ثورة الياسمين تؤتي ثمارها .. الصراع يشتعل بين السلفيين والعلمانيين في تونس * بعد أسبوع من قيام السلفيين بمهاجمة الحانات ومحلات بيع المشروبات الكحولية في بلدة سيدي بوزيد، حدثت اشتباكات بين المئات من السلفيين وبين رجال الشرطة * أدان حزب التحريرغير المرخص له، والمحسوب علي التيار السلفي، أعمال العنف التي قامت بها الجماعات السلفية المتشددة وأشار إلي أنهم مدفوعون للعنف من جهات غربية * احتشد عشرات الأشخاص في العاصمة التونسية للتظاهر ضد ما وصفوه بأنه سياسة الحكومة المتسامحة مع السلفيين شهدت تونس في الأسابيع الأخيرة تزايد أعمال العنف التي يقوم بها السلفيون تحت شعار حماية القيم الدينية والارتكاز إلي أحكام الشريعة الإسلامية. وعلي الرغم من حصول الإسلاميين ممثلين في حزب النهضة في انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر الماضي علي أكثر من 40% من مقاعد المجلس الذي سيتولي مهمة صياغة الدستور، إلا أن الصراع لا يزال علي أشده بين التيارين الإسلامي و العلماني. العنف السلفي وبعد أسبوع من قيام السلفيين بمهاجمة الحانات ومحلات بيع المشروبات الكحولية في بلدة سيدي بوزيد، حدثت اشتباكات بين المئات من السلفيين وبين رجال الشرطة في بلدة جندوبة شمال غربي تونس عقب تنظيم السلفيين لمظاهرة احتجاجاً علي اعتقال أربعة من السلفيين الذين أوقفتهم الشرطة بتهمة محاولة إقامة الحد علي مواطن بقطع يده بعد أن زعموا أنه سرق دراجة نارية. وقام نحو 80 سلفياً بمداهمة مقر الشرطة وقاموا بحرقه كما هاجموا عددا من الحانات في المدينة وأغلقوها بالقوة. وفي الوقت الذي يسعي فيه التيار السلفي لفرض الدين بالقوة، عبرت الأحزاب الليبرالية و العلمانية عن مخاوفها من هيمنة أجواء من العنف، كما عبرت عن قلقها حول إمكانية ضمان الحريات و الحقوق الإنسانية و التي علي رأسها حرية العقيدة و حرية الرأي. و استشهدت هذه الأحزاب بسلسلة من الأحداث التي قام من خلالها التيار السلفي بمحاكمة الأشخاص وفقاً لقناعاتهم الشخصية و دون اعتبار القانون. ورداً علي الاعتداءات الأخيرة التي قام بها السلفيون في بلدتي سيدي بوزيد و جندوبة، توعد رئيس الحكومة التونسية المؤقتة حمادي الجبالي التيار السلفي المتشدد قائلاً "أنتم تسيئون إلي الإسلام وإلي أنفسكم بمحاولة فرض نمط مجتمعي بالقوة، ونحن لسنا كفاراً ولا يحق لأي جزء من الشعب أن يفرض شيئا علي الجانب الآخر. الإسلام ينبذ العنف ولن نتحالف مع من يكفر الناس، ومن يبعث رسائل مضمونة الوصول عليه أن يفهم رسالة الشعب المضمونة الوصول. لا تفرضوا شيئا علي الشعب، ولا تسيئوا إلي الإسلام، بشروا ولا تنفروا". وأكد الجبالي أنه لن يسكت علي هذه الممارسات ولا علي إرهاب المواطنين. اتهامات المعارضة ورداً علي اتهامات المعارضة و الأحزاب الليبرالية و العلمانية للجبالي الذي يتولي أيضاً الأمانة العامة لحزب النهضة بالتواطؤ مع التيار السلفي، أشار إلي أن حكومته حكومة شرعية و تستمد قوتها من ثقة الشعب. وقال "هذه الحكومة قوية ولن ترضخ، ومن يظن أنها ضعيفة عليه أن يراجع نفسه، لأن قوة الحكومة تكمن في شرعيتها وفي ثقة شعبها، وبالتالي لا يمكن إزاحتها إلا بالشعب وعبر صندوق الإقتراع، أو بانقلاب. والانقلاب لن يمر في تونس". واحتشد عشرات الأشخاص في العاصمة التونسية للتظاهر ضد ما وصفوه بأنه سياسة الحكومة المتسامحة مع السلفيين. و طالب المتظاهرون باستقالة الحكومة وهتفوا بأن وزارة الداخلية وزارة سلفية، واستنكروا صمت الحكومة عن أعمال العنف التي تقوم بها الجماعات السلفية. وحذر عبد الستار بن موسي، رئيس رابطة حقوق الإنسان من أن الجماعات السلفية المتشددة تلجأ إلي "نشر الرعب وتعنيف النساء والمثقفين والصحافيين والمبدعين ومناضلي حقوق الإنسان مادياً ومعنوياً مع ما يرافق ذلك من توظيف للدين وتكفير للمواطنين وتخوينهم". من جانبه، أكد وزير العدل نور الدين البحيري، أن السلفيين " تجاوزوا كل الخطوط الحمراء وستتم معاقبتهم بحزم لأن وقت الاستراحة والفسحة قد انتهي" علي حد تعبيره. حزب التحرير يتهم في الوقت نفسه، أدان حزب التحريرغير المرخص له، والمحسوب علي التيار السلفي، أعمال العنف التي قامت بها الجماعات السلفية المتشددة وأشار إلي أنهم مدفوعون للعنف من جهات غربية. وقال الناطق الرسمي باسم الحزب، رضا بلحاج،إنه حزبه يرفض العنف السلفي وحذر من وجود أجندات خارجية تحاول اختراق سلفيي تونس لأنهم ليس لهم وضوح أومنهج أوقيادة. واتهم بلحاج دولاً خليجية، لم يسمها، بأنها "تريد أن تخلجن الثورات العربية، وأن تأخذها في اتجاه معروف نرفضه" من دون تحديده. يذكر أن حزب التحرير قدم في في الرابع عشر من الشهر الماضي طلباً إلي السلطات للحصول علي ترخيص للعمل القانوني. وسبق أن رفضت تونس الترخيص للحزب الذي يطالب بإقامة دولة خلافة إسلامية علي أساس أن قانون الأحزاب في تونس يمنع تأسيس أحزاب علي أساس ديني. غير أن السلطات رخصت في 29 مارس الماضي "جبهة الإصلاح"، التي أصبحت أول حزب سلفي يحصل علي ترخيص للعمل القانوني في تونس. ويعد حزب جبهة الإصلاح حزبا سياسيا أساسه الإسلام، ويسعي إلي إقامة دولة تطبق أحكام الشريعة الإسلامية. وأعلن محمد خوجة رئيس الحزب رفضه لأعمال العنف التي قامت بها مؤخراً الجماعات السلفية المتشددة. أبوعياض التونسي وكان آلاف من الإسلاميين المتشددين من أعضاء حركة "أنصار الشريعة" التي تحسب علي التيار السلفي الجهادي قد احتشدوا وهم يرفعون رايات سوداء عليها آيات قرآنية في وسط مدينة القيروانالتونسية مطالبين بدور أكبر للإسلام. وخطب الزعيم الفعلي لحركة أنصار الشريعة، سيف الله بن حسين الشهير بأبي عياض، في مؤيديه ودعا إلي إصلاح الإعلام والتعليم والسياحة والتجارة وفقاً لتعاليم الإسلام. وطالب بالقضاء علي الربا وبإقامة نقابة عمال إسلامية للتصدي الي النقابات القوية التي يهيمن عليها العلمانيون. وكان زعيم التيار السلفي الجهادي في تونس أبوعياض التونسي قد أشار إلي أن شهر رمضان المقبل سيشهد تفجيرات في المرافق العامة وتخريبا في المقاهي والمطاعم ووسائل النقل وعربات المترو واعتداءات علي المصطافين في الشواطئ باستعمال الأحزمة الناسفة والعمليات الانتحارية. وقال في خطاب وجهه للشعب التونسي "إذا انفلت الأمر من أيدي شيوخ الجماعة فلا تلوموا إلا أنفسكم. أريد أن أقول للشعب التونسي إن هناك مخططات خطيرة تحاك ضده ستنفذ خلال شهر رمضان، مثل اعتداءات علي الذين لا يصومون، وتخريب المقاهي والمطاعم المفتوحة في الشهر الكريم، إضافة إلي الاعتداءات علي المصطافين في الشواطئ". وتأتي تصريحات أبو عياض التونسي في إطار تحذير الشعب التونسي من خطر الانقسام داخل التيار الإسلامي حيث يوجد من وجهة نظره مخطط خارجي لإقحام السلفيين في عمليات إرهابية سيكوم من شأنها ضرب الثورة في مقتل و إثارة الفتنة في البلاد. يذكر أن الصدام بين الشرطة والسلفيين المتشددين قد بدأ منذ فبراير الماضي عندما وقعت اشتباكات بين قوات الجيش والشرطة و بين مجموعات سلفية مسلحة في منطقة بئر علي خليفة التابعة لولاية صفاقسجنوب شرق العاصمة. وقد أسفرت هذه المواجهات عن مصرع عنصرين من السلفيين وإصابة بعض أفراد قوات الجيش وتم ضبط كميات من الأسلحة والذخيرة واعتقال مجموعة من المتورطين في الأحداث. الظاهرة السلفية وعلي الرغم من أن عدد السلفيين في تونس يقدر بنحو 20 ألف شخص، فإن الشعور بتواجدهم القوي في المجتمع التونسي يعود إلي طبيعة الأنشطة التي يقومون بها من تكفير، و أعمال عنف، و اعتداءات علي مراكز الفن و الإعلام و الجامعات. يذكر أن أول خلية سلفية أنشئت في أواخر الثمانينات تحت اسم الجبهة الإسلامية التونسية، ولكنها تفككت بعد أسابيع فقط من تأسيسها، وجري اعتقال جميع قياداتها والمنتمين إليها. ومن بين قادتها محمد علي حراث، المدير التنفيذي لقناة إسلام تشانل في بريطانيا، وعبدالله الحاجي، المعتقل التونسي السابق في جوانتانامو، والذي تم القبض عليه في باكستان، وحكم عليه غيابياً بالسجن عشر سنوات. ويوجد عدد من شيوخ السلفية المؤثرين من أمثال الخطيب الإدريسي، الذي أفتي بالقيام بعمليات جهادية فسجنه النظام السابق لمدة عامين ثم أطلق سراحه أوائل يناير 2009. ويتركز نشاط السلفية العلمية علي الدعوة، ويركز دعاتها جهودهم علي الجانب الفقهي والعقائدي وطلب العلم الشرعي. أما تيار السلفية الجهادية، فقد بدأ ينتشر بشكل أوسع و يضم تونسيين شاركوا في عمليات مسلحة في أفغانستان والعراق والجزائر وموريتانيا وليبيا. وفي عام 2007 تورطت جماعة "جند أسد بن الفرات" السلفية الجهادية في محاولة لقلب نظام الحكم بالتعاون مع ممثل القاعدة في الجزائر المعروفة باسم الجماعة السلفية للدعوة والجهاد. ويري لطفي زيتون، المستشار السياسي لرئيس الحكومة، أن الظاهرة السلفية هي جزء من تيار "عابر للحدود وليس خاصا بتونس. واعتبر تشدد شباب السلفيين نتيجة "للكبت والقهر الذي كانت تعيشه تونس في العهد السابق". وتوقع أن يتراجع هذا التشدد تدريجياً مع تقدم الممارسات الديمقراطية في البلاد. وأضاف أن الحكومة التونسية "لن تتسامح مع مخالفة القانون سواء بالاعتداء علي حرية الناس أو حرمتهم الجسدية أو التعرض للنساء أو التخطيط للعنف أو ممارسته" وأكد أن تونس لا تعتبر أرض جهاد.