ماجدة سليمان عندما خضعت مصر لحكم الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية في عام 30 قبل الميلاد، بعد هزيمة كليوباترا السابعة في موقعة إكتيوم البحرية أمام أوكتافيوس إمبراطور روما لينتهي عصر البطالمة، ويبدأ عصر جديد تخضع فيه مصر لحكم الرومان وحتي الفتح الإسلامي لمصر في القرن السادس الميلادي. كانت الإسكندرية هى مقر الحاكم الذي يدير شئون مصر كولاية رومانية. لذا كان بديهيا أن يترك هذا الحكم الذي استمر أكثر من ثلاثة قرون العديد من الآثار التى تزخر بها عروس البحر الأبيض المتوسط.
يقول دكتور طارق العوضي الأستاذ بجامعة القاهرة ومدير متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، تضم الإسكندرية أكبر مجموعة من الآثار الباقية من العصر اليونانى - الرومانى فى مصر، وهذا أمر طبيعى بالنظر، لأنها كانت عاصمة لمصر فى تلك الحقبة ومن أهم هذه الآثار: عامود السوارى هو آخر الآثار الباقية من معبد السرابيوم أقامه بوستوموس ويرجع تاريخ هذا العمود إلى القرن الثالث الميلادى، وهو عبارة عن عامود من الرخام الوردي أقيم سنة 292 ميلادي تمجيدا للإمبراطور الروماني دقلديانوس. ويعتبر عامود السواري أعلى نصب تذكاري في العالم كما يوجد شمال العمود تمثالان لأبي الهول من الجرانيت يرجع تاريخهما إلي عصر بطليموس السادس ويوجد غرب العامود ثلاثة تماثيل أخري. وعن متحف مكتبة الإسكندرية يؤكد العوضي أنه يضم مجموعة كبيرة من الآثار اليونانية والرومانية التي نتجت عن أعمال الحفر تحت المكتبة وعددها 1131 قطعة أسست المتحف الذي هو أيضا تتويج للعلاقات بين مصر وإيطالياروما الحديثة، فالقنصلية الإيطالية مولت مشروع الحفر في جزيرة نلسون وتعاونت معنا بعثات إيطالية في أعمال الحفر بالجزيرة، وهو القسم الثاني من الآثار التي يضمها المتحف. ويضيف العوضي تقع جزيرة نلسون علي بعد أربعة كيلو مترات من رأس خليج أبي قير وثمانية عشر كيلو مترا من قلب الإسكندرية، ويبلغ طول هذه الجزيرة في الوقت الحالي نحو 350 مترا. وكانت الجزيرة في عهد الإسكندر الأكبر عبارة عن رأس نتوء طويل يتصل باليابسة ببرزخ ضيق، تشير البقايا الأثرية التي عثر عليها بالجزيرة إلي أنها جزء من موقع أثري ضخم غمرته المياه في الوقت الحالى. وكان الجزء العلوي من النتوء أفضل مكان في الخليج من حيث التحكم بحركة الملاحة البحرية بهيراكليون، حيث أكبر ميناء في مصر قبل تأسيس الإسكندرية. وقد اكتسبت هذه المستوطنة الإغريقية في جزيرة نلسون أهمية خاصة في عهد الملك بطليموس الأول، ولا يزال اسمها القديم مجهولا، لكنها حظيت بدرجة عالية من الاهتمام الذي أبدته المملكة البطلمية الوليدة في هذا الموقع ولا توجد دلالات قوية تشير إلي أن الموقع قد تعرض للاحتلال أو استخدم لأغراض الدفن في أواخر العصر البطلمي أو أواخر العصر الروماني، وهذا يشير إلي أن ثورة علم الجيولوجيا قد حولت ذلك النتوء إلي جزيرة خلال النصف الأول من القرن الثالث قبل الميلاد، وربما كان ذلك سببا لهجرة الموقع. وفي القرن الخامس الميلادي في عهد الإمبراطورية الرومانية أصبحت الجزيرة محجرا، حيث شكل العمال مستوطنة فقيرة هجرها سكانها في نهاية القرن السابع الميلادي وكذلك كانت مدينتا كانوب وهيراكليون. ويلفت دكتور العوضي النظر إلي أن إيطاليا تعشق الآثار المصرية وتهتم بها فالمتحف اليوناني - الرومانيبالإسكندرية أيضا وعن طريق وزارة التعاون الدولي خصصت له جامعة توشا الإيطالية لتطويره وترميمه مبلغ 48 مليون جنيه مصري، هذا فضلا عن جهودهم الكبيرة في توثيق آثار النوبة فالمعروف أن الإيطاليين من أمهر مرممي الآثار في العالم فالبعثات الإيطالية إلي مصر كثيرة ومهتمة بترميم واكتشاف مواقع أثرية ومن أهم هذه المواقع أيضا موقع مدينة ماضي في الفيوم فقد ظل الفريق الإيطالي يعمل في مصر لعدة سنوات. ويذهب العوضي إلي الماضي، مشيرا إلي أن الاهتمام والشغف بالآثار المصرية من قبل الإيطاليين يعود تاريخه إلي جيوفاني بلزوني، الذي وصل مصر عام 1815 في الوقت الذي كان فيه هنري سولت القنصل العام البريطاني في مصر. أراد بلزوني أن يُرِيَ محمد علي باشا آلة هيدروليكية من اختراعه لرفع مياه النيل. وبرغم نجاح تجربة هذا المحرك، فإن التصميم لم يُثِر اهتمام محمد علي. فعزم بلزوني على مواصلة ترحاله. وبناءً على توصية المستشرق يوهان لودفيش بوركهارت، بعثه هنري سولت إلى معبد الرمسيوم في طيبة، حيث نقل بمهارة فائقة - مستخدما أسلوب قدماء المصريين - التمثال النصفي لرمسيس الثاني، الذي كان يسمى «ممنون الصغير» وشحنه إلى إنجلترا، ولا يزال التمثال من أبرز معروضات المتحف البريطاني. ولم يكن محمد علي واعياً لقيمة تلك الآثار التي هُرّبَت خارج مصر. قام بلزوني بتحقيقات في معبد إدفو، وزار جزيرتي الفنتين وفيلة، وأزال الرمال التي طمرت معبد أبو سمبل (1817)، وقام بحفريات في الكرنك، اكتشف اعظم مقابر مصر القديمة وهي مقبرة سيتي الأول (لا تزال تعرف أحيانا بقبر بلزوني، ويضيف العوضي أن بلزوني أصدر كتابا اسمه «رحلاتي في مصر والسودان» والذي يعد من أمهات الكتب التي تؤرخ لأعمال الحفر والتنقيب. وهذا الكتاب يتضمن سردا لما رآه بلزوني وعايشه في مصر خلال الفترة من 1815 وحتى 1819، وهو لا يقتصر على الاكتشافات الأثرية التي كانت ولعه الأشد، وإنما كذلك الناس وعاداتهم وتقاليدهم. وينبه العوضي أن مصر وإيطاليا حضارتان كانت ولا تزال كل منها مولعة بالأخري، بدليل أن إيطاليا ومصر وقعتا اتفاقية لمبادلة الديون عن طريق إقامة مشاريع داخل القطر المصري فيما يسمي ب«dept swab» مما يدلل علي عمق هذه العلاقة ويلفت العوضي النظر إلي أن أهم مشروع تم إنجازه بالفعل هو برنامج الأغذية العالمى «الغذاء من أجل التعليم» والذي كان يهدف إلى الحد من التعرض للجوع وتحسين التغذية والتعليم. قدم المشروع الذي بلغت مدته خمس سنوات، والذي بدأ في عام 2009 في محافظاتالفيوم والمنيا وبني سويف، وجبات يومية خفيفة مغذية للأطفال في المدراس، ساعدت على زيادة مستوى تركيز التلاميذ وتوفير 25 % من احتياجاتهم الغذائية اليومية. وشجع المشروع أيضا الآباء على تسجيل أبنائهم في المدارس، وخصوصا الفتيات، من خلال توفير حافز في صورة 10 كجم من الأرز والسلع الأساسية الأخرى كحصص غذائية منزلية شهرية لأسر الأطفال الذين يحضرون إلى المدرسة بانتظام.