حوار أحمد سعد الدين فنان من الهيار الثقيل، عشق المسرح الذى يعتبره حجر الأساس والموروث الثقافى داخل نسيج المجتمع المصرى، رفض الظهور على الشاشة لمجرد الوجود أو الربح المادى، شارك فى معظم أعمال المخرج الكبير داود عبدالسيد الذى يعتبره فيلسوف الإخراج فى مصر، إنه الفنان أحمد كمال الذى يطل على جمهوره فى رمضان المقبل من خلال مسلسل «حارة اليهود» تأليف مدحت العدل ومن إخراج محمد جمال العدل وبطولة منة شلبي وإياد نصار،عن دوره فى المسلسل ومشواره الفنى الملىء بالإبداع، فتح أحمد كمال قلبه ل«الأهرام العربى» من خلال الحوار التالى. ما آخر أخبارك الفنية؟ أشارك حاليا فى مسلسل «حارة اليهود» تأليف مدحت العدل بطولة منة شلبي وإياد نصار وريهام عبدالغفور وهالة صدقي وسيد رجب وأحمد حاتم ووليد فواز، ومن إخراج محمد جمال العدل، وهو مسلسل يرصد الفترة التاريخية فى الأربعينيات والخمسينيات عندما كانت حارة اليهود عبارة عن مجتمع كامل للتعايش بين المواطنين المصريين بصرف النظر عن دياناتهم وانتماءاتهم. ما الذى جذبك للمشاركة فى هذا العمل؟ منذ بدأت مشوارى الفنى وأنا أبحث عن السيناريو الذى يوصل رسالة معينة للجمهور بشكل غير مباشر، لذلك عندما عرض علىّ السيناريو أعجبت به جداً لأنه يرصد فترة مهمة فى تاريخ مصر التى كانت ملتقى للتعايش بين كل الديانات، فالأصل هو المواطنة وليس التمييز عن طريق الدين أو العرق، ومن يدقق النظر فى المجتمع المصرى خلال تلك الفترة سيجد أن جميع المواطنين كانوا سواء، ويتعاملون مع بعضهم بعضا دون أى تكليف أو تخوين، فعلى سبيل المثال سوف تجد الحى بأكمله يشارك فى فرح فتاة يهودية وتتجمع كل نساء الحى ليساعدن أم العروس فى تجهيز الفرح، وبعدها بأسبوع تجد أن نفس المشهد يتكرر بنفس تفاصيله مع فتاة أخرى مسلمة أو مسيحية، وهذا دليل على تماسك المجتمع المصرى فى تلك الفترة. ماذا عن ملامح دورك فى المسلسل؟ أهم ملاح الشخصية التى أجسدها تتركز فى أنها شخصية لأحد اليهود الذين يحبون مصر، وكانوا يعيشون فى سلام إلى أن حدثت بعض الحوادث من شباب الطائفة اليهودية الذين اتهموا بتفجير سينما مترو، وبعدها خرج اليهود من مصر، لكنه رفض ذلك وقال هذه هى بلدى التى ولدت وسوف أموت على أرضها وظل فى مصر إلا أنه دفع ثمن غالياً لأشياء لم يكن طرفاً فيها. من الممكن أن يتهمك البعض بتجميل وجه اليهود فى هذا المسلسل؟ بابتسامه رقيقة وصوت ملء بالشجن، قال هذه ضريبة الأمية التى ضربت فى المجتمع المصرى الذى توقفت ثقافته عند أشياء صغيرة لا يستطيع تمييزها، فنحن يجب أن نفرق بين اليهودية كديانة وبين الصهيونية كعمل سياسى تخريبى، فالديانة اليهودية مذكورة فى القرآن ونحن نؤمن بها ولا توجد مشاكل بيننا وبين اليهود، لكن مشكلتنا تكمن فى أصحاب الفكر الصهيوني الذين يريدون تخريب الوطن العربي بأكمله وليس مصر فقط، فالواقع يقول إن أى مجتمع فيه الصالح وفيه الفاسد أيضا بصرف النظر عن الدخول فى منطقة الديانات، وهذا هو لُب الموضوع، فالمجتمع المثقف والواعى يفكر بهذه الطريقة، أما الجاهل ومنعدم الثقافة فلن يفرق بين الشخص وانتماءاته الدينية، واليهود مثلهم مثل كل المجتمعات فيهم الجيد وفيهم الفاسد. أريد أن أعود معك إلى بداية مشوارك الفنى.. كيف كانت الخطوات الأولى؟ بدايتى كانت عن طريق المسرح الجامعى فى كلية الآداب جامعة القاهرة نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، فى ذلك الوقت كان المسرح الجامعى يعتبر مفرخة للوسط الفنى حيث كانت هناك فرق مسرحية كثيرة تعرض الأعمال العالمية، كنا طلبة نحب الفن، أذكر منهم المخرج ناصر عبدالمنعم والفنانة عبلة كامل وغيرهما وعندما تخرجنا عملنا بالثقافة الجماهيرية ثم فتح لنا مسرح الطليعة أبوابه، وقدمنا العديد من الأعمال الممتازة على خشبة مسرح الدولة، وكان المخرجون الكبار يحرصون على مشاهدة أعمالنا المسرحية. شاهدناك على شاشة التليفزيون فى منتصف الثمانينيات فى أعمال درامية جيدة ثم اختفيت عن الشاشة الصغيرة.. لماذا؟ أعتقد أن جيلنا كان محظوظا فى تلك الفترة، حيث كنا نعرض أعمالنا المسرحية ونحن فرق فى بداية الطريق، وكنا نتصل بالمخرجين الكبار أمثال صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وداود عبد السيد وغيرهم ونوجه لهم الدعوة، وبالفعل كانوا يحضرون ويشجعوننا، وعن نفسى لم يكن التليفزيون ضمن أولوياتى فأنا أعشق المسرح وأشعر بأنه هو أبو الفنون جميعا، ورد الفعل عن العمل المسرحى يكون فى نفس اللحظة لأن الجمهور أمامك لا يبتعد سوى سنتيمترات قليلة عن الفنان والجمهور لا يعرف المجاملة، أما التليفزيون فموضوع آخر، لكن فى أحد الأيام وجدت الكاتب الكبير محفوظ عبد الرحمن يطلبنى لمسلسل بعنوان "الكتابة على لحم يحترق" من إخراج عباس أرناؤوط فكنت مترددا لكن السيناريو كان جيدا فلم أستطيع أن أرفض، ساعدنى فى ذلك أن جميع أبطال العمل كانوا من أساتذة المسرح مثل الفنان العظيم عبدالله غيث وحمدى غيث وسميحة أيوب وأمينة رزق ومحسنة توفيق، وكان العمل يقوم على سرد وقائع الغزوات المغولية للوطن العربي، بعدها شاركت فى عمل آخر بعنوان "الحياة مرة أخرى" بطولة يحيي الفخرانى وسناء جميل وهالة فؤاد وسمية الألفي من تأليف رؤوف توفيق وكان يحكى قصة التغيرات التى حدثت فى المجتمع المصرى من خلال طبيب يرفض استخراج تصريح دفن لأحد القتلى فيتم اتهامه بالجنون ويدخل مستشفى الأمراض العقلية ليمكث فيها فترة ثم يخرج ليجد التغيرات التى حدثت للمجتمع بعد انتشار الانفتاح الإقتصادى الذى غير فى سلوك ومستوى الشعب المصرى، لكن بعدها عرضت علي أعمال كثيرة لكن للأسف لم تكن على نفس المستوى فرفضت وقررت التفرغ للعمل المسرحى الذى أجد نفسى فيه أكثر لأنى منذ دخلت عالم الفن كنت أقول بينى وبين نفسى، إن لم يكن العمل الذى أشارك به يحمل قيمة فنية ورسالة فمن الأفضل أن أرفضه من البداية حتى لا يكتب فى تاريخي. اتجهت للسينما منذ بداية التسعينيات.. كيف جاءتك الفرصة؟ أثناء عرض إحدى المسرحيات فوجئت بالمخرج الكبير داود عبدالسيد يطلبنى، وعندما قابلته أثنى على العرض ثم قال أنا أحضر لعمل سينمائى وأحتاجك فى تجسيد شخصية مركبة وصامتة فى معظم مشاهدها، ولا أخفى عليك أن طريقة حكى داود عبدالسيد ومناقشته معي للشخصية وأهميتها الدرامية وما تحمله من رمزية كانت مقنعة بشكل كبير، وبالفعل شاركت معه فى فيلم "البحث عن سيد مرزوق" بدور لاعب البيانولا أشبه بشارلي شابلن وحقق الفيلم نجاحا كبيرا ونال جوائز عديدة وعرض داخل مهرجان القاهرة السينمائى، بعدها شاركت معه فى فيلم "الكيت كات" عن قصة إبراهيم أصلان ومنذ ذلك الوقت وأنا أشارك فى جميع أعمال داود عبدالسيد وأعتبر نفسي محظوظا بالعمل مع هذا المخرج العظيم، لأنه يتعامل بأسلوب الهاوى مع مهنته فهو يقف على جميع تفاصيل العمل سواء أمام الكاميرا أم خلفها. لماذا اتجهت فى فترات طويلة لتدريس التمثيل؟ مع دخول منتصف التسعينيات بدأت شركات الإنتاج تتجه بقوة للاعتماد على الوجوه الجديدة وقد كانت هذه هى الموجه السائدة فى ذلك الوقت، لكن لو تفحصت الموقف جيدا ستجد أن معظم هذه الوجوه تحتاج لمن يوجهها ويعرفها كيف تتعامل مع الكاميرا وكيف يحدث إندماج بين الممثل والشخصية التى يؤديها وكيفية الوقوف على مفاتيح الدور، كل هذه أشياء كانت مفتقدة فى عالم السينما، وللحق فإن الفنان محمود حميدة كان له السبق فى هذا المجال، حيث إنه أول من أسس ما كان يعرف بستديو الممثل، حيث أتى بمتخصصين فى مجال التمثيل لتعليم وتدريب هؤلاء الشباب الجدد على الأدوار التى سوف يلعبونها فى الأفلام أثناء مرحلة التحضير، وكنت واحدا من هؤلاء الذين أخذوا على عاتقهم تدريب وتدريس الفن بأسس علمية لهؤلاء الشباب فأنا درست هذا المجال فى الخارج وأردت أن أنقل خبرتى للشباب، والحمد لله هناك العديد من الأسماء اللامعة الآن كانت تدرس معي مثل بسمة وخالد أبو النجا ومجموعة الشباب الذين قدموا فيلم أوقات فراغ، وفى رأيى أن هذا الموضوع يعتبر من الأهمية بمكان فى عالم الفن. هناك العديد من الشباب يتجهون إلى ورش إعداد الممثل برغم أنهم خريجو معهد الفنون المسرحية.. كيف تفسر ذلك؟ أعلم ما ترمي إليه من سؤالك، لكن دعنا نوضح بعض النقاط المهمة، الممثل لابد أن يمتلك الموهبة أولاً سواء كان دارسا أم لا، الأمر الآخر هو أن المعهد يدرس التمثيل والإخراج المسرحى والذى يعتمد على قوة الإلقاء وتجسيد الشخصيات المسرحية والحركة على الخشبة، وبعد كل ذلك ينجح فى الاختبارات عدد محدود من الشباب المحب للفن فماذا عن الباقين؟ هنا لابد من وجود منافذ أخرى تستطيع تدريس هذا النمط من الفنون بأسلوب علمى متقدم لإشباع الرغبة داخل هؤلاء الشباب الذين لم يسعدهم الحظ بدخول المعهد، أضف إلى ذلك أن ورشة إعداد الممثل تستطيع تدريب الشباب على الأدوار التى سيؤدونها فى الأفلام وكيفية التعامل مع زوايا الكاميرا وإحداثياتها، لأنه على أرض الواقع هناك فروق بين حركة الممثل على خشبة المسرح وبين الوقوف أمام الكاميرا. كيف ترى حال المسرح فى مصر حاليا وهل من الممكن أن يعود كما كان؟ المسرح هو أبو الفنون، ومنذ قديم الأزل وازدهار الحركة المسرحية تعتبر دليلا على تقدم المجتمعات منذ عهد الإغريق وحتى الآن، ومصر منذ نهاية القرن التاسع عشر ولديها فرق مسرحية ممتازة بداية من نعمان عاشور مرورا بجورج أبيض ويوسف وهبي وزكى طليمات وغيرهم، وقد جاءت النهضة الفنية فى نهاية الخمسينيات وبدايت مرحلة الستينيات معتمدة على ثقافة المجتمع وحركة التنوير التى كانت موجودة، لكن للأسف خلال منتصف السبعينيات ومع تحول المجتمع إلى مرحلة الانفتاح الاقتصادى الذى غير فى ثقافة الشعب المصرى وجعله شخصا مستهلكا وليس منتجا، بدأت الثقافة تتراجع شيئا فشيئا إلى أن وصلت الحال بنا إلى تحويل المسرح من منارة للثقافة والمعرفة إلى أشبه ما يقال عنه إنه ملهى ليلي يعتمد على الرقص الهابط فى فترة الصيف تحديدا، لذلك توقفت الحركة المسرحية خلال السنوات العشر الماضية وأصبحت عودة المسرح كما كان تمثل معضلة كبرى، لأن المجتمع يحتاج لجرعات كبرى من الثقافة حتى يعود مرة أخرى لارتياد المسرح، أيضا نحتاج لكتاب ومخرجين يقدرون قيمة المسرح حتى نخرج من الوجبات الاستهلاكية السريعة ونقدم مسرحا جادا يساعد على تقدم المجتمع. ماذا عن جديدك السينمائي؟ أنتظر عرض فيلم "قدرات غير عادية" الذى شاركت فيه مع نجلاء بدر وخالد أبو النجا، وهو تأليف وإخراج المبدع داود عبدالسيد، ولن أستطيع التحدث عن موضوع الفيلم حتى يعرض فى السينما.