بدائل الثانوية العامة بعد الشهادة الإعدادية 2024.. شروط القبول في المدارس الفنية للتمريض (تفاصيل)    رئيس جامعة المنوفية يتفقد سير الامتحانات بكلية التمريض    الوفد يطالب بضرورة الترويج لمسار العائلة المقدسة عالميًا    بالأسماء.. أبرز الراحلين والمستمرين في الحكومة الجديدة    وزير الري: تراجع نصيب الفرد من المياه إلى 500 متر مكعب (تفاصيل)    محافظ المنيا يتابع نسب تنفيذ مشروعات الصرف الصحي بمركز سمالوط    البترول: عودة ضخ الغاز لمصانع الأسمدة.. والشركات تعلن بدء التشغيل التدريجي    وزير الطيران: الاهتمام بزيادة عدد خطوط الطيران إلى دول القارة    اقتصادي يكشف أسباب ارتفاع احتياطي مصر من النقد الأجنبي ل46.125 مليار دولار    7 اختصاصات لمجلس إدارة صندوق الوقف الخيري بالقانون الجديد.. تعرف عليها    توريد 364 ألف طن قمح لشون وصوامع المنيا    رئيس وزراء الهند للسيسي: نتطلع للعمل معكم لتحقيق مستويات غير مسبوقة في العلاقات    شولتس يعد ببذل قصارى جهده لضمان عدم جر ألمانيا إلى الحرب في أوكرانيا    إسبانيا تبدي رغبتها في الانضمام لدعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام «العدل الدولية»    وزير لبناني ينسحب من مؤتمر دولي عند بدء كلمة المندوب الإسرائيلي    انطلاق التصويت بانتخابات البرلمان الأوروبي.. هولندا الأولى    اكتساح مصري.. الفراعنة لم يخسروا أمام بوركينا فاسو في تاريخ المواجهات    نجم الإسماعيلي: الأهلي هياخد الدوري وشجعته في نهائي أفريقيا    حسام البدري: تعرضت للظلم في المنتخب.. ولاعبو الأهلي في حاجة إلى التأهيل    السجن المشدد 10 سنوات وغرامة للمتهمين بحيازة هيروين وسلاح في الشرقية    ضبط شخصين كونا تشكيلا عصابيا لتزوير الشهادات الرسمية    مصرع عامل سقط من القطار بسوهاج    رفضت الرجوع لعصمته فألقى عليها مادة كاوية.. القبض على متهم تسبب في حرق طليقته بمنشأة القناطر    ليلة في حب سيدة المسرح العربي.. تفاصيل تكريم سميحة أيوب بدار الأوبرا    في احتفالات اليوم العالمي للبيئة.. لقاءات متنوعة لقصور الثقافة بالسويس    بعد تصدره التريند تعرف على موعد عرض فيلم «ولاد رزق 3» (تفاصيل)    الأحد.. دار الأوبرا تنظم حفلا ضمن سلسلة كلثوميات لفرقة عبد الحليم نويرة    قبل عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التصدق بالأضحية كاملة دون الأكلٍ منها؟ (الإفتاء توضح)    مذكرة تفاهم بين الرابطة الإيطالية لشركات الأدوية والمعهد العالى للتقنية بروما    بالمجان.. فحص 889 حالة خلال قافلة طبية بقرية الفرجاني بالمنيا    لحجاج بيت الله.. نصائح مهمة للحصول على وجبة غذائية صحية    "تخيلت نفسي على دكة الزمالك".. البدري يكشف لأول مرة ما فعله مع أمير مرتضى ورد صادم    أمين الفتوى: لابد من أداء هذه الصلاة مرة واحدة كل شهر    جواب نهائي مع أشطر.. مراجعة شاملة لمادة الجيولوجيا للثانوية العامة الجزء الثاني    الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جندي في معارك جنوبي غزة    ننشر أسماء الفائزين بمسابقة "وقف الفنجري" جامعة القاهرة 2024    هيئة الأرصاد: درجات الحرارة تتخطى 40 درجة فى الظل بالقاهرة الكبرى    محافظ القاهرة يوجه بشن حملات على الأسواق استعدادا للعيد    محمد عبد الجليل: محمد صلاح يجب أن يكون له معاملة خاصة    حكم صيام العشر الأوائل من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    تكبيرات عيد الاضحي المبارك 2024 كاملة ( فيديو)    أبو مسلم: مصطفى شوبير الأفضل لحراسة مرمى المنتخب أمام بوركينا فاسو    عاجل.. كولر يحسم مصيره مع الأهلي وموقفه من عرضي بولندا واليونان    وزيرة الثقافة تشهد الاحتفال باليوم العالمي للبيئة في قصر الأمير طاز    البرلمان العربي: مسيرات الأعلام واقتحام المسجد الأقصى اعتداء سافر على الوضع التاريخي لمدينة القدس    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    محافظ الفيوم: فتح 14 مجزرًا وذبح الأضاحي مجانًا داخل المجازر الحكومية خلال العيد    محافظ الفيوم يتابع إجراءات تلقي طلبات التصالح في مخالفات البناء    توزيع درجات منهج الفيزياء للصف الثالث الثانوي 2024.. إليك أسئلة مهمة    بوسترات فردية لأبطال فيلم عصابة الماكس قبل عرضه بموسم عيد الأضحى.. صور    ياسمين رئيس تتعاقد على بطولة مسلسل خارج السباق الرمضاني    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أفغنة تونس
نشر في الأهرام العربي يوم 17 - 06 - 2012

أصبح الملتحون الذين يرتدون القمصان البيضاء الطويلة بدون سراويل على الطريقة الباكستانية والهندية، والمنتقبات بالزي الأسود المنساب الذي يجر من فوق أديم الأرض كل ما استطاع أن يسحبه ويعلق بالذيل، مشهدا اعتياديا في الشوارع التونسية برغم أنه كان يبدو مستحيلا قبل عام واحد فقط، لكن غالبية التوانسة مازالوا يشعرون إزاءه بخليط من الاستغراب والاستفزاز، يزيد من مخاوفهم المتعاظمة خصوصاً في ظل الإشارات التي تؤكد أن الدولة لا تقوى على ردع الحركات الأصولية العنيفة، وأن محاولات هدم كيان الدولة ونخاعها الشوكي واللعب في الأدمغة مستمرة للانقضاض على المؤسسات وتطويع المجتمع تحت دعاوي هلامية خادعة بإضفاء طابع قدسي على ذلك السلوك بأن هؤلاء يحكمون باسم الله!
لكن الأمر لم يقف عند هذه الحدود، بل تجاوزت المظهر الغريب إلى غارات شنها السلفيون على الأماكن العامة والجامعات والمؤسسات التربوية، فأصبحوا يلاحقون السيدات في الشوارع من أجل حملهن على إرتداء الحجاب، ويهجمون على المكتبات لتمزيق كتب لا يرتضونها، كما يهاجمون منتجعات سياحية لفرض الجلباب وطرد النساء والسياح وحرق ملاهٍ وبارات ومنشآت ترفيهية متنوعة موجهة في المقام الأول للسائحين، مما يهدد نحو ثلث إيرادات البلاد المتأتية من قطاع السياحة. غير أن «موقعة» كلية الآداب بمنوبة كانت قمة جبل الثلج لتلك الحركات التي تصول وتعربد وتعتدي على القانون، فقد أغارت عناصر خارجية على الجامعة وتسببت في جرح خمسة طلاب، والسبب الظاهر هو الخلاف حول ارتداء النقاب، بمعنى خلاف حول حرية الملبس، وهي حريات شخصية كانت تحظى باحترام كبير على امتداد تاريخ تونس المعاصر وفي مجتمع هو مضرب الأمثال على الانفتاح وتقبل الآخر بفضل تربية ومناخ قائم على الاعتدال والوسطية.
ثم تكررت الاعتداءات في الفترة الأخيرة على حانات وتم حرق مركز شرطة في غار الدماء ومحلات لبيع الخمور في جندوبة وسيدي بوزيد. وفي مشهد استعراضي «سينمائي» تجمع عشرات الشباب السلفيين أخيرا بجوار مسجد عقبة بن نافع، أقدم أثر إسلامي في القيروان، وقاموا بتدريبات عسكرية وبرزت تسمية «أنصارالشريعة» لحركتهم خلال ذلك التجمع، وللمفارقة هي نفس التسمية التي يطلقها تنظيم القاعدة على فرعه باليمن.
لكن المراقبين والباحثين في شئون الجماعات الإسلامية بتونس يقولون إن التيار السلفي له وجهان، وجه مسالم يطلق عليه السلفية العلمية أو «الإيمانية» وكثير منهم ينتمون ل «جماعة الدعوة والتبليغ» - التي تأسست في الهند والباكستان قبل 70 عاما - أو ينتمون إلى الفرق الصوفية، ووجه ثان عنيف هو السلفية الجهادية. ومختلف الممارسات العنيفة والاعتداءات والحرق وخرق القانون قام بها نشطاء من الفرع الثاني أي الذين يطلقون على أنفسهم «الجهاديون».
ومن قياداتهم أبو عياض الذي يوصف بزعيم «السلفية الجهادية» والشيخ بشير بن حسن، والزعيم الروحي الشيخ الخطيب الإدريسي الذي يلعب دورا فكريا في تقويض المدرسة الفقهية الوسطية التي أرسى قواعد بنيانها شيوخ الزيتونة في القرن التاسع عشر، ورسخت المنهج التحديثي النقدي في برامج التدريس بالجامعة الإسلامية، وكان لها إشعاع كبير حتى في ربوع الجامعات الإسلامية المجاورة بالمغرب العربي.
والخطيب الإدريسي ترعرع في أحضان الجماعات السلفية الخليجية، حيث كان يعمل ممرضا في جمعية إغاثة وخدمات صحية، وتشرب بأفكار وسلوكيات تلك الجماعات والتف حوله المريدون من الشباب المتحمسين لتطبيق «شرع الله» فور عودته إلى تونس ولم تفلح محاولات الأمن في إثبات اتهامه له بالتخطيط مع «شبكة إرهابية» للقيام بمواجهات مع قوات من الجيش مطلع 2007..وقد نظرت المحاكم التونسية خلال العقد الماضي مجموعة من القضايا ضد حركات سلفية اتهمت بالقيام «بنشاطات سياسية وإرهابية»، لم يزد عدد المتهمين فيها على 3 آلاف متهما مما يعكس محدودية انتشارهم ونشاطاتهم فى ذلك الوقت.
ويرفض كثير من الباحثين المتخصصين في الشأن الإسلامي تسمية هؤلاء بالسلفيين، بالنظر إلى أن الحركة السلفية التي ظهرت في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين كانت جزءاً من حركة الإصلاح والتنوير القائمة على التغيير السلمي.. إذن من الواضح أن حركة النهضة ومن قبلها حركة الاتجاه الإسلامي لم تعد الممثل الوحيد لتيار الإسلام السياسي في تونس، كما كان يبدو خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي، بل برز وتشكل التيار السلفي بأجنحته الرخوة والصلبة ويعلن عن نفسه بإصرار بأنه على يمين حزب النهضة، بل ويدخل في مزايدات ومواجهات مع قيادات النهضة ويصل الأمر إلى حد التشكيك في «إسلامية» هؤلاء لأنهم تحالفوا مع التيارات اليسارية والليبرالية لإقامة قطب ثلاثي لإدارة شئون البلاد بعد الثورة من خلال الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي ومؤسسة الرئاسة، في وقت أهملوا أولوية إسلامية ملحة من وجهة نظرهم وهي تطبيق الشريعة على الجميع، ومن منطلق القوة والسيطرة التي حظوا بها في الانتخابات! بعد الساعات الأولى مباشرة لرحيل بن علي وانتصار الانتفاضة الشعبية غادرت مئات العناصر السلفية المرتبطة بتنظيم القاعدة السجون، وهو نفس السيناريو الذي حدث في السجون المصرية في الثامن والعشرين من يناير .. وبدأت الجماعات في لم شملها والتحلق حول قيادات شبابية في سليمان وسجنان ومنزل بورقيبة وبنزرت وجندوبة ووادي الليل وسوسة وسيدي بوزيد، بل وحتى داخل أحياء العاصمة التي تقطنها الطبقة الوسطى كحي الغزالة وأريانة، وهذا التجمع أعطاها شعوراً مغلوطاً بالقوة العنترية فأصبحت مندفعة إلى تطبيق ما تعتقد بصحته حتى لو خالفت القوانين، وهي لا تتردد في اللجوء إلى استخدام العنف لتطبيق قانونها الخاص وفرض آرائها، وليس غريبا أن يتبنى هذا التيار الجهادي العنف.
فقد تورطت مجموعة تونسية منهم بتفجير المعبد اليهودي بجربة في إبريل 2002، كما قامت مجموعة أيضا بتصفية القائد الأفغاني أحمد شاه مسعود، نلاحظ أن الناطق باسم الجماعة السلفية الجهادية في تونس الآن هو سيف الله بن حسين الذي كان ضالعا في القيام بهجومات في أفغانستان وأحد العناصر التي تدربت في معسكرات أسامة بن لادن، وهو تدرب على أيدي القيادي الفلسطيني في تنظيم القاعدة أبوقتادة، وقد اعتقلته تركيا وسلمته إلى تونس وقبع في المعتقل إلى أن أطلقت سراحه الثورة التونسية، وأعاد ترتيب التنظيم من جديد على نفس الأسس العقائدية والارتباطات مع تنظيم القاعدة. ولعل ما تتطلع إليه الآن القلوب الخائفة والعقول المستنيرة الملتاعة في تونس هو كيف ستدير حركة النهضة الصراع مع تلك الجماعات السلفية ومن سيكسر عظام من .. وما إذا كانت النهضة ستقدر على احتواء تلك الأفكار الجامحة تحت جناحها أم أن الرماح المسنونة ستفجر تماسك حزب النهضة وتقطع أوصاله؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.