يبدو أن معاناة العاملين والموظفين لن تنتهي.. حتي لو خرجوا الي المعاش بعد سنوات عمل وكفاح فقد خرجت علينا وزارة المالية مؤخرا بقرار يحظر صرف أي مبالغ مالية لتمويل مكافأة نهاية الخدمة للعاملين المحالين للمعاش خصما من اعتمادات الموازنة العامة للدولة.. وان ما كان يدفع في الماضي مخالفة جسيمة!! وأن مكافأة نهاية الخدمة يتم تمويلها قانونا من الاشتراكات التأمينية المحصلة من العاملين ومن جهة العمل, ولا دخل للموازنة العامة بذلك, فيما عدا العاملين بالجهات التي تنظم شؤونها قوانين خاصة.وبالتالي يدخل المحال الي المعاش في الحكومة وقطاع الاعمال العام في دوامة جديدة.. هل سيحصل علي مكافأة نهاية خدمة ؟ ومتي ؟ وكم سيصرف ؟ وهل سيصطدم بمخاوف عدم دفع الاشتراكات التأمينية او التلاعب في حصتها ؟ وهل في النهاية سترتاح الموازنة العامة للدولة ؟ أم ستظل أموال التأمينات والمعاشات تدفع ثمن صراع الوزارات وتضارب الاختصاصات ؟!! كان الدكتور أحمد جلال, وزير المالية, قد اصدر تعليمات للمراقبين الماليين ومراقبي الحسابات والمديرين الماليين بالجهات العامة بحظر صرف أي مبالغ مالية لتمويل مكافأة نهاية الخدمة للعاملين المحالين للمعاش خصما من اعتمادات الموازنة العامة للدولة. وأوضحت التعليمات أن بعض الجهات العامة حاولت صرف جزء من اعتماداتها المدرجة بالموازنة لتمويل قيمة مكافآت نهاية خدمة للعاملين لديها المحالين للمعاش, وهو ما يخالف قانون تنظيم نظام العاملين المدنيين بالدولة رقم47 لسنة1978 وتعديلاته وأيضا قوانين الموازنة العامة, حيث إن هذه القوانين لم تتضمن أي إشارة تسمح بتمويل الموازنة العامة لمكافآت نهاية الخدمة والتي ينظم صرفها قانون التأمينات الاجتماعية رقم79 لسنة1975 وتعديلاته. وأشارت التعليمات إلي أن مكافأة نهاية الخدمة يتم تمويلها قانونا من الاشتراكات التأمينية المحصلة من العاملين ومن جهة العمل, ولا دخل للموازنة العامة بذلك, فيما عدا العاملين بالجهات التي تنظم شؤونها قوانين خاصة. وشددت التعليمات علي عدم أحقية الجهات العامة, القيام منفردة باستصدار قرارات يترتب عليها أعباء مالية علي الخزانة العامة فهذا الأمر مخالف لحكم المادة27 من القانون رقم53 لسنة1973 بشأن الموازنة العامة للدولة وتعديلاته والتي ألزمت الوزارات والمصالح والهيئات والمؤسسات العامة بضرورة اخذ رأي وزارة المالية اولا في مشروعات القوانين والقرارات الإدارية التي من شأنها ترتيب أعباء مالية علي الخزانة العامة, قبل التقدم بهذه المشروعات إلي الجهات المختصة. وأكدت التعليمات أنه في حالة الرغبة في وضع نظام يساند ميزة مكافأة نهاية الخدمة أو منح مزايا إضافية للعاملين سواء بالحكومة أو القطاعين العام والخاص فإن القانون أوجد آلية لذلك تتمثل في إنشاء صندوق تأمين خاص يعتمد في تمويله علي اشتراكات الأعضاء من العاملين في الجهات العامة أو الخاصة دون تحميل موازنة الدولة أي أعباء مالية إضافية. يتزامن مع هذا القرار الذي تسعي وزارة المالية الي تفعيله ماصرح به وزيرا التضامن والتخطيط.. الدكتور أحمد البرعي وزير التضامن الاجتماعي قال إن قيمة أموال التأمينات لدي وزارة المالية تبلغ436 مليار جنيه شاملة فوائد المبالغ المستحقة, مشددا علي أنه ستحدد خلال الفترة القادمة آليات صارمة لاسترداد هذه الأموال. وأكد أنه يعمل علي استثمار أموال التأمينات حتي تستطيع تلبية احتياجات أصحابها دون الحاجة للدولة, وأنه سيجتمع مع عدد من المختصين لبحث استثمار أموال التأمينات بالبورصة. في حين قال د. أشرف العربي وزير التخطيط إن بنك الاستثمار كان الهدف من إنشائه تمويل الخطط الاستثمارية وأن إيراداته تأتي من أمول التأمينات الاجتماعية وصندوق توفير البريد وشهادات الاستثمار, مشيرا إلي قيام بعض الجهات المختلفة بالاقتراض منه كهيئة السكك الحديدية واتحاد الاذاعة والتليفزيون ولكن قابلها تعثرات في سداد ديونها ما أثر علي أموال البنك. وأضاف أن الزيادة الكبيرة في الفجوة بين الاشتراكات وبين المعاشات والتي تبلغ نحو40 مليار جنيه هذا العام وتحمل الخزانة العامة اعباء زيادات المعاشات المقررة بقوانين وكذا اعباء المعاشات غير الممولة وضعف قيمة المعاشات خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة, مشيرا إلي أن الحل الجذري لتلك الامور قد يستغرق فترة زمنية طويلة لكن يجب البدء من الآن واتباع خطوات محسوبة تقود في النهاية الي بناء نظام تأميني قوي ومتوازن وواضح الموارد والالتزامات. ولفت إلي أنه يتم دراسة امكانية تحويل البنك الي بنك تجاري مع الحفاظ علي هويته كبنك يمول مشروعات الخطة وزيادة رأسماله لتغطية العجز في محفظته... ماذا عن رؤية الخبراء ؟!.. تتساءل د. أمنية حلمي مديرة المركز المصري للدراسات الاقتصادية: اين أموال التأمينات الآن ؟ هل في حوزة المالية ام التضامن الاجتماعي ؟.. اموال التأمينات دخلت صراعا بين وزارتين.. المالية والتضامن.. ولا أحد يعرف حجمها الحقيقي ومكانها وعوائدها!! ومن المفروض ان تقوم وزارة المالية بردها الي وزارة التضامن الاجتماعي التي بدورها تنظر الي الموارد وفقا للقانون النظري ثم تقرر الاجراء السليم ناحية صرف مكافآت نهاية الخدمة فهي الوزارة المسئولة عن ذلك بجانب المعاشات كما أن مديونية وزارة المالية في هذا الشأن من الطبيعي أن ترحل الي التأمينات الاجتماعية.. لذا يجب فض الاشتباك اولا وبشكل كامل ونهائي بين الوزارتين علي ان تمول مكافآت نهاية الخدمة من نظم المعاشات بحسابات اكتوارية. تضيف: اجراء د. أحمد جلال إن كان مظبوطا قانونيا الا انه غلط لأن التطبيق العملي يثبت وجود صراعات ينبغي حلها اولا بشفافية نفتقدها في الارقام والتحليلات من الوزارات المعنية!! توضح د. أمنية أن نظام المعاشات في مصر يقوم علي مبدأ التكافل الاجتماعي حتي يضمن كل مواطن أنه وذويه سوف يتمتعون بحياة كريمة يجد نفسه غير قادر علي الاستمرار في العمل نتيجة لكبر سنه أولغيره من الظروف والمخاطر التي قد يتعرض لها خلال حياته. وبفضل ما تتمتع به مصر من هيكل شاب, تمكن نظام المعاشات حتي الآن من توفير قدر كبير من المدخرات للتمويل طويل الاجل. ونظام المعاشات الحالي بحاجة لرفع كفاءته الاقتصادية وتعزيز قدرته علي الاستدامة المالية في الأجل الطويل. كما يشهد الاقتصاد المصري في الفترة الحالية جدلا واسعا حول الأسلوب الأكثر كفاءة لاستثمار الأموال المتاحة لنظام المعاشات. وهناك أسلوبان رئيسيان لتمويل المعاشات المستحقة. الأول يعرف بنظام الدفع عند استحقاق المعاش, أو بنظام الموازنة السنوية. أما الأسلوب الثاني, فهو النظام الممول بالكامل وفقا للنظام الأول, يتم تمويل المعاشات المستحقة للمتقاعدين حاليا باستخدام الاشتراكات الجارية وبتزايد أعداد تحصيلها من العاملين الحاليين في الخدمة بجانب ان الاشتراكات الجارية المحصلة تزيد عن المعاشات المستحقة حاليا. وتستخدم الحكومة هذا الفائض في أغراضها المختلفة كتمويل استثماراتها أو لتغطية عجز الموازنة العامة للدولة مما قد لا يتفق مع مصالح العاملين المشتركين في النظام وأصحاب المعاشات أما إذا تزايدت أعداد المستحقين للمعاش بالنسبة إلي أعداد العاملين المشتركين في نظام المعاشات, بفضل التحسن الذي طرأ علي معدلات توقع الحياة عند التقاعد, أو بفعل الانخفاض في معدلات المواليد وبالتالي تناقص أعداد المشتركين الجدد في النظام, فسوف يرتفع الإتفاق علي المعاشات وتقل حصيلة الاشتراكات. وعندما تكون الاشتراكات الجارية المحصلة لا تكفي لسداد ما يستحق من معاشات, فإن الحكومة تتحمل عبئا ماليا لتغطية هذا العجز, أو تلجأ إلي تعديل معدل الاشتراك بصورة دورية لتضمن أن حصيلة الاشتراكات الجارية كافية لتغطية الالتزامات الجارية للمعاشات, وهو ما يعتبره العاملون الحاليون زيادة في أعبائهم الضريبية وقد يدفعهم لمحاولة تجنب سداد الاشتراكات المستحقة عليهم. أما في النظام الممول بالكامل, فإن تمويل المعاشات المستحقة يتم باستخدام الاشتراكات التي ادخرها العاملون الذين يشملهم النظام علي مدار سنوات عديدة في صندوق للمعاشات, ويتم استثمارها في أصول متنوعة لتحقيق معدل عائد حقيقي عليها. أي أنه في ظل هذا النظام, تكون القيمة الحالية للاشتراكات المدخرة مساوية تماما للقيمة الحالية للمعاشات المستحقة مستقبلا, وبحيث يكون النظام قادرا علي الاستدامة المالية في الأجل الطويل دون الحاجة إلي أي دعم مالي من الحكومة. ويتطلب النظام الممول بالكامل استثمارا كفؤا للأموال المدخرة لضمان المحافظة علي القيمة الحقيقية للمعاشات المستحقة للأفراد, فضلا عن تحقيق الاستقرار في معدل الاشتراكات. وقد يساعد هذا النظام علي تطوير سوق رأس المال بما يوفره من مدخرات للتمويل طويل الأجل, وما يولده من طلب علي أدوات جديدة مالية ومؤسسات. كما يجب تعديل نظام المعاشات الحالي من خلال تغيير بعض القواعد المتعلقة بهيكلي الاشتراكات والمعاشات, ووضع آلية تلقائية للمحافظة علي القيمة الحقيقية للمعاشات, وإجراء التعديلات التشريعية اللازمة لرفع كفاءة استخدام أموال المعاشات بتنويع مجالات الاستثمار وإيجاد جهة مستقلة متخصصة في وضع وتنفيذ سياسة للاستثمار الأمثل لهذه الأموال. يؤكد د. صلاح جودة الخبير الاقتصادي ان اجمالي مايصرف من مكافآت نهاية الخدمة لا يتعدي800 مليون جنيه سنويا لنحو22 ألف موظف وعامل في الحكومة وقطاع الاعمال العام.. وان اموال التأمينات الاجتماعية لا تقل عن600 مليار جنيه حاليا بعد أن استلمها يوسف بطرس غالي عندما تولي وزارة المالية في2004 وكانت416 مليارا وسط تأكيدات بأن الحكومة تضمن اموال التأمينات بفائدة8% رغم ان فائدة اذون الخزانة والسندات14% أي ان هناك6% من الفائدة متآكلة منذ9 سنوات.. وبالتالي عندما يخرج العاملون بالدولة علي المعاش, تلتزم الدولة بدفع مكأفاة نهاية الخدمة له بموجب انها المالكة والضامنة لأموال التأمينات التي منها مايدفعه العامل كحصة تأمينية شهرية وتعهدت الحكومات المتتالية بحماية هذه الاموال بفوائدها اما أن تأتي الحكومة الحالية ممثلة في وزير المالية د احمد جلال وتعلن عن رغبتها بحظر صرف أي مبالغ مالية لتمويل مكافأة نهاية الخدمة للعاملين المحالين للمعاش خصما من اعتمادات الموازنة العامة للدولة فهذا ضد المنطق الذي ينص علي التزام الدولة بدفع المكأفاة كما يفتح هذا الاجراء باب تخلي الدولة عن مسئوليتها ويهدد باشتعال مظاهرات فئوية وفتح باب توتر مجتمعي جديد. يوضح مصطفي عبد الغفار رئيس مصلحة السجل التجاري سابقا أن المراكز القانونية للافراد تنشأ وفق حالتين بقواعد قانونيةآمرة تتسم بعموم التطبيق دون تمييز وتجريد المنشأ دون هوي وهي واجبة النفاذ. او تنشأ وفق الاعراف الادارية اي ان هذه الجهة تعارفت مع نظام معين وهذه المراكز القانونية اوجدت حقا مكتسبا صعب اهداره لانه منح ومنع اهواء ولا يجوز المنع باي حال إلا بضرورة وهي يجب ان تكون مفروضة وجوبيا تصل إلي الحق المطالب به, فالحرمان من المعاش يستدعي ابداء الاسباب لأنه حق ترتب عليه مركز قانوني وبدون ذلك يصبح هذا التصرف فساد ا وسوء استخدام للحق. علما بأن قانون العاملين المدنيين بالدولة هو أداة لتنظيم مرافق الدولة في العلاقة بين العاملين وبينها, الإدارية والمتعلقة بمقتضيات العمل الوظيفي دون التعرض للجوانب المالية قط وباعتبار ان الصرف كان ساريا في ظل القانون47 لسنة1978 فلا يجوز التعويل عليه من قريب او بعيد ولا يعد حجة يستند اليها لتنفيذ القرار.