أخبار الأقصر اليوم.. تفاصيل لقاء قائد قطاع المنطقة الجنوبية لإدارة التراخيص والتفتيش ونائب المحافظ    مصطفى بكري مدافعًا عن العرجاني: لعب دورًا وطنيًّا مشرِّفًا في سيناء    طب الفيوم تحصد لقب الطالبة المثالية على مستوى الجامعات المصرية    من 100 سنة، مرسوم ملكي بحل أول مجلس نواب مصري بعد دستور 1923 (فيديو)    الوزراء: منظومة الشكاوى الحكومية تلقت 2679 شكوى بمخالفات مخابز    وظائف وزارة العمل 2024.. بالتعاون مع شركات القطاع الخاص    رئيس إسكان النواب: توجد 2.5 مليون مخالفة بناء قبل عام 2019    كيف يعاقب قانون العمل المنشآت الممنتعة عن توفير اشتراطات السلامة المهنية؟    أخبار مصر اليوم: اللائحة التنفيذية لقانون التصالح بمخالفات البناء.. توفير 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة خاصة    رسالة من "دهب".. أشرف صبحي يخاطب شباب مصر في معسكر يالا كامب بجنوب سيناء    خبير اقتصادي: "ابدأ" نجحت في إنشاء مشروعات تتوافق مع السوق المحلي والأجنبي    بعد محور جرجا على النيل.. محور يربط «طريق شرق العوينات» و«جنوب الداخلة - منفلوط» بطول 300 كم لربط الصعيد بالوادي الجديد    «التضامن» تبحث تنظيم وحوكمة دعم الأشقاء الفلسطينيين في مصر    باحثة ل التاسعة: مصر لها دور كبير فى الوصول لهدنة بغزة لثقلها السياسى    الغضب بشأن غزة يخيم على فوز حزب العمال في الانتخابات المحلية البريطانية    بانسيريكوس يُعلن إنهاء تعاقده مع عمرو وردة.. واللاعب يوضح عبر يلا كورة سر الرحيل    بمشاركة كوكا، ألانيا سبور يتعادل مع أنقرة 1-1 في الدوري التركي    أنشيلوتي يؤكد مشاركة نجم ريال مدريد أمام قادش    تفاصيل اجتماع رئيس الإسماعيلي مع اللاعبين قبل مواجهة فاركو    ردا على بيان الاهلي.. الكومي يكشف تفاصيل ما سوف يحدث في أزمة الشيبي والشحات    سبب رفض الكثير من المدربين فكرة تدريب البايرن    نشوب حريق هائل في 200 شجرة نخيل بإدفو شمال أسوان    قتلا الخفير وسرقا المصنع.. المؤبد لعاطل ومسجل خطر في القاهرة    متحدث التعليم: نظام التصحيح الإلكتروني "بابل شيت" لا يشوبه أخطاء    بعد غيبوبة 10 أيام.. وفاة عروس مطوبس تفجع القلوب في كفر الشيخ    "قطّعت جارتها وأطعمتها لكلاب السكك".. جريمة قتل بشعة تهز الفيوم    الحزن يسيطر على ريم أحمد في عزاء والدتها بمسجد الحمدية الشاذلية| صور    «خفت منها».. فتحي عبد الوهاب يكشف أغرب مشاهده مع عبلة كامل    قناة "CBC": برنامج "في المساء مع قصواء" في مواعيده المعتادة من السبت للثلاثاء 9 مساءً    ياسمين صبري تخطف الأنظار بتمارين رياضية في «الجيم» | صور    "ربنا يتصرف فيكم".. فريدة سيف النصر ترد على الاتهامات في كواليس "العتاولة"    أجمل دعاء ليوم الجمعة.. أكثر من الصلاة على سيدنا النبي    أحمد كريمة: علم الطاقة «خزعبلات» وأكل لأموال الناس بالباطل.. فيديو    حسام موافي يكشف علاقة الإسهال بالتهاب الأطراف لمريض السكر    حسام موافي يوجه نصائح للطلاب قبل امتحانات الثانوية العامة (فيديو)    «السمكة بتخرج سموم».. استشاري تغذية يحذر من خطأ قاتل عند تحضير الفسيخ (فيديو)    المؤتمر الدولي لكلية الألسن بجامعة الأقصر يعلن توصيات دورته الثالثة    برشلونة يوافق على انتقال مهاجمه إلى ريال بيتيس    المحكمة الجنائية الدولية عن التهديدات ضد مسئوليها: يجب أن تتوقف وقد تشكل أيضا جريمة    ضبط ربع طن فسيخ فاسد في دمياط    بالصور| انطلاق 10 قوافل دعوية    خدمة الساعات الكبرى وصلاة الغروب ورتبة إنزال المصلوب ببعض كنائس الروم الكاثوليك بالقاهرة|صور    رئيس قوى عاملة النواب يهنئ الأقباط بعيد القيامة    في تكريم اسمه |رانيا فريد شوقي: أشرف عبد الغفور أستاذ قدير ..خاص    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    تنفيذ إزالة فورية لتعدٍّ بالبناء المخالف بمركز ومدينة الإسماعيلية    المقاومة الفلسطينية تقصف تجمعا لجنود الاحتلال بمحور نتساريم    في اليوم العالمي وعيد الصحافة.."الصحفيين العرب" يطالب بتحرير الصحافة والإعلام من البيروقراطية    المنتدى الاقتصادي العالمي يُروج عبر منصاته الرقمية لبرنامج «نُوَفّي» وجهود مصر في التحول للطاقة المتجددة    بقير: أجانب أبها دون المستوى.. والمشاكل الإدارية عصفت بنا    بيان عاجل من المصدرين الأتراك بشأن الخسارة الناجمة عن تعليق التجارة مع إسرائيل    ضبط 2000 لتر سولار قبل بيعها بالسوق السوداء في الغربية    التعليم العالي: مشروع الجينوم يهدف إلى رسم خريطة جينية مرجعية للشعب المصري    سموتريتش: "حماس" تبحث عن اتفاق دفاعي مع أمريكا    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    الغدة الدرقية بين النشاط والخمول، ندوة تثقيفية في مكتبة مصر الجديدة غدا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الخصخصة المصرية.. عجز في السياسات

قامت عملية الخصخصة في مصر بتغيير وجه الحياة السياسية والاقتصادية, ربما أكثر من كل الحروب التي خاضتها مصر في زمننا المعاصر, ولقد خضعت عملية الخصخصة لأكبر عملية تعتيم علمي من جانب الباحثين والدارسين حيث ابتعدوا عن المنهجية العلمية في تناول هذا الموضوع الحساس لأهداف كثيرة بعضها تعلق بالقرب من صانعي القرار والآخر بهدف ترقية أو تولي منصب معين أو الاشتراك في عملية التقييم أو البيع والحصول علي جزء من الكعكة أو الدخول في إطار ندوات ومؤتمرات تخضع لأجندة الجهات الخارجية وما تفيضه من أسفار وأموال أو العمل لدي طبقة الأغنياء الجدد, لذلك فشلت الجامعات والمراكز البحثية في وضع موضوع الخصخصة في إطاره الصحيح بما يخدم المجتمع المصري. ولو كنت مسئولا عن وضع ميزانية الولايات المتحدة الأمريكية لخصمت70% من ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية وخصصتها لكل من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي, حيث إن ما فعله الاثنان في دول العالم النامي أكثر مما فعلته قواتها العسكرية خارج بلادها.
فالخصخصة علي الطريقة المصرية يمكن تعريفها بأنها انتقال عمل ما كليا أو جزئيا من القطاع العام إلي القطاع الخاص, وصولا إلي التحكم في عملية صنع القرار الاقتصادي. لكن إذا نظرنا إلي برنامج الخصخصة بالمعني الاقتصادي فإنه ينطوي علي ثلاثة اهداف رئيسية مترابطة ترابطا وثيقا: أولا: تحسين فاعلية الاقتصاد, خصوصا فاعلية القطاع العام, وثانيا: زيادة الاستثمارات, حيث تصمم عمليات الخصخصة بشكل يجتذب الي القطاعات الرئيسية قدرا كبيرا من الاستثمارات الخاصة بشكل يعوض عن نواقص الاستثمارات العامة. ومن نتائج تلك العمليات تعزيز الحساب الخارجي باجتذاب رءوس الأموال لاغراض الاستثمار, وادخال تكنولوجيا جديدة وخبرة ادارية تدعم قدرة هذه القطاعات علي المنافسة, علما بأن الاستثمارات الجديدة التي تحركها قوي السوق تؤدي الي ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي بالقيمة الحقيقية, وثالثا: تخفيض نسبة الدين العام الي الناتج المحلي الاجمالي حيث تستخدم حصيلة عمليات الخصخصة, بعد طرح تكاليفها, لتخفيض الدين العام وعجز الموازنة. غير ان هناك أهدافا أخري يمكنها أن تدعم الاهداف الرئيسية وهي:1- زيادة الانفاق الحكومي علي البرامج الاجتماعية وتخصيص مزيد من الموارد لتنمية المناطق المنكوبة والمناطق الحرومة.2- إن عملية الخصخصة, بوصفها جزءا من مجموعة تدابير مصممة لإصلاح القطاع العام ماليا واداريا, سوف تحرر موارد مالية ومؤسسية تتيح تركيز الجهود علي قطاعات بالغة الاهمية تحتاج الي استثمارات طويلة الأجل.3- توسيع قاعدة الضريبة بنقل مرافق عامة اقتصادية الي القطاع الخاص, حيث إن المرافق العامة الاقتصادية والاستثمارية التي لم تدفع ضرائب حتي الآن سوف تخضع للضريبة فتزداد بذلك الايرادات العامة من الضرائب. ومن جهة اخري, سوف تؤدي عمليات الخصخصة الي تعزيز النشاط الاقتصادي, وبالتالي فهي ستسهم في توسيع قاعدة الضريبة.4- زيادة ملكية الأسهم من قبل الجمهور, بما في ذلك ملكية الاسهم من قبل الموظفين, حيث يتيح برنامج الخصخصة لجميع المواطنين المشاركة في المنافع. فالحكومة سوف تقوم, قدر الامكان, بعرض الاسهم علي الجمهور, مع تحديد النسبة المئوية القصوي للاسهم التي يمكن لشخص واحد ان يحوزها بصورة مباشرة او غير مباشرة, علي ان يتم تسعير الأسهم بشكل يجعلها في متناول معظم المواطنين. والواقع ان تدابير كهذه تضفي علي برنامج الخصخصة طابعا ديمقراطيا يشجع نشوء نوع من الرأسمالية الشعبية.5- تطوير وتنويع الأسواق المالية فهي تؤدي الي تعبئة الادخار القومي وتتيح تخصيص الموارد الرأسمالية بمزيد من الفاعلية. وهي تشجع المواطنين علي اعادة مدخراتهم الخارجية من أجل استثمارها في الاقتصاد الوطني, مما يؤدي الي تحسين ميزان المدفوعات. فالهدف يجب ألا ينحصر في حاجة الدولة للأموال التي تسدد بها ديونها.. وإنما يجب أن يكون الهدف الإستراتيجي هو استغلال الموارد, وتفعيل عملية استثمار موارد الدولة من ناحية, ودعم ورفع مستوي الخدمات علي نحو أرقي وأكثر تطورا من ناحية أخري. وكثير من المهتمين بموضوع الخصخصة من الناحية العلمية يدركون أنها تضم نماذج معينة منها, الخصخصة البراجماتية, والخصخصة التكتيكية, والخصخصة البنيوية. فالبراجماتية, وهي التي تنفذ من قبل الوحدات البيروقراطية, والمعزولة عن حركة مد وجزر الضغوط السياسية المعتادة وهي المتمثلة في العقود المحلية مع متعهدي القطاع الخاص لتقديم الخدمات العامة. وهذه العقود المحلية كثيرا ما تقدم كحلول فنية لمواجهة مشكلة اجتماعية عاجلة. أما الخصخصة التكتيكية فعلي النقيض من البراجماتية إذ ترمي لتحقيق الأهداف السياسية القصيرة المدي لأحزاب وسياسيين وجماعات مصالح بعينهم, فهذه الجهات تسعي إلي تغيير توازن القوي عن طريق كسب الحلفاء ومكافأة المؤيدين. وفي بعض الحالات يلجأ إلي الخصخصة المؤقتة باعتبارها شكلا من أشكال التمييز في البرنامج السياسي, علي سبيل المثال برنامج مبيعات الأصول الذي تبنته حكومة شيراك في فرنسا في الفترة من1986-1988 كان هدفه في المقام الأول كسب الانتخابات. والخصخصة التكتيكية تسترشد بالانتهازية السياسية وبحجم الغنائم المنتظرة, ومن ثم فهي تطبق عندما تلوح الفرصة الملائمة, أو عند توفر الحلفاء الأقوياء أو عندما تكون المقاومة ضعيفة, وقد تطبق الخصخصة التكتيكية عندما يطالب البنك الدولي وصندوق النقد بوضع خطط للخصخصة في دول العالم الثالث كشرط مسبق للحصول علي أي قرض, ومن ثم يكون ثمن تحرير الاقتصاد هو ثمن القرض. أما الخصخصة البنيوية فهي الخصخصة التي تتم علي أسس أكثر ايديولوجية, فهي تهدف إلي أحداث تغيير دائم في العلاقات بين طبقات المجتمع أكثر من كونها سبيلا تكنوقراطيا لحل عدد كبير من المشاكل المحددة ومن أجل إحداث التغيير في البني الاقتصادية للمجتمع, فإن الخصخصة البنيوية يمكن أن تتخذ اشكالا ثلاثة, الشكل الأول يرتبط بتغيير مصالح الطبقات العاملة تغييرا دائما وفي هذا الوضع ينجم عن غياب الدولة تراجع كبير لا يمكن تعويضه بسهولة في قوة الطبقات العاملة مقارنة بقوة النخب المنظمة ويتم اللجوء إلي مثل هذا النمط من الخصخصة عندما يكون الهدف الأساسي هو نسف القوة العاملة المنظمة كأن يعاد توزيع الوظائف الشاغرة ونقلها من القطاع العام المنظم نقابيا إلي القطاع الخاص الذي يفتقر لوجود النقابات ومن ثم يمكن أن نطلق علي الخصخصة البنيوية اسم نقل مراكز القوة. وكذلك نجد أن الخصخصة البنيوية تهدف إلي إحداث تغيير دائم في قيم الجمهور الفاعل وثقافته وآماله. وتتسبب التغيرات الكبيرة التي تحدثها انماط الخصخصة البنيوية في تبديل القواعد الأساسية للعبة التي يستخدمها الفاعلون السياسيون لتحديد مصالحهم وإعادة تقييم بدائلهم الاستراتيجية وتخلق فرصا يستفيد منها محترفو السياسة لحشد مؤيدين جدد ومن ثم يمكن للخصخصة أن تعفي الحكومة من ارتباطها ببعض المؤيدين, ولكنها تنجب مؤيدين جددا, وبهذه الطريقة فإن ما يعتبر اليوم إنجازا ناجحا لسياسة الحكومة قد يخلق لها عقبات في المستقبل. وفي رأيي أن الخصخصة لا تخدم الجمهور بأي شكل من الاشكال. وأن الادعاء بان الخصخصة ستؤدي الي خفض الأسعار ادعاء كاذب, إن خصخصة الشركات الحكومية لا يأتي بأي نتيجة ايجابية للجمهور, وكل ما فيه هو إعادة توزيع الثروات علي الأغنياء علي حساب الطبقة العاملة. إن الهدف من الخصخصة ليس مجرد مشاركة القطاع الخاص أو الأهلي في إدارة وتمويل هذه المؤسسات والمرافق. كما أن الهدف يجب ألا ينحصر في حاجة الدولة للأموال التي تسدد بها ديونها.. وإنما يجب أن يكون الهدف الإستراتيجي هو استغلال الموارد, وتفعيل عملية استثمار موارد الدولة من ناحية, ودعم ورفع مستوي الخدمات علي نحو أرقي وأكثر تطورا من ناحية أخري.
مشكلة الخصخصة في مصر أنها تمت بدون وعي وبدون التسلح بادوات الخصخصة وأنها هبت علينا فجأة دون أن نتسلح بأسلحتها كما فعلنا مع التطبيع مع إسرائيل. فالمشكلة الحقيقية أن مصر مجتمع اشتراكي يفكر بعقلية رأسمالية. ولقد أخذنا من الاشتراكية مساوئها دون محاسنها ومن الرأسمالية فعلنا نفس الشيء وأصبحنا لا اشتراكيين ولا رأسماليين. ومع كل حكومة نعيد الكرة من جديد, ولم تكن هناك أي محاولات للتعلم كما قال الدبلوماسي الفرنسي تاليران عن البوربون منذ أكثر من قرنين:' إنهم لم يتعلموا أي شيء ولم ينسوا أي شيء'. ولكن آن الآوان أن تعيش مصر لحظة فارقة في تاريخها, يمكن أن تستغلها أحسن استغلال كما فعلن دول اليسيان في أعقاب الأزمة الآسيوية التي ألمت بها في1997. مع أن ظروف مصر الحالية أحسن حالا والموقف الدولي أكثر جاذبية لتحقيق مشروعها الطموح, خاصة أن مصر لديها موارد لم تستغل بعد. فالسياسات الصناعية لابد أن تقوم علي موارد البلاد, ولابد أن تنبني علي فرص ملموسة لإدماج الصناعات والشركات في سلسلة القيمة العالمية علي سبيل المثال, من خلال تعميق الروابط القائمة مع شبكات الإنتاج وأسواق التصدير العالمية وفي الوقت نفسه تجنب الإفراط في الاستثمار في المجالات المتأخرة عن النمو الدولي. كما أن هناك هوسا جديدا لإحياء الصناعات في كثير من دول العالم خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا, حيث ذهب الديمقراطيون في الكونجرس إلي حد التحالف مع جماعات الضغط المناصرة للصناعة في إقرار التشريع الذي من شأنه أن يوفر الحماية والدعم المالي بهدف زيادة حصة الصناعات في الناتج المحلي الإجمالي.
ومن الواضح خلال العديد من المناقشات والأطروحات علي جميع المستويات, أن العديد من القوي السياسية تريد تجاوز الماضي, والقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية, ولكنها لا تستطيع. فالدولة لا تملك خطة محددة للإصلاح الاقتصادي, وقد مرت عدة سنوات الآن وهي تائهة لا تعرف ماذا تفعل, وأين تمضي, نظرا لتعدد الإرادات والمشروعات داخلها. وهي مثلها مثل الجمعيات السياسية والمعارضة لا تعرف أين مكمن الخلل الاقتصادي- السياسي الممكن المتاح لإرادتها لكي تغيره. فلا يملك أي حزب او حتي أي جمعية أهلية أي خطط محددة مدروسة يمكن تطبيقها لإصلاح الوضع الاقتصادي, بحيث تقف أمامه الدولة عاجزة عن تفنيده أو رفضه, لأن الجمعيات لا تمتلك عقليات اقتصادية سياسية تستطيع أن تحلل الوضع الاقتصادي وتطرح بدائل علمية! وأغلب ما يصدر هو كلمات ومقالات إنشائية وانطباعات وتمنيات ومطالب عامة لم توثق علميا, ولم تجدول في أي إحصائيات ولم تجر أي مقارنات اقتصادية ولم تحسب كميا أي بضائع أو أسعار, أو أين توجه عمليات تغييرها الاجتماعية- الاقتصادية المتداخلة. إن العقل المصري عاجز عن أن يفهم ما يجري اقتصاديا, أي أن يقوم بتشخيص الوضع الاقتصادي بشكل علمي, وأن يصل إلي نقاط وخطوط مشتركة, تستطيع أن تجمع أغلب النسيج الاجتماعي الوطني في مصالح مشتركة متوحدة علي الحد الأدني. ليس ذلك بسبب غياب الإرادة المشتركة من أجل الإصلاح بل لغياب الوعي الموضوعي بالوضع الاقتصادي وبالإمكانيات المتوافرة, لأن لا أحد درس ذلك! وقد رأينا أن كل الندوات تتوجه إلي الجوانب السياسية العامة أو الاقتصادية العامة المطاطة, بمعني أنه لم توجد ورقة واحدة درست الوضع الحقيقي واقترحت من خلاله إصلاحات محددة. ومهما يكن صعوبة الوضع فلم نصل بأي حال لما وصلت إليه ألمانيا التي استطاعت في سنوات قليلة أن تبهر العالم بإنجازاتها. فلقد تغير الكثير منذ عهد النازية. ففي أعقاب الانتصار المتوحش, ثم الهزيمة الدامية التي لاقتها, شهدت ألمانيا معجزة اقتصادية جعلت منها واحدة من أكثر دول العالم رخاء وازدهارا, هذا فضلا عما يقرب من ستة عقود من الديمقراطية المتزايدة الاستقرار.
نحن في حاجة موقف عملي ومنفتح يدعو إلي إدخال التعديلات اللازمة علي الوضع القائم حاليا بما يساعد علي تجاوز المعوقات التي تحد من تحسين أداء الاقتصاد وقدرته التنافسية مع المحافظة علي عدد من مرتكزاته الأساسية, المتمثلة بدور الدولة الاجتماعي والقطاع العام مع قبول فكرة الانتقال إلي اقتصاد السوق الاجتماعي.
وفي كل مرة نركز علي أن يكون لمصر نموذجها الخاص والتأكيد علي أن استنساخ التجارب التنموية رغم جاذبيتها الكبيرة عملية مرفوضة تماما' كرفض الوصفات والنماذج الجاهزة التي تقدمها الأوساط المالية والاقتصادية العالمية المعروفة وأنصارها والمروجون لها. إن بلورة هذا الخيار تتطلب منا دراسة نماذج من تجارب الإصلاح الاقتصادي وتقييمها واستخلاص نتائجها ودروسها كخلفية تأشيرية في إطار العمل علي تطوير مفهوم ونهج وطني للإصلاح الاقتصادي ينطلق من ظروف وإمكانيات ومصالح البلد ويتفاعل بإيجابية مع ما يحيط به أو يواجهه من تغيرات ومستجدات حاضرا ومستقبلا. ومن الممكن أن يشكل التطبيق الخلاق والمبدع للتعددية الاقتصادية الأرضية المناسبة لهذا التوجه. ففي العديد من أكثر الإصلاحات الاقتصادية نجاحا في التاريخ, تعلمت الدول الذكية من النجاحات التي حققتها سياسات دول أخري, وعملت علي تكييفها مع الظروف المحلية. ففي التاريخ الطويل من التنمية الاقتصادية, تعلمت بريطانيا في القرن الثامن عشر من هولندا, وفي أوائل القرن التاسع عشر تعلمت بروسيا من بريطانيا وفرنسا, وفي منتصف القرن التاسع عشر تعلمت اليابان تحت حكم ميجي من ألمانيا, وتعلمت أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية من الولايات المتحدة, وتعلمت الصين تحت حكم دينج شياو بينج من اليابان.
ومن ثم فعلينا أن نبدأ من حيث انتهي الآخرون وأن نلتفت إلي ميزة كل نموذج ونأخذ به, ومن الطبيعي أن لكل نموذج عناصر قادته إلي النجاح, فهذه هي العناصر التي تشكل مجتمعة نظاما اقتصاديا نموذجيا: سياسات سوق العمل الألمانية, ومعاشات التقاعد السويدية, والطاقة الفرنسية المنخفضة الكربون, والرعاية الصحية الكندية, وكفاءة استخدام الطاقة السويسرية, والفضول العلمي الأمريكي, وبرامج مكافحة الفقر البرازيلية, والسعادة الاستوائية في كوستاريكا.
كما يجب أن نعي مجموعة من الحقائق علي صانع القرار أن يعيها جيدا وإن كانت غير مرغوبة لدي رجل الشارع بحكم الخلفيات التاريخية, فنحن نعيش عصر المصالح الذي يفرض علي مجتمع أن يتجاوز خلافات وعداوات الماضي من أجل تحقيق مصلحته الوطنية فأولا علينا أن نغلق ملف الخصخصة, فخصخصة الشركات لا تأتي بأي نتيجة ايجابية للجمهور, وكل ما فيه هو إعادة توزيع الثروات علي الأغنياء علي حساب الطبقة العاملة, ثانيا: بالرغم من صفة الأولوية التي يحملها القطاع العام الصناعي وإصلاحه في برنامج الإصلاح والتطوير والتنمية والإنماء في مصر, فإن هذا القطاع بقي خارج المعالجة علي امتداد العقود الماضية. ألا يشكل تقلب الدولة في خياراتها وسياستها وقراراتها بشأن القطاع العام الصناعي وإصلاحه بعد سنوات من غياب الرؤية وتوجهات الإصلاح والتغيير والإنماء ظاهرة مقلقة علي الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, مقلقة أيضا للعمال في القطاع العام الصناعي وللقطاع الخاص الوطني علي السواء ومعيقة لبناء إطار وطني واضح للتشارك الاستراتيجي الوطني المسئول بين قوي المجتمع الفاعلة في المجال الاقتصادي والقطاع الصناعي منه تحديدا؟. ثالثا: لا يصح ارتجال القرارات التي تتناول في جوهرها الخيارات والسياسات الاقتصادية الاستراتيجية لأن هذا يوقع في أخطاء مكلفة اقتصاديا واجتماعيا, ويولد قلقا في أحسن الأحوال وتذمرا في معظمها, بينما تحتاج بلادنا إلي بناء متين راسخ للتوافق والتعاضد والتضامن علي الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق الاستقرار والنمو معا. رابعا: هل تتفقون معي في أن عثرات السياسة الصناعية وتقلبات خياراتها والارتداد عن بعض قراراتها مرتبطة أيضا بتقييد جناحي وزارة الصناعة عبر ربط بوزارات مختلفة وحرمانها أي وزارة الصناعة من حقها وصلاحيتها في التحكم بالشروط الاقتصادية داخل القطاع الصناعي نفسه؟ خامسا: بفضل العولمة لم تعد هناك حدود واضحة بين الاقتصاد الاقليمي والاقتصاد الدولي. وأصبح الفاصل الاقتصادي مشوشا أو ضبابيا كما أضحت المنافسة أقوي وأوسع. وستتوزع بالتالي النشاطات الاقتصادية علي أسس دولية وليس اقليمية أو وطنية. ويمكن لأي نشاط اقتصادي اليوم أن ينتقل بسهولة عبر الحدود وبالتالي يغطي علم' الاقتصاد الجغرافي' العالم أكثر فأكثر. لم تعد تكفي مقارنة المناطق الجغرافية ضمن الدولة الواحدة أو المنطقة الواحدة, بل وجبت المقارنة دوليا لفهم خصائص مواقع الاستثمارات والانتاج. سابعا: إن ما يجعل من أي بلد دولة عظيمة ليس مساحة أراضيه, ولا تعداد سكانه, ولا جيشه, ولا اقتصاده, بل الكيفية التي يستخدم بها قوته في صياغة العالم خارج حدوده. وتلك دروس الستينيات عندما كانت السياسة الخارجية لمصر في قمة نشاطها في إفريقيا بصفة خاصة. والواقع أن البلدان القوية ولكنها ما زالت نامية تميل إلي النظر إلي السياسة الخارجية باعتبارها أقل أهمية من السياسة الداخلية وبوصفها وسيلة للوصول إلي الأسواق والموارد الضرورية لتحقيق التنمية السريعة. إن السياسة الخارجية لأي بلد يفترض أن تستهدف في المقام الأول تعزيز مصالحها الوطنية. علينا أن نعي دروس الأسيان في التغلب علي عداواتهم التي وصلت إلي حد الحروب الطاحنة ومع ذلك يلجأون إلي نبذ هذا العداء عند الاقتراب من الموضوعات الاقتصادية وهم يعتمدون علي مبدأ شهير لديهم وهو أن' السياسة الباردة والاقتصاد الساخن' يشكل تعريفا دقيقا للوضع الراهن: فالبلدان العاجزة عن التغلب علي عداواتها التاريخية عندما يتلعق الأمر بالسياسة الخارجية تعترف بسهولة بأن العلاقات الأفضل تعني اقتصادا أفضل. وقد شهدت منطقة شرق آسيا بشكل خاص ارتفاعا غير مسبوق في التجارة البينية الإقليمية, والاستثمار, بل حتي السياحة علي مدي العقدين الماضيين. أليس هذا الاتجاه يحتم علينا أن نعيد علاقاتنا بإسرائيل ونعيد منظومة التطبيع لتخدم مصالحنا الاقتصادية. لقد مرت عقود ولم نستفد من هذا التطبيع, فهو في حاجة إلي إعادة هيكلة لتصب في مصلحة الطرفين.
ثامنا: لا أحد ينكر أهمية الاستثمار العام في تعزيز النمو والتنمية المستدامة, وتنشيط القدرة التنافسية, وتوفير فرص العمل, وتقليص الفوارق بين مستويات الدخل. وقد أدت الأزمة المالية الأخيرة إلي تكثيف التركيز علي الاستثمار العام كأداة محتملة لمواجهة التقلبات الدورية, وإلي قيام العديد من الحكومات في البلدان النامية والمتقدمة علي السواء بإطلاق برامج للاستثمار العام والنهوض بالمزيد منها من أجل توفير وتعزيز فرص العمل وإرساء أسس النمو المتجدد. وهناك تأثيرات إيجابية للاستثمار العام فهي تحسن الإنتاج, وتزيد من معدل العائد من الاستثمار الخاص, وتقلل من تكاليف المشاركة الاقتصادية. وبذلك يمكن للاستثمار العام أن يحشد استثمارات إضافية من القطاع الخاص, وان يواصل تنشيط النمو الاقتصادي لاسيما عند ضعف توظيف الموارد الاقتصادية خاصة في البنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية( مثل النقل والاتصالات والتعليم والصحة), وهي المجالات التي يمكن أن تزيد الإنتاجية وأن تهيئ ظروفا مواتية للاستثمار الخاص. والدور المحتمل الذي يمكن أن يؤديه الاستثمار العام- بما في ذلك الشراكات بين القطاعين العام والخاص- في جذب شركات اللوجستيات الأجنبية. وهناك حاجة إلي إجراء بحوث من أجل إجراء تقييم أفضل للطرق التي تدعم بها الشراكات بين القطاعين العام والخاص عملية التنمية, ومعرفة أي الشروط أكثر أهمية, وكيفية تخطيط هذه الشراكات بحيث تحقق أفضل نتائج. وغالبا ما تكون القطاعات المناسبة للشراكات بين القطاعين العام والخاص, في مشاريع البنية التحتية الرئيسية مثل النقل والطاقة والماء, والمشاريع المرتكزة علي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, والبحث والتطوير, وكلها تقع ضمن المشاريع الواعدة. وقد أظهرت الأزمة العالمية الأخيرة أن الاستثمار الأجنبي المباشر قد يكون أيضا عرضة للتقلب, فقد يؤدي إلي إرجاء الاستثمارات الجديدة أو إلغاء المشاريع خلال مهلة قصيرة, أو زيادة تحويل الأرباح إلي الوطن. لهذا لابد من العودة إلي ضرورة غرس الاستثمار العام في إطار إنمائي وطني متسق, يراعي التقدم الاجتماعي والاستحقاق العام, لا مجرد الربحية الاقتصادية, ومن ثم يجب اتخاذ القرار بطريقة ديمقراطية وشاملة من أجل تحقيق رؤية إنمائية وطنية يشارك فيها جميع تيارات المجتمع في إطار إستراتيجية نمو متسقة, تؤدي دورا بالغ الأهمية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.