دينا ريان عندما عرف شمس التبريز الدرويش نفسه إلى قاضى قضاة بغداد قال: التبريزى.. درويش جوال يبحث عن الله فى أرض الله الواسعة. سأله كبير الدراويش.. هل وجدته؟ قال: نعم. إنه معى طوال الوقت. وهنا تجرأ عليه القاضى المستفز من إجابته قائلا: «لا يمكننى أن أفهم لماذا تعقدون أنتم معشر الدراويش الحياة بهذا الشكل، وإذا كان الله معك طوال الوقت، فلماذا تبحث عنه؟ ويا ليته ما سأل، فقد جاءت إجابته صفعة على وجه القاضى عن قصد أو دون قصد، الله أعلم، فقد قال: «مع أنه لا يمكن العثور على الله بالبحث عنه، فإن الذين يبحثون عنه فقط هم الذين يستطيعون إيجاده». وعندما اعترض القاضى ساخرا بأن هذا الحديث تلاعب بالكلمات، وأكمل متسائلا: هل تريد أن تقول إننا لا نستطيع أن نجد الله إذا مكثنا فى المكان نفسه طوال حياتنا؟ وأكمل سخريته ليس على المرء أن يلبس ثيابا رثة ويجوب الطرقات حتى يجده. وهناء جاء الضربة القاضية عندما طرح الدرويش بإجابته القاضى أرضا بلمس أكتاف وقال: من المؤكد أن هناك أناسا لم يسافروا قط، ومع ذلك فقد رأوا الله والعالم الذى خلقه. لكن.. وآه من كلمة لكن التى سمحت بالضربة القاضية تحدث عندما أكمل قائلا: إن المرء لا يستطيع أن يجد الله إذا ظل يرتدى معاطف فراء وملابس حريرية ومجوهرات غالية كالتى ترتديها اليوم. انتهى الحوار بعد أن كاد قاضى القضاة يفتك بالدرويش، وقبل أن يفتح حوارا آخر تركنى مع نفسى أمام صفحات كتاب «قواعد العشق الأربعون» أقلب فى مفكرة ذكرياتى العقلية فى محاولة للتعرف على «الدرويشة الصغيرة»، التى تتجول بداخلى فى عبث طفولى منذ بداية حياتى حتى الآن ووجدتنى فعلا، لا أقوى على التواصل مع السماء، وأنا أرتدى ثياب المناسبات الفاخرة تضيق على أنفاسى وتقطع الصلة وتزداد القطيعة ومن حولى أطياف الثراء تداعب أرجاء المكان، أى مكان تتم استضافتى فيه. ولا تتوقف الحكاية على المناسبات الفاخرة التى تستلزم ملابس أنيقة محفلطة مدببة متأججة بالكعب العالى الذى يشبه الإسفين يدخل فى كعب رجليك حتى يصل لأعلى النافوخ. لكن نفس الشعور يستمر ويتوغل فى المناسبات والأماكن الرسمية التى تستوجب الملابس «المتأنتكة» من التاييرات والذى منه، كل هذا مقدور عليه وآهى ساعات وتعدى، لكن الطامة الكبرى تحدث فى المناسبات الدينية، حيث تمد موائد الإفطار والسحور والمفروض أنها طقوس دينية، لكن يا ويلى وأنا أشاهدها طقوسا بملابسها وزخارفها وموسيقاها تحاكى أيام الجاهلية الأولى. ولا تتوقف عند هذا أ وذاك، لكن الموقف يتفاقم فى الليالى المفترجة، حيث دعوات الصلاة الجماعية فى البيوت التى تشبه القصور ولوازم السبح الياقوتية والمرجانية والمشايخ الفايف ستارز مع دعوات الرجاء والحاجة والوصل. ويظل سؤال واستنكار الدرويش الصوفى يطاردنى هل يمكن للإنسان البحث عن الله فى قوالب الذهب والفضة والحرير ومغارات على بابا.