محمد أسعد 22 شهرا.. عمر لجنة الإصلاح التشريعي، التي شكلها رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي، في الأيام الأولى من توليه منصبه، وترأسها رئيس الوزراء وقتئذ المهندس إبراهيم محلب. كان الهدف من اللجنة ليس فقط معاونة الرئيس –الذي كان يملك سلطة التشريع حينها- على إصدار القوانين والتشريعات، وإنما أيضاً مراجعة كل التشريعات المصرية وتنقيحها وتطوير البنية التشريعية عموما.
لجنة الإصلاح التشريعي شكلت بقرار من الرئيس في 15 يونيو 2014، برئاسة رئيس الوزراء، وعضوية وزير مجلس النواب والعدالة الانتقالية، ووزير العدل، ومفتي الجمهورية، ووكيل الأزهر، ورئيس هيئة مستشاري مجلس الوزراء، ورئيس قسم التشريع بمجلس الدولة، ومساعد وزير العدل لشئون التشريع، وثلاثة من أساتذة كليات الحقوق، واثنين من رجال القضاء، واثنين من المحامين، وثلاثة من رجال القانون من الشخصيات العامة. كان أول اجتماعات اللجنة برئاسة رئيس الوزراء السابق، في شهر أغسطس 2014، وقررت تشكيل 6 لجنة فرعية هي، لجنة التشريعات المتعلقة بالأمن القومي، ولجنة تشريعات التعليم، ولجنة التشريعات الاجتماعية، ولجنة التشريعات الاقتصادية، ولجنة تشريعات التقاضي والعدالة، ولجنة التشريعات الإدارية. الآن وبعد انتخاب مجلس النواب، صاحب الاختصاص الأصيل في التشريع، هل أصبح هناك داعٍ للجنة؟ ولماذا يتمسك بها الرئيس، برغم وجود مطالبات بحلها؟ وما حجم الإنفاق الذي يوجه إليها؟ وهل كان الرئيس بحاجة إليها من الأساس؟ "الأهرام العربي" تحقق، وتجيب خلال السطور التالية: حينما وصل الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم، كانت بيده سلطة التشريع، لغياب البرلمان، فكان من الضروري أن يستعين بخبرات قانونية لكي تعاونه في إصدار القوانين، فكانت اللجنة، التي كشفت أن مصرتعاني من حالة "ترهل تشريعي"، تتمثل في تزاحم عشرات الآلاف من القوانين والتشريعات،تُضارب وتُناقض بعضها في الموضوع ذاته، لدرجة أنه لا يمكن حصر كل القوانين والتشريعات والمراسيم الملكية التي مازالت تحكم مصر، والتي يعود بعضها إلى عام 1866، إذ يقول البعض: إنها 400 ألف قانون وتشريع، وآخرون ذكروا أنها 16 ألفاً فقط. السيسي طلب من اللجنة أن تقوم بعملية "تصحيح" و"ثورة" على تلك القوانين والتشريعات وإعادة ضبطها وصياغتها، بهدف تطوير البنية التشريعية وهي "اللجنة العليا للإصلاح التشريعي"، وهو نهج انتهجته دول كبريطانيا وأستراليا وأيرلندا.. والآن هناك مطالب بحلها. مطالب بحل اللجنة رامي محسن، مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية يقول: لم نر شيئاً ملموساً نتج عن اللجنة، ويجب إصدار قرار جديد من قبل الرئيس لحلها، خصوصاً أنها صارت بلا كيان قانوني، مع وجود مجلس النواب، الذي يتولى مسئولية التشريع، كما أن هناك إدارات للشئون القانونية والتشريعية بكل الوزارات والهيئات، إلى جانب أقسام التشريع بمجلس الدولة ووزارة العدل. رئيس البرلمان يسحب مقرات اللجنة والزند سعى لحلها انعقد البرلمان وبدأ أعماله وطالب عدد من النواب بحل اللجنة حتى لا يتداخل عملها مع عمل البرلمان، كما أصدر رئيس المجلس الدكتور علي عبدالعال قرارا بسحب كل القاعات التي كانت تتخذها اللجنة كمقرات لعقد اجتماعاتها، وعلى رأسها قاعات مجلس الشورى. إذن اللجنة الآن بدون مقر. مطالب حل اللجنة لم تكن فقط صادرة من قبل مجلس النواب، ولكن أيضا وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند، طالب بحل اللجنة وسعى في ذلك. وبرغم أن الزند كان عضواً باللجنة بصفته "وزيراً للعدل" فإنه أيضا تجاهلها تماما، ولم يحضر أي اجتماع مع أعضائها منذ توليه الوزارة. بالعودة إلى قرار تشكيل اللجنة نجد أن مهامها واختصاصاتها كانت إعداد وبحث ودراسة مشروعات القوانين والقرارات الجمهورية وقرارات رئيس مجلس الوزراء اللازم إصدارها أو تعديلها تنفيذاً لأحكام الدستور المعدل، الصادر في 18 يناير 2014 أو التي تحيلها إليها الوزارات والجهات المختلفة لمراجعتها وتطويرها والتنسيق بينها وبين التشريعات المختلفة لضمان عدم تعددها أو قصورها أو تناقضها أو غموضها، والعمل على ضبطها وتوحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجة المجتمع، وملاءمتها للسياسة العامة للدولة وفلسفتها وأهدافها القومية التي يحددها الدستور. كما تختص اللجنة ببحث ودراسة ومراجعة مشروعات القوانين الرئيسية، بهدف تطوير وتجديد التشريعات، وتوحيد وتجميع التشريعات في الموضوعات المتجانسة، بما يتوافق مع الدستور ويواكب حركة المجتمع وتبسيط نظام التقاضي وتيسير إجراءاته وإزالة معوقاته. رئيس الوزراء يتجاهل اللجنة منذ توليه رئاسة الحكومة بالعودة لاجتماعات اللجنة بكامل تشكيلها، اكتشفت"الأهرام العربي" أن رئيس الوزراء الحالي المهندس شريف إسماعيل تجاهل اللجنة تماماً، ولم يعقد معها أي اجتماع منذ توليه رئاسة الحكومة، على عكس سلفه المهندس إبراهيم محلب، الذي حرص على عقد اجتماعات دورية مع اللجنة بشكل مستمر. المادة الرابعة من قرار رئيس الجمهورية لتشكيل اللجنة نصت على أن "تجتمع بناء على دعوة من رئيسها "رئيس الوزراء" مرة على الأقل كل أسبوعين وتكون اجتماعاتها صحيحة بحضور أغلبية الأعضاء". آخر اجتماع جمع أعضاء اللجنة كان في 14 أغسطس 2014 برئاسة محلب، وبرغم عدم انعقاد البرلمان وحتى بعد انعقاده لم يجتمع بها رئيس الوزراء الحالي حتى الآن، مخالفاً بذلك المادة الرابعة من قرار رئيس الجمهورية. المدافعون عن اللجنة الأمين العام للجنة المستشار هشام حلمي دافع عنها مؤكداً أنها تضم خبرات قانونية وقضائية يمكنها القيام بإصلاح تشريعي حقيقي، وبدأت عملها حينما كان يملك الرئيس سلطة التشريع فساهمت في مناقشة واقتراح عدد كبير من القوانين خلال هذه الفترة وكان لها الدور الأكبر في ذلك. ضرب الأمين العام عدة أمثلة للقوانين التي مرت على اللجنة، منها قانون الكيانات الإرهابية، وقانون شركات الحراسة، وتعديلات قانون الإجراءات الجنائية، وقانون الاستثمار. يوضح المستشار هشام "ربما كانت الحاجة الماسة لعدد من القوانين خلال الفترة التي غاب فيها البرلمان هو السبب في عدم قيام اللجنة بباقي مهامها، فيما يتعلق بمراجعة وتطوير والتنسيق بين التشريعات والعمل على ضبطها وتوحيدها وتبسيطها ومسايرتها لحاجة المجتمع". الرئيس يتسمك باللجنة الزند اتخذ موقفاً سلبياً من اللجنة لأنه كان يرى أن اختصاصاتها تتعدى على اختصاص قسم التشريع بوزارته، لكن الرئيس عبدالفتاح السيسي أفصح صراحة عن تمسكه ببقاء اللجنة، وطالب باستمرارها حتى مع وجود البرلمان ك"بيت خبرة قانونية"، وذلك وفقاً لما قاله المستشار مجدي العجاتي وزير الشئون القانونية، ومجلس النواب، ومقرر اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، خلال لقائه مع "الأهرام العربي". الوزير العجاتي يدافع عن اللجنة الوزير العجاتي قال إن مجلس النواب سحب مقرات اللجنة بالفعل، وقال إنه تقدم بطلب إلى المهندس شريف إسماعيل بتاريخ 6 فبراير الماضي لتخصيص مقر جديد للجنة، لكن إسماعيل لم يرد حتى الآن، مشيرا أن طلبه جاء بعدما تمسك الرئيس السيسي ببقاء اللجنة. المستشار مجدي العجاتي ترأس لجنة الأمن القومي المنبثقة من لجنة الإصلاح التشريعي، وذلك قبل تعيينه وزيرا لمجلس النواب،وأصبح الآن مقرر اللجنة. يرى العجاتي أن لجنة الإصلاح التشريعي تتكون من عناصر قانونية متميزة من مختلف الهيئات القضائية، ووظيفتها اقتراح "مشروعات القوانين، تعديلها،تطويرها"، وبالتأكيد لا تنازع مجلس النواب، لكنها تعد مستشارا قانونيا للرئيس والحكومة، كاشفا عن تعديلات جديدة ستشهدها. كما أوضح أن عدم اجتماع شريف إسماعيل لا يعد تجاهلا، وإنما لأنه انشغل وحكومته في الانتخابات البرلمانية، ثم جاء انعقاد مجلس النواب، ثم بيان الحكومة، والوقت لم يكن ملائما لانعقاد اللجنة. لكن الفترة المقبلة ستشهد تحركات جدية في سبيل تمكينها من أداء كافة أعمالها. العجاتي ختم تصريحاته ل"الأهرام العربي" بأن كل أعضاء اللجنة يؤدون عملهم بدون أي مقابل،مؤكدا أن العمل فيها تطوعي.. قائلا: "والله ما أخدناش تعريفة". عضو اللجنة: الحكومة لا ترغب في تفعيل دورنا تصريحات العجاتي ووعوده شكك فيها صابر عمار عضو اللجنة العليا للإصلاح التشريعي، قائلا "لا توجد رغبة حقيقية من الحكومة في تفعيل لجنة الإصلاح التشريعي". أضاف عمار:"اسألوا المهندس شريف إسماعيل لماذا يتجاهل اللجنة، ولم يجتمع بها، ولم يوافق على تخصيص مقر لها حتى الآن، برغم أن رئيس الجمهورية لم يصدر قرارا بحلها".كما لفت إلى أن وزير العدل السابق المستشار أحمد الزند قاطع اللجنة ولم يحضر أيا من اجتماعاتها منذ توليه الوزارة، برغم أنه أبرز أعضائها، بل إنه طلب من الرئيس حلها، بحجة أن وزارة العدل لديها قسم للتشريع يقوم بذات المهمة". موقف الزند، دعّمه أيضا مواقف مشابهة من مساعده لشئون التشريع، المستشار حسن بدراوي، وهو عضو للجنة، حيث قاطع الحضور بها منذ تولي الزند مهام الوزارة. عمار -الذي يشغل عضوية إحدى اللجان الفرعية داخل اللجنة وهي لجنة تشريعات التعليم- دافع عما أنجزته اللجنة قائلاً "قمنا بدورنا في ظل عدم تعاون من حكومة المهندس شريف إسماعيل"، مشيرا إلى أن من بين القوانين التي كان لها دور كبير في إنجازها، كانت قوانين "الحراسات الخاصة"،"تنمية محور قناة السويس"،"الكيانات الإرهابية"، وبعض تعديلات قانون الإجراءات الجنائية. اختتم صابر عمار دفاعه عن اللجنة بأنها "لجنة فنية تعد مشروعات القوانين وتساعد الحكومة والبرلمان في إعداد التشريعات، وبها من الخبرات القانونية ما لا يتوافر في أعضاء البرلمان".. واستطرد""وضعنا خطة لمراجعة كل التشريعات والقوانين والأوامر المليكة وغيرها، لكننا لم نجد أي تعاون من قبل الحكومة، ووجدنا أن كل الوزارات عبارة عن جزر معزولة عن بعضها". مدير المركز الوطني للاستشارات البرلمانية، رامي محسن قال إنه لم ير نتاجاً ملموساً للجنة، خصوصاً فيما يتعلق بدورها في إصلاح المنظومة التشريعية، التي تعاني من حالة إطناب وتضارب وتزاحم عشرات الآلاف من القوانين وتضاربها أحياناً، لكن الأمين العام أطلعنا على نتاج وطريقة عمل اللجنة، وخططها المستقبلية. الأمين العام للجنة يعرض كشف حساب اللجنة وخطتها هنا. عرض عليها الأمين العام للجنة المستشار هشام حلمي أعمال اللجنة منذ إنشائها، وقال،في البداية كانت بمثابة بيت خبرة لمن كان له حق التشريع في وقت عدم وجود البرلمان (رئيس الجمهورية)، ثم أصبحت بيت خبرة للحكومة التي تقترح التشريعات وتطالب بعرضها على البرلمان. أضاف أن لدى مصر تراثا باليا من التشريعات والقوانين، وهدف اللجنة هو تحديد مواضيع القوانين المترابطة؛ تمهيدها لدمج التشريعات المتناثرة التي تنظم ذات الموضوع داخل تشريع موحد يكون أكثر اختصارا و أبلغ عبارة، وتنقيحها مما قد يكون قد اعتراها من تضارب بفعل التعديلات. اللجنة بدأت أعمالها فور صدور قرار الرئيس، فانشغلت في القوانين العاجلة، ك"الكيانات الإرهابية"، و"الاستثمار" الذي كان لابد من الانتهاء منه قبل المؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ، لكنها في ذات الوقت كانت تجهز نفسها للعمل في مسار ضبط القوانين وتبسيطها وتوحيدها وتطويرها– يقول حلمي. ويوضح "في البداية قمنا بتجميع كل القوانين والتشريعات التي تحكم مصر، وتوصلنا إلى أن عددها حوالي 16 ألف تشريع، عبارة عن قوانين وأوامر ملكية وكريمة وعليا ومراسيم يعود بعضها إلى عام 1866، وستكون هذه بمثابة القاعدة الأساسية التي ينطلق منها عملنا في إجراء ما يمكن تسميته ب"ثورة تشريعية"، حيث أعدت الأمانة الفنية تصورا شاملا يحوي هيكلا جديدا لعمل اللجنة في ظل وجود البرلمان، وأعدت مشروع التشريعات الدامجة والذي يتضمن حصراً شاملاً لكل القوانين والتشريعات ذات الصبغة الموضوعية، وإعداد مقترح لإنشاء وحدة لقياس الأثر التشريعي لها". يقول أيضا، إن عضو البرلمان ليس لديه كل الأدوات والخبرات التي تؤهله للتشريع، وبالتالي فلابد من وجود بيت خبرة يقترح ويراجع، وللبرلمان حق الرفض أو الموافقة، لأن التشريع حقه الأصيل، وهو وصاحب سلطة الإصدار. وأشار إلى أن اللجنة أنشأت موقعا إلكترونيا لتفاعل المواطنين مع أي مقترح ودراسة الأثر التشريعي. اعترف المستشار هشام بأن اللجنة الآن تعاني من حالة جمود، لكنه أرجع ذلك لعدم وجود مكان مخصص للاجتماعات، بالإضافة لعدم اجتماع رئيس الوزراء مع أعضاء اللجنة منذ توليه الوزارة، مؤكدا أن لدى اللجنة خطة كاملة وآلية جديدة ومحددة لعملية الإصلاح التشريعي في مصر. مؤكدا أن الرئيس السيسي يتمسك باللجنة، خصوصاً أنه ضم إليها ممثلين جدداً عن هيئة الرقابة الإدارية والقوات المسلحة ووزارة الداخلية. كما أوضح أن اللجنة اكتشفت العديد من القوانين والتشريعات المتناقضة والمكررة والغامضة والتي تحتاج للتطوير والتنقيح، مضيفا: يوجد لدى اللجنة الآن 18 تشريعا جاهزا للعرض على اللجنة العامة، ضمنها مشروعات قوانين تنظيم حماية الفضاء الإلكتروني ومكافحة الجريمة الإلكترونية، حماية وحفظ الوثائق الرسمية، حرية تداول المعلومات، قانون العمل، حق تنظيم النقابات العمالية، حماية الملكية الفكرية، إنشاء نقابة الفلاحين". وأنهى هشام حديثه ل"الأهرام العربي"، بأن خطة اللجنة -إن تمكنت من أداء عملها- ستكون نتيجتها بعد 3 سنوات "نعم.. أصلحنا كل التشريعات الموجودة في مصر".