مر «المركز القومي للترجمة» بأزمة عاصفة في العامين الأخيرين، واستفحلت هذه الأزمة للدرجة التي جعلت العاملين بالمركز، يرفضون العمل مع المديرة السابقة، التي أقيلت أو قدمت استقالتها، بعد اعتصام العاملين بالمركز وإضرابهم عن العمل، وبرغم التجاوزات كان وزير الثقافة السابق يصر على تجديد انتداب هذه المديرة، استمرارا للآلية التي تدار بها وزارة الثقافة، فالوزير غير معني بما ينشر في الصحافة، حتى لو كان موثقا، وهو ما نلمسه حاليا في أكثر من قطاع، أبرزها الهيئة المصرية العامة للكتاب، فالرائحة التي فاحت على صفحات الجرائد لم تصل حتى الآن إلى أنف الوزير، الذي يبدو محصنا ضد هذه الروائح. كان اختيار الدكتور «أنور مغيث» مديرا للمركز القومي للترجمة، مثار ارتياح للعديدين داخل المركز وخارجه، وهو يعمل جاهدا على حل أزمات وعثرات المركز، التي ورثها من عهود سابقة، وتؤثر بشكل أو بآخر على آلية العمل به. «الأهرام العربي» التقت الدكتور أنور مغيث، مدير المركز القومي للترجمة، وكان هذا الحوار. كيف يمكن للمركز أن يتغلب على مشكلة بطء إيقاع نشر الكتب الذي بات يؤرق كثيراً من المترجمين المتعاونين معكم؟ نحاول العمل على زيادة سرعة إيقاع نشر الكتب، فنقوم بالطبع في أكثر من مطبعة، وإن كان الأهم بالنسبة لنا هو النشاط الأساسي في ترجمة الكتب ونشرها، إلى جانب الندوات التي يقوم بها المركز، وبالفعل سنبدأ سلسلة ندوات في مطلع أكتوبر ومع بداية العام الدراسي، وستنتهج الندوات هذا العام نظاما مختلفا، وهو أن تدور كل ندوة حول مجموعة كتب تحوي موضوعا واحدا، وليس كتابا واحدا، كما كنا نفعل من قبل، فمثلا سنعد ندوة حول الكتب التي صدرت في المسرح المعاصر أو الكتب التي لها علاقة بعلم نفس الطفل أو الفلسفة المعاصرة، وسنبدأ بكتاب نناقش فيه نظرية التطور، وسنعرض ثلاثة أو أربعة كتب، من خلال متخصصين يناقشون موضوع الكتاب والنقاط المهمة فيه، بالإضافة إلى أننا نمهد الآن للاحتفال بيوم المترجم في أوائل شهر ديسمبر، وسنبدأ بتوزيع جائزة رفاعة الطهطاوي، ونناقش مع كبار المترجمين والمثقفين تصوراتهم لتطوير المركز القومي للترجمة، وسنستضيف عددا من نجوم الترجمة العرب، وذلك لأن هدفنا جميعا الوصول الى القارئ العربي، فبدلا من أن تكون هناك منافسة فقط، تكون هناك منافسة وتعاون، بالتنسيق مع بعضنا البعض، خصوصاً أننا لدينا ندرة في المترجمين، لدرجة أن عدد الكتب أصبح أكبر من عدد المترجمين، إلى جانب ارتفاع سنوات عمر المترجمين، فأصبح عدد الشباب محدودا جدا، لدرجة أننا نحاول الآن فتح الطريق لتجديد أفكار وأعمار المترجمين، فهم في حاجة إلى إعداد خاص في الأسلوب والتدريب على طريقة كتابة الجمل وتركيبها والترجمة الحرفية، ولذلك نصمم لهم ورشا تدريبية ودورات في اللغات الإنجليزية والألمانية والفرنسية والإيطالية والإسبانية. وما الركائز التي تعتمد عليها في هذه المرحلة الجديدة؟ الطريقة التي يعمل بها المركز مازالت كما هي، وهي التي نتبعها دائما، لكن ماحدث هو افتقاد حماس الموظفين المعنيين بترجمة الكتب، ورغبتهم في العمل أو في نجاح المركز، وهو الذي خلق الدفعة الجديدة للعمل، أي أن الفضل في ذلك يعود للموظفين، ونحاول التغلب على الإشكاليات الطبيعية الموجودة والمرتبطة بكل مجالات العمل، وهنا نجدد الثقة بين الإدارة والعاملين، في أننا نبحث عن أفضل الحلول الممكنة في إطار الإمكانات المتاحة وما يسمح به القانون. وكيف ستتغلب على المشكلات المادية التي يعاني منها المركز والتي تنعكس على نشاطه؟ بالفعل هناك مشكلات مادية، لكننا نأمل في حلها من خلال وزارتي الثقافة والتخطيط وأيضا الدولة، لمساعدتنا في تجاوز العثرات المادية، ولكن هذا لا يأتي بمطالبنا فقط، وإنما بعملنا، وعندما نعمل كثيرا وننتج سيكون هناك مبرر للطلب، ولكن قبل شروعنا في العمل لا يمكن أن نطلب دعما للميزانية مثلا، لذلك قررنا أن نعمل بما نملك، وعندما نجد أن الإمكانات لا تساعدنا سنطلب المساعدة من الجهات المسئولة، خصوصاً أننا لدينا مشروعات طموحة كثيرة، أهمها توسيع مبنى المركز، فهذا المركز له تقريبا ملحق يعادل المبني الذي نشغله، وهو مبنى مهمل، لذلك نريد له عملية ترميم، حتى تكون لدينا مكتبة كبيرة بمراجع ومترجمات أكثر للقراء، وأيضا قاعات ومسرح ومنافذ للبيع، نفتحها للكتاب المترجم في العالم العربي، أيا كان مصدره، وهو مشروع تطوير يحتاج إلى ميزانية كبيرة، وأجل طويل لمشروع مقترح ومدروس من قبل مخططات ووزارات الدولة وندرسه الآن بحيث نحاول تنفيذه قريبا. هل التأخير في تحقيق ذلك يعود إلى وزارة الثقافة؟ لا أعتقد أن وزارة الثقافة مقصرة، لأنها تطرح آفاقا أخري خصبة جدا وجديدة للعمل في دعم وتطوير عملية الترجمة، منها فكرة المنظومة الثقافية التي يطرحها وزير الثقافة د.جابر عصفور، بحيث يكون هناك تعاون بين وزارة الثقافة والوزارات المعنية بالترجمة في مصر، مثل وزارات التعليم العالي والتربية والتعليم والأوقاف والشباب، ونحن استفدنا من جهد الوزير بعقد بروتوكولات طبع مشترك مع وزارة الشباب، بحيث يختارون الكتب المفيدة لمكتبات الشباب،ويتفقون معنا في ترجمتها، وبالتالي يسهمون في تكاليف نشر الكتاب، وأيضا اتفقنا مع وزارة التعليم العالي لفتح أكشاك دائمة في جميع الجامعات للمركز القومي للترجمة، لتكون الكتب متاحة لطلاب الجامعات ومحافظات مصر، بتخفيض 50 % لكل الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، وأعتقد أن وزارة الثقافة فتحت مجالات لم تكن موجودة من قبل. لكن كيف سيتم التغلب على عزوف المترجمين عن التعاون مع المركز؟ دور النشر الخاصة لا تنشر ترجمات كثيرة، لأن الكتاب المترجم يكلف كثيرا، مقارنة بالكتاب المؤلف، والناشر الخاص ميزانيته محدودة، لذلك قررنا انتهاج نهجاً جديداً، وهو تشجيع دور النشر الخاصة على أن تترجم الكتب وتتفق مع المترجمين، بدعم من المركز القومي للترجمة، بحيث نتحمل التكلفة الأكبر في الكتاب، مقابل أن يصدر باسم المركز والناشر الخاص، فمثلا مؤسسة الأهرام، وهي لا تحتاج إلى أموال، لكننا نتفق معها على ذلك، ويتم تطبيق ذلك مع كل دور النشر الخاصة الأخرى. ولماذا تتراجع الترجمات الشرقية؟ المركزية الأوروبية متربصة بهذا الأمر، ونحن أسرى الكتب التي تخرج من ألمانيا وفرنسا وأمريكا وإنجلترا، لكن فكرة الاتجاه شرقا مهمة جدا، وسوف نحققها عن طريق اتجاهين: الأول هو أننا نترجم من 35 لغة، ونحاول الآن الاتصال بالهيئات الثقافية في دول الشرق، وأجرينا أيضا اتصالات مع سفير الهند، وطلبنا منه أن يرشح لنا كتبا في الأدب والسياسة والتنمية، لكن باللغة الإنجليزية، لتتم ترجمتها وقد رحب السفير جدا بالفكرة، وكذلك فعلنا الأمر نفسه مع الصين، فقد طرح وزير الثقافة في زيارته الأخيرة موضوع ترجمة الأعمال الصينية للعربية، مع وجود دعم صيني لترجمة هذه الأعمال، فبدلا من أن نترجم عشرة كتب نترجم عشرين. ولماذا لا تستعين بمترجمين يترجمون مباشرة عن اللغة الصينية؟ صعب أن نترجم أعمالهم عن طريق مترجمين يتعلمون اللغة العربية من جنسياتهم، ونقوم بنشرها. وهل تأثرت الترجمة بما يواجه الكتب من إهمال؟ الحصول على المعلومة من الإنترنت أضعف معدلات القراءة في العالم كله، لكن هناك ظروفا تخصنا نحن كعرب، ليست موجودة في أوروبا، وهي أنهم في أوروبا لا يزالون يشترون الكتب، ويتهادونها في المناسبات والزيارات، لكننا أهملنا المكتبات المدرسية والكتاب بشكل عام، ونحن نقوم بدورنا في اختيار الكتب المترجمة وفقا لمعايير محددة، وذلك يعود لميزانية محدودة تقتضي قبول عدد معين من الكتب المقدمة للترجمة بناء على وجهات نظر ومعايير نقدية، ونحن بصدد تشكيل لجنة استشارية تقرأ اللحظة، وتوجه معايير عامة للمرحلة الراهنة والكتب المناسبة لها. هل استعددتم هذا العام للمشاركة في معرض القاهرة الدولي للكتاب؟ بالفعل هو مناسبة مهمة جدا، خصوصاً أن هذا العام سيخصص لنا يومان أو أكثر لعرض مترجماتنا، واستضافة المترجمين من كل أنحاء العالم، ومناقشة كتبهم من قبل الجمهور وهل تأثر المركز القومي للترجمة بما يدور في العالم العربي من أحداث سياسية خصوصا في مصر؟ المركز القومي للترجمة يؤثر في الواقع السياسي لأنه عندما تمر البلاد بأزمة يكون الاحتياج للكتاب المترجم كبيرا لأنه يفتح المجال، ويقدم لنا تجارب جديدة، أي أن الدولة إذا أرادت أن تبحث عن إمكانية بنائها سياسيا، وليس لديها كتب مترجمة، ستجدد أخطاءها، لكن حضور الكتاب المترجم ضرورة، مثلما حدث أثناء كتابة الدستور، عندما بدأنا بترجمة دساتير العالم، وهو ما أفادنا جدا في صياغة الدستور، وكانت كل الاقتراحات يتم فيها الاستشهاد بدساتير العالم، وهو دور للترجمة مهم، في لحظات بحث الدولة عن آلية جديدة في بنائها، وتتأثر الترجمة بالواقع السياسي لأنه مع الاضطرابات السياسية لا يكون هناك بال للقراءة، ويمكن أن تتعرض البلاد لحالة، تنسينا هموما عالمية كبرى، أي أننا من الممكن أن ننشغل بالعلاقات الخارجية، خصوصاً عندما نفكر في الدول التي تتآمر على بلدنا، فتكون قراءاتنا موجهة لذلك، فمثلا يمكن أن نقرأ عن دور أمريكا في أفغانستان، لكن من الممكن أن تكون هناك كتب مهمة عالميا وموضوعات مطروحة دوليا نهملها، وعندما تدعونا الدول الأخرى لمناقشتها يغيب عنا الإلمام بمعلومات عنها، بسبب الظرف السياسي الذي يدفعنا للانكباب على مشاكلنا، ونغفل غيرها. وما أولوية اهتمامات المركز في الفترة المقبلة؟ مشكلتنا الكبرى هي كمية الكتب التي تسلمها المركز من المترجمين، ولم تظهر في السوق بعد، وذلك بعد تجاوز مدة طويلة على تسلمها، وهو ما يؤرق المترجمين، وذلك يعود لأسباب فنية ومادية أيضا، وهو ما نسعى لحله.