حوار مصطفى عبادة قامت الفنانة التشكيلية الكويتية «وداد المطوّع» بتجربتين مهمتين فى مجال الفن هما أنها أعدت وقدمت برنامجا عن الفن التشكيلى فى قناة رواسى الفضائية، حيث نقلت الفن من جدران المعارض إلى جمهور واسع مما يتابعون الفضائيات، وقد كانت تذهب إلى المعارض، وتذهب إلى الفنان فى مرسمه ليرى الجمهور معها كيف يرسم الفنان لوحة، كما أنها من ناحية أخرى كانت ترسم قصائد الشعراء، فتختار هى القصيدة وتعبر عنها رسما، فى تجربة استمرت لمدة ست سنوات، وداد المطوع تجهز لمعرضها الأولى فى القاهرة، الذى ستخصصه كاملا لدعم الشعب والجيش المصرى، وتحية منها لثورة المصريين فى 30 يونيو، يذكر أن وداد المطوع عضو فى الجمعية الوطنية الكويتية للفنون التشكيلية، وعضو رابطة الحرف اليدوية بقارة آسيا، وعضو اتحاد جمعيات الفنون التشكيلية الخليجية، تعلمت الفن على يد الفنان محمد الشيبانى، فضلا عن كونها كاتبة شعر غنائى، ثم غناء العديد من القصائد لها، أقامت العديد من المعارض منذ عام 2005 وحتى الآن شاركت فى أكثر من عشرين معرضا محليا ودوليا وخليجيا، تزين لوحاتها العديد من المؤسسات الوطنية الكويتية والبنوك والشخصيات العامة، بمناسبة زيارتها للقاهرة للإعداد لمعرضها الجديد التقتها «الأهرام العربى» فى هذا الحوار. عندما يجرى الحديث حول الثقافة فى الكويت، لا يذكر الفن التشكيلى كثيراً ما السر من وجهة نظرك؟ على العكس مما تقول، الكلام عن الفن التشكيلى عندنا غزير ومتواصل، كما أن الفن يجد عندنا فى الكويت رواجاً كبيراً، ونستطيع القول إن المجتمع الكويتى مستهلك ممتاز للفن بجميع أنواعه، وعلى رأسه الفن التشكيلى، كما أن لدينا «رواد كبار» فى هذا الفن جعلوا منه زادا مهما فى ذائقة المواطنين، ولا أريد أن أذكر أسماء حتى لا أنسى أحدا، هؤلاء الرواد تجلت فى أعمالهم كل مدارس الفن السائدة فى العالم مثل السريالية والتجريدية مع لمحة محلية لا تغفل مفردات الواقع الكويتى، وطابعه العربى، وقيمه الاجتماعية، وربما عدم الكلام عن الفنون البصرية، مقارنة بالشعر والرواية والمسرح فى الكويت يعود إلى فترة زمنية سابقة، كان المجتمع فيها لا يزال فى مرحلة التعرف على الأنماط الجديدة فى الحياة الآن، الوضع تغير بشكل مذهل، بانتقال المجتمع الكويتى من مجتمع يجرى له أزياؤه، وسلوكه المتعلق بالبحر إلى مجتمع عارف بالحداثة والفنون الحديثة، ومستهلك لها، ولا تنسى أن المجتمع فى الكويت يعد من أكثر أسواق الفن التشكيلى رواجا فى المنطقة العربية، فلدينا سوق كبيرة للفن طرفاها الناس والمؤسسات الحكومية التى تشترى اللوحات بشكل منتظم. من أهم الرواد الذين تذكرينهم فى الفن التشكيلى الكويتى؟ هناك الفنان عبد الله القصار، وأيوب حسين، وعيسى صقر، وهؤلاء شوامخ مزجوا فى فنهم بين التراث المحلى والقيم العالمية فى الفن التشكيلى، ومهدوا الطريق لأجيال كثيرة، دخلت هذا المجال بقوة مستندة على تراث فنى عظيم. ومن أشهر الفنانين على الساحة الكويتية الآن؟ هناك الكثيرون ومنهم عبد الرسول سلمان، ومحمد الشيبانى، أمير عبد الرضا وعبد الله العتتيبى، وأحمد جابر، وسعد مصباح، وعبد العزيز آرثى، ومريد العلى، وهو خطاط عظيم ومشهور، ولعلك تعرف من أشهر مائة تصميم فنى للفظ الجلالة «الله» وصد صدرت فى كتاب مهم، والكثير من الخطاطين يقلدونها الآن، فضلا عن أن هذه الأسماء تمثل كل المدارس الفنية وكل الأنواع التشكيلية كالرسم والخط والزخرفة. باعتبارك فنانة تشكيلية كويتية، كيف تقيمين حركة الفن لديكم الآن؟ هناك، بالطبع، فارق كبير، بين ما كان، وما هو موجود الآن، منذ فترة كانت الحركة التشكيلية لدينا مغرقة فى المحلية وليس لها تمثيل خارج حدود دولتنا، الآن لدينا حضور ليس فى العالم العربى فقط، بل فى أماكن كثيرة من دول العالم، وفنانونا يشاركون فى جميع البيناليات التى تقام فى منطقة الخليج، وفى مصر، وفى أغلب الفاعليات الخارجية، وذلك بفضل جهود الجمعية الكويتية للفن التشكيلى، وجهود المجلس الوطنى للثقافة والفنون، وذلك يتمثل فى حضور فاعليات محلية ودولية، واستقدام فنانين من الخارج سواء من الخليج، أم بقية الدول العربية، أو من الخارج، منهم مصورون، ونحاتون وخطاطون، وغير ذلك، وهناك ورش عمل منتظمة وكثيفة الحضور، وهى تقام بشكل أسبوعى، كما تقام المعارض الشخصية بكثرة، وهى غير المعارض فى بعض البلدان التى زرتها، حيث لا تجد فى افتتاح المعرض سوى الفنان وأهله وبعض الصحفيين، الأمر المختلف عندنا، حيث تشهد المعارض زوارا منتظمين، وطلبة الجامعات صار لديهم وعى فنى كبير، وهم وقود حقيقى للمعارض التى تقام فى دولة الكويت، ولديهم شغف بكل جديد فى هذا المجال، وهم من يقومون بالتواصل مع الفنانين. هل هذا الرواج بسبب تطور التعليم، والبعثات العلمية؟ لك أن تعرف أنه ليس لدينا فى الكويت كلية للفنون الجميلة أو الفنون التطبيقية، كما فى مصر مثلا، وليست هناك جامعة تفكر فى تدريس الفن، وأنا عندما أنهيت الثانوية العامة، وأردت دراسة الفن التشكيلى لم أجد كلية أدرس فيها، لكن الفن التشكيلى موجود فى كلية تربية أساسية كجزء من المنهج، ومن يريد دراسة الفن التشكيلى عليه أن يسافر إما إلى مصر، حيث كلية الفنون الجميلة فى الزمالك، أو الإمارات، حيث توجد كلية فى إمارة «الشارقة» أو خورفكان، أو السفر إلى قطر. هل تدعم الحكومة الكويتية حركة الفن التشكيلى عندكم؟ نعم، نتلقى دعما من الشيخ ناصر صباح الأحمد، وهو الرئيس الفخرى للجمعية الكويتية للفن التشكيلى، وهو دائما ما يدعم الجمعية، كما أنه يدعم الفنان الهواة، ويمول إقامة المعارض، وينشىء الجوائز بأسماء الرواد مثل جائزة عيسى صقر، وجائزة أمير عبد الرضا، وجوائز باسم الشيخة سعاد الصباح، وهناك دعم لمعارض الفن التشكيلى للأطفال، ومعارض ذوى الاحتياجات الخاصة، بالإضافة إلى جائزة صاحب السمو أمير البلاد، على العموم بفضل دعم وتشجيع الدولة أصبح الفن التشكيلى أحد مفردات الحياة فى الكويت، فالفاعليات لا تنقطع، والمعارض فى كل مكان، وبامتداد الشهر. إذا قارنا حركة الفن التشكيلى فى الكويت بنظيراتها فى دول الخليج العربى، فما الخصوصية التى تميز تجربتكم التشكيلية؟ الفاعليات الكثيرة والمستمرة هى أكثر ما يميز حركة الفن التشكيلى لدينا، وقد زرت الكويت بدعوة من الفنان الرائد القطرى يوسف أحمد، وقد زرت المعارض هناك، صحيح النظام رائع، والقاعات مهيأة للعرض، واللوحات جميلة، لكنك لا ترى فى القاعة سوى أفراد الأمن، ليس هناك جمهور، مع أن الجمهور خارج المعرض كثير على المقاهى القريبة من أرض العرض، الجمهور هناك يفضل تدخين النرجيلة على دخول المعارض، وقد شاهدت ذلك بنفسى وشعرت بالأسف الشديد، أما فى الإمارات فالأمر مختلف، حيث الوعى الجمالى الفائق والحضور البشرى الكثيف والشيوخ بأنفسهم يحضرون افتتاح المعارض، بل إن الأمير هزاع بن محمد من أشد المشجعين للفن التشكيلى، ويحضر الفاعليات بنفسه، ويحرص عليها، وكذلك بنات الشيوخ، مما خلق قاعدة عريضة جماهيرية للفن هناك، شبيهة بالحركة فى دولة الكويت. وعلى مستوى الاقتناء للوحات الفن التشكيلى، أى البلاد الخليجية هى الأحرص على الاقتناء؟ هذا يعود إلى طبيعة الفنان نفسه، لأن بعض الفنانين يرفضون بيع لوحاتهم بدعوى أنها جزء منهم، وتعبر عن مراحل تطورهم النفسى والشعورى، وبعض الفنانين يصرون على فكرة التجارة فى وجه المعارض التى تعلق «يافطة» «غير مخصص للبيع»، وهى ظاهرة تشهدها الحركة التشكيلية فى الكويت فى الفترة الأخيرة، وعلى المستوى الشخصى لم أشارك فى معرض إلا وبعت فيه أغلب أعمالى لإيمانى بأهمية تداول الفن، ودخوله جميع البيوت والمصالح الحكومية، لا يحكمنى فى ذلك المنطق التجارى الذى لدى البعض، بل لإدراكى أهمية تذوق الناس للفن، وتقديرهم لعمل الفنان، خصوصا أن أكثر من يقتنى لوحاتى هى مؤسسات حكومية وبنوك وطنية، وبعض الشخصيات من أصحاب السمو الملكى، وبعض الخليجيين المقيمين فى الخارج، وبعضهم يحجز لوحاتى قبل عرضها فى معارض عامة. سؤالى عن الخصوصية لم يكن يتعلق بفكرة الرواج والبيع، بل الخصوصية من حيث الموضوعات وطريقة تناولها؟ نعم للحركة التشكيلية الكويتية خصوصية موضوعية، تتمثل فى شيوع تيمات البحر والعين، مع تناولها بشكل حديث وفى تعبيرها عن هوية المجتمع الكويتى المتجه سريعا نحو الحداثة التكنولوجية، بل إن التراث المتمثل فى هذه التيمات المحلية يشكل مع الموضوعات الحديثة فى الرسمة التى تعبر عن قضايا وهموم الإنسان المعاصر فى اغترابه وإحساسه بالضياع، هى عماد الحركة التشكيلية لدينا، هناك بالطبع شيوع لمدارس مغرقة فى الحداثة مثل السوريالية والتكعيبية، هذا التنوع الموضوعى هو نتاج طبيعى لحركة الرواج التى حدثتك عنها فى الجزء الأول من إجابة هذا السؤال، فأذواق الناس تختلف، مما يفرض تنوعا لدى الفنانين باعتبارهم المعبر الأصدق عن جمهور شعبهم، هناك بالإضافة إلى ذلك بعض التغريب كأن يضع الفنان بعض الأشياء العينية فى لوحته، كما يحدث فى الغرب، وفى المعرض الأخير الذى أقيم فى المجلس الوطنى للفنون فى الكويت نالت الجائزة لوحة تصور امرأة ترتدى برقعا، وطاقية حمراء، عيناها واسعتان مكحلتان، والبشرة السمراء والحواجب المدورة، وحول هذه المرأة كانت الألوان التركواز وحروف باللغة الإنجليزية غير مفهومة، وهى لوحة أدخلت الحداثة على التراث، وهى لوحة تعبر عن قبول للواقع الجديد مع الاحتفاظ بسمات الهوية الوطنية، فاستحقت الجائزة. هل الفن التشكيلى، فن أرستقراطى، ترسمه النخبة وتستهلكه النخبة؟ كل الفنون كذلك، كل الإبداع من رواية وشعر ومسرح وليس الفن التشكيلى وحده، التعامل مع الفن واستهلاكه إبداعا وتلقيا يحتاج إلى وعى كبير، الأمر الذى يتوافر للجميع، وهى مشكلة لا تخص الوطن العربى وحده، بل تجدها فى كل دول العالم، هى مشكلة وجودية بالنسبة للفنان، وإذا كان ذلك الفنان امرأة فالمسألة ستكون أصعب كثيرا، خصوصا على مستوى الإحساس بالعزلة، ومرة كنت فى معرض ودخلت أسرة، وسمعتها تقول:«ما هذه الخرابة» ما هذه الأشياء المجنونة وغير المفهومة، وغيرها من الكلمات الجارحة بالنسبة للفنان، مثل هذه الأسرة تحتاج إلى حوار، وإلى الوقوف بجانبها وتوعيتها وأنا شخصيا أقوم بذلك، مع من يقول إنه لا يفهم لوحتى، وحين أقوم بشرحها له، وتوضيح وجهة نظرى، يبادر بشرائها مع طلب توقيعى له، ليس دور الفنان هو الإبداع فقط، بل لابد أن يسهم فى توعية مجتمعه. وهل من الطبيعى أن يشرح الفنان عمله للجمهور؟ لا بالطبع، بل المفروض أن يترك حرية التذوق للجمهور، لكن الظروف تفرض علينا أحيانا أن نقف هذا الموقف، وإذا تعالينا على عدم فهم أحد لغتنا، لاتهمنا بالتقصير، أنا مثلا أعشق الغموض فى لوحاتى، برغم أننى أعبر عن كل ما يمس إحساسات المرأة ووضعها داخل المجتمع، ومع ذلك لم أعان من مشكلة عدم الفهم إطلاقا، لأن الإحساس الصادق يصل بسرعة، ومن أهم المقتنين للوحاتى وزيرة التخطيط السابقة معصومة المبارك، والشيخ صباح الأحمد الذى اقتنى لى لوحة تمزج بين الليل والنهار مع مفردات البيئة الكويتية الطبيعية، وأتمنى أن أعرض فى القاهرة قريبا إن شاء الله وأول معرض لى فى مصر سأخصص عائد بيعه كله للجيش المصرى، تضامنا مع ثورة 30 يونيو المصرية الباهرة، وسأشارك بلوحاتى الجديدة كلها. قمت بتقديم الفن التشكيلى والفنون الجميلة فى برنامج تليفزيونى كيف كانت هذه التجربة؟ ومدى تفاعل الجمهور معها؟ هى تجربة رائعة، وقد أحببتها جدا برغم صعوبتها، فقد كنت أزور المعارض التشكيلية، وأذهب إلى الفنان فى مرسمه، وأصور كيف يقوم بعملية الخلق الفنى، بالإضافة إلى سيرة حياته على الشاشة وأشهر لوحاته، طبعا الفكرة وجدت معارضة فى البداية بدعوى صعوبتها، وأن الفن التشكيلى لا يمكن الكلام عنه فى الفضائيات، والطامة الكبرى أن التليفزيون الكويتى رفض تبنى الفكرة، برغم أن الحلقات الأولى نجحت مع الجمهور نجاحا ساحقا، فى فضائية خاصة رأسمالها سعودى كويتى، وكل الدول تخصص قنوات متعددة لكرة القدم، وليس هناك قناة واحدة أو حتى برنامج مخصص للفن التشكيلى. لك أيضا تجربة فى رسم القصائد تشكيليا فى الصحافة، كيف يمكن رسم مشاعر الآخرين؟ نعم قمت بهذه التجربة لمدة ست سنوات متتالية فى جريدة «عالم المال» اختار قصيدة لشاعر، وأرسم لوحة تحمل معنى القصيدة وإحساسها، ونجحت فى هذه التجربة نجاحا كبيرا، وأعتبرها البعض دليلا على مقدرتى الفنية العالية، وقد اقتنى بعض الأشخاص لوحاتى فى هذا المجال بشكل واسع.