الاستثمار القومي ان البنوك بمقدرورها الإسهام في تعميق الاستفادة من اراضي الوقف وجميع أشكاله سواء عبر تدشين إدارات مختصة بدراسة الفرص الاستثمارية أو الاشراف علي عملية الادارة كما في ادارة الثروات التي تم تدشينها ببنوك عدة بهدف ادارة استثمارات العملاء بهذه البنوك. وتابع فاروق هناك تنوع كبير في أشكال الوقف وهو ما يتيح أمام البنوك عدة آليات للمشاركة في عملية التطوير فالوقف المالي يمكن ان تستغله البنوك في عمليات الإقراض للعملاء الذين لا يستطيعون الحصول علي ائتمان نتيجة عدم استكمال شروط الاقتراض. وتابع: بإمكان البنوك المتخصصة الإسهام بدور محوري في تنمية الوقف, فعلي سبيل المثال يمكن للبنك الرئيسي للتنمية والائتمان الزراعي ان يتولي عملية تطوير اراضي الوقف مع تقديم سلف لبعض المزارعين الذي قد توكل إليهم مهام زراعة هذه الأراضي والاهتمام بها. وهناك إمكانية لإسناد وتطوير الأراضي حتي تصلح للاستخدام العقاري أو الصناعي لبنكي التعمير والاسكان والتنمية الصناعية والعمال المصري اللذين يمتلكان سابقة خبرة في التعامل مع الاراضي العقارية والصناعية لطبيعة عملها الي جانب امتلاكها لبعض الشركات التي تعمل في مجالي التطوير العقاري او الصناعي. وأشار الي ضرورة الاستفادة من المقدرات الهائلة للوقف في تأسيس بنوك تتولي هذه المهام, حيث ان بعض البنوك تم تأسيسها عبر اموال الوقف مثل بنك فيصل الاسلامي ولذلك يمكن تكرار مثل هذه التجربة علي ان تكون مختصة بادارة الوقف او انشاء صناديق مثل الصناديق التعاونية المركزية في كثير من الدول للإشراف علي الوقف بمختلف اشكاله. ومن جانبه اعتبر محمد بدرة الخبير المصرفي ان مهام تطوير وتنمية الوقف يمكن ان تتم بشكل مناسب من خلال بنوك الاستثمار اكثر من مثيلاتها التجارية نتيجة لسابقة خبرتها وطبيعة عملها في قطاعات مماثلة لعملية التطوير والتنمية سواء عبر الصناديق العقارية التي قد تكون اقرب الي تنمية اراضي الوقف نتيجة تركز جزء كبير من الوقف في شكل اراض قد تكون مناسبة للاستثمار العقاري او الزراعي وهي نشاطات ترتبط بشكل اساسي ببنوك الاستثمار وليست البنوك التجارية. وأضاف ان الوقف يحتاج الي مؤسسات مالية لادارته وتنميته وليس فقط لجهة ادارية قد لا تمتلك رؤية استثمارية واقتصادية لتطوير هذه الوقف وهو ما يؤكد اهمية خلق دور رئيسي للبنوك في تطوير الوقف. واشار الي ان تنمية الوقف سواء العقاري او الزراعي او النقدي سيسهم بشكل رئيسي في التنمية الاقتصادية وخلق المزيد من فرص العمل الي جانب توفير مساكن لمحدودي الدخل والقضاء علي جزء من ازمة الاسكان وكذلك تعظيم العائد علي الاراضي الزراعية وزيادة القدرة الانتاجية لهذه الاراضي بشكل رئيسي. وفي نفس السياق أكد أحمد سليم مدير عام سابق بالبنك العربي الافريقي الدولي ضرورة اعادة النظر في الادارة والاشراف علي الوقف وخاصة الأوقاف ذات الطبيعة الاستثمارية مع وضع خطط الاستثمار وتنمية الوقف وتقديم المعونات المادية والفنية والتمويلية للوقف وهذا ما يمكن للمؤسسات المالية وعلي رأسها البنوك التجارية والاستثمارية ان تقوم به بشكل ملائم. واشار الي ان المؤسسات المالية يمكنها ان تتولي وضع هذه الخطط مقابل جزء من الارباح الخاصة بهذه الأوقاف, الأمر الذي سيحسن من مستوي ربحية الوقف وعدم تركه عرضة لتخبط الجهات غير المختصة بذلك التي تتولي الإشراف علي الوقف حاليا مع امكانية تدشين بنك الوقف حتي يكون بمثابة حل لعملية التمويل اللازم لتطوير وتنمية الوقف التي تواجه صعوبات عدة مع اتاحة الفرص كاملة امام أهل الخبرة في ادارة الوقف. واشار الي ضرورة تنويع الاستثمارات علي الوقف ويتوافر للبنوك رؤية اكثر عمقا في هذا المضمار سواء من خلال أنشطة التأجير التمويلي لبعض المعدات التي تم وقفها وكذلك ادارة الأصول العقارية والأراضي الزراعية التي تم وقفها هي الأخري. تؤكد الدكتورة يمن الحماقي الخبيرة الاقتصادية ان الوقف لم يلعب الدور المنوط في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال الفترة الماضية لأسباب كثيرة من اهمها عدم وجود خطة اقتصادية جديدة للنهوض بأموال الوقف وذلك علي مستوي محافظات الجمهورية, مشيرة الي أن اموال الوقف في احتياج شديد الي إعادة هيكلة حتي يمكن استثمارها بطريقة صحيحة واقتصادية تضمن عوائد جيدة, لافتة إلي أنه يجب علي الدولة ممثلة في وزارة الأوقاف أن تبحث بكل قوة عن جميع النواحي الاقتصادية التي يمكن ان يتم فيها استثمار اموال الوقف خلال الفترة المقبلة. أكد الدكتور فوزي فاضل الزفزاف, وكيل الأزهر الأسبق وعضو مجمع البحوث الاسلامية أن الوقف لم يلعب دورا مهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد خلال السنوات القليلة الماضية موضحا أنه يجب ان يشمل الوقف التعليم والصحة ورعاية المحتاجين والفقراء من عامة الشعب, كما يجب استثمار هذه الاموال بطريقة صحيحة فهو يبحث عن وجود العدالة الاجتماعية بين طوائف الشعب جميعا. ومن جانبها اكدت بسنت فهمي الخبيرة المصرفية, انه يجب أن يكون هناك نوع من التطوير المستمر لأموال الوقف بحيث يخدم الاقتصاد المصري بالصورة الصحيحة, كما يجب علي الدولة ممثلة في وزارة الاوقاف ان تبتعد كلية عن الطريق التقليدية في استثمار اموال الوقف وهي بيع وشراء الاراضي, بحيث تتجه الأوقاف خلال الفترة المقبلة الي تأسيس عدد كبير جدا من شركات للأغذية كونها تدر عوائد استثمارية جيدة للحكومة المصرية او الدخول في استثمارات صناعية علي سبيل المثال, حتي تعود هذه الشركات باستثمارات ايجابية للدولة والأفراد أنفسهم. واختلف مع الآراء السابقة الدكتور كرم الظواهري, عضو بالمجلس الاعلي للشئون الاسلامية, حيث أكد أن الوقف خلال الفترة الماضية قد لعب دورا كبيرا في عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد, مشيرا الي أنه لو تم استثمار اموال الوقف بطريقة صحيحة فسوف يعود بالنفع علي الاقتصاد المصري وبالتالي تعود عجلة الانتاج افضل من ذي قبل, موضحا ان المشكلة الأساسية في هذا الامر تتمثل في ان الحكومة نفسها تقوم بالتعدي علي ممتلكات وزارة الأوقاف وهو ما يسبب خسائر كبيرة لأموال الوقف خلال الفترة الماضية, وبالتالي لا تقوم بالمساهمة الفعالة في نمو الاقتصاد المصري.