هبة عادل لم تكن أيام امتحانات الثانوية العامة، إلا أيام حصاد عام مضى من المذاكرة والتعب والسهر من أجل وصول كل طالب إلى حلمه الجامعى، لكن ما يحدث من تسريبات لبعض الامتحانات، وكذلك حالات الغش، يضيع تعب عام كامل على طالب مجتهد ظل طوال العام يكد ويجتهد، ليتساوى فى النهاية مع طالب لم يكلف نفسه عناء المذاكرة، وحصل على نسخة مسربة من الامتحان، ليستوى مع زميله المجتهد، المسئولية بالطبع تقع على عاتق المسئولين فى التعليم، لكن الطالب المجتهد وحده هو من يدفع الثمن.. ولا ننسى بعض المواد التى تأتى أسئلتها تعجيزية غاية فى الصعوبة.. فهل أصبحت امتحانات الثانوية العامة موسم ضياع أحلام المتفوقين؟ فى اليوم الأول من امتحانات الثانوية العامة، تم تسريب مادة اللغة العربية الذى اختبره قرابة ال 560 ألف طالب وطالبة، تداولت صفحات التواصل الاجتماعى الامتحان بعد بدء اللجنة بقرابة ال 30 دقيقة، ثم بعد ذلك تسريب مادة «الدين» وإلغاء الامتحان وتأجيله إلى يوم 29 يونيو ثم امتحان اللغة الإنجليزية فى محافظة المنيا. كما جاءت أسئلة مادة الفيزياء التى أبكت جميع أفراد الأسر التى لديها طالب ثانوية صعبة للغاية بل تصل إلى مرحلة تعجيز الطلبة. ولا أحد يعرف حتى الآن من قام بتسريب الامتحانات على صفحات الغش الإلكترونى للثانوية ومنها «شاومنج»، و«ثورة التعليم الفاسد»، «بالغش اتجمعنا». الدكتور محب الرافعى وزير التعليم السابق يقول إنه فى أى مجتمع ظواهر وسلوكيات سلبية، والغش بمفهومه الشامل، أحد تلك الانعكاسات السلبية، وليس الغش بمفهومه القاصر على تسريب امتحان لأنه وسيلة وليس غاية فى حد ذاته، لكشف مواطن القوة والضعف فى العملية التربوية بغرض تحسينها وتطورها، وهو مقياس تعتمد عليه الدول والمؤسسات لتتيح الفرصة للشباب للانتقال من مرحلة إلى مرحلة أعلى فى السلم التعليمى ودخول الجامعات والكليات التى يرغبون بها، لكن ما يحدث الآن هو التناقض والخلل الذى حدث فى المنظومة التعليمية، وأصبح الامتحان غاية لا وسيلة، فأدى ذلك إلى انتشار أساليب الغش في الامتحانات. تغيير المنظومة ويجب فى البداية قبل التحدث عن تسريب الامتحانات والغش- والكلام لدكتور محب - توضيح بعض المفاهيم الأساسية وأهمها، أنه ينبغى أولاً قياس المهارات والكفاءات والمكتسبات عند كل طالب، حيث نحتاج الآن إلى تغيير المنظومة التعليمية بشكل كامل وخاصة نظام الثانوية العامة، وتغيير المناهج الحالية التى تعتمد على الحفظ والتلقين، وتطوير أسلوب المعلمين ووضع نظام آخر للامتحانات.. ولابد أن يتحول هذا النظام وندخل ضمن منظومة التعليم التى تمارس فى جميع أنحاء العالم من تطوير وتجديد من أساليب فى مناهج التعليم التى تهتم بتنمية مهارات البحث والتفكير لدى الطالب ليحصل على المستوى الأفضل من التعليم، كما يجب أن يتم إجراء اختبارات للمهارات يجتازها الطالب للتقدم لكليات القمة «الطب والهندسة» مثلما يحدث من كليات الفنون، ولا يكون المقياس هو الحصول على درجات كبيرة . لجان التحقيق ويضيف دكتور محب، أنه من خلال لجان التحقيق التى تتم حالياً تستطيع أن تكتشف من وراء مشكلة تسريب الامتحانات والغش، حيث يستخدم الطلبة الآن طرقا حديثة ومتقدمة للغش ليست فقط التليفونات المحمولة، وإنما الساعات والأقلام والنظارات. وامتحانات الثانوية العامة أمن قومى، والذى يحدث الآن هو محاربة لمؤسسات الدولة وأمنها يمثل تحدياً لها، لذا يجب أن يكون هناك داخل اللجان أجهزة تشويش، وينبغي أن تتكاتف مؤسسات الدولة لمكافحة تسريب الامتحانات والغش. لكن ممارسة الطالب لسلوك الغش في الامتحانات أو الاختبارات والبحث عن من يقوم بتسريبه له، من وجهة نظر الدكتور رشاد عبد اللطيف أستاذ علم الاجتماع بجامعة حلوان، لا يعتبر مظهراً من مظاهر عدم الشعور بالمسئولية، بل هو إفساد للعملية التعليمة بأكملها، وسببه التنشئة الاجتماعية التى بدأت تنهار، والتى لا تربى الأولاد على الأمانة، وتجعلهم يستحسنون الغش وينتظرون تسريب الامتحان وعدم وجود أى وازع دينى، كما أن هناك مجموعة استحلت الحرام ورغبت فى كسب المال بسهولة ودون مرعاة أى اعتبار بأنه مرب، إضافة إلى الظروف المحيطة بالامتحانات وتوفير أماكن بعيدة بين الطلاب وبعضهم تمنعهم من الاقتراب. وتؤثر هذه الظاهرة على المجتمع فى شكل ضياع الحقوق والأحلام ويأخذ الطالب الذى يغش أو الذى حصل على نسخة مسربة من الامتحان حق الطالب المجتهد. كيفية مواجهة مشكلة تسريب الامتحانات والغش، تتلخص من وجهة نظر الدكتور رشاد عبد اللطيف فى العقاب الصارم لمن يرتكب مثل هذه الجرائم، وإعداد كوادر جيدة من المدرسين وإعطائهم الحوافز التى تمكنهم من ممارسة حياتهم وعملهم دون الوقوع تحت أى ضغوط. ثم يأتى دور الأسرة بزيادة الوعى الأخلاقى والدينى لدى الأبناء. كيف يتم التسريب؟ والسؤال المحير الذى يشغل بال كل متابع، هو كيف يتم تسريب هذه الامتحانات وسط كل هذا التأمين والهالة التى تحيط الثانوية العامة؟ والإجابة على لسان الدكتور محمد مدكور استشارى تكنولوجيا المعلومات، حيث يقول إن تسريب الامتحانات يتم من خلال إعلان عن المواقع التى تقوم ببث «هاشتاج» وأسماء الصفحات الإلكترونية التى تنشر ورقة الأسئلة ونموذج الإجابة، ويقوم الطلاب بالمشاركة مبكرًا فى مثل هذه المواقع والتجمعات. وهذه الجريمة هى عملية منظمة وتصل أبعادها إلى أطراف كثيرين. ويتم منح هؤلاء الطلاب الأسئلة والأجوبة الخاصة بالامتحانات، وهذه العملية ذات أبعاد أعمق بكثير وليست عملية اتصال من داخل لجنة تتم من خلال تصوير ورقة الأسئلة وإرسالها لشخص لإرسال الإجابة فهذه العملية تأخذ وقتا أكبر فى تسريب الامتحان وتسريبه. ويضيف دكتور مدكور: كما من الممكن أن تحدث عملية اختراق عن طريق بعض «الهاكرز» لأجهزة الكمبيوتر التابعة لوزارة التربية والتعليم والموجود عليها الامتحانات، كما أننا لدينا دائرة بها ملايين الطلبة هم العنصر الذي لا يجب محاولة التصدى له بشكل مباشر وسريع .. والحل هو النظر لأصغر حلقة في هذه المنظومة.