في أحد الشعانين.. أول قداس بكنيسة "البشارة" بسوهاج الجديدة |صور    محافظ بني سويف يلتقى وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان    خبير اقتصادي: صندوق النقد يتوقع تحسنا كبيرا في الأوضاع الاقتصادية المصرية    هذه كوارث اقتصاد السيسي في تقرير مراجعة صندوق النقد الدولي    مطار الملك خالد الدولي يستقبل أولى رحلات خطوط شرق الصين الجوية القادمة من شنغهاي    عبور 4150 شاحنة مساعدات إنسانية ووقود لغزة منذ بداية أبريل    حماس: لا نجد مشاكل في عرض الهدنة الأخير.. وأجواء إيجابية تحيط بالمناقشات    بريطانيا تدرس إرسال قوات إلى غزة لتوزيع المساعدات    وزير الخارجية ونظيره السويسري يستعرضان العلاقات الثنائية بين البلدين    الأهلي يقلب الطاولة على الزمالك ويستعيد كأس مصر للطائرة رجال    تريزيجيه يصنع في فوز طرابزون برباعية أمام غازي عنتاب    مديرية تموين أسيوط تشن حملات على محال الجزارة والمخابز .. تفاصيل    بالأسماء.. إصابة 12 في حادث انقلاب سيارة ميكروباص في البحيرة    ميرنا نور الدين بإطلالة رقيقة في أحدث ظهور لها    عمرو أديب: حلم تطوير التعليم وتخريج مبرمجين مصريين أهم من النووي    منة فضالي: اكتشفنا إصابة والدتي بالكانسر «صدفة»    محمد أبو هاشم: حجاج كثر يقعون في هذا الخطأ أثناء المناسك    محمد أبو هاشم: هذا أقوى سلاح لتغيير القدر المكتوب (فيديو)    صحة الإسماعيلية تنظم قافلة طبية مجانية ضمن مبادرة حياة كريمة    «الرقابة الصحية»: القطاع الخاص يقدم 60% من الخدمات الصحية حاليا    محافظ الدقهلية: دعمي الكامل والمستمر لنادي المنصورة وفريقه حتي يعود إلي المنافسة في الدوري    بايرن ميونخ يغري برشلونة بجوهرته لإنجاز صفقة تبادلية    فرقة بني سويف تقدم ماكبث على مسرح قصر ثقافة ببا    تعرف على مواعيد امتحانات المرحلة الإعدادية في مدارس الأقصر    أون لاين.. خطوات إصدار بدل تالف أو فاقد لبطاقة تموين 2024    الرئيس عباس يطالب أمريكا بمنع إسرائيل من "اجتياح رفح" لتجنب كارثة إنسانية    جذابة.. إطلالة ساحرة ل ياسمين عبد العزيز في صاحبة السعادة- وهذا سعرها    بعد عامين من انطلاقه.. «محسب»: الحوار الوطني خلق حالة من التلاحم والتوافق بين أطياف المجتمع المصري    تحذيرات عاجلة لهذه الفئات من طقس الساعات المقبلة.. تجنبوا الخروج من المنزل    دعاء راحة البال والطمأنينة قصير.. الحياة مع الذكر والقرآن نعمة كبيرة    امتحانات الفصل الدراسي الثاني.. نصائح لطلاب الجامعات ل تنظيم وقت المذاكرة    التغيرات المناخية وآثارها السلبية في العالم العربي.. ورشة عمل بمركز الفلك بالبحوث الإسلامية    منها تناول السمك وشرب الشاي.. خطوات هامة للحفاظ على صحة القلب    «حرس الحدود»: ضبط كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر قبل تهريبها    بروتوكول بين إدارة البحوث بالقوات المسلحة و«التعليم العالي»    التشكيل الرسمي للمقاولون العرب وسموحة في مباراة الليلة    إعلام عبري: 30 جنديًا بقوات الاحتياط يتمردون على أوامر الاستعداد لعملية رفح    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد مستوى الخدمات المقدمة للمرضى بمستشفى أبوكبير    رمضان عبد المعز: فوّض ربك في كل أمورك فأقداره وتدابيره خير    طريقتك مضايقاني.. رد صادم من ميار الببلاوي على تصريحات بسمة وهبة    حجازي: مشاركة أصحاب الأعمال والصناعة والبنوك أحد أسباب نجاح التعليم الفني    الرئيس العراقي خلال استقباله وزير الري: تحديات المياه تتشابه في مصر والعراق    مستشفيات جامعة بني سويف تستقبل مرضى ومصابي الحرب من الأشقاء الفلسطنيين    رفض والدها زواجه من ابنته فقتله.. الإعدام شنقًا لميكانيكي في أسيوط    رئيس هيئة الدواء يبحث سبل التعاون لتوفير برامج تدريبية في بريطانيا    الليلة .. سامى مغاورى مع لميس الحديدى للحديث عن آخر أعماله الفنية فى رمضان    سفير روسيا بمصر للقاهرة الإخبارية : علاقات موسكو والقاهرة باتت أكثر تميزا فى عهد الرئيس السيسى    «رجال الأعمال المصريين» تدشن شراكة جديدة مع الشركات الهندية في تكنولوجيا المعلومات    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة نتنياهو في حالة اضطراب كامل وليس لديها رؤية    موعد مباريات اليوم الثالث بطولة إفريقيا للكرة الطائرة للسيدات    تأجيل محاكمة 11 متهمًا بنشر أخبار كاذبة في قضية «طالبة العريش» ل 4 مايو    اعرف مواعيد قطارات الإسكندرية اليوم الأحد 28 أبريل 2024    قضايا عملة ب 16 مليون جنيه في يوم.. ماذا ينتظر تُجار السوق السوداء؟    خلال افتتاح مؤتمر كلية الشريعة والقانون بالقاهرة.. نائب رئيس جامعة الأزهر: الإسلام حرم قتل الأطفال والنساء والشيوخ    تقييم صلاح أمام وست هام من الصحف الإنجليزية    البوصلة    إعلان اسم الرواية الفائزة بجائزة البوكر العربية 2024 اليوم    حسام غالي: «شرف لي أن أكون رئيسًا الأهلي يوما ما وأتمناها»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملامحه الأبرز.. الفكر والنظام وأسلوب الإدارة وتطبيق القانون.. "الحلم الصينى"
نشر في الأهرام العربي يوم 09 - 12 - 2014


أعد الملف: مصطفى عبادة
شهد عام 2014 ترديدا كثيرا لما يطلق عليه «الحلم الصينى»، وأصبحت الكلمة تتردد بقوة وإلحاح كأنها نغمة موسيقية، ترافق ذلك مع زيارات لوفود صينية فى مجالات الصحافة والثقافة والاقتصاد، وتبادل الزيارات الشبابية، الصين تعرف ماذا تريد منا، فهى على ثقة من أن الصراع الحضارى بينها وبين الغرب قادم لا مفر، وهى تريد حليفا لها فى هذا الصراع، تريد حليفا وليس تابعا، لأنها لا تريد أن تكرر أخطاء أمريكا والغرب فى الهيمنة، لأن الشعوب ترفض ذلك.
مصر والصين.. حضارة الأجداد تتجه ل «شراكة الأحفاد»
لم تأت ثقة الصين فى تحقيق حلمها من فراغ، فقد عملت وفق خطة محكمة، تنجز شيئا منها كل عقد تحت مسمى «النموذج الصينى»، وهو أن متوسط نصيب الفرد الآن من الدخل القومى يساوى 7000 دولار أمريكى، ويريدون مضاعفته كل عشر سنوات، وبحلول عام 2030 تكون الصين قد أكملت ما أرادت، وما تريد أولا هو أن يصبح مستوى النمو والناتج القومى الصينى معادلا لمجموع الناتج القومى لأوروبا كلها وأمريكا واليابان مجتمعين، تفعل الصين ذلك دون ضجيج، وجاءت أحداث ما يسمى بالربيع العربى، لترسخ لدى الصينيين مفهوم الدولة أكثر، فأكثر كلمة متداولة بين الصينيين الذين التقيتهم هى: الدولة، ثم الدولة، ثم الدولة، لا يمكن لمجموعة من الناس حتى لو كانوا مليونا أو اثنين أن يفرضوا توجهاتهم على بقية المجتمع، المجتمع لا يحتاج إلى الكلام، هكذا يخبرك الصينى عندما تتحدث معه عن ثورات الربيع العربى، يقول لك: المجتمع يحتاج إلى التنمية وتحسين مستوى المعيشة، يحتاج الشباب أن ينفق، ولا يمكن له أن ينفق بالأحلام، لتكن لديك دولة أولا، ثم افعل بعد ذلك ما تشاء، وإذا أردت النجاح فيجب أن تسير فى طريق خاص بك، فلا يمكن نقل نموذج خاص بأية دولة أخرى، تلك هى الخبرة الأساسية من نجاح الصين، لا تنقل النموذج الغربى أو الصينى حتى، فقط استخدمهما لتجرب وتتعلم.
وضعت الصين برنامجا للتقشف يطبق على الجميع، الكبير قبل الصغير، فقامت بتصغير مكاتب المسئولين من 60 إلى 15 مترا، وسحبت منهم العربات، ولا تكييفات فى المكاتب، وعربات الشرطة والجيش تدفع رسوم الطريق، مثلها مثل غيرها من المواطنين.
هكذا تحقق الدول أحلامها، وقد فعلت الصين ذلك، ولمعرفة كيف فعلت ذلك حققت «الأهرام العربى» الأمر من مصادره عبر لقاء ثلاثة من أهم القائمين والمتحمسين «للحلم الصينى»، وأولهم: تشانغ وى وى، الباحث السياسى والمؤلف الشهير، الأستاذ بجامعة فودان الصينية، ومدير مركز دراسات النموذج الصينى، والباحث الأول بمعهد الدراسات الآسيوية فى جامعة جنيف بسويسرا، وصاحب كتب الأيديولوجيات والإصلاح الاقتصادى فى عصر دينج شياوبينج، «وتحول الصين: الإصلاحات الاقتصادية وآثارها السياسية»، و«الصدمة الصينية: صعود دولة حضارية»، و«اللمسة الصينية.. ملاحظات وتأملات من خلال زيارة مائة دولة وغيرها.
ثم أحمد السعيد الباحث المصرى فى الشئون الصينية والذى يدرس الدكتوراه فى علم الاثنولوجيا فى كلية السياسة والقانون بجامعة «نينغشيا»، وهو مستشار ثقافى وخبير لغوى فى منطقة نينغشيا ذاتية الحكم لقومية «هوي» الصينية، والمستشار الثقافى للمعرض العربى الصينى، ومدير مؤسسة بيت الحكمة للثقافة والإعلام بالصين ومصر، شارك فى ترجمة أكثر من ثلاثين عملا من الصينية للعربية منها: منهج تعليم اللغة الصينية، و«دينغ شياو بنغ مغير الصين»، و«موسوعة الآثار الإسلامية فى الصين»، و«موسوعة الإسلام فى الصين»، و«تاريخ وثقافة مسلمى الصين، و«السيرة الذاتية لدينغ شياو بنغ»، ونظام الحكم فى الصين، وفن إدارة المؤسسات، ورواية الحجاب الأبيض وغيرها. وأخيرا كان لقاؤنا مع تشينغ لاى مسئول نشر دار «الإنتركونتننتال» أو القارات الخمس، وهى أكبر دار نشر فى الصين، والحاصل على الدكتوراه فى العلوم الاقتصادية من جامعة بكين الصينية.
هذا الملف.. لماذا؟
كان للظروف السياسية التى يشهدها العالم بشكل عام ومصر بشكل خاص، بالغ الأثر فى تطور العلاقات المصرية الصينية التى تمتد إلى عشرات السنين، فى ظل امتلاك البلدين أرضية مشتركة وخلفية ثقافية متقاربة، إضافة لوجود دوافع لدى حكومتي البلدين على ضرورة تعميق المصالح المتبادلة.
ومهدت الزيارة التى قام بها وفد صينى رفيع المستوى إلى مصر السبت الماضى إلى مزيد من التعاون بين البلدين فى مختلف المجالات، وهو ما أكده الرئيس عبد الفتاح السيسى، رئيس الجمهورية لدى استقباله الوفد الصينى، مشيدًا بالتجربة الصينية وبما حققه الشعب الصيني من طفرة اقتصادية خلال فترة زمنية قصيرة، ومشددًا فى الوقت ذاته على عمق العلاقة بين البلدين، حيث كانت مصر من أوائل دول العالم التي اعترفت بالصين، فضلًا عما يجمع البلدين من مبادئ مشتركة لإدارة السياسة الخارجية، وعلى رأسها الاحترام المتبادل وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول.
وتعتبر مصر بالنسبة للجانب الصينى بمثابة بوابة الدخول إلى قارة إفريقيا، فى حين تعتبر الصين نموذجًا فريدًا فى التنمية الاقتصادية بالنسبة لمصر، حيث حقق الاقتصاد الصينى معدلات عالية على الرغم من الأزمة المالية التى مر بها العالم، لذا يرى الخبراء ضرورة نقل التكنولوجيا الصينية إلى مصر وزيادة حجم الشراكة بين البلدين على كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية، إضافة إلى الاستفادة من تزايد عدد السائحين الصينيين الذين يزورون مصر سنويا ويقدر عددهم بحوالى 100 ألف سائح.
وتؤكد الصين اعتزازها بعلاقاتها مع مصر واعتبارها شريكًا استراتيجيًا، وهو ما صرح به منج جيانتشو المبعوث الخاص للرئيس الصينى شى جيننغ خلال لقائه مع الرئيس السيسى، وأكد السفير علاء يوسف المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية، أن جيانتشو أكد الدعوة الرسمية الموجهة إلى الرئيس السيسى لزيارة الصين خلال ديسمبر المقبل، والأهمية التي توليها بلاده لهذه الزيارة التى تهدف إلى الارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى مستوى "الشراكة الإستراتيجية الشاملة"، بما يتناسب مع تميزها وامتدادها على مدى ستين عامًا.
فى الوقت نفسه أشار المبعوث الصيني إلى قيام حكومة بلاده بتشجيع الشركات الصينية على الاستثمار فى مصر والمساهمة فى المشروعات التنموية الكبرى، بما فى ذلك مشروعات البنية التحتية، فضلًا عن مساهمة المؤسسات المالية الصينية فى تمويل العديد من المشروعات المشتركة فى المجالات.
تاريخ العلاقات المصرية - الصينية.. عملاقان فى التاريخ وشريكان الأمس والغد
- بكين صممها مهندس مسلم والصين ومصر شركاء بحكم النضال المشترك
- الصداقة المصرية الصينية بدزت مع العدوان الثلاثى والصين لا تنسى موقف موقف مصر الداعم لها
- شواين لاى أشهر شخصية صينية رسخت التعاون المشترك مع ناصر
«التاريخ الذى لا يستخدم يموت»، هكذا يخبرنا آرنولد توينبى 1899-1975، ولأن هناك تاريخا ممتدا وحافلا من العلاقات المصرية - الصينية، ينبغى استخدامه، وهو استخدام لا يبدأ من الصفر، لكنه يبنى على أسس راسخة وعميقة الجذور، عربيا وإسلاميا، ومصريا على وجه التحديد، عربيا وإسلاميا فإن مدينة بكين «العظيمة» صممها وأشرف على بنائها مهندس عربى مسلم، حتى إن الرسول وصف الصين بالعلم حينما قال فى حديث شريف: «اطلبوا العلم ولو فى الصين»، وعلم الصين علم دنيا لا علم دين، وهو ما أشار إليه أبو حيان التوحيدى فتصنيفه للأمم، إذ قال: «والصين أصحاب صنعة.. لا فكر لها ولا رواية» الكلام عن التاريخ، على طريقة الماركسية، والصين كذلك ولاتزال، معروف ومتاح للجميع، لكننا نركز فى استخدام التاريخ المشترك بين الأمتين المصرية والصينية على الحديث منه، وهو تاريخ نضال وكفاح، كافحنا كمصريين لطرد الاحتلال، كما كافحت الصين، التى تعرضت لأحط أنواع الاستعمار، فى حرب الأفيون،
حاولنا بناء أنفسنا وبلادنا وثقافتنا واقتصادنا على طريقتنا وفشلنا لأن الحروب والتدخل الأجنبى لم يترك لنا مجالا أو فرصة ثم جاء الإرهاب، وقد وضعت الحرب مع العدو الإسرائيلى أوزارها، ليكمل على ما تبقى منا، لكن الصين نجحت لأنها أغلقت على نفسها الباب فترة من الزمن بنت فيها نفسها، حتى صارت تصارع الآن القوة الأمريكية، تخلصنا وتخلصت الصين من حروب واستعمار العقل الأوروبى ثم الأمريكى، وكانت اللحظة التى وقف فيها الزعيمان جمال عبدالناصر، وشواين لاى كتفا بكتف وساعدا بساعد، وعقلا بعقل ضد التوجهات الأمريكية فى المنطقة فى فترة من تصف الخمسينيات، ذلك أن الصين لم تنس جميل مصر فى الاعتراف بالجمهورية الصينية، وتقيم علاقات دبلوماسية معها عام 1956، بعد مرو عام واحد من الاجتماع التاريخى الذى جمع عبدالناصر برئيس وزراء الصين شواين لاى فى باندونج، شواين لاى الذى قال للشيوعيين المصريين فى لقائه معهم، كيف تنظرون إلى المصلين فى الجوامع فى بلدكم، فذكروا له كلمة ماركس الشهيرة: الدين أفيون الشعوب، فحمل عليهم وطالبهم بتنوير هؤلاء، والذهاب إليهم فى المساجد، بدل ذلهم وليتهم تعلموا.
كانت مصر من أوائل الدول التى أيدت بحماس حق الصين فى استعادة مقعدها الشرعى فى الأمم المتحدة، وعبرت قيادة الثورة المصرية الأولى فى يوليو 1952 عن دهشتها لموقف الولايات المتحدة المتجاهل لجمهورية الصين الشعبية، الصين - من جانبها - وفية ولا تنسى جميل صديق، وقفت معنا ضد العدوان الثلاثى وعبرت عن موقفها صراحة جارحة فى حرب 1973، وحق مصر فى استعادة أرضها المحتلة، ودعمتنا بالمال قبل ذلك، وساندتنا فى حربنا مع أعداء كثيرين بعد تأميم قناة السويس فى 26 يوليو من عام 1956، وذلك بعد تسعة أيام فقط، وبالتحديد فى 4 أغسطس من عام 1956، حين أوضح شواين لاى أن الصين تدعم دعما تاما تأميم مصر لشركة قناة السويس، وبعدها أصدرت الحكومة الصينية فى 15 أغسطس بيانا حول قناة السويس أكدت فيه دعم الصين حكومة وشعبا للخطوة التى اتخذتها الحكومة المصرية من أجل حماية سيادة الدولة واستقلالها، وفى شهر سبتمبر من العام نفسه جددت الصين تأكيد موقفها بالنسبة لتأميم القناة فى مذكرة سلمتها للحكومة المصرية، وأضافت رفضها واستنكارها لمحاولات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة شن حرب ضد مصر لإجبارها على الرجوع عن هذه الخطة والسيطرة بالقوة على القناة.
حينما جرت الثورة الثقافية فى الصين فى السبعينيات وسحبت الصين كل سفرائها من المنطقة للمشاركة فى حركة الثورة الثقافية، أبقت على سفيرها فى مصر، فى إشارة بالغة الوضوح للمكانة التى تحتلها مصر فى السياسة الخارجية الصينية.
وفى الثمانينيات والتسعينيات دخلت علاقات التعاون بين مصر والصين مرحلة جديدة، ففى إبريل عام 1999، وضعت الأسس للعلاقات المصرية - الصينية فى القرن الجديد، وتم التوقيع من قبل رئيسى الدولتين على البيان المشترك بين جمهورية مصر العربية وجمهورية الصين الشعبية حول إقامة علاقات تعاون إستراتيجية، كما وقعا على اتفاق نوايا حول التعاون فى مجالات مختلفة، وقد ركز البيان المشترك على الآتى:
- ضرورة بناء نظام سياسى واقتصادى دولى جديد على نحول عادل ومنطقى.
- تعزيز التضامن والتعاون بين الدول النامية وتضييق الفجوة بين الدول المتقدمة والدول النامية.
- ضرورة إصلاح مجلس الأمن لتحقيق التوازن الإقليمى مع مراعاة التمثيل العادل للدول النامية.
- أهمية تحقيق السلام الشامل العادل و الدائم فى منطقة الشرق الأوسط بما يتفق مع المصلحة الأساسية لشعوبها ويخدم أيضا السلام والتنمية فى العالم، وأنه يجب الالتزام الكامل والتنفيذ الأمين للاتفاقيات الموقعة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل والتى شهد عليها المجتمع الدولى بأسره.
- ضرورة العمل الدولى على سيادة مفاهيم نزع السلام وبخاصة أسلحة الدمار الشامل بحيث تشمل شتى مناطق العالم دون استثناء أية دولة أو أية منطقة.
- إدانة الإرهاب بشتى أشكاله والتعاون فى مجال مكافحة الأعمال الإرهابية الدولية.
إذا كانت العلاقات السياسية، تعمقت فعليا فى حقبة الستينيات للنضال المشترك بين الشعبين الصينى والمصرى، فإن العلاقات الثقافية، كانت أسبق من ذلك بكثير، حيث جاءت أول بعثة تعليمية صينية فى الأزهر الشريف عام 1931، وتبع ذلك إصدار ملك مصر فؤاد الأول فى عام 1932 مرسوم بإقامة قسم خاص لقبول المبعوثين الصينيين بالأزهر الشريف، وأهوى أربعمائة نسخة من أنفس الكتب الدينية إلى مدرسة «تشنغدا» الإسلامية بالصين.
وفى عقد واحد من الزمن من 1932- 1941 زار الصين عدد من الباحثين المصريين فى مختلف المجالات وتمت إقامة روابط وعلاقات مع المؤسسات العلمية و التعليمية فى الصين، وتوج ذلك بتوقيع اتفاق التعاون الثقافى المصريى - الصينى رسميا فى 1956، تبعه توقيع ستة برامج تنفيذية للتعاون الثقافى، وفى العام نفسه تأسست جميعة الصداقة المصرية - الصينية، وقد تجاوز التبادل الثقافى المستوى الوطنى، حيث بدأ التعاون الثقافى بين الأقاليم فى البلدين، ففى شهر سبتمبر عام 1990، أقامت مدينة تشينغدا الصينية معرضا فنيا بالقاهرة، وفى 23 من أكتوبر عام 1991 تم الاحتفال بتشكيل جمعية الصداقة الصينية - المصرية فى بكين، وفى 19 يوليو عام 1994 قام نائب وزير الإذاعة والسينما والتليفزيون رئيس التليفزيون المركزى الصينى بزيارة مصر، تم خلالها الاتفاق والتوقيع على اتفاقية لتعزيز التعاون التليفزيونى بين البلدين، وفى 2 ديسمبر عام 1995، تم التوقيع على بروتوكول تعاون فى مجال التعليم خلال زيارة رئيس لجنة التربية والتعليم الصينى لمصر.
وفى الفترة من 13 إلى 17 يناير 2001، تم توقيع برنامج تنفيذى للتعاون المشترك بين مصر والصين.
وفى المجال السينمائى تم بين مصر والصين توقيع الإعلان المشترك للتعاون الدولى، فى المهرجان الدولى السينمائى الأول عبر طريق الحرير من قبل 25 دولة، وذلك فى إطار الحفل الختامى للمهرجان السينمائى الدولى الذى أقيم فى 2014.
مع أن المشروع الأهم الذى سيوثق العلاقات المصرية - الصينية مستقبلا استنادا إلى ذلك التاريخ الناصع الذى يجمع البلدين، هو مشروع «الحزام والطريق»، وهو مشروع جوانب ثقافية عميقة واقتصادية أكثر عمقا مما سيجعل منه مشروع العالم المقبل، وإذا كنا بدأنا بتوينبى فسنختم به ذلك أنه عندما كان يتكلم عن مصر فى كتابة دراسة للتاريخ، كان ينصفنا ب «الكون المصرى»، ويصف الصين بالأمة الصينية ذات التاريخ الممتد.
أستاذ العلوم السياسية «تشانغ وى وى» مدير مركز دراسات النموذج الصينى:
- الهيمنة الغربية انهارت الآن وحان دورنا فى القيادة
- تأثيرنا الاقتصادى فى العالم يتخطى أمريكا بكثير
- مطربة واحدة عندنا يفوق تأثيرها كل مطربى الغرب
- ما يسمى «بالربيع العربى» أصبح كارثة فى مصر والتدخل الخارجى أكبر من العوامل الذاتية للثورة
- مصر تحتاج الآن إلى التصنيع المكثف وليس للاقتصاد الريعى
- كلما علت السياسة فى مصر انحدر المجتمع وتدهور الاقتصاد
- سبب تدهور الوضع المصرى.. أمريكا وإيران والإرهاب
- استقرار مصر يستوجب إغلاق المجال السياسى مؤقتا
- الصين حجبت المواقع الاجتماعية كفيس بوك وتويتر لأنها تدار وتوجه من أمريكا
فى هذا الحوار يضع تشانغ وى وى يده على المشكلات التى عانتها مصر طوال أربع سنوات، وأخطاء ما يسمى بالربيع العربى، وماذا تحتاج مصر لتخرج من عنق الزجاجة، كما يشرح لنا ما هو الحلم الصينى وكيف تحقق، وعلاقات الصين بأمريكا وأوروبا وآفاق العلاقات المصرية - الصينية، والعربية - الصينية وغيرها من القضايا الخاصة بالحلم الصينى.
لماذا هذا الإلحاح بقوة على فكرة «الحلم الصينى» فى هذا التوقيت بالذات؟
بعد هزيمة الصين فى عام 1840، حدث نوع من عدم الثقة وعدم الاعتداد بالنفس وشعور بالدونية أمام الثقافة الغربية، لمدة قرن كامل، جرى فيه احتلال الصين بعد حرب الأفيون، ما تغير الآن هو أننا استعدنا الثقة فى النفس ثقافيا واستعدنا روحنا الحضارية مرة أخرى، وهذا سبب كاف يفسر لكم التغييرات التى جرت فى السنوات الأخيرة، أضف إلى ذلك النهضة الاقتصادية التى حدثت عندنا، وبعد أن أحسسنا ب «الشبع»، أى توازن الدخل، أى لا توجد مجاعات، بدأنا توجهنا الثقافى الذى نعبر به عن أنفسنا التعبير الصحيح، والذى يجب أن يعرفه الآخرون عنا.
قرأت أن الصين اتخذت قرارا منذ فترة بعدم التدخل فى السياسة العالمية بقوة قبل عام 2018، ونحن الآن فى 2014، فهل ما يجرى الآن هو التمهيد الثقافى قبل إعلان الصين نفسها قوة عظمى فى 2018؟
هناك سوء فهم فى هذا الأمر، لأن الصين لم تحدد أبدا عاما محددا للاشتراك فى الأحداث السياسية الكبرى، «دينج شياوبنج» كان موقفه الأساسى هو الانطواء على الذات، وعدم المشاركة فى الأحداث العالمية، والاهتمام بالأمر الداخلى، لكن الصين الآن أصبحت قوة عظمى، حسب التطور الاقتصادى والسياسى، وقوة دولة الصين فاقت توقعات القادة الصينيين أنفسهم، وهذا فرض علينا وجوب المشاركة فى بعض القضايا، بما تقتضيه الحالة الصينية الجديدة من القوة.
هل نستطيع القول إننا أمام إمبراطورية جديدة؟
لا بالطبع. نحن نكره هذه الكلمة، وهذا المصطلح، لأنه بمثل هذه الشاكلة من الدول تم احتلالنا ووقعت عندنا كوارث بسبب الإمبراطوريات، نحن لا نحب هذه الكلمة، ولا نريد أن نصل إلى هذه المرحلة لأنها تعنى التجبر، ونحن دعاة سلام.
هل الحلم الصينى الذى تسعون لترسيخه الآن سيحل محل الحلم الأمريكى؟
ما تقدمه الصين فى رؤية نفسها أنها دولة ذات حضارة متصلة لم تنقطع لعدة آلاف من السنين، وفى كل كتاباتى أركز على فكرة الدولة الحضارية.
أى حلم له مجموعة من الركائز فهل التطور الاقتصادى وحده هو الركيزة؟ أين الفنون والآداب؟
أولا، الصين عالم متكامل، وليست دولة، عدد السكان لدينا مليار وثلاثمائة مليون، وهو ما يتجاوز عدد سكان الغرب بكامله، فإذن الثقافة الصينية قوية جدا فى الداخل، ولا نحتاج إلى أن نؤثر فى الخارج بهذه الطريقة، فالمغنى عندنا أو الممثل أو الفيلم الصينى يلقى رواجا كبيرا جدا، أى تؤثر فى مليار وثلاثمائة مليون شخص، فأين أى فن أو ثقافة يمكنها التأثير أو حتى تملكه فى مثل هذا العدد، عندنا مطربة اسمها «تريزى تن»، تغنى بخمس لغات، وهى مؤثرة جدا، وتشبه حالة فيروز فى الوطن العربى، فإذا عقدت مقارنة بينها وبين أى مطرب غربى آخر فهل يملك التأثير فى مثل هذا العدد؟!
أنا لا أقصد تأثير الثقافة داخل الصين، لكن التبادل والعلاقات بين الدول يسودها مثل هذا التبادل الثقافى، وهو ما تفعلونه الآن؟
هناك ما يسمى بالقوة السياسية الصينية الناعمة، وقد كان هناك نموذجان، هما الغربى والسوفيتى، سقط السوفيتى، وبقى النموذج الغربى، لكن لم يكن النموذج الصينى قد ظهر بعد، الآن ظهر النموذج الصينى، فإذا نظرت إلى حالة الدول المحيطة بالصين، روسيا، الهند، كوريا الشمالية ستجدها تتأثر بدرجات متفاوتة بالنموذج الصينى، ما أقصده أن النموذج الصينى الميزة الأولى فيه أنه يتمتع بالقوة الناعمة، النموذج الأمريكى خشن غاشم حتى ثقافيا هو غاشم واحتكارى، نموذجنا يتوغل ببطء، والقوة الخشنة «الغربية كلها» تسقط الآن، القوة الناعمة التى نمثلها تتوغل تدريجيا، وتصعد تدريجيا.
سمعت كثيرا مصطلح «النموذج الصينى».. ما ملامح هذا النموذج، إنه يتردد وكأنه تميمة حظ؟
هو كتلة صينية خالصة من الفكر والنظام وأسلوب الإدارة، أفكار، تطبيقات، نظم فى كل المجالات.
كيف ستنقل هذه الأيقونات إلى الشعوب المستهدفة بالتأثير؟
ما حدث من تطور فى ال 35 عاما الماضية كان يعتمد على مقولة واحدة لدينج شياوبنج وهى: استخلاص الحقائق من الوقائع، نحن لا نؤمن بأية مدرسة فكرية، سواء السوفيتية أم الغربية، نحن نرى ما يناسبنا ونستخلص منه الحقيقة، وتكون هى حقيقة النموذج الصينى.
كيف لا تؤمنون بالنموذج السوفييتى والحزب الشيوعى هو الحاكم فى الصين وهو حزب ماركسى فى الأساس؟
ما تقوله صحيح، لكننا الآن عدلناه ليصبح المجتمع الاشتراكى ذا الخصائص الصينية، نحن اختلفنا كثيرا عن النموذج السوفيتى، فهو أى السوفيتى كاشتراكى خالص كما قال ماركس، أضفنا إليه النكهة الصينية ليصبح لدينا مجتمع له خصائص شيوعية صينية.
تم تدعيمه بالقطاع الخاص مثلا أليس القطاع الخاص من المحرمات فى الصين؟
الاقتصاد السوفيتى مغلق ونحن اقتصاد منفتح، نحن أكبر دولة تجارية فى العالم، نحن أكبر دولة خرج منها سائحون إلى كل الدول العام الماضى بلغ عددهم مائة مليون سائح صينى، وكثير من دول العالم الآن تعيش على نفقات الصينيين أى ما ينفقونه خلال رحلاتهم السياحية، فى سبع دول أوروبية الآن كل المحلات لديها موظفون صينيون لكى يتعاملوا مع نظرائهم القادمين إلى هذه الدول، نظرا للغة الواحدة التى تيسر عملية البيع والشراء، لأن المستهلك الأول فى العالم الآن هو المواطن الصينى.
وتأثير الصين الاقتصادى فى العالم الآن يتخطى أمريكا بكثير، لأن المواطنين الصينيين عندما ارتفع مستواهم الاجتماعى وزاد داخلهم بدأوا ينفقون فى الخارج كثيرا، ومع الدول المحيطة بالصين نحن الشريك التجارى الأكبر مثل البرازيل، كوستاريكا، تشيلى، الأرجنتين، وحجم تعاملنا التجارى مع إفريقيا يتخطى أمريكا بمراحل، وتأثيرنا فى العالم أكبر، وسيصبح أكبر.
مع ذلك ومع كل ما تقول لا نرى فى مصر إلا العمال الصينيين الذين يحملون بضائعهم على أكتافهم ويطرقون أبواب المنازل وحالتهم يرثى لها؟
أولا نحن دولة كبيرة جدا، ومن الطبيعى أن يوجد لدينا فقراء، ونحن لا نخجل من ذلك، وإذا طالعت التقرير العالمى الخاص بالسياحة والسياح، ستجد أن أعلى معدل إنفاق لسائح هو للسائح الصينى، ففى المرة الواحدة التى يخرج فيها، ينفق ألف وخمسمائة دولار، ولك أن تتقصى هذه المعلومات، إنما وجود فقراء لدينا يخرجون للعمل فى مصر وفى غيرها من الدول العربية، فهذا لا يلغى القاعدة الأساسية وهى كم التطور الهائل الذى حدث لدينا.
برغم هذه القوة التى تتحدث عنها، نحن نشعر فى مصر بأن موقفكم معنا لم يكن بالقوة التى نأملها على المستويين السياسى والاقتصادى؟
أى دعم مشترك بين دولتين يعتمد على الطرفين، والوضع فى مصر غير مستقر، ودائما غير مستقر. ما تحتاجه مصر حاليا هو التوجه إلى الصناعة بكثافة لإيجاد فرص عمل، وما يسمى بالربيع العربى فى مصر سببه الرئيسى هو البطالة. الشباب يريد أن ينفق لكى يتحقق ذلك فى مصر، كما فعلنا فى الصين، وفى إفريقيا وأماكن أخرى، يحتاج إلى دولة مستقرة، لكى أشجع المستثمرين لدينا على افتتاح مشروعات يشجعون بها الصناعة المحلية، وأى دولة لكى تستقر تحتاج أن تتوازن الحالة الاجتماعية والاقتصادية، مع الحالة السياسية، حقيقة الوضع فى مصر أن الحالة السياسية فى مصر فى وضع فوران، ونظام المجتمع ينحدر، وهذه هى النتائج الأسوأ والأكبر لما يسمى بالربيع العربى.
ما جرى فى مصر، عدم استقرار كامل، وسبب ذلك هو التدخل الخارجى الفج من أمريكا وإيران وقوى التطرف، من أجل استقرارك يجب أولا أن تمنع التدخل الخارجى، ثم تخلق حيزا سياسيا خاصا بك تتحرك فيه لكى تبنى مجتعا مستقرا.
الصين كقوة عظمى، كما تقول تعلم ما يحاك للمنطقة وعلى رأسها مصر، فهل تنتظرون حتى تستقر الأوضاع حتى تأتى إلينا لكى تتعاملوا معنا كمجرد سوق ، أين موقفكم الداعم لنا ضد التدخل الخارجى، ما حاجتنا إليكم إذا كنا مستقرين؟
الصين ليس لديها هذه المقدرة حاليا، ليس لديها المقدرة على التدخل بهذا الشكل حاليا، هذا يحتاج إلى عدد كبير جدا من الصينيين الذين يتقنون اللغة العربية والذين يعرفون الوضع العربى جيدا، والوضع العربى بشكل خاص، وضخ كبير للأشخاص والخطط والأموال لكى نحقق لكم ما تريد، وليس لدينا المقدرة الآن، لكننا نعمل على تحقيقها، إن ما نستطيع تقديمه هو الأفكار والاقتراحات ونساعدكم بشكل أو بآخر على تنمية التجارة والاقتصاد ونقدم بعض المساعدات المحددة، الأهم هو أن يختار المصريون بأنفسهم ما يريدون، ومن يريدون أن يقف معهم.
لكن الدعم السياسى لا يحتاج إلى كل ذلك، كنا نحتاج إلى الدعم ضد ما يروج من أن ما جرى فى مصر فى 30 يونية انقلاب، لأننا ب 30 يونية أفسدنا المخطط الأمريكى لتفتيت المنطقة وهو ما يصب فى مصلحة الصين أيضا، كقوة عظمى ناهضة؟
الصين تتفهم جدا ما حدث فى مصر، لكن أن تأخذ موقفا واضحا وصريحا ومعلنا، هو أمر صعب يتعارض مع مبادئها الحالية، فى عدم التدخل فى شئون الدول، لكن الصين تتعامل مع أى حكومة موجودة فى مصر مادامت تعمل لصالح الشعب المصرى وتدعمها إذا طلبت ذلك، إذا كانت الحكومة لديكم تحتاجنا فلتخبرنا بذلك، لكن لن نطلب نحن أن ندعمكم بشكل مباشر، لقد سرتم فى طريق خاطئ وأنتم تدفعون ثمن ذلك الآن.
منذ متى بدأ هذا الطريق الخاطئ فى رأيك؟
منذ أربع سنوات، منذ بدأ ما يسمى بالربيع العربى الذى نادى بديمقراطية رومانسية، إنها ديمقراطية الغرب غير الواقعية، الديمقراطية لا تعنى شيئا لشعب جائع، ما بعد الثورة كل ما حدث أنكم غيرتم أسماء زدتم الوضع القديم سوءا، أنتم حلمتم، وقمتم بخطوة، والحلم لايزال حلما، والواقع ازداد سوءا، أى دولة لكى تتغير، تحتاج إلى مرحلة زمنية أو مراحل، التغيير لا يحدث مرة واحدة والتغيير لا يأتى بالضغط، وإنما بخطط تحتاج إلى سنوات، ما حدث فى مصر غير منطقى.
سأضرب لك مثلا، فى عام 1911 قامت ثورة فى الصين أسقطت أسرة تشين الحاكمة، وكانت الديمقراطية الرومانسية الصينية، وما حدث بعدها هو فوضى اجتاحت الصين، ثم ما رغبناه من ديمقراطية أو نهضة حقيقية لم يحدث إلا عام 1979، عندما بدأت الصين الإصلاح والانفتاح، وظللنا فى الصين 70 عاما نعانى توابع الثورة الرومانسية فى 1911.
ما النموذج الديمقراطى الذى تتخيله ويناسب العالم العربى؟
بصرف النظر عن أى أسلوب ديمقراطى أو سياسى يتخذ، أعتقد أن النقطة الفاصلة والجوهرية هى ما يريده الشعب وما يريده أى شعب هو تحسن مستوى المعيشة بشكل مستمر، ما يريده الشعب هو الأمان، ودولة قوية، هذا هو الأهم، النموذج الديمقراطى السياسى ليس هو المهم، الأهم هو النتائج، وفى كل مرة أتحدث فيها مع الأمريكيين والغربيين أقول لهم لا تصدروا ديمقراطيتكم للخارج، إذا كنتم تريدون المساعدة اذهبوا إلى هذه الدول، وانظروا ما يحتاجه الشعب، وساعدوه على تحقيقه، إنه يحتاج إلى التخلص من الفقر، وذلك يكون بالتنمية وليس بالديمقراطية.
الفكر السياسى العالمى خصوصا الأوروبى الذى ترتب عليه هذا النوع من الديمقراطية هل ترى أنه تحلل أو وصل إلى لحظاته الأخيرة؟
الهيمنة الغربية على العالم تتداعى الآن سياسيا واقتصاديا، تتداعى إلى درجة تصل إلى مرحلة المساواة مع غيرها من النماذج الأخرى، لم يعد الغرب الآن هو الأعلى وبقية الشعوب فى الأسفل، الآن تصعد نماذج مثل النموذج الصينى والهندى، والبرازيل تصعد، إلى أن يصل الأمر إلى المساواة بين النموذج الغربى والنماذج الأخرى، بحيث يكون هناك نظام عالمى لا يقوم على الهيمنة الغربية فى الفكر أو السياسة أو الثقافة أو الاقتصاد، وأقول لك: الغرب قادنا وأثر فينا، ونحن سنسحبه مرة أخرى ونؤثر فيه.
كيف تسحبونه وتؤثرون فيه؟
الصينيون الآن هم مستهلك ثقافى من طراز رفيع، نحن أكبر سوق لشراء اللوحات التشكيلية ونحن من سنحدد من سيصعد ومن سيسقط، كذلك فإن اللوحات الفنية فى الصين أسعارها خيالية، وبالتالى ستحدد هى من يتبعها أو لا يتبعها، فالسياسة والاقتصاد تتبع الفنون.
أغلب شركات التصميم وخصوصا فى مجال البناء والعمارة تخرج من الصين، إحدى الوكالات أعدت تقريرا عن أن مدينة «روخان» أنفقت على البناء (وهى مدينة صغيرة) أكثر مما أنفقت إنجلترا، إذن الصين تبنى، ولديها أموال، فأنا كشركة تصميم أنظر إلى ما يحبه الصينيون فى بيوتهم وأصممه لهم.
لكن الصين فكريا توقفت عند الكنفوشيوسية، وليس لديها فكر فلسفى؟
كل قادة الصين هم فى الأساس مفكرون، وهناك مفكر كبير لدينا هو «فنغ يوو لان»، قالت عنه رئيسة كوريا الجنوبية إنها تعلمت كل مبادئها الفكرية والفلسفية منه، ولديه كتاب مهم اسمه «الموجات الصينية»، وهذا الكتاب أثر فى رؤية الغرب للصين، وقلب بعض الموازين الفكرية فى الغرب، لكنكم تركزون فى ترجمة الأفكار عن الغرب.
أخيرا ما الذى استفادته الصين من الربيع العربى؟
أن تتمسك الصين باستقلالها المطلق، ولا تسمح لأي دولة بالتدخل فى قراراتها، والصين تقوم بحجب مواقع التواصل الاجتماعى على شبكة الإنترنت مثل الفيس بوك وتويتر لأنها ترى أن هذه المواقع تدار وتوجه من أمريكا، الصين تحب أن تكون كل توجهاتها وأجندتها فى يدها وعن طريقها بنفسها، بالإضافة إلى أن الدول العربية التى قامت فيها ثورات سميت ب «الربيع العربى» انتقلت إليها عدوى الديمقراطية الغربية، وفقدت القدرة على الاستقلالية، فمن يأخذ نقودا من الولايات المتحدة عليه أن يستمع إلى كل ما تمليه عيه وفقط، وقد أخبرت «فوكوياما» فى مناظرتى معه عام 2011 عندما قال إن الربيع العربى سيمتد إلى الصين، أخبرته أنه سيتحول فى البلاد التى جرى فيها إلى شتاء طويل، وقد حدث.
تشينغ لاى مسئول نشر «القارات الخمس»:
- الحلم الصينى هو الثراء والحرية المسئولة
تشينغ لاى شاب بسيط فى تعاملاته، صريح إلى أقصى درجة ومتواضع، ومع ذلك لا ترتفع عينه عن جهاز الموبايل، من خلاله يدير كل أعماله، يحجز تذاكر الطيران ويحول الأموال، ويتابع عمله، هو حاصل على الدكتوراه فى العلوم الاقتصادية، ويؤمن بأحلام بلده ويسعى إلى تحقيقها، ينكر ذاته فى كل شىء، لا يقول أنا، بل نحن.
أولا نريد أن نتعرف على دار نشر «القارات الخمس»؟
الإنتركوننتال أو القارات الخمس هى دار نشر متخصصة فى النشر باللغات الأجنبية ونادرا ما تنشر باللغة الصينية، وهى تنشر باثنتى عشرة لغة داخل الصين، وتباع كتبها داخل الصين وخارجها، كما أن لدينا اتفاقيات تصدير لأغلب دول العالم.
وهل هناك قراء باللغات الأخرى داخل الصين؟
نعم الجاليات الأجنبية لأنه ممنوع بيع الكتب الأجنبية فى الصين الواردة من الخارج، كما أن بعض الصينيين يقرأون بلغات أخرى، وهناك دارسون وعاملون أجانب فى الصين يحتاجون إلى أن نوفر لهم الكتب، ونحن المصدر الأساسى والوحيد لهذه الكتب.
كم دار نشر داخل الصين؟
أكثر من 500 دار نشر تابعة للحكومة فلا يوجد نشر خاص فى الصين، لكن يوجد لدينا عشرات الآلاف من شركات الثقافة التى تخطط للكتب، لكن عندما تريد النشر، يكون ذلك من خلالنا.
كم عدد المطبوع من أى عنوان عندكم؟
لو كان كتابا مطلوبا نطبع منه حوالى خمسين ألف نسخة، ولو كان الكتاب لكاتب جديد غير معروف نطبع عشرة آلاف نسخة، وبعض العناوين عندنا تتخطى مبيعاتها مليونى نسخة.
وكيف تعرف أن هذا الكتاب مرغوب؟
يصعب التوقع، لكننا نطبع مبدئيا عشرة آلاف نسخة من أى كتاب، ثم إذا راج أو أصبح مرغوبا نقوم بطبعه حتى تشبع السوق.
حتى لو طبعتم ثلاثة ملايين نسخة من أى كتاب فهذا رقم قليل جدا بالنسبة لشعب تعداده مليار وثلاثمائة مليون نسمة؟ ما يعنى أن القراءة ضعيفة جدا فى الصين؟
نادرا ما يقرأ الصينيون الكتب الورقية، أنت تسألنى عن المطبوع من النسخ الورقية، لكن إلكترونيا الأمر مختلف، فبعض الكتب يتم تحميل 500 مليون نسخة منها، القراءة الإلكترونية رائجة جدا عندنا.
ما أبرز الموضوعات التى يركز عليها النشر عندكم؟
دور النشر الصينية متخصصة، هناك دار نشر خاصة بالأطفال، وفى المجال الاجتماعى هناك من يختص بذلك، وكذلك المجال العلمى والأدبى كل دار تختص بمجال، إنما دور النشر المجمعة عددها قليل جدا، أى التى تنشر فى كل المجالات مثلما هى الحال عندكم فى العالم العربى.
أى الكتب رائجة فى التوزيع السياسية أم الأدبية؟
المنتشر هى الكتب التى تدعمها الحكومة، وهى كتابات القادة الصينيين العظام، أما فعليا على الأرض فالأكثر توزيعا هو الأعمال الأدبية تليها كتب التنمية البشرية، ثم كتب العناية بالصحة والطب التقليدى الصينى، ثم بعد ذلك كتب الأطفال.
وأين الكتب السياسية؟
هى ضمن النوع الأول الخاص بالكتب التى تدعمها الحكومة، وغالبا هى الكتب التى تريد الحكومة للناس أن يقرأوها.
أشهر كاتب صينى يوزع كم نسخة من عمله؟
لا توجد إحصائية لذلك، لكن فى الغالب أشهر كاتب ممكن أن يوزع خمسة ملايين نسخة من روايته، ويحصل المؤلف على نسبة 12٪ من ثمن بيع الكتاب، وبعض الكتاب تصل نسبتهم إلى 20٪ لكنهم قليلون جدا.
مثل من؟
مويان، سوتونج، وهناك قائمة تضم ثلاثين كاتبا هم الأشهر فى الصين الآن.
ألا ترى أن ثلاثين كاتبا مشهورا عدد قليل جدا فى أمة كبيرة؟
لا. هؤلاء هم المجمع عليهم من عموم الشعب الصينى، لكن عشرات آلاف الكتاب المحليين، وكل منطقة لها كتابها، بل كان مقاطعة فيها كتاب، فإذا اشتهروا فى مقاطعاتهم يتم الاعتراف بهم على مستوى عام، نحن ننشر مائتى ألف عنوان فى العام وهذا عدد مهول.
كيف ترى التعاون العربى الصينى فى مجال النشر؟ وهل جاء وقته أم تأخر؟
هذا هو الوقت المثالى لتحقيق تعاون ثقافى صينى عربى جيد للخلفية السياسية والدعم القوى الذى تقدمه الحكومة الصينية، حين طرحت مشروع الحزام والطريق، وهو مشروع اقتصادى كبير خاص بطريق الحرير، وبالتالى لكن نحقق التعاون الاقتصادى القوى لابد أن ندعم ذلك التعاون الثقافى مع دور النشر العربية.
ماذا تقدمون لدور النشر العربية، وماذا تريدون منها؟
نريد من دور النشر العربية أن تتحمس للكتب الصينية، وأن تعمل على نشرها فى بلدانها دون ضغوط، أى دون ضغط على القارئ وفرض هذه الكتب عليه، مهمة دور النشر العربية هى، أن يحب القارئ العربي الثقافة الصينية ويقبل عليها، أما ما نقدمه نحن، فكل الأقسام داخل الحكومة الصينية لديها مشروعات مستقلة لدعم التعاون والمشروعات المشتركة مع العرب، دعما ماديا ودعم الترجمة بشرط ألا يتم طبع مائتى نسخة من الكتاب ووضعها فى المخازن، دعمنا لكى يصل الكتاب بشكل عادل تبعا لمتطلبات السوق إلى القارئ العربى.
من أشهر الأدباء العرب فى الصين؟
الأدباء الذين يحصلون على جوائز عالمية أو إقليمية تنشر أعمالهم بشكل تلقائى مترجمة فى الصين، لأننا نتتبع الجوائز العالمية، وننقل لقرائنا ما يهتم به العالم، بالإضافة إلى الكلاسيكيات العربية.
ما مدى قابلية «الحلم الصينى» الذى طرح أخيرا للتحقق وما مداه الزمنى؟
الحلم الصينى طبقات، فكل طبقة من المجتمع لديها حلم صينى مختلف، فالحلم الصينى على مستوى القادة غيره على مستوى الحكومة والدولة كاملة حلمها هو نهوض الصين، وحلمى الشخصى هو الثراء والحرية، ولكى نساعد المواطن على الإسهام فى هذا الحلم تعطيه الدولة الأمان والاستقرار، والمواطن يسهم فى الاستقرار حين يلتزم بمبادئ الدولة والقانون، وهناك مثل صينى يقول: إذا دخلت الامتحان وأنت تطمح فى الحصول على مائة درجة فستحصل على 90 درجة أو أكثر، لكن إذا كان هدفك هو خمسين درجة فقط فلن تحصل إلا على الخمسين، لقد وضعنا لأنفسنا حلما صعبا، لكى نسعى إلى تحقيقه أو تحقيق الجزء الأكبر منه، وأعتقد أنه سيتحقق.
متى يمكن تحقيق الحلم الصينى؟
ليس هناك نهاية واضحة للحلم الصينى لأنه سيتغير مع كل عقد أو فترة زمنية فكل فترة زمنية سيظهر حلم صينى جديد حتى نكمل كل أحلامنا.
مسئول التعاون الثقافى الصينى العربى «أحمد السعيد» مدير بيت الحكمة:
- الصين بدأت حلمها ولن تتوقف وقريبا ستصبح القوة الأعظم فى التاريخ
- الصين ترى فى جائزة نوبل «لمويان» اعترافا بقوة الوضع الصينى
- الغرب يحرص على أن يظل العالم العربى متخلفا ويكره من ينقد هذا التخلف
أحمد السعيد، أسس منفردا «دار الحكمة فى الصين» لتعريف القارئ العربى بالثقافة الصينية، ووضع المسلمين فى الصين، وهو موضوع شائك، فضلا عن ذلك فهو مستشار ثقافى فى مقاطعة «نينغشيا» يتميز بالطموح والمثابرة ، وقد أعد كتاب «النموذج الصينى» الذى طرح فيه كل الأسئلة التى تدور فى أذهان العرب حول الصين وحلمها الكبير وسماه «النموذج الصينى».
مشروع التعاون العربى الصينى للتبادل الثقافى الذى يأتى ضمن مشروع الحلم الصينى، متى بدأته؟ ولماذا الآن تم الإعلان عنه بهذا الشكل المكثف؟
على مدار ثلاثة عشر عاما عندما بدأت علاقتى باللغة الصينية كمتعلم لها فى جامعة الأزهر، تعرضت كثيرا للعديد من الأسئلة لماذا اللغة الصينية؟ ولماذا الصين، ووجدت أن هناك سوء فهم رهيبا لدى المواطن العربى للصين، وهذا لفتنى إلى أن الصين دولة فاشلة فى تعريف نفسها إلى الآخرين وفى شرح وضعها على حقيقته، وبعدما جرى فى مصر بعد يناير 2011، وحيث إن المصريين لم يراعوا بشكل صحى فكرة «الدولة» وهانت عليهم، وكنت فى الصين أعرف وأسمع دائما: الدولة ثم الدولة ثم الدولة، فأردت أن أوضح النموذج الصينى فى احترام قدسية فكرة الدولة القوية الموحدة وتمنيت وأتمنى أن نراعى ذلك فى مصر.
كيف استقبل الصينيون فكرة عملك على كتاب «طريق الصين.. سر المعجزة»؟
كان على أن أكسب ثقتهم أولا، لأنهم لا يثقون فى أحد قبل فهم دوافعه، وأنا فى خلال 3 سنوات ترجمت ثلاثين كتابا، ولدى شركة ثقافة هناك أخرجت أكثر من ثلاثمائة كتاب، أثبت لهم أن ما أسعى إليه هو تعاون ثقافى قائم على العدالة والمساواة بين الطرفين دون هيمنة طرف على آخر.
هل هذا العمل جزء من فكرة «الحلم الصينى»؟
بالضبط، وإذا سألتنى ما الحلم الصينى، سأقول لك إن كل مواطن الآن لديه حلم صينى، ولا يوجد مصطلح فى الصين باسم «الحلم الصينى»، هناك رغبة أن يكون الدور الصينى فى العالم، خصوصا فى الشرق الأوسط مؤثرا، وأن نصل إلى حلف شرقى صينى عربى، يحل محل الحلف الأمريكى الغربى فى المنطقة، هذا بالنسبة لى كعربى.
وكيف يترجم الصينيون هذا الحلم على أرض الواقع؟
بدعم المشروعات الجادة والحقيقية مثل مشروع التبادل الثقافى العربى الصينى الذى بدأته أنا من خلال بيت الحكمة فى الصين، وبدعم مشروعات الترجمة والتقارب العربى الصينى، عندما ذهبت إلى الصين كنت مسئولا عن «منتدى التعاون الاقتصادى بين الصين والدول العربية»، الذى وقعت اتفاقياته بين الصين والجانب العربى فى جامعة الدول العربية عام 2000، وتوليت عملية الترجمة بين الطرفين، وبعد انتهاء أعمال المنتدى سألت الجانب الصينى: كيف ستقومون بمشروعات اقتصادية وسياسية فى الوطن العربى دون ثقافة؟ فأجابوا وكيف ننمى الثقافة بيننا؟ ومن هنا أتت فكرة منتدى للناشرين العرب والصينيين، وظل الأمر محل جدال إلى أن حصل على الموافقة وعقدنا أول لقاء فى عام 2011، بين اتحاد الناشرين العرب، والناشرين الصينيين وكان أول لقاء مباشر بين الناشرين من الطرفين فى التاريخ هذا اللقاء أسفر عن 271 اتفاقية تعاون فى مجال النشر، وكانت العقبة الرئيسية التى أخرت التنفيذ هى أن مجال النشر فى العالم العربى كله قطاع خاص، وفى الصين دور النشر كلها حكومية فى العالم العربي نعمل بشكل فردى، هناك كل شىء جماعى، وتم حل هذا الأمر بأن تقدم الحكومة الصينية دعما للترجمة من الصينية إلى العربية، وبناء عليه أسست بيت الحكمة الثقافى فى الصين لأعيد أمجاد بيت الحكمة القديم الذى أسسه الخليفة المأمون سنة 101 هجرية، لكى تنقل الوضع العربى إلى الجانب الصينى، وتنقل الحضارة الصينية إلى العرب، بحيث يحدث التأثير المتوازن بين الطرفين، ومن خلال بيت الحكمة أصدرنا منذ 2011 حتى 2014 حوالى ثلاثمائة كتاب تم ترجمة مائة كتاب منها، وهو ستة أضعاف ما صدر منذ عام 1951 حتى 2011، وأهم هذه الكتب هو الإسلام فى الصين الذى يدرس أوضاع أقلية خوى المسلمة، وما دفعنا للنجاح الكبير هو حاجة السوق العربية لمعرفة أحوال الصين، وكذلك الدعم الكبير الذى قدمته الحكومة الصينية فى هذا المجال.
هناك حمى تجتاح العالم الآن لتعلم اللغة الصينية هل تقف الحكومة وراء ذلك؟
السبب الأهم هو حاجة العالم لتعلم تلك اللغة نظرا لازدهار التجارة فى الصين، فأنت كدولة يأتيك مئات الآلاف من السياح الصينيين، تحتاج للتعامل معهم بلغتهم، ولابد أن يكون لديك مرشدون سياحيون يجيدون الصينية، وكذلك حاجة الصين لنشر لغتها وحضارتها، لأنها تعلمت من التجربة الأمريكية التى حاولت فرض لغتها وطمست بعض اللغات والحضارات، الصينيون يريدون الانتشار الهادئ والناعم المبنى على المنفعة المشتركة.
فى هذا السياق جاءت فكرة جائزة الإبداع الخاص فى مجال الكتابة؟
نعم وحصل عليها عشرة من مختلف بلدان العالم مثل ألمانيا وأمريكا والمكسيك، وحصل عليها من مصر د. محسن فرجانى، وكان الترشيح لها يتم من قبل السفارات الصينية فى الخارج، وأهل الثقة داخل الصين، هذه الجائزة تحاول تكريم من يقدمون الثقافة الصينية إلى لغاتهم بشكل عادل، والجائزة تتبع الهيئة الوطنية الصينية للنشر والإعلام والصحافة.
هل هناك جوائز أخرى فى الطريق؟
هناك جائزة يقدمها مكتب التعاون الخارجى النابع لهيئة الخبراء الأجانب، الذى يختار كل عام حوالى عشرة خبراء يعينهم فى منصب شرفى، ويمنحهم شهادة شرفية كخبراء فى نشر الثقافة الصينية فى الخارج.
لماذا تتخذ الصين دائما موقفا عدائيا من كتابها الذين يحصلون على جوائز نوبل؟
هذا بالتحديد جرى مع نوبل للسلام فى 2010، لأن من حصل عليها وهو ليوشياو بو ويمثل النسخة الصينية من المصرى سعد الدين إبراهيم، وهو أستاذ فى علم الاجتماع وأنشأ مركزا مثل سعد الدين إبراهيم على شاكلة ابن خلدون وتتمحور كتاباته حول، أن الصين يجب أن يتم احتلالها مرة أخرى لمدة 300 سنة حتى تتخلص من هيمنة الكنفوشيوسة والفكر الصينى العقيم، ثم تتقدم نحو الحداثة، ويرى أن نموذج هونج كونج يجب تطبيقه فى الصين، هذا رجل يدعو إلى فرض الهيمنة الغربية على الصين فى الوقت الذى ينهار فيه الغرب وتتحلل هيمنته، فكان من الطبيعى، والأمر كذلك، أن ترفض جائزة نوبل التى منحت له من قبل الصينيين، وكان حصوله على الجائزة مثار اندهاش كبير، وكان تفسير الصينيين للأمر، هو إما أن جائزة نوبل لم تقرأ كتابات ليوشياوبو وهذا يدل على أنها لجنة لا تقرأ وغبية، وتعطى جوائز لمن لا تعرفه، وإما أنها قرأت وهى تدعمه فى هذا الموقف، وهو تدخل فى الشأن الداخلى الصينى.
هذا بالنسبة لنوبل السلام، ماذا عن نوبل الأدب؟
فى سنة 2000 لم تكن هناك مشكلة على الجائزة فمن حصل عليها هو كاوشينج جيان، وهو صينى يعيش فى فرنسا، وأخذ الجائزة بجنسيته الفرنسية وليس لدى الصين مشكلة فى هذا الأمر، مادام حصل عليها بتلك الصفة، وفى 2012 لم يكن من المتوقع حسب بعض الأراء أن يكون هناك كاتب صينى سيحصل على الجائزة، وهو لويان وكان الرد الصينى هو أننا يجب أن نضع جائزة نوبل فى حجمها الطبيعى، ولا نعطيها أكثر مما تستحق من اهتمام «مويان» نال الجائزة لأنه أكثر الأدباء فى الصين ترجمة للغات الأخرى، مويان هو نائب رئيس اتحاد الكتاب الصينيين، وتم ترشيحه من قبل الاتحاد، وكان بالتالى أول من عرف بفوزه وهنأه لحصوله على الجائزة، والحكومة الصينية لم يصدر عنها أى تصريح يمدح الجائزة، ولكنها شعرت، أن جائزة نوبل بدأت تعدل من نفسها وتعترف بقوة الوضع الصينى ولك أن تعلم أن سوق القراءة فى فرنسا اهتمامها الأول هو الأدب الصينى، وهو هناك مقروء بشكل مكثف أما عدم معرفتنا الجيدة نحن بالأدب الصينى، فهذا سببه عدم وجود كفاءات تترجم هذا الأدب، ففى مصر مثلما لا يوجد أكثر من ستة أشخاص يستطيعون ترجمة الأدب الصينى، الأدب الصينى قوى ومؤثر وبدأ انفتاحه الحقيقى فى بداية هذا القرن، لكنه انفتح مع الغرب، وليس علينا، لأننا كمجتمع عربى لا تأثير لنا فى العالم وهذا شىء مهم، فأنا كصينى عندما أحب أن يعرفنى الناس فلمن أتوجه إلى الغرب أولا بالطبع، ولهذا يسعى أغلب الأدباء الصينيين أن يترجم أدبهم إلى اللغة السويدية، ثم بعد ذلك يترجم إلى العربية أو لا يترجم ليس مهما، وهذا دورنا الذى ينبغى أن نحرص عليه.
وكيف يحرصون على ترجمة أدبهم إلى السويدية، حيث مقر لجنة جائزة نوبل، وفى الوقت نفسه يشكون فى جائزة نوبل؟
الحكومة تشك، إنما الكتاب أنفسهم حريصون عليها، لكن الجميع يعترف بأن نوبل فى بعض دوراتها تفتقد للمصداقية، وخير مثال على ذلك أدونيس الذى ظل على قوائم الترشيح لمدة ربع قرن، ولن يحصل عليها لأنه يهاجم التخلف العربى، وهم حريصون على أن نظل كما نحن.
لكن هناك الكثير من الكتاب مصادرون فى الصين؟
بعض الأدباء الصينيين المؤمنين بالانفتاح والديمقراطية الغربية، يكتبون فى هذا النمط، دون النظر إلى استقرار الوضع الداخلى لمجتمعاتهم، وأهم شىء تحرص عليه العين هو استقرار المجتمع من الداخل ومنذ أسابيع حصل، يان ليان كو على جائزة كافكا فى الأدب وله رواية ممنوعة فى الصين، والكاتب الصينى الحاصل على بوكر الآسيوية له رواتيان ممنوعتان فى الصين، الصين تمنع وتحتوى، حتى الأدباء الموجودين فى الخارج يعودون إلى الصين بشكل طبيعى.
ما الذى يريد أن يقدمه لنا النموذج الصينى بالضبط؟
يريد أن يقول لنا إن الديمقراطية ليس معناها أن يقف المواطن أمام الصندوق ويكتب فى ورقة، من يريد وهذه الورقة تؤثر على غيره فى المجتمع، المجتمع له متطلبات أكثر من ذلك، ليس الصندوق هو من يعبر عنها.
وما الذى يمكن أن يعوق تحقق هذا النموذج الصينى؟
الفساد والمحسوبية، ولأن هناك أفضيلة لأعضاء الحزب الشيوعى، وبدأوا يتداركون هذا الأمر فى عهد الرئيس الحالى، وهو من منظرى الصين الكبار مثل ماوتسى تونج، وهو الآن يركز على حل مشكلة سوء الإدارة، ويحارب الفساد بقوة عبر لجنة الانضباط داخل الحزب الشيوعى الصينى، منذ 2011 إلى اليوم يتم القبض كل شهر على أكثر من خمسة من المسئولين الصينيين وتقديمهم للمحاكمة، وبعض الأحكام تصل إلى الإعدام، كما أن الرئيس الحالى أدخل نظام الانتخاب فى اختيار القيادات داخل الحزب والمسئول الذى تأتى منه شكوى يتم فصله من منصبه سواء كانت الشكوى حقيقية أم لا، ومن القصص الطريفة أن أغلب المسئولين الصينيين يرتدون ساعات يصل ثمن الواحدة منها إلى عشرة آلاف دولار، الآن كل من يرتدى هذه الساعة يتم القبض عليه، وأحد هؤلاء المسئولين ظهر فى التليفزيون وكان مكان الساعة فى يده فارغاً لكنها كانت قد تركت علامة بيضاء، تم القبض عليه، ولجنة الثمانية التى أسسها الرئيس والتى تتعلق بالتقشف جعلت الشارع الصينى فى غاية الرضا، وأنها اتخذت قرارات مثل: مكتب أى مسئول صينى ثم تخفيضه من 60 مترا إلى 15 مترا مربعا فقط ورفع عنه التكييف، وتم سحب العربات الفاخرة من جميع المسئولين، وتم إلغاء كل حفلات العشاء الجماعية، والاحتفالات السنوية والهدايا، فبدأ الشعب الصينى يشعر بأن التقشف يطبق على الجميع لدرجة أن عربات الشرطة تدفع «كارتة» مثلها مثل عربات المواطنين.
أخيرا كيف ترى مستقبل التبادل الثقافى الصينى العربى؟
عام 2016 هو عام الثقافة الصينية المصرية ستترجم فيه أعمال أدبية كثيرة جدا، وهناك مشروع ضخم اسمه مشروع التبادل فى مجال الترجمة والنشر، سيصدر كل عام خمسة كتب، وهناك مشروع مماثل مع الكويت والمغرب ونسعى لأن يتم إدخال قطر فى المشروع، المشكلة أن الصين ترى أن التداخل الأمريكى فى المنطقة قوى جدا، وترى أن العرب إذا أرادوا الصين فيجب أن يتخلصوا من الهيمنة الأمريكية بأنفسهم لأن الثقافة الأمريكية تحاول إلغاء الثقافة العربية، والثقافة الصينية لا تحاول أن تفعل ذلك، هى تؤمن بأهمية الثقافة العربية وتدعمها، بدليل أننا لم نسمع عن مظاهرة واحدة تدعو لطرد الثقافة الصينية من المنطقة، أو طرد الصينيين لماذا؟ لأن الثقافة الصينية ليست ثقافة هيمنة بل ثقافة تعاون والصين تؤمن عن يقين أنه سيحدث صراع حضارات بينها وبين الغرب بشكل لا مفر منه، فتتمنى وجود حليف لها فى صراعها المقبل، ولم تجد أفضل من العرب، حليفا وليس تابعا.
أين مصر فى هذا التحالف بالتحديد؟
هناك تخوف من الجانب الصينى إزاء مصر لأنهم يرون أن نفوذ الجيش قوى جدا فى المجتمع المصرى، وعلى الجيش المصرى أن يتخلص من التأثير الأمريكى عليه، ومستقبلا ستقوم الصين بدور قوى جدا فى هذا السياق، فقد تم الآن تعيين مبعوث دولى صينى لمشكلة الشرق الأوسط، سيقوم بدور كبير فى حل الصراع العربى الإسرائيلى، نظرا لتأثير الصين القوى فى إسرائيل ونظرا لحجم التبادل العسكرى والاقتصادى بين إسرائيل والصين.
الصين تتنبأ لنا:
العالم العربى سيتطور بشكل يفاجىء الغرب
وفق طريقتها المعهودة فى دراسة كل شىء قبل الدخول إليه، أو اتخاذ قرار فيه، وبمناسبة مرور عشر سنوات على اتفاقيات التعاون العربى الصينى، قدمت الصين رؤيتها لنفسها وللشرق الأوسط فى مجموعة من الدراسات المهمة، التى صدرت فى كتب، لعل أبرزها كتابان هما: الأول: طريق الصين.. سر المعجزة، كتبه اثنان من المختصين بالشأن الصينى العربى: أحمد السعيد، ولى هونغ جيه، وفيه أجاب مجموعة من الخبراء الصينين عن كل الأسئلة التى يمكن أن تثار فى ذهن المواطن العربى عن الصين، ذلك الكيان الغامض بالنسبة للمصريين والعرب، بل والكثير من دول العالم. كما حدد الخبراء وهم: بان دى، وتشانغ دى دى، وكونغ جين هونغ، وجين يوان يو، وهان يوى هاى، ورونغ شين تشون، ووانغ فو، وقو دى، وهم موزعون على جميع المجالات السياسية والاقتصادية ونظام الحكم والأدب وعلم الاجتماع، وهذا الكتاب طبع فى مصر عبر المكتب المصرى للمطبوعات برئاسة محمد حامد راضى، ودار القارات الخمس الصينية برئاسة لى هونغ جيه، أجاب الخبراء عن كل الأسئلة المتعلقة بالصين، وأهمها مستقبل العلاقات العربية الصينية، ولماذا تصدر لنا الصين أسوأ المنتجات لديها، وكيف يمكن للصين أن تقوم بدور فعال فى القضايا العربية، وهل ستلعب الصين دورا فى الصراع الإسرائيلى، حيث يرى الجانب الصينى أن بلدهم على المستوى السياسى تتعاطف أكثر مع الدول العربية، لأن الصين مرت بظروف مشابهة فقد استعمرها الغرب من قبل، كما أن العلاقة بين الدول العربية والصين ممتدة الجذور والجديد أن الصينيين يطالبون بموقف جديد حيال الصراع العربى الإسرائيلى وهو أنه يجب اتباع فكر جديد وإستراتيجية أخرى فى مواجهة دولة مثل إسرائيل، فلا يجب فى رأيهم أن يستمر الموقف المتصلب بين الطرفين بل عليهما التوصل إلى مغانم مشتركة.
رؤية الجانب الصينى فيما يتعلق بالقضايا العربية تتسم بكثير من الدبلوماسية، فهم لا يقولون الشىء، أو يعبرون عن رأيهم بشكل مباشر، بل يعولون دائما على ما بين السطور، فعندما تحدثهم عن عمق العلاقات الصينية الأمريكية وتأثيرها على العرب يقولون لك: إن تأثير أمريكا كبير جدا فأمريكا فى رأيهم دولة عظمى لعشرات السنين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أما الصين فهى دولة حديثة النهضة ولا تتبع أسلوب أمريكا فى تسيير الأمور، فالصين تتبع طريقتها الخاصة فى توسيع تأثيرها.
وعندما سأل الباحث المصرى أحمد السعيد فى حال لو حدث صدام سياسى ضخم بين الصين وأمريكا فهل سيكون لذلك تأثير كبير على الصين؟ جاءت الإجابة مقتضبة وتحمل الكثير من المعانى والدلالات، وتحمل ما يفسر لماذا تركز الصين على حضورها القوى فى أمريكا كانت الإجابة باختصار: نعم، لكن التأثير الأكبر والأعمق سيكون على أمريكا لأن كل مناحى حياة الأمريكيين متأثرة بالصين، ولا يمكن لأمريكا تحمل عواقب حدوث أى صدام بينها وبين الصين.
هذا ما عرفته الصين مبكرا، وبنت حلمها بهذه اللحظة المؤثرة فى حياة القوة العظمى أمريكا بتؤدة وهدوء، كانت تخطط منذ العام 1979، ووضعت لنفسها مائة عام كاملة لتحقيق هذا الحلم، وأسمته حلم المائة عام، لكنه تحقق قبل مرور القرن المحدد، والصين الآن على وشك إعلان ذلك الحلم بشكل صريح وواضح وتحركاتها الدولية والعربية تنبىء عن ذلك بقوة ووضوح.
لكن أين نحن العرب من الحلم الصينى؟ تحاول الصين إقامة علاقات عربية على المستوى الرسمى تتسم بالقوة والمتانة، ولكن ببطء شديد، نظرا لحساسية الصينيين من النفوذ الأمريكى لدى الحكومات العربية وهى لا تريد الآن خوض صراع جديد فى وعلى المنطقة إذ قبل أن تفعل ذلك عليها أن تحدد المشكلات التى يعانيها الشعب العربى، والحكومات العربية، قبل أن تتخذ الموقف الذى نتمناه منها، وذلك هو جوهر وفكرة الكتاب الثانى المهم الذى صدر عن المركز القومى للترجمة ويحتوى على رؤية صينية كاملة لمشكلات الشرق الأوسط بعنوان: رؤية تحليلية لاضطرابات الشرق الأوسط، حيث اجتمع مجموعة من الخبراء الصينيين عام 1990م لدراسة كل ما يتعلق بالمنطقة العربية، وانتهوا من دراساتهم فى عام 1995م وكانت النتيجة هذا الكتاب الرؤية الذى أشرف على تحريره وانغ جنغ ليه، وهو أحد أشهر الخبراء بقضايا الشرق الأوسط، وكان قد أكمل دراساته السياسية فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة وله كتابات مهمة عن مصر والشرق الأوسط مثل:«الشرق الأوسط فى مواجهة القرن العشرين» و«الفكر السياسى فى الشرق الأوسط المعاصر»، و«الحرب والسلام»، تسوية الصراع العربى الإسرائيلى.
حدد الخبراء المجتمعون لمدة خمس سنوات مشكلة الشرق الأوسط فى مشكلة جوهرية تتلخص فى «الصراع الدائر بين القوى العظمى للسيطرة على السلطة فى الشرق الأوسط»، وكيف أن هذا الصراع ترك الكثير من الموروثات الاستعمارية، مما أعاق التنمية الاجتماعية فى المنطقة برمتها، ووسيلتهم فى ذلك هى استغلال المشكلات المتأصلة فى المجتمع العربى تحديدا والتى تتمثل فى: الخلافات القومية المستمرة، والخلافات الدينية المعقدة، كصراع المسلمين العرب مع اليهود، والصراع الإسلامى المسيحى كما فى لبنان، وكانت ذروة تجليه فى الحرب الأهلية اللبنانية، ثم الصراع السنى الشيعى، وثالثا صراع المصالح القومية المتواصل، وهو ما استغله الغرب بشكل مكثف منذ التسعينيات عندما رسخ سياسة «فرق تسد» وإشعال نزاعات الحدود.
المشكلة الرابعة التى رصدها الخبراء الصينيون هى: الصراع العربى الإسرائيلى طويل الأمد، وبعد إجراء سلسلة من التحضيرات النظرية والأبحاث المتخصصة رتب الصينيون مراحل هذا الصراع كما يلى:
مرحلة المواجهات الشاملة، وتبدأ منذ إقامة الدولة الإسرائيلية فى نهاية الأربعينيات حتى نهاية السبعينيات.
ثم المرحلة المتكافئة فى الصراع وتبدأ منذ زيارة السادات للقدس وحتى بداية التسعينيات.
مرحلة التسوية السلمية، التى بدأت مع مؤتمر مدريد للسلام فى الشرق الأوسط، وحتى الآن.
وفق هذه المشكلات الأربع الواضحة، حددت الصين سياستها وعلاقاتها بالمنطقة العربية، وكيف يكون لها دور فى كل مشكلة على حدة، وأنشأت لكل مشكلة وحدة إستراتيجية تتابع تطوراتها انتظارا للحظة المناسبة التى ستتدخل فيها الصين الرسمية، ويصبح لها موقف سياسى تستطيع فرضه على العالم.
وترى الصين إجمالا أن العالم العربى سيتطور سياسيا واقتصاديا بوتيرة أسرع مما يتخيل الغرب أو حتى العرب أنفسهم كيف:
لأن مرحلة التطور لأوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول المتقدمة، مر عليها قرنان، وعليه فمن المحتمل أن تنتهى دول الشرق الأوسط من هذه التغييرات فى فترة قصيرة نتيجة تأثرها بالدور النموذجى لتكنولوجيا العلوم الحديثة، وتأثرها الحضارى بالدول المتقدمة، بمعنى أن الدول الحديثة والنظم القانونية تشكلت تدريجيا، ووضعت كل المعايير الأساسية للاقتصاد السلعى والنظم الاجتماعية وتمت تسوية مشكلة المشاركة السياسية لمجموعة المصالح الاجتماعية المتبانية، وتحققت الديمقراطية بشكل صورى، كما حلت مشكلة التوزيع الاجتماعى غير العادل، أما الأمر الذى تختلف فيه دول الشرق الأوسط فى الوقت الحالى عن دول أوروبا والولايات المتحدة وغيرها من الدول فهى أنها بدأت بالتصنيع والتحديث فى ظل ظروف اجتماعية متباينة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.