هو من جيل الخمسينيات الذى آمن بالعروبة والقومية العربية إلى أقصى حد، فانضم إلى حركة القوميين العرب.وبعد حدوث الانشقاقات داخلها تركها إلى أحضان الاتحاد الاشتراكى ليمارس عملا مجتمعيا. ثنايا ذاكرته تحفظ عن ظهر قلب نشوء الفكر القومى العربى الذى أرخ له بتلك السنوات القليلة التى تسبق الحرب العالمية الأولى، حين أيقظت سياسة «التتريك» ذلك الحس القومى العربى الكامن فى النفوس ربما لم يكن المسمى محددا لكن المدلول بكل تأكيد كان واضحا وضوح الشمس. فالروابط الجغرافية والتاريخية بادية، وروابط اللغة والدين والعادات لا تحتاج إلى إثبات. لكن الكاتب الصحفى حسنين كروم يؤكد أن الانتماء للفكر شىء والانتماء للأحزاب المتبينة للفكر شىء آخر. وبالتالى لا يمكن حسبان كل المثقفين المصريين المنتمين للفكر القومى العروبى بوصفهم كانوا على صلة بحزب البعث. متى يمكننا أن نؤرخ لبروز فكرة القومية العربية؟ نشأ حزب اليعث فى سوريا عام 1945 باندماج حزبين هما: البعث العربى الذى أسسه ميشيل عفلق وصلاح البيطار، والحزب الاشتراكى الذى أسسه أكرم حورانى فى "حماة". ونتج عن هذا الاندماج "حزب البعث العربى الاشتراكى" وتبلورت أهدافه فى تحقيق وحدة الدول العربية وكان شعاره "وحدة. حرية. اشتراكية"، وبدأ فى افتتاح أفرع له فى عدد من الدول العربية كان أهمها: العراق، لبنان، الأردن، اليمن، وشكل قيادة قومية على مستوى الوطن العربى وقيادات قطرية تتولى القيادة فى كل دولة عربية، كانت أقوى فروعه فى سوريا تليها العراقوفلسطين، كما مد أفرعا له فى ليبيا وبعض إمارات الخليج العربى وكانت فكرته استخدام الجيش فى الإطاحة بالأنظمة لتحقيق الوحدة العربية، ثم حدث صراع داخل الحزب أدى إلى انقسامه إلى قيادتين قوميتين: الأولى فى سوريا بقيادة اللواء صلاح حديد ومعه مجموعة من العسكريين، كان بينهم حافظ الأسد قائد الطيران آنذاك، وكانت معه أيضا مجموعة من المدنيين. وقامت هذه المجموعة بالإطاحة برئيس الجمهورية اللواء أمين الحافظ، أما القيادة القومية الثانية فتولاها ميشيل عفلق ويتبعها فرع العراق ومعظم فروع الدول العربية، وكان أنصار القيادة القومية فى سوريا أقل عددا. متى بدأ التفكير فى مد نشاط البعث إلى مصر ؟ كان ميشيل عفلق يدرك أن الوحدة العربية لن تتم بدون مصر، لكن مصر لم تكن تتقبل إنشاء أحزاب من هذا النوع، خصوصا أنها كانت الأسبق إلى الاهتمام بالقضية الفلسطينية وتأسيس الجامعة العربية كأول تنظيم إقليمى يضم الدول العربية فى رحابه. بالإضافة إلى أنها كانت منشغلة بالاحتلال البريطانى. صحيح أن البعثيين أول من حاول إقامة حزب سياسى يعمل على تحقيق الوحدة العربة وسبقوا عبدالناصر فى طرح هذا الفكر فى شكل حزب. لكن فكرة الوحدة والقومية العربية ظهرت قبل ذلك بكثير وتحديدا قبيل الحرب العالمية الأولى، حيث ضج أهل الشام من سياسة «التتريك» التى حاول الأتراك من خلالها فرض اللغة التركية عليهم ومحو الهوية العربية، وقد استثمرت بريطاينا هذا الشعور المتنامى، ووعدت الشريف حسين حاكم الحجاز بتحقيق حلم الوحدة العربية إذا ما شارك فى الحرب ضد تركيا. لكن مصر هى التى نفخت الروح فى القومية العربية بإنشاء الجامعة العربية. إذن كيف تطورت العلاقة بين البعثيين ونظام ناصر الذى كرس جهوده لتحقيق فكرة الوحدة العربية ؟ بعد ثورة يوليو اكتسبت الدعوة للوحدة العربية قوة شديدة جدا على يد جمال عبدالناصر، لأنه تبنى هذه الدعوة، ودعم حركات التحرر ضد الاستعمارين الفرنسى والبريطانى، فاتجهت أنظار كل دعاة الوحدة العربية إلى مصر، وبدأ البعثيون السوريون يدعون إلى الوحدة بين مصر وسوريا، وبدأت اتصالات قوية بين مثقفين مصريين وبين ميشيل عفلق وصلاح البيطار بالتحديد وكان من بينهم أحمد بهاء الدين ورجاء النقاش وأحمد عبد المعطى حجازى وكانت تنشر لهم مقالات فى جريدة البعث التى تصدر من دمشق.لكن لا يمكن الجزم مع ذلك بانضمامهم إلى الحزب رسميا. وتحققت الوحدة بين مصر وسوريا 1958 وكان من شروطها إلغاء الأحزاب السياسية وألغى حزب البعث السورى. متى بدأت الأزمة واعتبار الانتماء إلى البعث جريمة؟ عندما بدأت الخلافات بين عبد الناصر والوزراء البعثيين الذين استقالوا من حكومة الوحدة السياسية تم وقف أى اتصال بين البعث والمثقفين المصريين إلى أن وقع الانفصال ونجح حزب البعث فى القيام بانقلاب على حكومة الوحدة، كما قام البعثيون فى العراق بالمشاركة فى انقلاب ضد عبد الكريم القاسم، وسيطروا على الحكم فى العراق وأصبحت له السيطرة الكاملة على العراق وطلبوا تحقيق وحدة ثلاثية مع مصر وسوريا، لكن الخلافات وقيام انقلاب فى العراق بقيادة عبد السلام عارف حال دون ذلك. هذا بالطبع أدى إلى توقف أى اتصال رسمى مع البعث؟ بالتأكيد لكن تجددت تلك الاتصالات عام 1968 بعد أن نجح البعث فى يوليو 1968 من الإطاحة بالرئيس عبدالسلام عارف. ثم تجددت المنازعات بين مصر والعراق لأن القيادة الجديدة كانت تتبع ميشيل عفلق وتعادى القيادة الموجودة فى سوريا التى انقلبت على قيادة عفلق، وبسبب موارد العراق المالية الضخمة نجح فى استقطاب معظم فروع حزب البعث فى الدول العربية. وحاول إنشاء فرع فى مصر، لكن ما هو معروف ومؤكد أنه تم إلقاء القبض 1970 على أحد طلاب الكلية البحرية بالإسكندرية بتهمة تجنيده فى الحزب، وتوترت العلاقات بين مصر والعراق بينما كانت على ما يرام مع فرع البعث السورى. لكن الأمور تغيرت بمجىء السادات؟ لقد شهدت العلاقات بين مصر والعراق ابتداء من 1972 تحولا قويا وأمدت العراق مصر بالشحنات التى طلبتها من البترول مجانا، كما وافقت على إرسال سربين من طائرات طلبتها مصر للمشاركة فى الطلعة الجوية الأولى فى حرب أكتوبر، وازدادت العلاقات قوة فى عهد مبارك بسبب صداقته للكثير من القادة العراقيين عندما كان يخدم فى قاعدة الحبانية بالعراق، وصداقته مع صدام حسين ووصلت قوة العلاقات ذروتها بتأسيس مجلس التعاون العربى بين مصر والعراق والردن واليمن، وفتحت العراق أبوابها أمام المصريين وانحازت الدولة إليهم وكانت هناك خطة لتوظيف نحو 3 ملايين مصرى. ورغم هذا كان هناك تياران فى القيادة العراقية: الأول يدعو إلى إنشاء فرع للحزب فى مصر، والثانى يتخوف من أن يؤسس ذلك على العلاقات المتميزة بين البلدين. وانتهى الأمر إلى الاكتفاء بتجنيد بعض المصريين العاملين فى العراق وتكوين اتصالات قوية جدا مع المثقفين المصريين من جميع الاتجاهات، مع الحرص الشديد أن يتم ذلك تحت أعين النظام، وهناك قول إن بعض المثقفين كانوا قريبين من النظام العراقى لكن من تم تجنيدهم بشكل منظم قد لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. دعنا نتحدث عن حركة القوميين العرب وانضمامك إليها.. لماذا اخترتها؟ ولماذا قررت الانفصال عنها؟ تأسست هذه الحركة فى أواخر الأربعينيات ومطلع الستينيات على يد مجموعة من طلاب الجامعة فى لبنان وبعض الفلسطينينن وكان شعارها "دم.حديد. نار. وحدة. تحرير. تار" وكان الفرع الفلسطينى بقيادة جورج حبش. وتأسس فرعها فى مصر 1958 وانضمت إليه عام 1959 وكنت ما زلت فى الصف الثانى الثانوى حيث تعرفت إليه من خلال مجموعة من زملائى فى المدرسة الأمريكية الثانوية، وقد انجذبت لأفكار الحركة التى التقت مع إيمانى العميق بفكرة الوحدة العربية، وقد قمت بتجنيد شخصيات أخرى من الجامعة، وكان مسئول القوميين العرب فى القاهرة سمير حمزة، الذى ألقى القبض عليه عام 1958 فى قضية شملت لطفى الخولى ونوال المحلاوى "مديرة مكتب هيكل "، وكان من أعضاء الحركة د. فاروق أبو زيد، وعبد الجواد غيط، وفى لبنان رفيق الحريرى ومحمد كشلى. لكن الحركة سرعان ما تفككت عام 1962 وكل فرع تصرف بشكل مستقل، فالفرع الفلسطينى أسس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتزعمها جورج حبش واسس نايف حواتمه الجبهة الشعبية الديمقراطية. وأسس فى اليمن الجبهة القومية، ومنها خرج الحزب الاشتراكى والذى اتجه اتجاها ماركسيا متطرفا حتى إنه اتهم الاتحاد السوفيتى معقل الماركسية بأنه انحرف عن مبادئها. أما فرع مصر فقد انشقت عنه مجموعة كبيرة عام 1962 وكنت من بينهم، حيث انضممت للاتحاد الاشتراكى ومارست عملا اجتماعيا فى بولاق، وكنت محررا فى مجلة الاشتراكى التى كانت تصدر عن أمانة الدعوة والفكر. وما وجه الاختلاف بين حركة القوميين والبعثيين؟ الخلاف حول تطبيق الاشتراكية وكان الفكر القومى العربى فى الشام يسيطر عليه نوع من التوتر والرغبة فى اللجوء للقوة فى تحقيق الوحدة، وكان هناك إعجاب بتجربتين: تجربة بسمارك فى توحيد ألمانيا وتجربة الوحدة الإيطالية.