تعتبر فرنسا إحدى الدول الأوروبية التي استطاعت في النصف الأول من التسعينات أن تحافظ على علاقات وطيدة مع مستعمراتها الأفريقية السابقة، بل ربما كانت الدولة الأولى في هذا المجال، إذا ما قورنت بالدول الاستعمارية الأخرى، مثل بريطانيا وإيطاليا والبرتغال. تمكنت فرنسا من بلوغ هذه المرتبة المتميزة في علاقاتها الأفريقية، نتيجة لسياسة تعاونية محكمة ودقيقة طبقتها ببعض الدول الأفريقية في المجالات العسكرية والاقتصادية والثقافية وكانت لهذه السياسة مرتكزات هامة، تهدف إلى الإبقاء على دورها المؤثر بالسياسة العالمية، لاسيما في ظل الحرب الباردة بين العملاقين الولاياتالمتحدةالأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، غير أن المتتبع للسياسة الفرنسية الأفريقية، يلاحظ أن ثمة تطورات حدثت فى التسعينات وتهدد صلابة النفوذ الفرنسي في القارة، ولهذه التطورات أسباب عديدة بعضها جاء نتيجة لمتغيرات دولية، خاصة بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وسيادة النظام العالمي الجديد حيث سيطرة القطب الواحد، وبعضها ترتب على تغيرات فى الظروف المحلية الأفريقية، والبعض الآخر جاء مواكبا لتعديلات جرت على السياسة الداخلية الفرنسية ذاتها. وفي إطار المتغيرات الدولية، يلاحظ أن أهم الظواهر التي تعرقل استمرارية التأثير الفرنسي القوى في القارة هي الثقل الأمريكي المتصاعد في كثير من الدول الأفريقية، ومنها دول فرانكوفونية، ثم انتشار الإسلام السياسي في أنحاء مختلفة من القارة، وفي هذا السياق، قال موقع "جلوبال ريسيرش" البحثي إنه بعدما قتلت جماعة بوكوحرام مئات الأشخاص في أحد البلدات النيجيرية النائية في باجا وفجرت قتبلة في مايدوجوري، تسيطر الجماعة الإرهابية الآن على نحو 20 ألف ميل مربع من الأراضي، أي نحو مساحة بلجيكا. ويضيف الموقع أن الجماعة الإرهابية في أفريقيا تأمل في عودة ما يسمى بالدولة الإسلامية أو دولة الخلافة، والتي من المفترض أن تخضع لسيطرتها نحو 11 منطقة حكم محلي يتجاوز عدد سكانها 1.7 مليون شخص، من جانبه، يقول المندوب السامي البريطاني لدى نيجريا "أندرو بوكوك" :" يمكن لبوكو حرام إعلان دولة الخلافة، مع صعود دور أقرانها من الجماعات التكفيرية، فحال تمكنت من السيطرة على أقليم واحد، يمكنها السيطرة على الخلافة". ويشير "جلوبال ريسيرش" إلى أن الهجمات النيجيرية تراجعت في أعقاب حادث مجلة شارلي ايبدو بفرنسا، على الرغم من أن الأولى لم تلق نفس القدر من الاهتمام من وسائل الإعلام الدولية، رغم ارتفاع عدد قتلاها بكثير، موضحا أنه في عام 2012، استرجع الرئيس الأمريكي"باراك أوباما" قرار الحرب، بزيادة عدد أفراد الجيش الأمريكي المنشر في نيجيريا، في محاولة للرد على هجمات بوكوحرام بأفريقيا والتهديد الذي يشكله تنظيم القاعدة في القارة السمراء. ويلفت "جلوبال ريسيرش" إلى أن بوكوحرام في الحقيقة هي جماعة إرهابية تشبه تنظيم داعش الإرهابي، وتتلقى أموالها من نفس مصادر تمويل داعش الخليجية، وتتلقى المساعدة من المرتزقة الليبيين الذين هم على صلة بتنظيم القاعدة، مضيفا أن وزير الدفاع الفرنسي "جيان ايفز لي دريان" صرح بأن باريس سوف تزيد من ضرابتها الجوية ضد تنظيم داعش، بمساعدة الولاياتالمتحدة والقوات المشاركة في التحالف الدولي ضد الجماعة الإرهابية والذي بدأ العام الماضي في مناطق واسعة من العراقوسوريا. ويضيف الموقع الكندي أنه لدى الولاياتالمتحدة مصالح في القارة الأفريقية حيث النفط، ونيجيريا هي المنتج رقم 13 للنفط في العالم والعديد من المعادن الاستراتيجية، بما في ذلك الكروم والكوبالت والبلاتين والمنجنيز، موضحا أنه من دون هذه المعادن "، فإنه سيكون من المستحيل تقريبا لإنتاج العديد من المنتجات الدفاعية مثل المحركات النفاثة، مكونات صواريخ، والمكونات الإلكترونية، والحديد والصلب وغيرها. ويرى الموقع أن الولاياتالمتحدةوفرنسا تبحثان عن المعادن الاستراتيجية في نيجيريا لتأمين عتاد الحرب، والمنافس الرئيسي لهذه المعادن الاستراتيجية هي الصين، التي توجد جانبا للولايات المتحدةوفرنسا في التجارة الأفريقية، مختما بقوله مثل داعش في سوريا توجد بوكوحرام في نيجيريا أحد الأجندات الخاصة لتحقيق الأهداف الأمريكيةالغربية المحددة. تواصل جماعة بوكو حرام الإرهابية هجماتها ضد المدنيين وقوات الشرطة في نيجيريا، حيث تسعى لضم أكبر عدد من الأراضي النيجيرية لإعلان الخلافة هناك، وبوكو حرام بلغة الهوسا تعني باللغة العربية "التعاليم الغربية حرام" وهي جماعة نيجيرية مسلحة، تأسست في يناير 2002 وقامت بسلسلة تفجيرات وقتل أبرياء واجبار الكثيرين منأتباعالديانات الأخرى على اعتناق الإسلام عنوة. بعد إدراج مجلس الأمن رسميا بوكو حرام كجماعة ارهابية، أعلنت الولاياتالمتحدة الحرب على الجماعة، وفرضت في يونيو 2012 عقوبات ضد أبو بكر شيكاو، زعيم الجماعة بوكو حرام، ولكن هل فعلا الولاياتالمتحدة تناهض وتحارب بوكو حرام؟ الواقع يؤكد خلاف ذلك، حيث إنه بعد مرور عامين من فرض العقوبات الأمريكية نجد أن جماعة بوكو حرام أصبحت أغنى من أي وقت مضى وأكثر عنفا، وتواصل عمليات اختطاف النساء والأطفال، وأصبحت تمثل أخطر تهديد أمني لأكبر منتج للنفط في إفريقيا، وبرغم ذلك ترفض الولاياتالمتحدة حتى الآن مناقشة تمويل بوكو حرام بالتفاصيل، مما يثير التساؤلات حول النوايا الحقيقية للولايات المتحدة. القناة التلفزيونية النيجرية التي تمولها الولاياتالمتحدة بحجة أنها توعية للمواطنين هي وجه من أوجه التدخل السافر في سياسة نيجيريا، ووجه من أوجه الاستعمار الخفي القبيح والتجسس، وهذة السياسة الأمريكية التي انتهجتها بديلا لفشل الجيل الأول من المحافظين الجدد في الاستمرار في ابتزاز العالم تحت يافطة الحرب على الإرهاب، وتحقيق خرافة القرن الأمريكي عن طريق الغزو الغاشم الذي كان يبرر بالأكاذيب، كما حدث في العراق، وجاء الآن دور الجيل الثاني من نفس الماركة الأمريكية لتحقيق نفس الغاية، لكن بتجربة استراتيجية جديدة تقوم على جعل دول العالم تطلب طوعا وبنفسها غزوا أمريكيا ناعما ل"مكافحة الإرهاب"، وهذا ما حدث مع نيجريا.