الإسكان: جار تنفيذ 64 برجا سكنيا بها 3068 وحدة.. و310 فيلات بتجمع صوارى في غرب كارفور بالإسكندرية    الانتفاضة الطلابية بأمريكا.. ماذا يحدث في حرم جامعة كاليفورنيا؟    دور العرض ترفع أحدث أفلام بيومي فؤاد من شاشاتها.. تعرف على السبب    بحضور السيسي.. تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    سفير روسيا لدى واشنطن: اتهامات أمريكا لروسيا باستخدام أسلحة كيميائية في أوكرانيا بغيضة    طقس أسيوط اليوم.. جو ربيعي وانخفاض درجات الحرارة لمدة يومين    ارتفاع في أسعار الذهب بكفر الشيخ.. عيار 21 بكام؟    ماذا يستفيد جيبك ومستوى معيشتك من مبادرة «ابدأ»؟ توطين الصناعات وتخفيض فاتورة الاستيراد بالعملة الصعبة 50% وفرص عمل لملايين    قوات الجيش الإسرائيلي تقتحم مخيم عايدة في بيت لحم وقرية بدرس غربي رام الله ومخيم شعفاط في القدس    "الحرب النووية" سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة    ملخص عمليات حزب الله ضد الجيش الإسرائيلي يوم الأربعاء    إجراء عاجل من الفلبين ضد بكين بعد اشتعال التوترات في بحر الصين الجنوبي    رامي ربيعة يهنئ أحمد حسن بمناسبة عيد ميلاده| شاهد    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 2 مايو 2024    حملة علاج الادمان: 20 الف تقدموا للعلاج بعد الاعلان    بحضور السيسي، تعرف على مكان احتفالية عيد العمال اليوم    نسخة واقعية من منزل فيلم الأنيميشن UP متاحًا للإيجار (صور)    هل يستجيب الله دعاء العاصي؟ أمين الإفتاء يجيب    مشروع انتاج خبز أبيض صحي بتمويل حكومي بريطاني    تعرف على أحداث الحلقتين الرابعة والخامسة من «البيت بيتي 2»    الصحة: لم نرصد أي إصابة بجلطات من 14 مليون جرعة للقاح أسترازينيكا في مصر    الصحة: مصر أول دولة في العالم تقضي على فيروس سي.. ونفذنا 1024 مشروعا منذ 2014    ضبط عاطل وأخصائى تمريض تخصص في تقليد الأختام وتزوير التقرير الطبى بسوهاج    تشيلسي وتوتنهام اليوم فى مباراة من العيار الثقيل بالدوري الإنجليزي.. الموعد والتشكيل المتوقع    خبير تحكيمي يكشف مدى صحة ركلة جزاء الإسماعيلي أمام الأهلي    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على الإعلامية "حليمة بولند" في الكويت    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    الثاني خلال ساعات، زلزال جديد يضرب سعر الذهب بعد تثبيت المركزي الأمريكي للفائدة    متى تصبح العمليات العسكرية جرائم حرب؟.. خبير قانوني يجيب    بتهمة التحريض على الفسق والفجور.. القبض على حليمة بولند وترحيلها للسجن    «البنتاجون»: أوستن أكد لنظيره الإسرائيلي ضرورة ضمان تدفق المساعدات إلى غزة    أمطار تاريخية وسيول تضرب القصيم والأرصاد السعودية تحذر (فيديو)    تامر حسني يوجه رسالة لبسمة بوسيل بعد الإعلان عن اغنيتها الجديدة.. ماذا قال؟    وليد صلاح الدين يرشح لاعبًا مفاجأة ل الأهلي    هاجر الشرنوبي تُحيي ذكرى ميلاد والدها وتوجه له رسالة مؤثرة.. ماذا قالت؟    عميد أصول الدين: المؤمن لا يكون عاطلا عن العمل    كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي في الموارد البشرية؟    لاعب الزمالك السابق: إمام عاشور يشبه حازم إمام ويستطيع أن يصبح الأفضل في إفريقيا    عاطل ينهي حياته شنقًا لمروره بأزمة نفسية في المنيرة الغربية    هذه وصفات طريقة عمل كيكة البراوني    أهمية ممارسة الرياضة في فصل الصيف وخلال الأجواء الحارة    حكم دفع الزكاة لشراء أدوية للمرضى الفقراء    مظهر شاهين: تقبيل حسام موافي يد "أبوالعنين" لا يتعارض مع الشرع    كوكولا مصر ترفع أسعار شويبس في الأسواق، قائمة بالأسعار الجديدة وموعد التطبيق    بسام الشماع: لا توجد لعنة للفراعنة ولا قوى خارقة تحمي المقابر الفرعونية    الأنبا باخوم يترأس صلاة ليلة خميس العهد من البصخة المقدسه بالعبور    برج الميزان .. حظك اليوم الخميس 2 مايو 2024 : تجاهل السلبيات    الخطيب يطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة افشة .. فماذا حدث ؟    يوسف الحسيني : الرئيس السيسي وضع سيناء على خريطة التنمية    أخبار التوك شو|"القبائل العربية" يختار السيسي رئيسًا فخريًا للاتحاد.. مصطفى بكري للرئيس السيسي: دمت لنا قائدا جسورا مدافعا عن الوطن والأمة    حيثيات الحكم بالسجن المشدد 5 سنوات على فرد أمن شرع فى قتل مديره: اعتقد أنه سبب فى فصله من العمل    انخفاض جديد في عز.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الخميس 2 مايو بالمصانع والأسواق    بعد أيام قليلة.. موعد إجازة شم النسيم لعام 2024 وأصل الاحتفال به    مفاجأة للموظفين.. عدد أيام إجازة شم النسيم في مصر بعد قرار ترحيل موعد عيد العمال    بقرار جمهوري.. تعيين الدكتورة نجلاء الأشرف عميدا لكلية التربية النوعية    النيابة تستعجل تحريات واقعة إشعال شخص النيران بنفسه بسبب الميراث في الإسكندرية    أكاديمية الأزهر وكلية الدعوة بالقاهرة تخرجان دفعة جديدة من دورة "إعداد الداعية المعاصر"    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منارة مصر للثقافة والفن.. بدأت من حديقة الأزبكية: تاريخ المسر ح القومى.. ألف ليلة وليلة نور
نشر في الأهرام العربي يوم 30 - 12 - 2015


أحمد السماحى

* المعز الأتابكى أزبك بن الظاهرى أهداها اسمه

*الحملة الفرنسية تعبث وتخرب جمال الأزبكية

*الخديو إسماعيل يحولها لقطعة من باريس

*أول من غنى فيها عبده الحامولى والمنيلاوى وعثمان

* صنوع يلجأ للخديو لعرض أعماله على "تياترو حديقة الأزبكية".

*جريدة الأهرام تشيد ب"جوق القباني" و" مجنون ليلى"

* تياترو مسرح الأزبكية مقصد الفرق الأوروبية

*أعمال الشيخ سلامة تزين تياترو الحديقة

* حادثة دانشواى تفرض أول رقابة على المسرح

* جورج أبيض ينقذ تياترو الأزبكية

*سر خطة طلعت باشا حرب لإنقاذ المسرح الجاد

* قام بتصميم المسرح وتنفيذه المهندس الإيطالى الجنسية "فيروتشى"


مساء يوم 27 سبتمبر 2008 فى وقت كان يسود فيه الهدوء التام أرجاء مصر، نظرا لانتظار المصريين لتناول طعام الإفطار بعد غروب الشمس، شب حريق هائل فى المسرح القومي، فى صالة العرض، وتسبب الحريق فى أضرار بالغة، دفعت وزارة الثقافة المصرية إلى اتخاذ قرار بإجراء مشروع ترميم وتطوير شامل، من خلال منظور عصرى يوفر للعمل فوق خشبته إمكانيات انطلاق غير محدودة، مع المحافظة على أصالة الطابع العربى الإسلامى الذى تميز به شكله منذ البداية.
واستغرقت أعمال الترميم ست سنوات، وشملت تجديد خشبة المسرح، وصالته، وقبته وقاعاته المختلفة والواجهات، إضافة إلى دعم المسرح بالتقنيات والمعدات الحديثة، إذ بلغت التكلفة حوالى 104 ملايين جنيه.
ووسط حضور فنى ورسمى رفيع المستوى، أعيدت الروح للمسرح القومي، واحتفاء بهذه العودة تم تقديم العرض الرائع "ليلة من ألف ليلة" تأليف محمود بيرم التونسي، ألحان أحمد صدقي، توزيع يحيى الموجي، إخراج محسن حلمي، بطولة النجم الكبير يحيى الفخراني، هبة مجدى، محمد محسن، لطفى لبيب، سلمى غريب، وغيرهم من النجوم.
ولأن المسرح القومى وقف منذ إنشائه وقفة المجاهد من أجل تحقيق فن جاد ملتزم يرتفع بالإدراك والذوق، ذلك لأنه نشأ أصلا فى أحضان يقظة وطنية وحضارية ناهضة، ويعتبره كثيرون قلعة من قلاع الثقافة المصرية لا تقل شموخا عن قلاع أخرى فى تاريخنا العريق، وفوق ذلك كان منذ مولده جامعة للفن العربى، وجد فيها المبدعون من كل أنحاء الوطن العربى حصنا سخيا يرفعون فى رحابه ألوية الفن الرفيع والقيم الإنسانية الخالدة أمام الجمهور المصري، لهذا سنتوقف ونسترجع نشأة هذا الصرح الثقافى الفني، وأهم المفارقات التى صاحبت عروضه، ونتوقف لحظات مع رواده.

الأزبكية
كان لابد لنا ونحن نتحدث عن "تياترو حديقة الأزبكية" الشهير والمعروف حاليا ب "المسرح القومى" أن نعرف فى البداية من أين جاءت كلمة " الأزبكية"، والتطور الذى حدث لهذه البقعة العزيزة من أرض مصر، وبالرجوع إلى العديد من الكتب التى تناولت تلك الحقبة من الزمن، عرفنا من كتاب "تاريخ المسرح فى مصر فى القرن التاسع عشر" لمؤلفه الدكتور سيد على إسماعيل، معنى كلمة الأزبكية، حيث يشير إلى أن المعز الأتابكى أزبك بن الظاهرى، هو منشئ الأزبكية فى عام 880 ه، والتى نسبت إليه.
فقد كانت فى أول أمرها أرضا خربة لا يوجد بها غير مزار سيدى عنتر، وسيدى وزير، وقام بعض الملوك بحفر خليج إليها من فم الخور، وصار يعرف بخليج الذكر ضمن متنزهات القاهرة، وبنى على ذلك الخليج قنطرة الدكة، وكان عليها دكة للمتفرجين ليجلسوا عليها، وكانت تعرف أيضا بقنطرة التركمان، لأن الأمير "بدر الدين التركماني" كان عمرها على خليج الذكر.

واستمرت هذه البقعة إلى سنة 655 ه ، فتلاشى أمرها، وصارت هذه البقعة خربة مقطع طريق مدة طويلة لا يلتفت إليها، واستمرت الحال على ذلك حتى جاء "أزبك" وكان سكنه قريبا منها فبنى فى الأزبكية القاعات الجليلة، والدور والمقاعد وغير ذلك، ومهدها وصارت بركة وبنى حولها رصيفا متقنا محيطا بها، وأجرى إليها الماء من الخليج الناصرى حتى تم له ما أراد، ثم شرع الناس فى البناء عليها فبنيت القصور النفيسة الفاخرة والأماكن الجليلة، وتزايدت العمارات بها إلى سنة 901 ه.

وصارت بلدة مستقلة، وأنشأ بها " الأتابكى أزبك" الجامع الكبير، ثم أنشأ حول الجامع البناء والربوع والحمامات، وما يحتاج إليه من الطواحين والأفران وغير ذلك من المنافع، ولما تمت عمارتها أنعم السلطان قايتباى على أزبك بأرضها، بعد أن كانت وقفا على خزائن الإسلام، ثم سكن "أزبك" فى تلك القصور إلى أن مات وبه ذكرت الأزبكية.
وبعد أن صارت الأزبكية مدينة مستقلة بكيانها العمراني، امتدت إليها يد الإهمال فتلاشى أمرها مرة أخرى وخربت، حتى جاء عثمان كتخدا" فى عام 1145 ه، فأعاد بناءها من جديد، فبدأ ببناء الصهاريج والمسجد بالأزبكية بجوار مدفن الشيخ أبى طاقية الذى كان بجوار المسجد، لكن فى فترة تواجد الحملة الفرنسية، حصل بها تخريب وبقيت على ذلك حتى سكن بها " محمد على باشا"، فكثرت فيها المبانى المنتظمة على الأساليب الجديدة، وتجددت القصور والبيوت التى حولها.
ومما زاد فى تحسينها فتح السكة الجديدة، لكن يد الإهمال امتدت لآخر مرة فى عمر الأزبكية، بعد عهد محمد على، حتى جاء مؤسسها ومعمرها وبانيها الحقيقى الخديو إسماعيل، وذلك عندما عاد سنة 1867 من زيارته لمعرض باريس، بعد أن بهرته التحسينات الجارية فى العاصمة الفرنسية، فأقدم على الأزبكية لتكون على شاكلتها، وبالفعل تم له ذلك فى فترة قصيرة، وخرجت الأزبكية نزهة من أجمل المتنزهات، ومكانا بديعا يخلب الألباب، تنيره الأنوار الغازية، وتزينه الفسقيات.

وأقبل الخديو على الحى المحيط بالحديقة، فجعل ينتزع ملكية منازله الخشبية مقابل تعويضات، ويهب الأرض التى كانت قائمة عليها هبة إلى من شاء التعهد بإقامة مبان فخمة عليها، وأقام فى طرف الأزبكية الجنوبى مسرحين فخمين، وهما مسرح الكوميدى الفرنسي، ودار الأوبرا الخديوية الذى أقام أمامها تمثالا برونزيا لأبيه إبراهيم باشا، وشيد مسرحا صغيرا أقل فخامة وأناقة فى الطرف الجنوبى الشرقى من حديقة الأزبكية المطل على ميدان العتبة وأطلق عليه " تياترو حديقة الأزبكية"، كما أقيمت بحيرة صناعية آية فى الجمال، وتحف بهذه الحديقة أبنية أخاذة المنظر منسقة على طراز واحد، وبنيت حنفيات عمومية كبيرة ومساجد وقصور عديدة.

حديقة الأزبكية
أما حديقة الأزبكية فبعد تشجيرها وتزيينها وتنويرها بالغاز، صدر أمر الخديو بتعيين " موسيو باريليه" الفرنسى ناظرا لها ولكل المتنزهات الأخرى، وكان يتقاضى راتبا سنويا قدره 30 ألف فرنك فرنسي، بالإضافة إلى منزل لإقامته، وأيضا 90 ألف فرنك فرنسى كتعويض لترك عمله فى باريس، بالإضافة إلى 20 ألف فرنك فرنسى نظير خدمته فى مصر من تاريخ حضوره من فرنسا.
وكانت الحديقة فى أول أمرها كمتنزه مباحة للناس فى الليل فقط، وفى عام 1871 أبيحت لهم فى النهار، وكانت تقام فى الحديقة الاحتفالات الرسمية للمناسبات الكبرى سواء للجاليات الأجنبية أم للمصريين، من أهم هذه الاحتفالات، الاحتفال بعيد الملكة فيكتوريا ألكساندرين، من قبل الجالية الإنجليزية فى مصر، واحتفال الجالية الفرنسية بعيد 14 يوليو.

عبده الحامولى والمنيلاوى
أما بالنسة للاحتفالات المصرية فى تياترو حديقة الأزبكية، فكانت تتمثل فى احتفالين بصفة خاصة، الأول الاحتفال بعيد الجلوس السلطاني، والآخر احتفال الجمعيات الخيرية، والمحافل الماسونية، والاحتفال بعيد الجلوس كان يتخذ فى الحديقة أشكالا خاصة، مثل عزف الموسيقى العسكرية، وإقامة السرادقات الخاصة بالغناء للمطربين، ومن أهمهم الشيخ يوسف المنيلاوي، وعبده الحامولي، ومحمد عثمان، بالإضافة إلى تمثيل بعض الفرق لمسرحيات تتناسب مع مناسبة الأحتفال.

يعقوب صنوع يلجأ للخديو إسماعيل
وفى تلك الفترة كانت أشهر الفرق المسرحية هى فرقة " يعقوب صنوع" التى لم يكن لديها مسرح دائم مخصص لعروضها، وكان صنوع يكافح من أجل تقديم عدد من الحفلات بمسارح الدولة، مثل مسرح دار الأوبرا الملكية، المسرح الكوميدى الفرنسي، مسرح قصر النيل، إلى جانب العروض الجماهيرية بالمقهى الموسيقى الكائن بحديقة الأزبكية.
وفى أحد الأيام أرسل يعقوب صنوع رسالة للخديو إسماعيل يطلب منه أن تنتقل فرقته إلى "تياترو حديقة الأزبكية"، ووافق الخديو، وسجل صنوع هذا الحدث فى مسرحية بعنوان " موليير مصر وما يقاسيه"، فقد جاء على لسان " متري" إحدى شخصيات المسرحية أن الخديو سمح لفرقة صنوع بتقديم مسرحياتها بتياترو الحديقة فيقول مترى " إن رئيسنا جيمس " يقصد صنوع" من التواضع والاحتشام، ما يحبش أحد يمدحه، ودايما يقول لذواتنا الكرام كتابة الكوميديا ماهيش شطارة، الشطارة لعبها أمامكم يا أبناء الأمارة، الكلام ده وصلوه لأفندينا، وده سبب مجييه هنا، أهو أعطانا مجانا تياترو الأزبكية اللى بيحضروه ليلا الذوات من عابدين وحى الإسماعيلية".

الأهرام تشيد ب"جوق القبانى"
وعلى خشبة تياترو حديقة الأزبكية، أحيت فرقة الممثل والمؤلف المسرحى السورى أبو خليل القبانى موسمها الأول بالقاهرة، وقد نشرت جريدة الأهرام فى 25 نوفمبر 1885 الخبر التالى عن فرقة القباني: " مثل أمس فى تياترو حديقة الأزبكية جوق الشيخ أبو خليل القبانى رواية " مجنون ليلى" وكان المرسح غاصا حتى لم يتسع من كثرة الحضور وأثنوا على التأليف والتمثيل طيب الثنا، وما نعهده من سكان العاصمة يمد فى أملنا أن ترى سائر الليالى كالليلة الغابرة، ورجاء من الجمهور أن يمتنع عن التدخين وإحداث الضوضاء عندما يدخلون التياترو لأنهما يضايقان الأنفاس ويصمان الآذان، ولاسيما فى روايات حضرة الفريق المذكور لما لها من الإبداع والإتقان".
وبعد نجاح " مجنون ليلى" مثلت فرقة القبانى بذات التياترو مسرحيات " أنس الجليس، عنترة، عبدالسلام ابن رغبان، لباب الغرام"،ولقد عادت الفرقة لتحيى بتياترو الحديقة مواسم قصيرة فى عامى 1886 و1888 ".

إسكندر فرح والقرادحي
ومن الفرق التى مثلت بالتياترو فرقة "إسكندر فرح" وعلى رأسها الشيخ سلامة حجازى والتى كانت أشهر فرقة عملت بالقاهرة بين عامى " 1891 1905 "، كما مثلت بتياترو الحديقة أيضا فرقة "سليمان القرادحي" الذى كان يمتلك مسرحا باسمه بالإسكندرية، وفى عام 1900 سعى لاستئجار تياترو الحديقة، كما طلب السماح له ببناء مسرح لفرقته بأرض الحديقة، لكن مشروعه رفض من قبل المسئولين.

فرق أجنبية
وكان تياترو مسرح الأزبكية مقصد الفرق الأوروبية العديدة التى كانت تفد إلى مصر بكثرة خلال الفترة من عام 1890 إلى 1906 ، لتقدم عروضها أمام جمهور الأجانب الذين أخذوا يتوافدون على مصر بأعداد متزايدة، وقد ساعد على رواج عروض هذه الفرق قرب المسرح من مكان تجمعات الجاليات الأجنبية المستوطنة بأحياء الفجالة والظاهر وعابدين والأزبكية.
وفى تلك الفترة " 1905 1909 " لم يكن بالقاهرة فرقة مسرحية تقدم عروضها بانتظام ونجاح سوى فرقة الشيخ سلامة حجازي، حيث انصرف الجمهور عن فرقة "إسكندر فرح" بعدما انفصل عنها نجمها الأول الشيخ سلامة حجازي، ثم موت بطلة الفرقة مارى صوفان عام 1906 الذى جاء ضربة قاصمة لنشاط الفرقة، حتى إن مؤسسها "إسكندر فرح" أكتفى بعد ذلك بتأجير مسرحه " التياترو المصري" فى شارع عبدالعزيز لبعض الفرق الصغيرة غير المعروفة، وبعض فرق الهواة.

فرقة سلامة حجازى
وقد شهد تياترو الحديقة أول موسم لفرقة الشيخ سلامة حجازى التى كونها بعد انفصاله عن فرقة إسكندر فرج فى فبراير 1905، وهناك أحييت موسما ناجحا فى مارس وإبريل 1905 ، حيث مثلت مسرحيات " البرج الهائل، المظلوم، هاملت، صدق الأخاء، هناء المحبين، اللص الشريف، السر المكنون، صلاح الدين الأيوبي، روميو وجولييت".

حادثة دنشواى وأول رقابة
وعندما حدثت واقعة " دنشواي" التى جرت وقائعها فى 13 يونية سنة 1906 فى عهد الخديوى عباس حلمى التانى، عندما قامت مجموعة من الضباط الإنجليز برحلة صيد حمام جنب قرية دنشواى فى المنوفية بدعوة من عبد المجيد بك سلطان، أحد أعيان القرية، لكن الضباط و هم يصطادون اشتعلت النار فى جرن من أجران الفلاحين بسبب البارود المولع، فعندما رأى الفلاحون ما يحدث، "اتخضوا" و هاجوا و هجموا على الضباط الإنجليز فضرب واحد من الضباط خرطوشة من بندقيته، فأصابت امرأة من القرية فوقعت ع الأرض مجروحة، فهجم رجال القرية على الإنجليز وضربوهم، وهم يهربون أصيب أحدهم "بضربة شمس" فمات و اتهم الإنجليز الفلاحين بقتله، وصدر حكم مبالغ فيه ومتعسف بإعدام أربعة من أهالى دنشواى.

هذه الحادثة الشهيرة كان الفنان حسن مرعى ينوى تقديمها فى مسرحية بعنوان " دنشواي"، وتحدد مساء الخميس 19 أغسطس 1906 لتقديمها على خشبة مسرح تياترو الأزبكية لكن قبل تقديمها بساعات قليلة، منعت السلطات تمثيلها حتى لا تثير أوجاع الناس، وتشحن القلوب بالأحزان، بعرضها بعض مظاهر القسوة والجبروت، كانت هذه حجة السلطات، لكن مؤلف العمل الفنان حسن مرعى استوعب وفهم بذكائه الغرض من منع المسرحية، فأصر على طبعها كرواية تحت اسم " صيد الحمام"، وبهذا تكون مسرحية " دنشواي" أول مسرحية تتعرض للرقابة!

جورج أبيض ينقذ تياترو الأزبكية
وفيما بين عامى 1906 و1912 انكمش نشاط تياترو الأزبكية، وخلت منصته من العروض معظم أيام السنة، بعد أن انصرفت عنه الفرق الأجنبية نظرا لأن الرطوبة فيه شديدة جدا، كما أنه أصبح رث الأثاث، مفضلة العمل بمسرح عباس الجديد، وفى 12 نوفمبر استأجرالفنان جورج أبيض تياترو حديقة الأزبكية ليتخذه مقرا لفرقته العربية، بعد أن جرب حظه فى مسرح عباس الجديد، وقدم مجموعة من المسرحيات الكوميدية، نزولا على رغبة وزير المعارف، مثل " النساء العالمات، الشيخ متلوف، الأحدب، ريجوليتو" وقد حاول أبيض إضحاك الجمهور لكنه فشل، لأن الجمهور تعود رؤيته عملاقا فى التراجيديات العظيمة، واضطر " جورج أبيض" لترك مسرح عباس، بعد أن منى بخسارة مادية فادحة، والذهاب إلى تياترو حديقة الأزبكية، وبالفعل افتتح موسم الشتاء فى 20 نوفمبر 1912 حيث قدمت الفرقة " لويس الحادى عشر، جريح بيروت، عطيل، الكابورال سيمون، برج نل، مارى تيودور، الأحدب"، وحققت هذه العروض المترجمة التراجيدية نجاحا كبيرا.
وظلت فرقة جورج أبيض تمثل بالتياترو حتى شهر مارس 1913 ، وفى تلك الفترة قامت الفرقة برحلة إلى الوجه القبلي، واستغل الشيخ سلامة ذلك هو وعبدالله عكاشة وقدما موسما قصيرا من مسرحيات " العفو القاتل، شهداء الغرام، عظمة الملوك، اليتيمتين، الساحر".
وقد أشادت الصحف المصرية بجهود جورج أبيض فى بعث الحياة بتياترو الحديقة، ولم تستأنف فرقة أبيض نشاطها بتياترو الأزبكية إلا فى شهر أغسطس 1914 ، عقب عودتها من رحلتها إلى بلاد الشام.

الحرب العالمية الأولى
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى فى صيف 1914 فرضت سلطات الاحتلال البريطانية الأحكام العرفية على أنحاء البلاد، ووضعت قيودا على السهر والإضاءة فى الأماكن العامة، ودور العرض والملاهي،كما فرضت الرقابة على الصحف والمسرحيات وأمرت إدارة المطبوعات بمنع بعض المسرحيات وحذف المشاهد التى ترى هذه السلطات أنها تخالف تعليمات الرقابة المشددة، حتى أضحت مسرحيات كثيرة مبتورة لا تصلح للعرض.

وقد حدت هذه القيود بالإضافة إلى تدهور الأوضاع الإقتصادية بسبب استنزاف موارد البلاد لتموين الجيوش البريطانية فى الشرق الأوسط، وتوصلت بعض الفرق لحل أزمتها بأن تندمج كل فرقتين مع بعض، فاتحدت فرق جورج أبيض وسلامة حجازي، وعزيز عيد مع منيرة المهدية، لكن كل فرق مصر حققت خسائر كبيرة باستثناء فرقتى " نجيب الريحاني" و" على الكسار"، فقد كان الريحانى يحقق نجاحا يوميا فى كازينو " الأبيه دى روز"، وعلى الكسار فى كازينو " دى ياري"، حيث برعا كلاهما فى تمثيل فصول هزلية استعراضية، وقد أدى ازدهار المسرح الهزلى عام 1916 إلى مزاحمة الفرق الجادة، واجتذاب بعض جمهورها، وأصبح يشكلان تيارا رئيسيا يتصدره نجوم لامعون مثل الريحانى والكسار.
وكانت أغلبية زبائن الملهيين فى بادئ الأمر من الأوروبيين، ولم يلبث أن توافد عليهما جنود الحلفاء فى الحرب العالمية، وأثرياء الحرب، وأعيان الريف الذين تضاعفت أرباجهم لارتفاع أسعار القطن.

طلعت حرب ينقذ المسرح الجاد
بعد النجاح الكبير للمسرح الهزلى، اتفق فريق من الماليين والفنانين على رأسهم عبدالخالق باشا مدكور، وطلعت باشا حرب، وعبدالله وزكى عكاشة على إنشاء شركة مساهمة تقوم بالإنفاق على فرقة عبدالله عكاشة وتحميها من منافسة المسرح الهزلى وتعاونها على مواصلة نشاطها وتقديم عروضها من المسرحيات الغنائية والدرامية، فى إطار فنى لائق على أن تكون الأولوية للمسرحيات المصرية المؤلفة، وقد أطلق على الشركة التى كونها هؤلاء " شركة ترقية التمثيل العربي، جوق عبدالله عكاشة وأخوته وشركاهم" وسجلت بمحكمة مصر الابتدائية فى 20 يناير 1917، كما تم تغطية جميع الأسهم وعددها 1250 سهما قيمة السهم أربعة جنيهات.
شركة ترقية التمثيل
ولم يقتصر نشاط شركة ترقية التمثيل على هذا فقط فقامت بتأجير مسرح الأزبكية لمدة 50 عاماً بإيجار سنوى قدره 12 جنيها، بموجب عقد يسمح للفرقة بتجديد بناء المسرح وتم طرح أسهم الشركة للاكتتاب حتى وصل رأس المال إلى 8000 جنيه لتغطى تكلفة البناء الجديد.
شيد تياترو حديقة الأزبكية عام 1920 فى نفس موقع تياترو الأزبكية القديم من حديقة الأزبكية جنوب شرق الحديقة وهو الجزء الذى يطل على ميدان العتبة وشارع البوسطة ومنصته ناحية الميدان ومدخله من مركز الحديقة ناحية الشمال الغربى، وقد تم افتتاحه رسميا للجمهور الأول من يناير لعام 1920.

تصميم المسرح
قام بتصميم المسرح وتنفيذه المهندس الإيطالى الجنسية " فيروتشى"، والذى كان يشغل منصب مدير عام المبانى السلطانية فى ذلك الوقت، وقد صمم المسرح من الداخل على التصميم المعمارى الذى كان سائدا فى ذلك العصر من ناحية الصالة البيضاوية على هيئة حدوة فرس وكان تصغيراً لتصميم مسرح الأوبرا الملكية المصرية، وقد تم تصميم العديد من المسارح على غرار هذا المسرح مثل مسرح وسينما محمد على بالإسكندرية عام 1922 (مسرح سيد درويش) ومسرح طنطا ومسرح ريتس عام 1923 ومسرح دمنهور 1925 ومسرح الريحانى عام 1926 ومسرح معهد الموسيقى العربية عام 1928 ويرجع فضل اختيار الطراز العربى للتصميم المعمارى للمبنى إلى طلعت حرب، والذى أنشأ فى نفس العام بنك مصر على نفس الطراز والزخرفة المعمارية العربية.

البحث عن رواية مصرية
وفى الوقت الذى كانت تمضى فيه عمليات إنشاء المسرح الجديد شرعت فرقة عكاشة فى إنتاج مسرحيات مؤلفة لتقديمها على هذا المسرح عند افتتاحه، فأعلنت بصحيفة الأهرام فى شهر أغسطس 1919 أنها تحتاج إلى مسرحيات جديدة تقدم بالمسرح الجديد " تياترو حديقة الأزبكية"، وجاء نص الإعلان كالآتى : " تتشرف شركة ترقية التمثيل العربى بمناسبة قرب افتتاح التياترو الجديد بحديقة الأزبكية، بإعلان حضرات المؤلفين والكتاب أنها فى حاجة إلى ثلاث روايات موضوعة غير منقولة مصرية أو شرقية موضوعا وأشخاصا، الأولى " تاريخية موضوعها واقعة صحيحة، الثانية أخلاقية جدية، الثالثة أخلاقية هزلية".
كذلك استعدت " شركة ترقية التمثيل العربي"لافتتاح مسرح حديقة الأزبكية بفرقة كبيرة ضمت طائفة من ألمع الممثلين والممثلات هم " أحمد فهيم، بشارة واكيم، عبدالعزيز خليل، أحمد حافظ، محمد بهجت، أحمد فهمي، فكتوريا موسى، لطيفة نظمي، فاطمة سري، وردة ميلان، فكتوريا سويد،لبيبة ماللي"، وأسندت الإدارة الفنية إلى عمر وصفي، كما ضمت الفرقة الموسيقار عبدالحميد على لرئاسة الأوركسترا، وعلى حسن خريج معهد الفنون الجميلة بإيطاليا ليقوم بتصميم الرسوم والمناظر، وتولى رئاسة الفرقة المطرب الممثل عبدالله عكاشة الذى كان يؤدى أدوار البطولة الغنائية أمام زوجته فكتوريا موسى، كما كان يشترك بالغناء والتمثيل أخواه زكى وعبدالحميد عكاشة.

هدى فى حفل الافتتاح
وفى 20 ديسمبر1920 أعلنت الصحف المصرية عن قرب افتتاح مسرح حديقة الأزبكية الجديدة فى أول يناير 1921، كما أشارت إلى روايات الافتتاح على النحو الآتي: تبدأ احتفالات شركة ترقية التمثيل العربى مساء يوم الخميس أول يناير 1921 بالأربع روايات الآتية: 2،1 يناير رواية " هدى" وهى رواية تلحينية خيالية عصرية، تأليف عمر بك عارف، وتلحين حضرة الشيخ سيد درويش، وإخراج عبدالعزيز خليل،4،3 يناير " عبدالرحمن الناصر" بقلم عباس أفندى علام، تلحين سيد درويش،6،5 يناير " ألامود" وهى رواية أخلاقية مصرية عصرية بقلم عباس أفندى علام،8،7 يناير "عدل المأمون" وهى رواية أخلاقية تاريخية تمثل عهد الخليفة المأمون وعدله بقلم زكى أفندي.

الأهرام ترصد حفل الافتتاح
وحقق حفل افتتاح مسرح تياترو حديقة الأزبكية نجاحا كبيرا، وكتبت صحيفة "الأهرام" تشيد بالحفل فكتبت "احتفلت شركة ترقية التمثيل العربى مساء يوم الخميس الماضى بافتتاح دارها فى حديقة الأزبكية، فحضر الاحتفال جمهور عظيم من الأدباء والفضلاء وأنصارالفنون يتقدمهم أعضاء الوزارة المصرية الحاضرة، والسابقة، وقبل أن يعلن افتتاح الجلسة لبث هذا الجمهور المنتخب بتأمل فخامة الدار وجمال تنسيقها، وما حوته من الزخرف الدال على تقدم فن الهندسة العربية وتجددها.
وعزفت الموسيقى الوترية برئاسة عبدالحميد أفندى على النشيد الوطني، ثم أعقبته بعدة أدوار موسيقية شائقة، ثم برز على المرسح شاعر القطرين خليل بك مطران، وألقى خطبة ضمنها درسا مفيدا نافعا فى التمثيل والغرض المقصود منه، وألمح إلى تاريخ التمثيل فى مصر والشام منذ نصف قرن، وكانت أقواله تقاطع بالتصفيق والإعجاب.
ثم أنشد الشاعر المجيد محمد أفندى الهراوى قصيدة غراء فى فضل التمثيل وأثره فى الأخلاق المدنية، ورقصت الراقصات رقصا محتشما على أنغام الموسيقى، واشترك ثلاثة من الممثلين فى تلاوة قصيدة " مناجاة أبى الهول" لكبير شعراء مصر أحمد بك شوقي، وختمت الحفلة بإنشاد النشيد الوطني، وخرج الحاضرون يثنون على همة أعضاء شركة ترقية التمثيل، راجين لها ما تستحقه من النجاح فى خدمة الفن وأهله.

فشل فرقة عكاشة
بعد النجاح الكبير الذى حققته فرقة ترقية التمثيل التى كان يرعاها طلعت باشا حرب، توالت العروض فقدمت عرضى " الزوبعة، الهاوية"، لكن فرقة عكاشة لم تكن مجددة كل التجديد بعد أن استقر بها المقام بمسرح حديقة الأزبكية، بل عاودها الحنين منذ موسمها الأول إلى إعادة تقديم مسرحياتهم القديمة، وكانت معظمها مسرحيات تاريخية لا تحمل أى دلالة أو إحالة للحاضر، وهى فوق ذلك مكتوبة بالفصحى وبلغة ثقيلة تميل إلى المباشرة والخطابية، ومن هذه المسرحيات " مصرع الزباء، الراهب المتنكر، قابيل، سفير الرشيد، الإفريقية" وغيرها
مثلت فرقة عكاشة خلال المواسم الثمانية التى أحيتها بمسرح حديقة الأزبكية نحو 95 مسرحية، منها نسبة كبيرة من ريبرتوار الفرقة القديمة قبل 1921 ، و55 مسرحية جديدة، وكان من أبرز كتاب الفرقة عباس علام، توفيق الحكيم، محمد عبدالقدوس، محمد فريد أبوحديد، حامد الصعيدي، مصطفى ممتاز.

أزمة اقتصادية تطيح بالمسرح
بعد أن تدهورت أحوال فرقة عكاشة المسرحية، وتراجع عنها الجمهور، مر المسرح بأزمات مالية طاحنة، وفى عام 1929 أجتاحت العالم الغربى أزمة اقتصادية امتدت أثارها إلى كل أنحاء العالم ولم تسلم مصر من أخطارها، فخيم الركود على الأسواق المالية وهبطت أسعار القطن، مما أدى إلى انخفاض القوة الشرائية وتناقص كمية النقد المتداولة، وهذا أدى إلى انتشار البطالة وتخفيض الأجور، وقامت فرقة عكاشة بتأجير مسرح حديقة الأزبكية للفرق الأجنبية.

الفرقة القومية المصرية
بدأ بعض الفنانيين المهتمين بالمسرح يبحث عن حلول لأزمة المسرح، التى بلغت ذروتها فى الثلاثينيات واضطرت معها أغلب الفرق إلى التوقف عن العمل،وكانت أهم المبادرات لحل تلك الأزمة التى يمر بها المسرح إنشاء فرقة اتحاد الممثلين عام 1934 برئاسة الفنان جورج أبيض، ولكن الاتحاد فشل قبل نهاية العام بسبب ضعف مستوى العروض والصراعات المستمرة بين الفنانين، مما دعا وزير المعارف إلى تشكيل لجنة لترقية المسرح المصرى برئاسة الدكتور حافظ عفيفى وعضوية بعض رجال الأدب لدراسة وتقرير ما تراه لإصلاح التمثيل.
وبعد أن قامت اللجنة بدراسة موقف الفرق، والتقرير المقدم من جورج أبيض وبعض الممثلين، رفعا فى 13 مارس 1935 مقتراحاتها إلى وزير المعارف وكان من بينها إنشاء فرقة حكومية تضم الممثلين الأكفاء.
وبالفعل شرعت وزارة المعارف فى تنفيذ معظم المقترحات المقدمة للنهوض بالمسرح، فصدر قرار بإنشاء الفرقة القومية برئاسة الشاعر خليل مطران، كما شكلت ثلاث لجان إحداها عليا للإشراف على الفرقة الجديدة برئاسة د. حافظ عفيفي، وعضوية د.طه حسين، ومحمد العشماوى وكيل الوزارة، ود. حسين هيكل، ود. أحمد ماهر، واللجنة الثانية تنفيذية برئاسة محمد العشماوي، والثالثة للقراءة وتتألف من د. طه حسين، وأحمد أمين، وعبدالعزيز البشري، وخليل مطران، ومحمد عبدالرازق، وخليل ثابت.

سر رفض يوسف وهبى الانضمام للفرقة القومية
وقد دعى للاشتراك فى الفرقة القومية مديرو وأعضاء الفرق المنحلة، فقبل معظمهم العرض، بينما رفض الفنان يوسف وهبى الانضمام للفرقة، لأن مطران لم يوافق على منحه راتبا شهريا قدره 120 جنيها، وتضامن معه عدد من ممثلى مسرح رمسيس منهم " أمينة رزق"، وكذلك رفضت فاطمة رشدى الانضمام إلى الفرقة بسبب الأجر، وكان أعلى مرتب فى الفرقة خمسون جنيها ناله خليل مطران، وجورج أبيض، وأربعون جنيها لكل من عبدالرحمن رشدي، وأحمد علام، وحسين رياض، و35 جنيها لكل من دولت أبيض، وزينب صدقي، أما باقى الممثلين فقد حددت رواتبهم بذات الأجور التى كانوا يتقاضونها فى الفرق التى عملوا بها قبل الالتحاق بالفرقة القومية.
وقررت وزارة المعارف إعانة سنوية مقدارها 15 ألف جنيه لتغطية رواتب الفنانين والإداريين، وإيجار مسرح الأوبرا وميزانية الإنتاج، واستقر رأى اللجنة العليا للتمثيل على تقديم عروض الفرقة بمسرح دار الأوبرا نظرا لعدم وجود مسرح شاغر.
فى البداية تألفت الفرقة القومية من الممثلين " جورج أبيض، حسين رياض، أحمد علام، عبدالرحمن رشدي، إبراهيم الجزار، حسن فائق، فتوح نشاطي، عباس فارس، فهمى آمان، فؤاد سليم، فؤاد شفيق، زكى رستم، مختار عثمان، محمود المليجي، محمود السباع، محمود رضا، عبدالحميد شكري.
ومن الممثلات " دولت أبيض، عزيزة أمير، زينب صدقي، روحية خالد، زوزو حمدى الحكيم، سيرينا ونجمة إبراهيم، فردوس حسن، وعين عزيز عيد وعمر وصفي، وزكى طليمات مخرجين لعروض الفرقة.

أهل الكهف
وفى السابع من ديسمبر 1935 ارتفع ستار مسرح الأوبرا عن مسرحية " أهل الكهف" تأليف توفيق الحكيم، إخراج زكى طليمات، وبطولة عزيزة أمير عباس فارس، عمر وصفي، زكى طليمات، وقد أثنى بعض الكتاب على المسرحية بإعتبار أنها أول مسرحية مصرية مؤلفة جادة تعالج صراع الإنسان مع الزمن، وكانت أسعار الدخول 5 قروش أعلى التياترو، 8 قروش بلكون، 10 كروس كرسى ستال، 12 قرشا كرسى مخصوص، 15 قرشا كرسى ممتاز، 50 قرش لوج، 70 لوج أول، 200 قرش بنوار.

الفرقة القومية للتمثيل والموسيقى
وكانت عروض الفرقة القومية تقدم فى البداية على مسرح دار الأوبرا حتى عام 1941، وقدمت عروض كثيرة، حققت نجاحا كبيرا، أبرزها " الملك لير، تاجر البندقية، نشيد الهوي، سر المنتحرة، مجنون ليلى، عطيل" وغيرها، وفى أغسطس 1942 صدر قرار بحل الفرقة القومية، وتكوين فرقة جديدة من أعضائها وأطلق عليها اسم "الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقي" وفى هذه التسمية ما يشير إلى توسيع دائرة نشاط الفرقة لتشمل المسرحية الغنائية إلى جانب الدراما بألوانها المعروفة، وعين محمد حسن مدير الفنون الجميلة، مديرا عاما للفرقة بدلا من خليل مطران، كما عين زكى طليمات مديرا فنيا لها.

يوسف وهبى يهاجم الفرقة للتمثيل والموسيقى
وكان يوسف وهبى يتطلع إلى منصب مدير عام الفرقة للتمثيل والموسيقى، ليستعيد زعامته التى افتقدها منذ أن أغلق مسرح رمسيس، وانضم معظم أبطاله إلى الفرقة المصرية، وكان يتحين الفرصة لتحقيق ذلك، مستغلا أزمات الفرقة الإدارية أو هبوط أحد عروضها ليدلى بتصريحات معادية لها.
وعين يوسف وهبى للمرة الأولى مديرا فنيا بقرار من وزارة الشئون الاجتماعية فى أكتوبر 1945 بدلا من زكى طليمات الذى استقال لخلاف بينه وبين الممثلين الذين ألقوا عليه مسئولية عدم نجاح بعض العروض وعدم تفرغه للشئون الفنية للفرقة، وقد تحدد راتب يوسف وهبى بمائة جنيه شهريا يضاف إليها 25% من دخل الشباك.

فرقة المسرح الحديث
وظلت الفرقة تقدم عروضها بين مسرح الأزبكية ومسرح الأوبرا،ومنذ عام 1947 بدأت الفرقة المصرية تستقبل الطلائع الأولى من خريجى معهد فن التمثيل، وكان من الطبيعى أن يؤدى انضمام هؤلاء للفرقة إلى دعمها بعناصر شابة ووجوه جديدة تلقت أصول فن التمثيل على أسس منهجية وعملية، لكن سرعان ما دب الخلاف بين جيل الشباب وقدامى الفنانين، وتبادل الفريقان الاتهام، فالشبان شكوا من عدم اتاحة الفرص لهم للظهور فى أدوار مهمة، والكبار أخذوا عليهم غرورهم وتكبرهم وثقتهم الزائدة فى أنفسهم، والاستهانة بأقدار جيل أفنى عمره فى خدمة المسرح.
وبمرور الوقت ازداد التباعد بين الجيلين داخل الفرقة وتعذر التوفيق بينهما، وفى شهر سبتمبر 1950 صدر قرار وزير الشئون الاجتماعية بإنشاء فرقة المسرح المصرى الحديث التى ضمت 14 ممثلا وممثلة من خريجى المعهد هم " ملك الجمل، نعيمة وصفي، عبدالرحيم الزرقاني، سعيد أبوبكر، أحمد الجزيري، عبدالمنعم إبراهيم، نور الدمرداش، محمود عزمي، صلاح سرحان، عمر الحريري، عبدالغنى قمر، شكرى سرحان.
وقد عين زكى طليمات مديرا للفرقة الجديدة، لذلك تنحى عن الإشراف الفنى على الفرقة المصرية، وقدمت الوزارة إعانة سنوية مقدارها سبعة آلاف جنيه، وكان أعلى راتب فى الفرقة 17 جنيها، وافتتحت الفرقة موسمها الأول فى أكتوبر 1950 بمسرحية " ابن حلا" لمحمود تيمور التى تناولت الجوانب الخفية فى حياة القائد العربى الحجاج بن يوسف الثقفي.

دنشواى الحمراء والموقف المتأزم بين مصر وبريطانيا
حقق عرض " ابن حلا" نجاحا كبيرا، واستجابة للموقف السياسى المتأزم بين مصر وبريطانيا على إثر إلغاء معاهدة 1936 فى أكتوبر 1951 وما ترتب على ذلك من سحب الإعتراف بالوجود البريطانى فى مصر، مثلت الفرقة " دنشواى الحمراء" تأليف خليل الرحيمي، وهى مسرحية تاريخية عن مأساة قرية دنشواي، وفى هذا الوقت كانت معارك الفدائيين المصريين مع الجنود الإنجليز على أشدها فى منطقة القنال فى أواخر 1951 وأوائل 1952 .
وتوالت عروض فرقة المسرح الحديث منها " كسبنا البريمو، مسمار جحا، حورية من المريخ، كدب فى كدب"

ثورة يوليو والقومي
وبقيام ثورة 23 يوليو عام 1952 التى طردت الاستعمار، وأنهت الحكم الملكى فى البلاد، غيرت مصير المسرح والنظرة إليه ونال التأييد والمساعدة، فضمت وزارة الإرشاد القومى آنذاك الفرقتين معا " فرقة المسرح الحديث، والفرقة القومية المصرية"، وبذلك تكونت " الفرقة المصرية الحديثة" عام 1953 ، وعين يوسف وهبى أول مدير للفرقة المصرية الحديثة فى عهد الثورة، فى وقت شهد فيه المسرح رواجا غير مسبوق بفضل كوكبة من الكتاب المسرحيين والمبدعين الذين دشنوا مرحلة جادة وجديدة فى تاريخ المسرح المصرى أبدعها زخم الخمسينيات والحلم الثوري.
وعلى مدى 84 عاما احتل المسرح القومى مكانة رفيعة فى الحركة المسرحية، بفضل إنجازاته حيث عبر بالأدب المسرحى من مرحلة الترجمة والاقتباس إلى مرحلة التأليف الجيد النابض بوعى الإنسان وقضاياه، من خلال إبداعات كتابه وجهاد أجياله المتعاقبة من المخرجين والممثلين، لقد كانت فترات ازدهار وإخفاق المسرح القومى هى ذاتها مؤشرات لمستوى انخفاض وازدهار الحياة فى مصر.

«صوت مصر» يشارك فى معركة القناة والعدوان الثلاثى
عندما اندلعت ثورة يوليو كانت تلك نقطة انطلاق كبيرة للمسرح، أو كانت بمثابة انطلاقة لروح الشعب، بعدما ظلت حبيسة لفترة من الزمن، وليس أدل على أصالة ثورتنا وارتباطها بجذورنا من أنها بثت الروح فى المسرح المصري، وبدأ رواده فى التعبير عن مشاكل وهموم وكفاح الإنسان المصرى فى حربه ضد الاستعمار، وكأن المسرح قد أصبح كائنا ثقافيا له خطورته، ومركزا للإشعاع نال عناية من قبل الدولة أكثر مما كان عليه فى أغلب شأن.

معركة بورسعيد
بعد العدوان الثلاثى على مصر اشتعل المسرح بأعمال فنية تندد بالاستعمار، وتحيى الكفاح الشعبى فى مدن القناة، من هذه الأعمال مسرحية " معركة بورسعيد" التى قدمت على المسرح القومي، وتتضمن ثلاث مسرحيات الأولى "صوت مصر" تأليف الكاتب الكبير ألفريد فرج، والذى كتبها فى نفس العام الذى عرضت فيه 1956، وتعتبر أول عمل له قدم على خشبة المسرح المصري، وقام بإخراجها حمدى غيث، وبطولة (سناء جميل، فاخر فاخر، عبدالله غيث، محمد السبع، محمد الدفراوي)، وكانت تتناول حركة المقاومة الشعبية فى بورسعيد - أيام العدوان الثلاثى الغادر عليها - وتوضح كيف تصهر المعركة الأفراد فى بوتقتها، وتغير مفهومهم السياسى والاجتماعي، وتوحد بين القلوب، وتحفز المشاعر، وتشحذ الهمم، كما تعكس صورة التفانى فى الدفاع عن أرض الوطن من جانب الرجال والنساء على السواء.
الفصل الثانى من مسرحية " معركة بورسعيد" بعنوان "مش هانسلم" من تأليف محمد عبدالرحمن خليل، إخراج فتوح نشاطي، والثالث "حياة الخيانة" لنعمان عاشور، إخراج نبيل الألفي، وتأتى أهمية هذا العرض إلى الروح الثورية النضالية التى اتسمت بها النصوص الثلاثة، والتى كتبها ثلاثة كتاب شباب فى هذا الوقت، وتلك الروح الحماسية التى تمتع بها جميع المشاركين فى تقديم هذه العروض التى عبرت عن صمود الشعب المصرى فى مواجهة العدوان الثلاثى على مصر، وشارك فى البطولة (أمينة رزق، حسين رياض، سناء جميل، عمر الحريري، فاخر فاخر، كمال حسين، فاروق سليمان).
جدير بالذكر أن هذه النصوص كانت تبث روح النضال والحماسة فى الجمهور الذى كان يحضر العرض، فمنهم من كان يتبرع بماله للمجهود الحربي، ومنهم خاصة من الشباب كان يسلم نفسه لأقرب نقطة شرطة من منزله ليشارك فى النضال مع صفوف المتطوعين فى حرب القنال.

رواد الإخراج والتأليف والتمثيل
قام بإخراج عروض المسرح القومى مجموعة من أهم رواد الحركة المسرحية، بعضهم لم يدرس مهنة الإخراج، ولكن امتهنها بالحب والقراءة والخبرة خصوصا الجيل الأول، وبعضهم مثل جيلى الخمسينيات والستينيات ذهبوا فى بعثات للخارج، وحصلوا على العلم، وعندما عادوا إلى أرض الوطن طبقوا ما درسوه، واستقطب القومى عمالقة الكلمة، واعتلى خشبته مجموعة من أهم ممثلينا.
فمن أهم الرواد الذين أخرجوا للمسرح القومى تحديدا " زكى طليمات، عزيز عيد، عمر وصفي، عمر جميعي، أحمد علام، سراج منير، فتوح نشاطي، يوسف وهبي، منسى فهمى، نبيل الألفي، عبدالرحيم الزرقاني، حمدى غيث، سعيد أبوبكر، نور الدمرداش، كمال ياسين، محمد عبدالعزيز، فاروق الدمرداش، كمال عيد، كرم مطاوع، جلال الشرقاوي، سعد أردش، نبيل منيب،عادل هاشم، عبدالغفار عوده، أحمد عبدالحليم، عبدالرحمن أبوزهرة.
محمود عزمي، توفيق عبداللطيف، مجدى مجاهد، ممدوح عقل، سمير العصفوري، فتحى الحكيم، شاكر عبداللطيف، فهمى الخولي،سناء شافع، عصام السيد، محسن حلمي، محمد عمر، حسن العدل، حمادة عبدالحليم، زوسر مرزوق، حسام محسب، سامى مغاوري، صبرى فواز، حسام الشاذلي، أسامة فوزي، هانى مطاوع، خالد جلال، مصطفى طلبه.
شوقى ونجيب وأدريس
استقطب المسرح القومى تحديدا عددا كبيرا من رواد الكلمة وكبار الأدباء والشعراء، كان فى مقدمتهم أمير الشعراء " أحمد شوقي"، و" خليل مطران، توفيق الحكيم، عزيز أباظة،طه حسين، محمود بيرم التونسي، محمد تيمور، على أحمد باكثير، محمود تيمور، يوسف السباعي، إحسان عبدالقدوس، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، سعد الدين وهبة، لطفى الخولي.
رشاد حجازي، أمين يوسف غراب، صوفى عبدالله، جاذبية صدقي، أنور فتح الله، محمود شعبان، نعمان عاشور،الفريد فرج،فتحى رضوان، صلاح حافظ، عبدالله الطوخي،عبدالرحمن الشرقاوي، محمود دياب، أحمد عبدالمعطى حجازي،على سالم، نجيب سرور،صلاح عبدالصبور، فوزى فهمي، سعد مكاوي، سمير سرحان، يسرى الجندي، فاروق جويدة، فضلا عن كبار الشعراء والأدباء العالميين.
أمينة وسميحة وسناء وسهيروغيث
اعتلى خشبة المسرح القومى من بدايته مجموعة كبيرة من أهم فنانينا مثل " يوسف وهبي، جورج أبيض، فاطمة رشدي، روزاليوسف، زينب صدقي، أمينة رزق، فردوس حسن،حسين رياض، يحيى شاهين، أنور وجدي، فؤاد شفيق، علوية جميل، دولت أبيض سناء جميل، سميحة أيوب، سهير البابلي، نادية السبع، ملك الجمل، عمر الحريري، محمد الطوخي، عبدالمنعم إبراهيم، نعيمة وصفي، محمد السبع، صلاح سرحان، فاخر فاخر، نجمة إبراهيم، ثريا فخري، زوزو حمدى الحكيم، روحية خالد، سهير المرشدي، كرم مطاوع، حمدى وعبدالله غيث، سعد أردش، كمال حسين، أحمد عبدالحليم، أحمد الجزيري، محمد الدفراوي، عادل المهيلمي، شفيق نور الدين ، وحمدى أحمد، عبدالرحمن أبوزهرة، عايدة عبدالعزيز، عبدالسلام محمد، توفيق الدقن،أشرف عبدالغفور، محمود ياسين، حسين فهمي، فاروق الفيشاوي، محمود الحديني، توفيق عبدالحميد، هشام عبدالحميد، فردوس عبدالحميد، ويحيى الفخراني.

نور الشريف مخرجا على خشبته
برغم نجومية النجم الراحل نور الشريف فى السينما والتليفزيون، حتى إنه أصبح خلال أربعة عقود واحدا من أبرز نجوم الفن فى مصر، لكنه لم ينس لحظة عشقه للمسرح، فكان يعود للفضاء الساحر ممثلا دائما، ومخرجا أحيانا، سابحا باستمرار فى فضاء مسرح يعرف طريقه جيدا لعقل جمهوره.
ومن أكثر المسارح التى كان يعشقها وحريص على التمثيل فيها، أو مشاهدة عروضها، خشبة المسرح القومي، التى جذبته ليقدم عليها أكثر من عرض مسرحي، لكن كان أهم تلك العروض، والتى كان يعتز بها نجمنا الراحل إخراجه عام 2005 لمسرحية " الأميرة والصعلوك" تأليف ألفريد فرج، أشعار كوثر مصطفى، ألحان زياد الطويل، بطولة نور الشريف، منال سلامة، فاروق عيطة، يوسف إسماعيل، محسن منصور، سعيد الصالح، فادية عكاشة وغيرهم من الفنانين.
تدور فكرة المسرحية حول الأمير صخر الذى قام بتطليق زوجته الأميرة زمردة التى تطلب الزواج من الشحاذ حسن، بعد أن علمت أن زوجها يعشق خادمتها، ثم يكتشف أمر حسن حيث نعرف أنه نساخ الكتب، بعد أن وشى به صديقه بناء على اتفاق بينهما، ثم تقام محاكمة لتطليق الأميرة من حسن .
وقد حقق هذا العرض نجاحا جماهيريا كبيرا، حيث وصلت عدد حفلاته إلى 58 ليلة عرض، وأستمر من 21 يوليو 2005 حتى 2 ديسمبر 2006 ، وأدخل للمسرح القومى إيرادا نحو 90964 ، كما استقطب مشاهدة جماهيرية ضخمة، وكتابات نقدية مهمة.


«منمنمات» سعدالله ونوس تحدث خلاف بين القومى والهناجر
ليست مصادفة أن تكون " منمنمات تاريخية" هى أول النصوص المسرحية للكاتب السورى الراحل سعدالله ونوس التى تصدر فى مصر، وليست مصادفة أيضا أن يكون المسرح القومى المصرى هو أول المسارح العربية التى تقدم عرض "منمنمات تاريخية"حيث يقترب الواقع العربى كما تقول الناقدة عبلة الروينى فى نقدها للمسرحية من ذات اللحظة التاريخية التى يلتقطها المؤلف فى أوائل القرن التاسع الهجرى، حين أغار " تيمور لنك" على أقاليم الشام، وحاصر دمشق بينما هى غارقة فى دعاواها وتعصبها، فكل بدعة ضلالة، وكل اجتهاد كفر، وكل اختلاف خروج على الإجماع والأمة.
سبعة أشهر هى زمن الحصار الذى يتابع الكاتب المسرحى السورى سعد الله ونوس تفصيلاته داخل " منمنمات تاريخية"، كاشفا عن محنة الفكر السائد فى هذه المدينة والتى انتهت بأهلها إلى الهزيمة والمجزرة.
تصور المسرحية حال واقعنا العربى المعاصر من خلال رحلة تاريخية تتشابه فيها الأوضاع الاجتماعية والسياسية بين الأمس واليوم، شارك فى العمل 22 ممثلا وممثلة من نجوم المسرح القومى منهم " عبدالرحمن أبوزهرة، محمد السبع، سوسن بدر، أحمد فؤاد سليم، أحمد عبدالوارث، فاروق عيطة، ناصر سيف، هالة النجار، سامى عبدالحليم،إخراج عصام السيد.
وكانت هذه المسرحية هى مسرحية المشاكل، حيث حدث خلاف بين المخرج عصام السيد والمخرج الراحل عبدالغفار عودة، رئيس قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية، حيث رفض انتداب عصام السيد للمسرح القومي، مما جعله يخرج "منمنمات" بصورة غير رسمية.
كما حدث خلاف آخر بين المسرح القومى ومركز الهناجر حول بطل العرض الفنان الكبير عبدالرحمن أبوزهرة، وبطل أيضا " ديوان البقر" المسرحية التى كان يقدمها فى نفس الوقت على مسرح الهناجر من إخراج كرم مطاوع.

أهم المسرحيات التى عرضت على خشبته
عرضت على خشبة المسرح القومى مجموعة كبيرة من المسرحيات التى نعتز بها، ونعتبرها " أيقونات" مسرحية، نظرا لأهميتها ومناقشتها للعديد من القضايا المهمة، أو تقديم الكوميديا الراقية، ومن خلال إطلاعنا على كتب كثيرة تناولت الحياة المسرحية، وجدنا أن سنوات الستينيات كانت فترة انتعاش وازدهار المسرح المصرى عامة والقومى خاصة، كانت وكما قالت الكاتبة الكبيرة "صافى نازكاظم" حياة تنبض تحركها دماء ثوريين أصلاء، ثم بدأ المسرح ينزوى مع مرور السبعينيات والعقود الأخرى!
ومن أهم العروض التى قدمت على خشبة المسرح القومى "الست هدى، أوديب ملكا، مصر الخالدة، صلاح الدين ومملكة أورشليم، شهر زاد، الوطن، غادة الكامليا، مدرسة الأزواج، متلوف، قيس ولبنى، يوم القيامة، يوليوس قيصر، مرتفعات وزرنج، عزيزة ويونس، العباسة، دموع المهرج، راسبوتين، أولاد الشوارع، كرسى الاعتراف، عفريت مراتي، العشرة الطيبة، مدرسة الإشاعات، الجزاء الحق، سر الحاكم بأمر الله، العائد من فلسطين، الصهيوني.
بيومى أفندي، الشيطان، ليلة من ألف ليلة، شجرة الدر، الخيانة العظمي، بنت الهوى، خفايا القاهرة، أعظم إمرأة، النسر الصغير، أيام الحرب، غروب الأندلس، أم رتيبة، البخيل، مريض بالوهم، المتحذلقات، مسمار جحا، طبيب رغم أنفه، قصة مدينتين، دنشواى الحمراء، كفاح الشعب، صندوق الدنيا، سر شهرزاد، رنين الذهب، قلب كبير، المزيفون، أيام زمان، الأشباح، سر الحاكم، زوج كامل، مضحك الخليفة، الأيدى الناعمة، صفقة مع الشيطان، شجرة الدر، حورية من المريخ، شهريار، شذوذ، دماء فى الصعيد، مقالب سكابان، شاعر الشعب، حواء، جمهورية فرحات، سقوط فرعون.
زواج الحلاق، دموع إبليس، الناس اللى فوق، الصفقة، دموع إبليس، جمعية قتل الزوجات، سلطان الظلام، قهوة الملوك، رجل الأقدار، المومس الفاضلة، بيت من زجاج، ثورة الموتى، الأيدى القذرة، عودة الشباب، تلميذة الشيطان، بداية ونهاية، صنف الحريم، ملك القطن، دنيا المال، بيوت الأرامل، اللحظة الحرجة، فى بيتنا رجل، المحروسة، السلطان الحائر، دون جوان، مأساة جميلة، القضية، تعدد الزوجات، الضحية، كفر البطيخ، بيت برنارد آلبا، مكبث، عيلة الدوغري، السبنسة، الخال فانيا، كوبرى الناموس، الطعام لكل فم، الفرافير.
رحلة خارج السور، مشهد من الجسر، شمس النهار، سكة السلامة، الندم، طيور الحب، الحلم، سليمان الحلبي، الفتى مهران، المهزلة الأرضية، بير السلم، ثلاث ليال، شهر زاد، الزير سالم، بلاد بره، رجال بلا ظلال، المسامير، حاملات القرابين، دائرة الطباشير، البلياتشو، ليلة مصرع جيفارا، وطنى عكا، النار والزيتون، حجة الوداع، 28 سبتمبر الساعة5، الجنس الثالث، عفاريت مصر الجديدة، مقالب عطيات، زيارة ممنوعة، غبى فى الفضاء، رقصة التانجو، وشم الأسد.
قولوا لعين الشمس، أقوى من الزمن، الأسكافية العجيبة، حدث فى أكتوبر، حبيبتى شامينا، بعد أن يموت الملك، زمردة، صلاح الدين، سقوط بارليف، النسر الأحمر، وباحلم يا مصر، فيدرا، الميت والحي، باب الفتوح، عودة الغائب، أنطونيو وكليوباترا، ليلة جواز سبرتو، طائر البحر، دماء على ملابس السهرة، سهرة مع الحكومة، الفارس والأسيرة، رابعة العدوية، سيادة المحافظ ع الهوا.
البهلوان، غراميات عطوة أبومطوة، بعد طول غياب، سجن النساء، أقول لكم، آخر همسة، هنرى الرابع، الناس اللى فى التالت،تحب تشوف مأساة، العنكبوت، الجريمة والعقاب، ليالى الأزبكية، صرخات يومية، شريحة و6 مسامير، ميسد كول من هولاكو، حياة آخرى.قريب وغريب، دقة الساعة، للحياة رائحة أخرى.

«الملك لير» درة أعماله
كان من الصعب جدا بعد سيطرة الدراما التليفزيونية وبرامج " التوك شوز" على الجمهور المصرى فى السنوات الأخيرة، أن يجذب المسرح سواء العام أم الخاص بتقنياته البسيطة، الجمهور الذى هجر المسرح، وأصبح يجد الإبهار أمامه من خلال الفضائيات، لكن العرض المسرحى " الملك لير" تأليف وليم شكسبير الذى قدم لأول مرة عام 2002، كسر هذه القاعدة، واستطاع أن يحقق نجاحا كبيرا، ويحجز لنفسه مكانا بارزا فى تاريخ المسرح القومى، باعتباره واحدا من أنجح وأهم ما قدم على خشبته على مدار تاريخه.
العرض كان ترجمة الدكتورة فاطمة موسى، بطولة النجم الكبير يحيى الفخراني، سوسن بدر،أشرف عبدالغفور، سلوى محمد علي، أحمد سلامة، ريهام عبدالغفور، لطفى لبيب، فاروق عيطة، محمد ناجي، نيرمين كمال، عهدى صادق، أشعار أحمد فؤاد نجم، موسيقى راجح دواد، رقصات عاطف عوض، ملابس الدكتور محمود مبروك، وإخراج أحمد عبدالحليم، وتدور فكرته حول الملك لير، الذى يقرر تقطيع مملكته وتوزيعها على بناته الثلاث بقدر كلمات الحب التى تبديها كل منهن تجاهه.
قدم العرض لأول مرة فى شهر أغسطس 2002 فى ثلاثة مسارح القومي، والجمهورية، وإسماعيل ياسين بالإسكندرية، واستمر حتى 21 فبراير2003 ، وقدمت 48 حفلة، وكان إجمالى الدخل 176236 جنيه، وعدد الجمهور الذى شاهد العرض 6959، وبعد النجاح الكبير الذى حققه أعيد العرض فى شهر مارس 2004 بقاعة جورج أبيض، وكان عدد الحفلات 12 حفلة، وكان عدد الرواد 3303 ، وحقق إجمالى دخل 77340 جنيه، ثم أعيد هذا العرض بعد نجاحه الكبير يوم 6 فبراير 2005 واستمر لمدة أسبوعين وحقق إجمالى دخل 104290 وكان عدد المشاهدين 3502 ، وعندما عرضت المسرحية على موقع "اليوتيوب" شاهدها حتى الآن نحو 32 ألف مشاهد.
وكان أهم ما نال إعجاب الجمهور والنقاد الأداء العالمى للنجم يحيى الفخراني، والترجمة الجميلة للدكتورة فاطمة موسى التى أخذت من النص الأصلى مفرادته الشعرية وتراكيبه البلاغية، وصاغتها بلغة قريبة من اللغة الوسطى التى تجمع بين الكلاسيكية والعامية الراقية، واستطاعت أن تنفذ إلى أغوار النص المسرحى وتمزج الشاعرية بالإيقاع الدرامى والبعد النفسى والفلسفى للعمل.

سكة السلامة والبطولة الجماعية
قدمت فرقة المسرح القومى مجموعة من العروض الرائعة خلال مسيرتها الفنية، من أهم هذه العروض مسرحية " سكة السلامة" تأليف سعد الدين وهبة، إخراج سعد أردش، يعتبر العرض من أنجح الأعمال التى قدمها المسرح القومي، ونظرا لعرضه فى التليفزيون منذ بداية إرساله، لهذا حقق هذا العمل تحديدا شهرة كبيرة عند رجل الشارع العادي، ومن الأعمال التى ينتظرها عند إعادة عرضها فى إحدى القنوات الفضائية، وكما يقول الدكتور الناقد عمرو دواره يعبر هذا العرض عن فترة الضياع التى شعر بها بعض المثقفين بتضخم نفوذ مراكز القوى وانتشار كثير من السلبيات التى أضاعت أهداف وأمال ثورة يوليو المباركة، كما يمكننا أن نقرر أن هذا العرض يمكن أعتباره تنبؤا وتحذيرا من نكسة 1967 ، وتعود أهمية هذا العرض إلى القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى يطرحها.
إضافة إلى نجاح المخرج سعد أردش فى جمع كوكبة متميزة من نجوم المسرح القومي، واستطاع كل واحد منهم تجسيد شخصيته الدرامية ببراعة شديدة من هؤلاء " سميحة أيوب، رجاء حسين، كمال حسين، عبدالمنعم إبراهيم، عبدالسلام محمد، توفيق الدقن، حسن البارودي، شفيق نور الدين، طارق عبداللطيف، ومحمود عزمي.

«أهلا يا بكوات» الأكثر جماهيرية
كان أبرز ثمار فترة النجم الكبير محمود ياسين عندما تولى إدارة المسرح القومي، هو استطاعته جذب عدد كبير من نجوم السينما الكبار إلى خشبة القومى لتقديم مجموعة من العروض المتميزة، من أهم هذه العروض مسرحية " أهلا يا بكوات" تأليف لينين الرملي، إخراج عصام السيد، وبطولة حسين فهمي، عزت العلايلي، خليل مرسي، لقاء سويدان، سامى مغاوري، بيومى فؤاد، رشدى الشامى وغيرهم.
حقق هذا العرض نجاحا ساحقا على مدى 271 ليلة مسرحية من 8 يناير 1989 وحتى 9 مايو 1990 ، وبلغ متوسط الإيرادات فى الليلة خمسة آلاف جنيه، وأعيد عرضها عام 1993 لمدة 96 ليلة عرض أخرى، وشاهدها جمهور القاهرة، والإسكندرية وبورسعيد والعريش وأسيوط وتونس وبغداد، وشكلت ظاهرة فنية متميزة من حيث عدد المشاهدين، وأرقام الإيرادات.
وأعيد عرضها عام 2006 بعد حوالى 16 عاما من عرضها الأول، الطريف عندما أعيد عرضها فى المرة الأخيرة إن مؤلف المسرحية ومخرجها وقعا إقرارا فى كتيب المسرحية الذى يوزع مجانا على المشاهدين، أكدا فيه أنهما فى كامل قواهما العقلية، وأن هذا العرض الذى قدم عام 1989 لم يتغير فيه شيء نصا أو إخراجا، فبرغم مرور ستة عشر عاما فإن الواقع للأسف كما هو فما كانا يحذران منه بدأ يتحقق فهل تسمعون؟!
تناولت المسرحية أخطار الردة الحضارية التى تحدق بالوطن بسبب تعاظم أنشطة متطرفة تعادى الفكر العقلانى المستنير، وتروج لأفكار مضللة، وتشكك فى جدوى الإنجازات العلمية، وترفض الديمقراطية نظاما للحكم، وبذلك تفتقد قدرة الدخول إلى القرن 21 مع الدول المتقدمة.
قدمت المسرحية فى إطار فانتازيا تاريخية وهى قضية سياسية وفكرية مهمة وهى هل نحن قادرون على مواجهة متطلبات القرن الحادى عشر والعشرين من تقدم علمى وتكنولوجي، وهى أيضا تعقد مقارنة منطقية وحتمية بين الوضع الحالى والوضع من 200 عام، من خلال ارتداد بطلى المسرحية برهان عبدالغنى " حسين فهمي"، ومحمود غريب المصرى " عزت العلايلي" إلى الماضى فى أواخر القرن 18 .

الشعراوى على خشبة المسرح القومي
الفن رسالة سامية، مهما كان نوع العمل، أغنية أو دراما، فهو يساوى مكانة الخطيب على منبره أو المدرس فى محاضرته إن لم يتفوّق عليهما، لأن الفنان يخاطب الجمهور بطريقة أكثر تأثيراً، ويدخل مباشرة إلى وجدانه وعقله ورؤيته المستقبلية.
وكان للمسرح القومى دور فى محاربة الإرهاب والفكر المتطرف بالأعمال الجادة التى قدمها منذ نشأته، ففى نهاية ثمانينيات القرن الماضى انتشرت جماعات إرهابية أو إسلامية متطرفة، نادت بتكفير الفنانين وتحريم الفن، أمام هذه الهجمة ظهر دعاة معتدلون يشجبون هذا الرأي، ويفرقون بين الملاهى والفن الرفيع، حيث الحلال بين والحرام بين، من هؤلاء فضيلة الشيخ متولى الشعراوى الذى لم يردد كلاما فحسب، بل دعم الفن الراقى على طريقته الخاصة، عندما ذهب إلى المسرح القومى وشاهد رائعة الشاعر الكبير فاروق جويدة " دماء على ستار الكعبة" إخراج هانى مطاوع، حيث فوجئ الجمهور الحاضر بدخول فضيلته إلى المسرح قبل دقائق قليلة من بداية العرض، وجلوسه فى الصف الأمامي.
وبعد انتهاء العرض صعد إلى خشبة المسرح وصافح الفنانَين سميحة أيوب ويوسف شعبان، إبراهيم الشامي، محمد الشويحي، وغيرهم، وارتجل خطبة طويلة عن دور الفن وأهميته فى المجتمع، ومما قاله: "يجب ترك الفن الراقى والفنانين لأنهم روح المجتمع ووجدانه".

منع «الخديوى» بأمر من نظام حسنى مبارك
بعد فترتى الخمسينيات والستينيات ابتعد المسرح المصرى عامة، والقومى خاصة عن الأعمال الشعرية الكبيرة والمهمة، فلم يقترب مسرحنا المصرى طوال حقبتى السبعينيات ومنتصف الثمانينيات من القرن الماضى من الأعمال الشعرية، لأحد شعرائنا الكبار، حتى جاء الشاعر فاروق جويدة وقدم للمسرح القومى رائعتيه "الوزير العاشق" بطولة سميحة أيوب وعبدالله غيث، و"دماء على ستار الكعبة" لسميحة أيوب أيضا ويوسف شعبان.
وكانت آخر أعماله الشعرية حتى الآن مسرحية " الخديوي" التى قدمت على خشبة المسرح القومى من إخراج جلال الشرقاوى و قدمت فى بداية التسعينيات، وكانت تتحدث عن فترة حكم "الخديوى إسماعيل" خصوصا فترة حفر قناة السويس وافتتاحها الأسطوري.
ومن المشاهد الجميلة والمؤثرة التى قدمت فى بداية المشهد الثانى من الفصل الأول، ذلك المشهد الذى يقول فيه عمال التراحيل على شاطئ القناة:
" غرباء فى أوطاننا الأكل لا يكفى
غرباء فى أوطاننا والماء لا يكفي
غرباء فى أوطاننا والعمر لا يكفى
فالعدل حين يغيب ضوء الشمس لا يكفي
والحق حين يغيب ماء النهر لا يكفي
والظلم حين يسود هذا الكون لا يكفي
الآن نحفر فى القناة قبورنا
نعطى لتجار الشعوب قلوبنا"
تلك كانت صرخة العمال ، فى رائعة "جويدة – الشرقاوي"، وبرغم أهمية هذا العمل وضخامة أسماء فريق العمل، فقد منع عرضها فى التليفزيون المصرى والفضائيات بأمر من نظام حسنى مبارك، و لم تعرض حتى قامت ثورة 25 يناير2011 ، لأنها تحكى عن سطوة المال والسياسة و تحذر من انفجار الغضب المكبوت داخل الشعب .
مسرحية "الخديوي" بطولة سميحة أيوب، محمود ياسين،أشرف عبد الغفور، محمود الحديني، عبير الشرقاوى، ونيفين علوبة، والمطربة مي.

القومى فى سطور
1 فى 31 أغسطس 1935 تأسست الفرقة القومية للتمثيل تحت إشراف وزارة المعارف لإنقاذ الحركة المسرحية والفنان من أثر الأزمة العالمية التى تسببت فى غلق بعض المسارح.
2 فى ديسمبر 1935 ارتفع الستار لأول مرة عن مسرحية " أهل الكهف" أولى مسرحيات الفرقة القومية من تأليف الأديب والمفكر توفيق الحكيم وإخراج زكى طليمات.
3 فى أغسطس 1942 حلت الفرقة القومية وأعيد تشكيلها تحت اسم " الفرقة المصرية للتمثيل والموسيقى" وامتدت مهمتها إلى تقديم مسرحيات غنائية.
4 فى سبتمبر 1947 تكونت فرقة المسرح الحديث من خريجى المعهد العالى لفن التمثيل وظلت الفرقتان تعملان جنبا إلى جنب.
5 جاءت ثورة 1952 فغيرت مصير المسرح والنظرة إليه، ونال التأييد والمساعدة فضمت وزارة الإرشاد القومى آنذاك الفرقتين معا، وبذلك تكونت "الفرقة المصرية الحديثة" عام 1953 ، وعين يوسف وهبى أول مدير للفرقة المصرية الحديثة فى عهد الثورة.
6 فى سنة 1958 استحقت تلك الفرقة بتاريخها ومستوى إنتاجها أن تصبح فرقة المسرح القومي.
7 حصل كثير من فنانى المسرح القومى على كثير من الأوسمة وجوائز الدولة.
8 كان المسرح القومى ولا يزال سفيرا وراعيا للفن المسرحى، وقام منذ الأربعينيات بزيارات فنية عديدة لبلدان الوطن العربى، كالجزائر وسوريا والمغرب والعراق والكويت والسودان وتونس، وبعض الدول الأوروبية كفرنسا وإنجلترا وإيطاليا.

التطوير الأول
التجديد الأول كان عام 1940 وكان بسيطا، حيث قررت الفرقة القومية أن تشغله ووقتها تم تعديل خشبة المسرح وتغيير الأثاث بالصالة بالكامل وفرش الأرضية بالسجاد وإصلاح المداخل.

الثاني
فى عام 1960 تم بناء مسرح 26 يوليو، ومسرح القاهرة للعرائس أمام مدخل المسرح القومي، الأمر الذى أدى إلى تصغير مساحة المسرح القومى وحديقته، وبعد أعمال التجديد انتقد المسرحيون هذا التجديد، وقالوا إن هذه التجديدات أدت إلى تهميشه، وأصبح المسرح غير قادر على احتواء العروض الكبيرة، فمثلا بعد أن ضم المسرح ثلاثة أبواب، بخلاف الباب الرئيسى الذى كان يطل على حديقة الأزبكية، تحول الباب إلى ميدان العتبة.

الثالث
بعد الأخطاء التى ارتكبت فى أعمال التجديد الأول، جاء التجديد الثانى عام 1983، وتم الإنفاق على المبنى، ولكن بدون مراعاة للحفاظ على الصورة الأصلية للمسرح، فبدل مدخل المسرح وعدل ليكون على الطراز الإسلامي، وتم بناء جدار حول المسرح، ليفصل المسرح عن الشارع.

الرابع
فى مساء يوم 27 سبتمبر عام 2008 تعرضت خشبة المسرح وصالة العرض لحريق هائل ألحق أضرارا بالغة بجميع عناصر مبنى المسرح، وبعد رفع مخلفات الحريق، قررت وزارة الثقافة إجراء مشروع ترميم وتطوير متكامل للمسرح القومى، ليعود وبقوة لأداء دوره فى الحياة الفنية، وبتجهيزات وإمكانات القرن الحادى والعشرين، وكان أكبر ضرر للحريق على المسرح تأثيره البالغ على جميع العناصر الإنشائية بالمبنى، وتم إسناد أعمال الدراسات والتصميم لمجموعة من الخبراء فى هذا المجال وأجريت الدراسات الفنية، والتحاليل لتحديد مدى سلامة العناصر الإنشائية لمبنى المسرح وتقدير حجم الأضرار الناجمة على العناصر الحاملة للتوصية بالإجراءات الواجب أتباعها لإمكان استخدام المبنى من عدمه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.