الخسائر الأخيرة التي مني بها الذهب, الذي يقل سعره حاليا بنسبة28% عن المستوي المرتفع الذي سجله في سبتمبر عندما بلغ1920 دولارا للأوقية, تعني ان الذهب يمكن ان تهبط اسعاره كما ترتفع, وهو ما يجب ان يدركه الجميع, ولكن كما ذكر تقرير للنيوزيوك تايمز الاسبوع الماضي, تراجع الذهب كان صدمة مروعة للكثيرين الذين تخيلوا انهم يشترون اكثر الاصول امانا علي الاطلاق, فهل فقد الذهب عرشه كملاذ آمن للمدخرات وللاستثمار وانتهي عصره مثلما يزعم كريدي سويس, سوسيتيه جنرال وجولدمان ساكس ؟ ماذا حدث للذهب في الأيام الماضية وما هي توقعات الخبراء بخصوص اسعاره؟ تحت الارض في مانهاتن, يحتفظ بنك الاحتياطي الفيدرالي لنيويورك بأكبر مستودع للذهب في العالم- نصف مليون سبيكة- لكنه فقد حوالي75 مليارا من قيمته بسبب الانخفاض الحاد في سعر المعدن الاصفر وهبوطه عن3400 دولار, وكذلك في كنتاكي, خسائر احتياطي الذهب الرسمي, تزيد علي50 مليار دولار. أما بالنسبة للمستثمرين الذين اشتروا الذهب في2011 فقد تصل خسائرهم اليوم الي 42%. وهكذا تحول المعدن النفيس الي استثمار سيئ السمعة, وبعد موجة صعود علي مدي12 عاما متتالية سجل خسائر قياسية ويخشي المستثمرون مزيدا من الهبوط رغم تعافيه1% نهاية الاسبوع الماضي وسط إقبال علي شراء السبائك والعملات المعدنية والخام للاستفادة من انخفاض الاسعار. ولكن المعدن مازال مهددا مع مواصلة المستثمرين تحويل حيازاتهم من صناديق المؤشرات العالمية وعمدهم الي بيع معادن وسلع أولية بعد نمو دون المتوقع للناتج المحلي الصيني في الربع الأول من العام مما ألقي بظلال من الشك علي سلامة الاقتصاد العالمي. وتأثر اسعارالذهب لم يقتصر علي ذلك فحسب, فهناك ايضا احتمال قيام الحكومة الأمريكية بتجميد برنامج التحفيز النقدي بعد مؤشرات ايجابية, وعلي صعيد الاقتصاد العالمي, بالرغم من صعوبة تحقيق نمو قوي فان اسوأ أزمة ركود قد انتهت, وتعافي وتحسن الاقتصاد معناه اخبار سيئة للذهب, حيث يقل الطلب عليه للتحوط المالي. وكان جولدمان ساكس, آخر البنوك الكبيرة التي خفضت توقعاتها لأسعار الذهب وتنبأ بمزيد من الهبوط, الي1390 دولارا في غضون عام, اما سوسيتيه جنرال الفرنسي فأصدر تقريرا بعنوان نهاية عصر الذهب قال فيه ان الذهب سينزل الي1375 دولارا بحلول نهاية العام وسيواصل الهبوط لسنوات. وفي رأي وليام أونيل, مؤسس شركة لوجيك البحثية التي نصحت المستثمرين في شهر ديسمبر الماضي بالخروج من سوق الذهب. بعدما ظلت طوال عامين توصي بالاستثمار فيه, ان المعدن النفيس سوق تتحكم فيه العوامل النفسية ويتوقع استمرار موجة الهبوط الا إذا حدث تطور غير متوقع. كان جورج سوروس ولويس بيكون, وهما من أبرز مديري صناديق التحوط في العالم قد باعا كميات من الذهب في الربع الأخير من عام2012, والاسبوع الماضي قال سوروس في تصريحات صحفية ان الذهب فقد مكانته كملاذ آمن, وبسبب هذه الصدمة سوف يقلص الناس حيازاتهم من الذهب. اسعار الذهب خلال الاسبوع الماضي تأثرت أيضا بإعلان قبرص عن بيع ما قيمته400 مليون يورو من احتياطياتها الرسمية من الذهب لدعم خطة الانقاذ الدولية لتكون اول دولة في منطقة اليورو تلجأ الي بيع جزء من احتياطياتها منذ اندلاع ازمة الديون الأوروبية قبل ثلاث سنوات. وقد جاء قرار الحكومة القبرصية ليثير القلق في الأسواق ان تكون هذه السابقة لعمليات مماثلة في باقي الدول المتعثرة في المنطقة. ووفقا لمجلس الذهب العالمي ستضطر قبرص الي بيع ما يزيد علي عشرة أطنان من احتياطيها البالغ13.9 طن من الذهب لدي البنك المركزي الذي تمثل حيازاته62% من اجمالي الاحتياطيات الرسمية للبلاد, واذا قررت ايطاليا او البرتغال محاكاة قبرص, فإنه لدي البنك المركزي الايطالي2451 طنا من الذهب بما تزيد نسبته علي70% من اجمالي احتياطياته ولدي البرتغال383 طنا بنسبة90% وهو في النهاية ما يعني احتمال بيع كميات كبيرة. وفي الوقت الذي نصح فيه بنك جولدمان ساكس عملاءه بالتقليل من حيازاتهم من الذهب, مما ساعد علي دفع المعدن الاصفر الي الهبوط بنسبة4.3%, فإن هناك مجموعة من مؤيدي المعدن الذين يرون ان تراجعه لن يستمر طويلا نظرا لأن قيمته حقيقية ثابتة في أي مكان بالعالم, يسهل إحفاؤه ولا يمكن تدميره, ومن هؤلاء سوزان جلوز رئيسه مؤسسة سوربيتون أسوشيتس المتخصصة في متابعة سوق الذهب ومقرها مدينة ملبورن الاسترالية التي تقول ان اسعار الذهب قد اصابها الجنون خلال الايام القليلة الماضية, ومع ذلك لا تشعر بقلق شديد, وتوضح سوزان ان هناك مجموعة كبيرة من العوامل التي تؤثر علي اسعار الذهب, لكن من المستحيل التنبؤ بما سيحدث بدقة لأن جزءا كبيرا منها مجرد مشاعر الخوف والذعر. والجزء الأكبر من التعاملات علي الذهب في السوق العالمية عبارة عن مضاربات الجزء الأكبر مما يقود السوق هو المشتقات, وهي عبارة عن منتجات مالية تعتمد علي المضاربة بعقود شراء مستقبلية, وليس بسلع حقيقية. وأكدت سوزان ايضا ثقتها في عودة اسعار الذهب الي الارتفاع وارجعت ذلك الي ثبات الطلب علي المعدن النفيس ولان الناس تنظر إليه باعتباره أفضل مخزن للقيمة!!. كان المعدن الأصفر النفيس في طريقه للوصول الي مستوي قياسي قدره1888 دولارا للأوقية منذ عامين, وازدهر نشاط متاجر المجوهرات عندما اندفع الناس الي بيع مقتنياتهم الذهبية لتحقيق أرباح, ومع ذلك خسر هؤلاء كثيرا لأنهم لم ينتظروا وقتا أطول, حيث واصلت اسعار الذهب ارتفاعها لكسر حاجز الألفي دولار للأوقية. والآن انخفض السعر الي اقل من1400 بما يعني انه فقد اكثر من ربع قيمته مقارنة بأعلي مستوي في2011. وفي حين يقول محللون ان سعر الذهب سيواصل الانخفاض حتي يصل الي1000 دولار للأوقية,يري اخرون في الاسعار الحالية فرصة للشراء لا يجب التفريط فيها لأن الاسعار ستعاود الصعود مجددا. ويقول الكس كوي لقراءة نشرة ديجرز اند دريللرز( الحفارون والمنقبون) المعنية بشئون المعادن, اذا كنت تفكر في شراء الذهب ولكنك لم تتحرك من اجل ذلك خلال اسبوع تقريبا فإن الاسواق تعطيك3 اسباب مهمة لكي تدرك ان الاسعار سترتفع. ويري كوي ان اسعار الذهب الآن انخفضت الي أدني مستوي ممكن مع انخفاض تكاليف الانتاج بالنسبة للمضاربين والانتعاش المتوقع للسوق, وانه من الصعب اعتبار الانخفاض في سعر أي عملة بنسبة10% خلال24 ساعة أمر طبيعي, ويقول ان ما يجري وراء الكواليس في هذه السوق الغامضة لا يعرفه أحد, فسوق الذهب لا تتسم بالشفافية.