شاهيناز العقباوى على الرغم من أن تأثير الجماعات المسلحة قديم في إفريقيا، فإن تسليط الضوء عليها حاليا جاء بسبب ضجر شعب القارة من استمرار نجاح عملياتها في العديد من دولها وعجز الكثير من القوى عن مواجهتها، والذي ترتب عليه على المدى الطويل زعزعة أمنها واستقرارها، بل وتهديدها في الكثير من الأحيان. الأخطر أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، فتأثير وخطورة هذه الجماعات تجاوز حدود الدول الحاضنة، وانتقل إلى العديد من دول الجوار التي باتت تعانى من نيران هجماتها الدموية، وازداد القلق أخيرا وانتقل من محيط الصعيدين الوطني والإقليمي إلى الدولي، وهو ما دفع الرئيس أوباما والكونجرس الأمريكى إلى رفع المخصصات المالية لمواجهة جماعة "بوكو حرام" النيجيرية. بل وراجعت فرنسا خططها العسكرية فى مالى لقتال حركة التوحيد والجهاد وغيرها. وهو ما يدفعنا للتساؤل عن الوسائل التي تعتمد عليها هذه الجماعات من أسلحة وتدريب وأموال لتصل إلى هذا المستوى من السيطرة والوجود والتأثير مما يدفع بأكثر دول العالم قوة من التحذير من تفشي خطرها. وانطلاقا من ذلك ذكر تقرير صادر عن موقع كونفرسيشن الأمريكي، أن إفريقيا تواجه أكبر تهديد لاستقرارها السياسي، والذي يأتي من انتشار الجماعات المتشددة فى أجزاء منها، وتشمل تنظيم القاعدة فى المغرب الإسلامي، فى منطقة إفريقيا الشمالية والغربية، والذي يشمل المغرب، تونس، الجزائر، ليبيا وموريتانيا، و"بوكو حرام" فى شمال شرق نيجيريا، وحركة الشباب فى الصومال، ولواء الملثمين فى الجزائر، وأنصار الدين فى مالي، وجماعة سيليكا فى جمهورية إفريقيا الوسطى، وجماعة أنصار الشريعة فى تونس.
وبرغم تبرؤ غالبية سكان إفريقيا من ممارسات جماعات العنف المسلحة، فإن وتيرتها تزداد ويمثل ارتباطها بعصابات الجريمة المنظمة المحلية منها والعابرة للحدود وتشابك علاقاتها معها بداية الطريق للتدمير، والرفض العنيف لكل شيء ابتداء من أنظمة الحكم وحتى شكل الحياة التي تعارف عليها الناس.
واُعتبر أن مواجهة هذه الجماعات التي يتفاقم نفوذها من التحديات التى تواجه دول القارة، ولأن الجماعات المسلحة فى إفريقيا سبقت الجماعات الجهادية الإسلامية بفترة طويلة، فإن تحويلها إلى أيديولوجيا من قبل البعض قد يضمن لها الاستمرار حينا، ولكنها ستفشل فى التحول إلى عقيدة سياسية فى معظم الأحيان، وهذا من شأنه أن ينهي حالتها المكسية بإرهاب الدين. ووسط هذه الأجواء سيعود إلى إفريقيا العنف الذي تعرفه ليسود فى الواجهة إلى حين.
وأشار ستيفن إليس، الباحث فى مركز الدراسات الإفريقية فى ليدن، بهولندا إلى أن تطلعات الجماعات المسلحة لا تتقيد بمساحة جغرافية تسيطر عليها فى أحد أركان الدول المستهدفة بالإرهاب، لكنها تسعى للتوسع، فها هي جماعة "بوكو حرام" انطلقت من مالي، وصولا إلى الكاميرون، مرورا بنيجيريا وغيرها من الحركات مثل يونيتا فى أنجولا، ورينامو فى موزمبيق.
التغيير بالعنف وذكرت دراسة عن الجماعات المسلحة فى المجلة الدورية لجامعة كمبريدج فى بريطانيا، أنه بعد أن تحررت معظم الدول الإفريقية واستبدلت أنظمتها الاستعمارية بأنظمة عسكرية فى أغلبها، نشأت جماعات أخرى تطالب بالديمقراطية. ووسط هذه الجماعات تسربت تيارات تنادي بالعدالة، فتكون هذا الهجين الذي تغذى بالأفكار الثورية التي تروج للتغيير بالعنف.
ووجد الإرهاب أسبابه الموضوعية فى تربة إفريقيا الخصبة المشبعة بحالات عدم الرضا العام من عدم المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتُعتبر الظروف التي نشأت فيها، خصوصا تلك التي ازداد فيها نشاط الجماعات ذات الصبغة الإسلامية وارتباطها بتنظيم القاعدة وحتى مقتل زعيمها أسامة بن لادن، ظروفا حملت الكثير من بواعث البقاء.
والآن، أصبحت العديد من بلدان منطقة جنوب الصحراء الكبرى تتعامل مع الحركات الجهادية فى الوطن، وتضم هذه البلدان كلاً من الكاميرون، وجمهورية إفريقيا الوسطى، وتشاد، وإريتريا، وأثيوبيا، وكينيا، ومالي، وموريتانيا، والنيجر، ونيجيريا، والصومال، والسودان، وتنزانيا وأوغندا، وتشكل الهجمات المسلحة فى الكثير من هذه الأماكن حدثاً يومياً أو أسبوعياً، والأسلحة متوافرة هناك على نطاق واسع.
التطرف والإجرام وكشف تقرير عرضه مركز الجزيرة للدراسات عن الجماعات المسلحة فى إفريقيا أن العديد من دول إفريقيا تعانى من استشراء التطرف والعنف ولا يمكن بأي حال تجاوز مجزرة رواندا عام 1994، كأكبر إبادة جماعية فى إفريقيا حدثت فى القرن العشرين، نفذتها جماعة جيش نظام الهوتو المعروف بأنتيرا هاموي والتي قتلت ثمانمائة ألف فرد من التوتسي، بحسب تقديرات الأمم المتحدة، وهناك الجبهة المتحدة الثورية فى سيراليون، وهي جماعة مسلحة سعت للسيطرة على مناطق إنتاج الألماس، وأدخلت البلاد فى حرب أهلية استمرت 11 عاما وأودت بحياة ما يزيد على خمسين ألفا خلال السنة الأولى وحدها، وكان نشاطها يقوم على ممارسة الابتزاز لتوفير حاجتها المالية، ثم لجأت إلى الأساليب الإجرامية والإرهابية وحرب العصابات لمحاربة الحكومة وبث الذعر بين الجماهير، وتوسع نشاطها وامتد إلى ليبيريا وغينيا.
وهناك جماعة الشعب ضد العصابات، والتي تأسست عام 1996، فى كيب تاون بجنوب إفريقيا، بهدف مكافحة الجريمة والعنف والمخدرات. لكنها سرعان ما تحولت إلى مناهضة الحكومة والغرب، وتبنت صوت المسلمين فى كيب تاون، ونفذت عدة عمليات إرهابية باستخدام القنابل والمتفجرات فى أهم المناطق السياحية.
وكشف المركز السوداني فى تقرير له عن تصاعد التحدي الذي يمثله "جيش الرب للمقاومة" بوصفه إحدي أهم الجماعات المسلحة فى إفريقيا والدعاية حوله، فى السنوات الأخيرة، ليخرج تهديد هذه الجماعة المتمردة، من نطاقه الوطني فى أوغندا، ليغدو صراعاً إقليمياً كما خطط له مسبقاً، وذلك بعد أن أمتد نشاطه ليشمل عدة دول فى شرق إفريقيا، قبل أن يصير بإرادة بعض الدول الكبرى خاصة الولايات المتحدة الأمريكية صراعاً دولياً، إذ صُنف "جيش الرب" باعتباره حركة إرهابية.
واتهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الميليشيات المسيحية بارتكاب "جرائم وحشية" ضد المسلمين بجمهورية إفريقيا الوسطى، وذلك حسبما جاء فى التقرير الذي خلص إلى أن ‘مناهضى جماعة بالاكا المسيحية'، قتلوا عدة مئات من المسلمين، وأحرقوا منازلهم وسرقوا مواشيهم". أما الجماعات الإفريقية التي ارتبطت بالإسلام بشكل واضح، فكان من أهمها حركة "بوكو حرام" التي نشأت فى نيجيريا إثر تمردها على الحكومة فى يوليو 2009، ولم يقتصر عنفها على الحكومة فقط وإنما شملت المدنيين، وحركة التوحيد والجهاد فى غرب إفريقيا بدولة مالى إحدى أهم الحركات الإسلامية المسلحة التي تنشط بالمناطق الشمالية، وهي حركة منبثقة عن تنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي وحركة الشباب المجاهدين فى الصومال وتتشابك علاقاتها معها على أنها بداية الطريق للتدمير، والرفض العنيف لكل شيء ابتداء من أنظمة الحكم. وأوضح تقرير نشر فى جريدة الغد الأردنية عن الجماعات الجهادية فى إفريقيا أن نشأة الجماعات مثل "أنصار الشريعة"، و"حركة الوحدة والجهاد فى غرب إفريقيا"، و"القاعدة فى المغرب الإسلامي"، من شبكات تهريب عبر منطقة الصحراء، وتستطيع عبور مسافات شاسعة بتعقب طرق التجارة الصحراوية التي يعود عمرها إلى قرون. وتفاقم تعقد المشهد الأمني بسبب زيادة نشاط الجريمة المنظمة العابرة للحدود التي تدور فى فلك الجماعات المسلحة فى غرب إفريقيا. هذا فضلا عن أن الخصوصية التي يتميز بها نشاط الخلايا المتشددة فى أنحاء متفرقة من إفريقيا، هي القدرة العالية على تجاوز الحدود بين الدول، واستغلال التداخل القبلي والامتدادات الجغرافية الواحدة فى التسلل.
توتر الأوضاع فى إفريقيا دفع المنظمة الدولية من أن تطلق تحذيرا فى نوفمبر 2010، من أن ظاهرة الجيوش الخاصة وغير النظامية تؤدى إلى تفاقم الصراعات داخلها، ذلك أن قرابة نصف بلدانها البالغ عددها 53 دولة إما أنها تشهد حربا وإما خرجت لتوها من حرب. وأوضح ديكس توريك بارتون، من المكتب التنفيذي للأمين العام للأمم المتحدة، أن القارة تعد أرضا خصبة أمام الجنود المرتزقة المستعدين لتنفيذ أعمال قذرة لحساب حكومات عدة. وحثت المنظمة الأممية الدول الأفريقية على فرض القوانين القائمة وتمرير أخرى جديدة لكبح جماح صناعة الجنود المرتزقة الآخذة فى الاتساع. وأوضح توريك بارتون أنه "فى عالم ما بعد الحرب الباردة، ظهرت تحديات أمنية جديدة فى إفريقيا لم تكن الحكومات والقوات المسلحة التقليدية مستعدة لمواجهتها، لذا تحولوا إلى المهارات المستقلة لحل هذه المشكلات".
وبرغم أن الجماعات المتطرقة تتلقى الدعم من نخب جيدة التمويل طبقا لما ورد فى التقرير، فإنها لم تكن لتستطيع البقاء من دون الدعم الشعبي، فالمتطرفون يظهرون ويتوددون إلى السكان الذين يعيشون على الهوامش الوطنية، والذين ضاقوا ذرعاً بعد عقود من الإهمال والتمييز وسوء المعاملة من حكامهم. ويستطيع الجهاديون استغلال التوترات الدينية القائمة من أجل كسب السيطرة على المجتمعات الساخطة.
تسليح الجماعات وعليه فهذه الجماعات وليدة العديد من الظروف التي دفعتها للوجود ولكن من أين تحصل على السلاح وتؤكد الكثير من التقارير أن العديد منها تحصل على دعم من الكثير من الدول الغربية وعلى رأسها أمريكا، لاسيما أن وزيرا فى حكومة جمهورية إفريقيا الوسطى اتهم فرنسا، المستعمر السابق للبلاد، بتسليح جماعة بالاكا المسيحية وقال وزير الدولة للأمن محمد نور الدين آدم إن "الفرنسيين ينحازون إلى جانب مليشيات" - بالاكا". ووجه اتهاما للقوات الفرنسية بأنها "تزودهم بالسلاح والغذاء والدواء والزي".
ولم يقتصر الأمر على الدول الغربية فبعض الدول الإفريقية متهمة بدعمهم لاسيّما أن وكالة رويترز ذكرت أن إريتريا أرسلت طائرتين محملتين بالسلاح لمساعدة المتمردين فى حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة فى كينيا، وقال المتحدث العسكري إيمانويل تشيرشير إن كينيا تتعقب الأسلحة وأنها ستقصف أي قواعد للمتمردين تنقل إليها هذه الأسلحة.
واتهم قائد جيش جنوب السودان المنتهية ولايته الجنرال جيمس هوث ماي السودان بتسليح "متمردين" يقاتلون قواته، وقال ماي إنه "ليس سرا" أن حكومة الخرطوم تساند زعيم "المتمردين" ريك مشار فى محاولة لزعزعة استقرار جنوب السودان الذي انفصل عن السودان عام 2011، ونفت السلطات السودانية أن تكون لها أي صلة".وقال المتحدث باسم الجيش السوداني الصوارمي خالد إن السودان يتعاون مع حكومة جنوب السودان باعتبارها الحكومة الشرعية الوحيدة.
ويقول سيدريك جورد الباحث المختص بشئون إفريقيا فى جامعة أوتاوا أن جزءاً من أسلحة جماعة "بوكو حرام" حصلوا عليها من خلال هجمات على الجنود النيجيريين، وأضاف أن الأمر يتعدى ذلك. وأنهم يشترون السلاح" من دول خارج حدود القارة. واضح أن سبب تسرب السلاح هو الضعف الأمني الكامن فى دول الشمال الإفريقي والتي من خلالها تصل المعدات والتوجيهات إلى مالي ومنها إلى نيجيريا وربما أماكن أخرى.
وكشف الخبير الأمني ورئيس المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية فى لندن فرانسوا هايسبورغ، "أن الجماعات المسلحة مترعة بالمال وفى موقع يتيح لها شراء كل ما يكون فى متناول يدها". ونقلت مجلة تايم عنه أن القذافى كان لديه أكثر من ألف مستودع للسلاح "وبالتالي ما زال هناك الكثير من المعدات التي تتدفق فى كل الاتجاهات" هذا فضلا عن أن الحكومات الغربية دفعت إلى هذه الجماعات ملايين الدولارات من الفديات خلال السنوات الماضية مقابل الإفراج عن رهائن أوروبيين فى الصحراء الكبرى برغم أنها تنفى ذلك لكن كل الحقائق تؤكد هذا. وأضاف أن قناة إيصال السلاح إلى الجماعات المسلحة من ترسانة النظام الليبي السابق، مبعث قلق للحكومات الإفريقية والغربية منذ مقتله فى 2011، لاسيما أنه كان مهووسا بشراء السلاح وانفق مليارات من عائدات النفط خلال سنواته الأخيرة على استيراد أحدث الأسلحة وخلَّف وراءه مخازن ضخمة مليئة بالصواريخ والرشاشات والمنظومات المضادة للطائرات بلا حراسة تصل إلى أكثر من 15مليون قطعة سلاح وفقا لتقرير الأمم المتحدة، وكان كثير منها لم يزل فى صناديق لم تُفتح. وفى غضون ساعات من مقتل القذافى انسحب العديد من المقاتلين الطوارق المرتزقة الذين قاتلوا مع قواته، إلى الصحراء ناقلين معهم كل ما يمكن حمله من هذه الأسلحة بشاحناتهم الخفيفة.
وقال تقرير أصدره مركز الاتحاد المدني - العسكري التابع لقيادة عمليات حلف شمالي الأطلسي فى نوفمبر الماضي، إن الطوارق استمروا فى بيع كميات من السلاح المسروق إلى الحركا ت المسلحة فى إفريقيا وحمّل نائب رئيس الجمهورية السودانية آدم يوسف النظام الليبي السابق بزعامة معمر القذافى مسئولية تمويل الحركات المسلحة بالسودان وكل دول الجوار الإفريقي فى وقت دعا فيه الثوار الليبيين إلى تقوية إرادتهم السياسية لبسط الأمن والاستقرار والتنمية بدول المنطق.
الاتحاد الإفريقى لا شك فى أن هذه المنطقة تشكِّل أرضًا خصبة وبيئة حاضنة لنشاط الجماعات المتشددة هذا طبقا لما جاء فى التقرير النهائي لقمة الاتحاد الإفريقي عام 2014، عن الجماعات المسلحة فى إفريقيا، حيث إنها تتميز بعوامل تجعل من نمو هذه الجماعات أمرًا سهلًا لاسيما أن هناك العديد منها أصبح أكثر تأثيرا وخطورة على الكثير من الدول الإفريقية على الرغم من احتواء المنطقة على ثروات ضخمة فإنه فى ظل هشاشة الحدود وانتشار الفقر والمجاعة والبطالة والأمية بين قطاعات كبيرة من المواطنين فى القارة، ترتب عليه انتشار أنواع مختلفة من الأسلحة وأشكال من الجريمة المنظمة مثل تجارة المخدرات مما يعزز احتمالات لجوء المواطنين وخاصة من الشباب إلى العنف لمواجهة الفساد واستخدام تفسيرات دينية خاطئة لتبرير استخدام العنف ضد الحكومات والدول.
ورغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والاتحاد الإفريقي لمكافحة الإرهاب الدولي فى المنطقة. إلا أن هناك شبه إجماع لدى المراقبين الغربيين والإفريقيين بأن الوضع ازداد سوءًا وتعقيدًا، وظلت الجماعات المتشددة تنفذ عملياتها ولا يشك المراقب لنشاط هذه الجماعات وتحركاتها طبقا لما جاء فى التقرير فى أنها سوف تشكِّل تحديًا أمنيًّا كبيرًا للمنطقة، وينعكس ذلك على الحالة الأمنية للقارة. ومن الملاحظ أن بقاء هذه التنظيمات يستند على ثلاث ركائز: أولا: العدد الكبير من الأتباع والمجندين من الأطفال، خاصة من الدول المجاورة فى المنطقة، التي تعاني كثيرًا من الاضطراب الداخلي، مثل: الصومال، وتشاد، والنيجر، والذين يعبرون بسهولة الحدود النيجرية. ثانيًا: الدعم المالي الكبير الذي تتلقاه هذه الجماعات من السياسيين وبعض الأغنياء، خصوصًا الذي يؤمنون بشدة باستمرار عمليات جماعة ما من هذه الجماعات، والتعويضات التي يقدمونها لمن يصابون أثناء تنفيذ عملياتها وكذلك لأقارب الانتحاريين من الجماعة. ثالثًا: التأثير الكبير لمنظِّري الحركة الذين يقومون بالتأطير الفكري لأعضاء الحركة ويستغلون علاقاتهم مع التنظيمات الخارجية، الموصوفة من طرف بعض الجهات بالإرهابية، كحركة الشباب وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامي من أجل كسب مجندين جدد. واتفق رؤساء وحكومات الاتحاد الإفريقي فى البيان الختامي على أن القارة السمراء ما زالت تواجه العديد من التحديات، لاسيّما القضاء على الجماعات المسلحة التي باتت وباء يهددها ويشكِّل تحديًا كبيرًا فيها، لذا كان من الضروري العمل على التعاون والتنسيق مع الشركاء الدوليين، وتبادل المعلومات حول نشاطاتها وتحركاتها، وذلك من خلال مشاركة كل أعضاء الدول وأجهزة الاستخبارات فى مراقبة تحركات التنظيمات الجهادية، وإفشال العمليات التي ترمي إليها، مع إيجاد عمل دولي محدد من أجل حرمانها من كل دعم مالي لتجفيف منابع اقتصادها والعمل على إنشاء المركز الإفريقي للدراسات والبحث حول الإرهاب.
إسرائيل والأمم المتحدة من جهته أكد الدكتور ماهر شعبان، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة معهد البحوث والدراسات الإفريقية، أن قارة إفريقيا شهدت فى العقد الأخير موجة شديدة من موجات الإرهاب الموجهة والمدعم من قبل النظم الغربية والولايات المتحدة. وإسرائيل على وجه الخصوص والذي تواكب مع تنامي العديد من الجماعات المسلحة التي أثرت بشكل كبير على استقرار الكثير من الدول الإفريقية لاسيّما أنها تعيش علي سفك دماء الأبرياء والقضاء على أمن وسلامة البلاد وتسيطر على الكثير من ثرواتها.
وهو ما يجعلنا نطرح سؤالاً من يقف خلف هذه الجماعات ويجعلها تتحرك بهذا القدر من المرونة والقوة والثقة؟ مما لاشك أنها القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل الداعم الأوحد والأول لهذه الجماعات وأخيرا بدأت هذه القوى تشعر بالخطر من جراء تدعيمها لهذه الجماعات لاسيّما بعد خروج بعضها من نطاق سيطرتها فكانت زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الأخيرة إلي كل من كينيا وإثيوبيا ليؤكد أن الولايات سوف تساندهما بعد أن أصبح الإرهاب قريبا فى منطقة القرن الإفريقي.
وقال إن سيطرة بعض هذه الجماعات علي بعض حقول النفط فى ليبيا ونيجيريا وجنوب السودان والعراق، يؤكد أنها تستخدمها فى حالة انقطاع التمويل الغربي عنها مما يهدد مستقبل أمن القارة ودولها فعلي قارتنا الإفريقية أن تعرف أنها قد أصبحت فى مرمي نيران الجماعات المسلحة غير الشرعية التي لم تعد مجرد مجموعة من المتمردين يسهل القضاء عليهم. بل إنها تحولت إلى جيوش غير نظامية مدربة على أعلى مستوى من الخبرة، وتمتلك أسلحة تفوق فى حداثتها ما تمتلكه العديد من الجيوش الإفريقية مما يجعلها مصدر خطر وتهديد لدول القارة ورغبة فى السيطرة على ثرواتها.
فى حين أوضح الدكتور أيمن شبانة، مدرس العلوم السياسية بمعهد البحوث والدراسات الإفريقية جامعة القاهرة أنه منذ تسعينيات القرن الماضي بات الحديث عن الحركات الإسلامية فى إفريقيا، وانتشارها عبر القارة، أمراً مألوفاً فى دوائر صنع القرار السياسي والأمني، وأجهزة الإعلام الإفريقية والعالمية ولعل انتشار هذا النمط من الحركات يعود إلى أسباب أصلية، مرتبطة بالأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية فى الدول الإفريقية، أهمها التسلط السياسى وقمع المعارضة والفساد وموالاة الغرب على حساب مصالح الشعوب، وعدم قدرة المؤسسات الدينية المعتدلة على مواجهة التطرف، أو بالأحرى عدم قدرتها على طرح خطاب دينى واقعى، قادر على تفهم واستيعاب متطلبات العصر ومتغيراته الهيكلية المتسارعة، هذا فضلا عن السياسات التى تنتهجها الدول الغربية والمؤسسات الدولية المرتبطة بها أو الخاضعة لها، إزاء العالم الإسلامى وقضاياه، والتى ربما تعيد إلى الأذهان عهد الاستعمار بكل سلبياته. بالإضافة إلى التأثر بفكر وممارسات تنظيم القاعدة العالمى، الذى أعاد إنتاج نفسه بعد سبتمبر2011، طارحاً بدائل تنظيمية جديدة للعمل والحركة.
وقال إن أغلب هذه الحركات انتظم فى أطر لا مركزية، سرية، متنقلة، اتسمت فى معظمها بالضعف، وكثرة الانشقاقات، وإن كانت قد أتاحت لها قدراً من الأمن وسرعة الحركة، حتى طالت عملياتها أهدافا عديدة فى الداخل والخارج، ولم تفرق بين عسكري ومدني. لكن أيا من هذه الحركات لم تتمكن حتى الآن من إقامة رابطة تنظيمية واضحة مع تنظيم القاعدة العالمي، وكذا مع الحركات المناظرة فى القارة، باستثناء التشارك فى الأفكار والمواقف.
وبين أنه على الرغم من ادعاء هذه الحركات بأنها قامت لإنقاذ مجتمعاتها من براثن الجاهلية والقوانين الوضعية والتغريب، فإنها لم تنجح حتى الآن فى طرح خطاب ديني مقنع، يمثل بديلاً للخطاب الديني الرسمي والتقليدي الصوفى فى إفريقيا. بل إنها لم تتمكن من كسب تأييد أو على الأقل تعاطف الرأي العام فى الدول الإفريقية التى تنشط فيها، حيث أدت ممارساتها إلى ترويع المواطنين وتقويض استقرارهم الاجتماعي، وتهديد مصالحهم الاقتصادية، كما أدت إلى انتشار تيار "الإسلاموفوبيا" فى العالم، بشكل بات يسيء إلى مجمل الصورة الكلية للدين الإسلامي، فى ظل الخلط المتعمد فى كثير من الأحيان من جانب الساسة والإعلام الغربي بين الإسلام كدين وعقيدة وبين سلوكيات أعضاء هذه الحركات الراديكالية وحتى فى الحالات القليلة التى حظيت فيها بعض هذه الحركات بتأييد قطاعات من مجتمعاتها المحلية، فإن ذلك كان فى الغالب لتجنب الصدام معها، فضلاً عن أنه لم يعد ميسوراً فى ظل التضييق الأمنى، وكذا بعد الثورات والاحتجاجات الشعبية التى اندلعت فى الشرق الأوسط منذ مطلع العام 2011، والتى امتدت تاثيراتها إلى العديد من الدول الإفريقية. فلم تعد تلك الحركات تحتكر وحدها، التركيز على أسبابها الأصلية، وهو ما قد يؤدى لاستمرار المواجهة بلا طائل مع حركات تعتقد فى أنها تمتلك الحقيقة المطلقة والتصورات الجامعة المانعة، ولا تقبل الحلول الوسطى، وهو ما يدفع إلى القول باطمئنان بأن الدول الإفريقية والقوى الغربية لا تواجه خصومها، وإنما تصنعهم التنظيمات المعتدلة فى مواجهتها، مع الاقتصار فى التعامل معها على مظاهر المشكلة وأعراضها، دون البحث عن حلول.
وأشار إلى أنه على مستوى القوى الدولية، سعت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون إلى تقويض قدرة الحركات والاستمرار فى مهاجمة مصالحها، ليس فى إفريقيا فحسب، وإنما داخل الدول الغربية أيضاً. حيث بلغ الخوف مداه لدى واشنطن من أن تمتد ذراع تلك الحركات إلى داخل الأراضي الأمريكية ذاتها. ووصل الأمر إلى حد تحذير أجهزة الاستخبارات الغربية من خطورة امتلاك هذه الحركات للسلاح النووي، ولأجل مواجهة هذا الاحتمال عقدت الدول الغربية قمة الأمن النووي.
وكشف أن هذه السياسات لم تثبت فعاليتها حتى الآن فى مواجهة تلك الحركات بل العكس، فاستخدام الآليات الأمنية من جانب الحكومات المحلية أدى إلى المزيد من التصعيد، وعدم الاستقرار الأمني، فى ظل اعتماد الحركات المستهدفة على المعسكرات المتنقلة، وهروبها بعيداً عن المواجهات، لإعادة ترتيب الأوراق والإعداد لشن المزيد من الهجمات. لذلك نادراً ما تعلن العناصر المنخرطة فى تلك الحركات أنها غيرت فكرها، أو أنها على الأقل نبذت العنف كأداة لتحقيق أهدافها، حتى فى ظل صدور قوانين العفو الرئاسية، مثلما هو الحال فى الجزائر. بينما يرى السفير إبراهيم الشريمي، مساعد وزير الخارجية للشئون الإفريقية أن أمريكا تلعب لعبة مزدوجة فمن جهة تعلن سعيها إلى القضاء على الجماعات المسلحة فى إفريقيا وفى المقابل تقوم بتمويلها أو تسهيل وصول الأموال والأسلحة لها، وللأسف حساب التمويل مفتوح حسب الحاجة أو المهمة المطلوبة يصل إلى مليارات الدولارات.
وأوضح أن وضع هذه الجماعات من حيث امتلاكها أسلحة متقدمة تتشابه إلى حد كبير مع الأسلحة المملوكة للجيوش الإفريقية وبالتالى يسهل مراقبتها من الدول الغربية، هذا فضلا عن أن عمليات تهريب الأسلحة التى تتم تحت مسمع ومرأى من الدول الغربية بشكل عام يسهل القضاء عليها، ولكن الأمر عظيم حتى إن تدريب هذه الجماعات على أرض القارة يتم بمساعدة أمريكية وبدعم من بعض الدول الإفريقية بالإضافة إلى أن هذه الجماعات فى اتصال دائم مع بعضها بعضاً لتوفير الأسلحة والأموال والتدريب.
ويضيف السفير الشريمي، إلي أن كثرة الأسلحة المتداولة بين هذه الجماعات فى الوقت الراهن تواكب مع سقوط نظام القذافي، لاسيّما أنه كان مغرما بشراء أحدث أنواع الأسلحة وأكثرها تأثيرا لذا فمما لا يدع مجالا للشك أنها تم الاستيلاء على معظمها من قبل بعض الجماعات ويجرى الآن تسهيل تهريبها وبيعها بين حدود الدول الإفريقية.
ولفت النظر إلى أن الهدف من الدعم الغربى لهذه الجماعات هو تفتيت وتقسيم الدول الإفريقية والعمل على إضعاف قوتها حتى لا تتمكن من النمو ودعم الاقتصاد، وهو أمر واضح مع الكثير من الدول الإفريقية التى قسمت مثل السودان وغيرها لاسيّما أن أغلبها يملك ثروات إذا استغلت بصورة جيدة ستحدث فرقا لهذه الدول، ولكنه، مشغولة بالقضاء على صراعات داخلية تارة ومحاربة هذه الجماعات تارة أخرى وبالتالى لا تملك الوقت والمال للتنمية.