مصطفى حمزة وصف عدد من السياسيين العراقيين ما حدث من اقتحام أنصار التيار الصدري لمقر البرلمان العراقي، بأنه نوع من التهرب من ملاحقة الفاسدين في السلطة العراقية، كاشفين عن ازدواجية هذه السلطة، من حيث مطالبتها بمكافحة الفساد، في الوقت الذي يتهم فيه كبار رجال هذه السلطة بالتورط في قضايا فساد من بينهم نائب رئيس الوزارء المنتمي للتيار الصدري. وأرجعوا السبب فيما يحدث إلى رضوخ حيدر العبادي رئيس الوزراء لضغوط وابتزاز الأحزاب السياسية داخل البرلمان لتشكيل حكومة تكنوقراط من داخل هذه الأحزاب، وهو ما يرفضه أنصار نواب التيار الصدري الذين انسحبوا من الجلسة، بسبب رغبتهم في تشكيل حكومة كفاءات (تكنوقراط) من خارج الأحزاب. من جانبه قال مهند العيساوي، مدير مركز بغداد لحقوق الإنسان، إن ما حدث من اقتحام البرلمان هو تصرف مستغرب وخارج عن حدود حق التظاهر المعروف، مؤكدًا أن هذا التصرف لم يكن عفويًا وإنما كان بتوجيهات سياسية، من أجنحة فاسدة في السلطة من مصلحتها عدم انعقاد جلسة البرلمان. وأكد في تصريحات خاصة ل«الأهرام العربي» أن تصرفات التيار الصدري قد تؤدي إلى انهيار الأمور في بغداد، بالإضافة إلى أنها تكشف النقاب عن طائفية وازدواجية السلطات العراقية، مدللًا على ذلك بوقوف الأجهزة الأمنية وباقي مؤسسات الدولة موقف المتفرج مما يحدث بالأمس، في حين أنها استخدمت القوة في إخماد الاحتجاجات التي شهدتها المحافظات السنية في 2012م. وأشار العيساوي إلى أن ما حدث هو استغلال سياسي للتذمر الشعبي ضد الفساد، مؤكدًا أن اقتحام البرلمان العراقي من قبل أتباع التيار الصدري ليس ثورة شعب ضد فشل وفساد السلطة، وإنما صراع لأحزاب هذه السلطة وفرض لسياسة لي الأذرع. وأضاف: «أغلب السياسيين الذين ينادون اليوم بمحاربة الفساد هم رؤوس الفساد في العراق، ونجحوا بركوب موجة الاحتجاجات التي كانت عفوية قبل عدة أشهر، واستغلوها لأغراض سياسية»، لافتًا النظر إلى أن عددًا كبيرًا من أعضاء التيار الصدري وقادته متهمون بالفساد، وأن نائب رئيس الوزراء بهاء الأعرجي، متهم بقضايا فساد كبيرة. وقال الدكتور حسن الجنابي، النائب السابق بالبرلمان العراقي، إن اقتحام مقر البرلمان من قبل ميليشيات الصدر هو نتاج حتمي للفشل الذي انتاب أروقة العملية السياسية برمتها، مشيرًا إلى الفشل على الصعيد البرلماني يتمثل في مراقبة ومحاسبة الفاسدين، بالإضافة إلى تعطيل القوانين التي من شأنها معالجة هموم المواطنين. وأكد في تصريحات خاصة ل«الأهرام العربي» أن الحكومة العراقية فشلت في إدارة الدولة وتنفيذ المشاريع الخدمية التي تصب في مصلحة المواطن والوطن سواء في الخدمات التحتية أو التعليمية أو الصحية أو على أقل تقدير حفظ الأمن والأمان. وأشار الجنابي إلى تفشي الفساد المالي والإداري في جميع مفاصل الحكومة العراقية، مؤكدًا أن رئيس الحكومة كثيرًا ما وعد بمحاسبة الفاسدين وملاحقة الأموال العراقية التي سرقها أفراد حزبه بالمرتبة الأولى والأحزاب المتحالف معها في تشكيل الحكومة الحالية وهو ما يسمى بالتحالف الوطني . وشدد على أن هذه الوعود التي قطعها رئيس الحكومة على نفسه لم ينفذها على الرغم من إعطاءه أكثر من فرصة لتحقيق الإصلاح المرتقب. ولفت إلى أن اقتحام أنصار الصدر للبرلمان كان يهدف للضغط على الحكومة، مشيرًا إلى أن هناك من يرسم ويخطط لهذا التيار، وأن الصدر ليس بعيدًا عن المخطط الدولي والإقليمي للعراق، بل هو في قلب الحدث وهو رجل المرحلة الحالية بعد أن استبعد عن الساحة لفترة ستة سنوات سابقة، والذي استبعده هو رئيس الوزراء السابق المالكي بأمر من طهران، باعتبار الصدر هو المرجع العربي الوحيد لدى الشيعة، بخلاف المراجع الأخرى التي منها الإيرانية والأفغانية والباكستانية. وقال الدكتور رائد العزاوي، أستاذ العلاقات الدولية، إن هذه التظاهرات ليست جديدة وكنا نتوقعها منذ فترة طويلة، بسبب عدم استجابة أطراف العملية السياسية لمطالب الجماهير العراقية في التغيير المنشود، المتمثل في اختيار حكومة كفاءات «تكنوقراط»، والإصرار على المحاصصة الطائفية. وأكد أن الحل يكمن في الدعوة لانتخابات برلمانية مبكرة، على أن يشكل رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي، حكومة مؤقتة لتسيير الأعمال لمدة عام، يتم خلاله الدعوة للانتخابات المبكرة، تحت إشراف هذه الحكومة، ثم يتم انتخاب حكومة جديدة من قبل البرلمان المنتخب وفق الدستور البرلماني في العراق. وأكد محمد محسن أبو النور، الباحث في العلاقات الدولية، أن اقتحام البرلمان العراقي من قبل المتظاهرين الموالين للزعيم الشيعي مقتضى الصدر يعكس حالة السيولة السياسية الشديدة التي يعاني منها العراق، ويؤكد أن هناك اختلافًا عميقًا في الأطياف الواحدة داخل الدولة، بعد ما كانت ذات يوم على وفاق دائم، منبهًا أن الحالة الحالية تنذر بانقسام حاد يعيد إلى الأذهان الخبرة اليوغسلافية، ولافتً في الوقت نفسه إلى أن سيناريو ليبيا ليس بعيدًا عن العراق في ظل هذا الاحتدام العنيف في الصراع على السلطة الليبية. وأشار أبو النور في تصريحات خاصة ل«الأهرام العربي» إلى أن هناك صراعًا مزمنًا في أجنحة السلطة، أدى إلى الحالة التي رأينها، مدللًا على ذلك بتعامل قوات الشرطة مع مقتحمي البرلمان، حيث سهلوا لهم الدخول ولم يعترضوهم. وأضاف أن هناك أحزابًا تقف عائقًا أمام تشكيل حكومة التكنوقراط التي يدعمها «الصدر»، حيث ينتقد الأخير ضعف رئيس الوزراء وعدم إقدامه على حسم الجدل حول هذا الأمر، مما دفع نواب الصدر للانسحاب من الجلسة اعتراضًا على تشكيل الحكومة، حيث يريدون تشكيلها من رجال حكم أكفاء في كل التخصصات بدون انتماءات حزبية، وليس تكنوقراط من داخل الأحزاب الممثلة في البرلمان، إلا أن رئيس الحكومة يرضخ للابتزاز السياسي الذي تمارسه الأحزاب داخل البرلمان، وهو ما شاهدناه في الجلسات الأخيرة المنعقدة على مدار الأسبوعين الماضيين. أما بالنسبة للتيارات الصدرية فيؤكد أبو النور أنها مخترقة وتعمل في العلن عملًا يناقض عملها في الخفاء، مشيرًا إلى أنه يمكن القول بأن الأزمة نابعة بالفعل من داخل التيارات الصدرية، وهي أخطر أزمة سياسية تعصف بالبلاد منذ الاحتلال الأمريكي للعراق في مارس عام 2003م، موضحًا أن الحل يكمن في ضرورة الاتفاق على تشكيل حكومة من كل الأطياف الحزبية والمستقلة، ومحاولة استرضاء الأحزاب بحقائب وزارية، وإشراك التيار الصدري كذلك.