بدأت فكرة المشروعات الصغيرة تحظى باهتمام الدولة مع تبنى برنامج الاصلاح الاقتصادى فى سنة 1991 وكانت الحكومة فى ذلك الوقت تتبنى فكرة الاهتمام بتقوية القطاع الخاص ودوره واستثماراته فى ظل الرغبة فى تقليص دور الحكومة ونفقاتها العامة وتشغيلها والتزاماتها الكبيرة غير المحدودة. فى الوقت نفسه كانت الدول البترولية والخليجية تحديدا وصلت لمرحلة من التشبع الاستثمارى من ناحية والرغبة فى احلال العمالة الوطنية محل العمالة الوافدة.. واصبحنا فى مصر نتحدث عن العمالة العائدة من هذه الدول ورغبتها فى ايجاد فرصة عمل فى وطنهم. .كذلك كانت هذه الفترة هى بداية تطبيق برنامج الخصخصة وبرامج المعاش المبكر للعاملين بالمشروعات العامة.. واهمية مساعدتهم على عمل مشروعات صغيرة تساعد فى خلق مصدر دخل اضافى لهم. ومن ثم بدأ الحديث عن ضرورة الاهتمام بالمشروعات الصغيرة كآلية لخلق فرص عمل جديدة فى القطاع الخاص دون التزام كبير على الحكومة.. وكان البنك الدولى وبرنامج اعادة الهيكلة وراء هذا التوجه ومن ثم تم تدشين وتأسيس الصندوق الاجتماعى للتنمية باعتباره الجهة المنوط بها توفير التمويل للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر الجديدة. اذن القضية كانت تشجيع الافراد على تأسيس مشروعات صغيرة من خلال توفير التمويل الميسر للمشروعات سواء فى مرحلة البداية والانشاء او فى مشروعات تعمل بالفعل منذ فترة.. وكانت التجربة.. تجربة التمويل فاشلة بكل المقاييس.. فالاندفاع نحو الاقراض من جهة الصندوق الاجتماعى من ناحية والشروط الميسرة من ناحية اخرى.. ادى لاقبال فئات من الشباب غير المؤهل وغير المكترث والمتصور ان المال الرخيص.. مال تستغنى عنه الحكومة.. مما ادى لاهمال مشروعاتهم وعدم القدرة على سداد القروض وانتهى بهم الأمر إلى الدخول فى مشاكل كبيرة مع الصندوق الاجتماعى فى كثير من الاحيان... تجربة مريرة....لانها تجربة تم التعامل معها بمنطق التمويل فقط.. منطق..» مرزوق افندى ادى له حاجة».. ثم حاول ان تسترد ما دفعت بمنطق البنوك.. وإلا فان السجن مآل المقترض.. واضح اننا لا نتعلم من تجاربنا السابقة للاسف.. ونعمل بنفس المنطق.. منطق توفير التمويل الرخيص فقط لا غير.. هذا اسلوب لم ينجح سابقا.. لماذا نكرره؟ الاشكالية فى حالة المشروعات الصغيرة اشكالية كبيرة واكثر تعقيدا من الحل التمويلى وحده .. رؤية تقديم تمويل رخيص للمشروع واسترداد ما اقرض ... وما بينهما لا يهم سوى سداد الفوائد بانتظام.. اى ان كانت طريقة السداد ومدى نجاح المشروع من عدمه. اذا نظرنا لتجربة ناجحة مثل تجربة الدكتور محمد يونس فى بنك جرامين.. بنك الفقراء فى بنجلاديش.. اديرت منذ بدايتها بالمنطق الاقتصادى الاجتماعى التشاركى.. منطق التدريب الفنى المتخصص.. والعمل الجماعى وتقسيمه ما بين الشركاء.. لكل مسئوليته.. التمويل بأسعار فائدة تنافسية مثل السوق.. حتى تقوى من قدرة المشروع على المنافسة فى السوق.. الاهتمام بتفاصيل المنتج وتصميمه وتغليفه.. واهم من هذا وذاك تسويقه داخل البلاد وخارجها.. فالمنتج الضعيف جودة وسعرا يصعب الترويج له وايصاله للاسواق المحلية والعالمية. فالقضية اكثر تعقيدا من كونها قضية تمويل..لاشك ان التمويل مهم ومبادرة البنك المركزى طيبة ولكن التمويل هو اسهل حلقات تنمية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر.. كما انها مؤكدا ليست على رأس الاولويات لخدمة القطاع. اولويات تنمية المشروعات الصغيرة ذات طبيعة فنية مرتبطة بطبيعة النشاط الانتاجى سواء سلعى او خدمى.. كل نوع نشاط له احتياجاته المتخصصة.. من تدريب وتأهيل عال لاصحاب المشروع وعماله.. تصميم وتطوير للمنتجات وتنويعها.. ربطها بالاسواق المحلية والتجمعات المتخصصة، والمشروعات الاكبر حجما ومتعددة المدخلات، وبالاسواق العالمية وسلاسل انتاجها .. او نقل الخبرات المحلية الناجحة للتنافس الدولى والاسواق الخارجية من خلال نظم الفرانشيز.. او العلامات المسجلة. اما التمويل والاجراءات الخاصة بالتسجيل فهى امور ضرورية لكنها بسيطة وسهلة، الا انها لا تقيم مشروعا او تضمن استمراره وتوسعه وانتشاره داخليا وخارجيا... وفتح اسواق واسعة امامه. لذلك فان تكوين لجنة او مؤسسة او جهة مسئولة عن تطوير هذا القطاع الحيوى النابض بالامل، قطاع المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر يجب ان يتم بمنطق اشمل من منطق التمويل وحده .. المحدود.. فى أفقه وآثاره.. حتى الان. فى مصر اكثر من 3 ملايين مشروعات صغيرة ومتناهية الصغر.. اكثر من 90 ٪ منها تمول نفسها حاليا بمواردها الذاتية بدون حاجة لتمويل مصرفى او غيره.. لكنها مؤكد فى حاجة لان تطور من منتجاتها وتنوعها وتسوقها.. اذا توافر لها ذلك فإنه يحدث فرقا كبيرا.. بل انه يمكنها ان تعتمد على مواردها الذاتية فى مرحلة التطوير.. مواردها التى ستمنو مع الوقت.. تدريجيا.