شركة هيونداي للسيارات.. تعرف على أفضل أنواعها    4 أحداث هامة تترقبها أسواق الذهب خلال هذا الأسبوع    ثروت الزيني: نصيب الفرد من البروتين 100 بيضة و 12 كيلو دواجن و 17 كيلو سمك سنوياً    العميد محمود محيي الدين: الجنائية الدولية أصدرت أمر اعتقال ل نتنياهو ووزير دفاعه    موعد متابعة مباراة باريس سان جيرمان وبروسيا دورتموند القادمة في دوري أبطال أوروبا    الزمالك ونهضة بركان.. موعد نهائي كأس الكونفدرالية الإفريقية 2024 والقناة الناقلة    السيطرة على حريق هائل داخل مطعم مأكولات شهير بالمعادي    حبس 4 مسجلين خطر بحوزتهم 16 كيلو هيروين بالقاهرة    شقيقة الأسير الفلسطيني الفائز بالبوكر: لم نفرح هذه الفرحة منذ 20 عاما وقت اعتقاله    بعد إثارتهما الجدل.. الشيخ محمد أبو بكر: مستعد للإعتذار إلى ميار الببلاوي    هل أكل لحوم الإبل ينقض الوضوء؟.. دار الإفتاء تجيب    "المصل و اللقاح" عن الأثار الجانبية للقاح "استرازينيكا": لا ترتقي إلى مستوى الخطورة    نيويورك تايمز: إسرائيل خفضت عدد الرهائن الذين تريد حركة حماس إطلاق سراحهم    طيران الاحتلال يجدد غاراته على شمال مخيم النصيرات وسط قطاع غزة    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    القنوات الناقلة لمباراة الهلال والاتحاد في نصف نهائي كأس الملك والمعلقين    نظافة القاهرة تطلق أكبر خطة تشغيل على مدار الساعة للتعامل الفوري مع المخلفات    تراجع أسعار النفط مع تكثيف جهود الوصول إلى هدنة في غزة    مجلس الدولة يلزم الأبنية التعليمية بسداد مقابل انتفاع بأراضي المدارس    حماية المستهلك: الزيت وصل سعره 65 جنيها.. والدقيق ب19 جنيها    د. محمود حسين: تصاعد الحملة ضد الإخوان هدفه صرف الأنظار عن فشل السيسى ونظامه الانقلابى    العثور على جثة طفلة غارقة داخل ترعة فى قنا    مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30 أبريل في محافظات مصر    تعرف على موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم للعاملين بالقطاع الخاص    موعد عيد شم النسيم 2024.. حكايات وأسرار من آلاف السنين    فتوى تحسم جدل زاهي حواس حول وجود سيدنا موسى في مصر.. هل عاصر الفراعنة؟    أشرف زكى: "هناك نهضة فنية فى معظم الدول العربية لكن لا يزال الفن المصرى راسخًا فى وجدان الأجيال"    فيديو| مقتل 3 أفراد شرطة في ولاية أمريكية خلال تنفيذ مذكرة توقيف مطلوب    محلل سياسي: أمريكا تحتاج صفقة الهدنة مع المقاومة الفلسطينية أكثر من اسرائيل نفسها    ولي العهد السعودي وبلينكن يبحثان التطورات في قطاع غزة    أستاذ بجامعة عين شمس: الدواء المصرى مُصنع بشكل جيد وأثبت كفاءته مع المريض    مفاجأة صادمة.. جميع تطعيمات كورونا لها أعراض جانبية ورفع ضدها قضايا    «جامعة القناة» تُطلق قافلة طبية لحي الجناين بمحافظة السويس    السجيني: التحديات عديدة أمام هذه القوانين وقياس أثرها التشريعي    حكم الشرع في الوصية الواجبة.. دار الإفتاء تجيب    دعاء في جوف الليل: اللهم اجعل لي نصيباً في سعة الأرزاق وتيسير الأحوال وقضاء الحاجات    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. انهيارات جليدية وأرضية إثر أمطار غزيرة شمالي الهند.. عائلات الأسرى لنتنياهو: لقد سئمنا.. شهداء وجرحى فى غارات إسرائيلية على غزة والنصيرات بقطاع غزة    رسميا.. بدء إجازة نهاية العام لطلاب الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية بهذا الموعد    النيابة تنتدب المعمل الجنائي لبيان سبب حريق شب داخل مطعم مأكولات سوري شهير بالمعادي    بمشاركة 10 كليات.. انطلاق فعاليات الملتقى المسرحي لطلاب جامعة كفر الشيخ |صور    «المقاطعة تنجح».. محمد غريب: سعر السمك انخفض 10% ببورسعيد (فيديو)    «هربت من مصر».. لميس الحديدي تكشف مفاجأة عن نعمت شفيق (فيديو)    المتحدث باسم الحوثيون: استهدفنا السفينة "سيكلاديز" ومدمرتين أمريكيتين بالبحر الأحمر    تصريح زاهي حواس عن سيدنا موسى وبني إسرائيل.. سعد الدين الهلالي: الرجل صادق في قوله    عفت نصار: أتمنى عودة هاني أبو ريدة لرئاسة اتحاد الكرة    ميدو: عامر حسين ب «يطلع لسانه» للجميع.. وعلى المسؤولين مطالبته بالصمت    مصطفى عمار: القارئ يحتاج صحافة الرأي.. وواكبنا الثورة التكنولوجية ب3 أشياء    ضبط 575 مخالفة بائع متحول ب الإسكندرية.. و46 قضية تسول ب جنوب سيناء    ما رد وزارة الصحة على اعتراف أسترازينيكا بتسبب اللقاح في جلطات؟    إيهاب جلال يعلن قائمة الإسماعيلي لمواجهة الأهلي    توفيق السيد: لن يتم إعادة مباراة المقاولون العرب وسموحة لهذا السبب    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    أخلاقنا الجميلة.. "أدب الناس بالحب ومن لم يؤدبه الحب يؤدبه المزيد من الحب"    درجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 30/4/2024 في مصر    تموين جنوب سيناء: تحرير 54 محضرا بمدن شرم الشيخ وأبو زنيمة ونوبيع    برلماني يطالب بالتوقف عن إنشاء كليات جديدة غير مرتبطة بسوق العمل    تقديم موعد مران الأهلى الأخير قبل مباراة الإسماعيلى    بالرابط، خطوات الاستعلام عن موعد الاختبار الإلكتروني لوظائف مصلحة الخبراء بوزارة العدل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. نادر فرجانى يستكمل حواره ل «الأهرام العربى» 2-2
نشر في الأهرام العربي يوم 25 - 03 - 2012

حنان البيلى - يدحض المفكر الاقتصادى نادر فرجانى الحجج التى يرددها البعض من أن الاعتصامات والاحتجاجات العمالية هى سبب تدهور الاقتصاد المصرى، ويرى السبب الأهم لاستمرارها أنه لم يحدث تغيير لتلك المظالم والمفاسد طوال الفترة الانتقالية التى تمر بها مصر الآن. مؤكداً أن بداية الإصلاح تبدأ من إصلاح القوانين الاقتصادية، هذا بالإضافة إلى قيام الأغنياء ورجال الأعمال فى مصر، بتخصيص نسبة من ثرواتهم لدعم الاقتصاد المصرى دليلا على وطنيتهم. وفيما يتعلق بالخلل الذى حدث فى علاقة مصر بالدول العربية الخليجية، فيرى أن النظام السابق حول دور مصر من الريادة إلى استجداء المعونات، ووصف دور دولة قطر برأس الحربة فى مجلس التعاون الخليجى مشيراً إلى أنها تحاول فعل ما فعلته فى الثورة الليبية الآن فى سوريا. ويطالب الفرجانى فى حواره مع «الأهرام العربى» الذى نشر الجزء الأول منه فى العدد السابق، كل القوى السياسية المصرية بالانغماس فى السياسة الشعبية للحفاظ على الثورة المصرية، مع ضرورة الاهتمام بنشر حقوق الإنسان على الرغم من المعوقات التى تعوق انتشارها فى مصر والوطن العربى بسبب عدم الاهتمام بالتعليم.
- يردد بعض الاقتصاديين أن استمرار مسألة الاعتصامات والإضرابات العمالية يتسبب فى توقف العمل وعجلة الإنتاج.. فكيف تراها؟ أرى أنها حق أصيل ومشروع ولا مراء فيه، ومن يحاول أن يقترب منه بأى شكل وتحت أى دعوى مغرض ومضر بمصلحة البلد، وأؤكد أن التمهيد الموضوعى لثورة 25 يناير كان تنامى الاحتجاجات والاعتصامات، وكان هذا هو مؤشرى ومؤشر آخرين أن الثورة آتية لا ريب فيها، والمتابع لحركة الاعتصامات والاحتجاجات وجد أنها كانت تصل إلى الألف فى العام، وتتصاعد وتشد كل يوم عن سابقه، مما يعنى أنه لابد وأن يأتى يوم وينهار فيه السد الذى يمنع قيام الثورة. وأنا أسميها احتجاجات فئوية وشعبية على المظالم والمفاسد التى لم تتغير فى المرحلة الانتقالية، ولا يتوقع الناس فى الحقيقة أن تتغير لأنهم لم يجدوا بداية حقيقية لتحقيق أهداف الثورة وغاياتها وتحديدا فى مسألة العدالة الاجتماعية، فالغنى غنى غناء فاحشا وفاجرا، والفقير فى حالة من الفقر المدقع، وللحقيقة هناك مقاومة شديدة جدا لعدم إقرار الحد الأقصى للأجور.
- إذن ما السبب الحقيقى لوقوف الاقتصاد المصرى على شفا الانهيار؟ فى الحقيقة يوجد سببان لتعطل حركة الإنتاج والحالة السيئة للاقتصاد المصرى وهما أولا: أن نظام مبارك عندما تنحى كان الاقتصاد بخلاف كل الادعاءات، منهارا ومهلهلا، والدليل على ذلك الانتشار الرهيب للبطالة والفقر، فلا يوجد اقتصاد محترم ينمو كما كانوا يدعون وينتج كل هذا الكم من البطالة والفقر. والسبب الثانى هو أن الإدارة الانتقالية أدت إلى تفاقم الأمراض الاقتصادية فى المجتمع المصرى، لأن إجراءاتها كانت غير رشيدة اقتصاديا، فكل الحكومات المتعاقبة، وهى حكومات ذليلة ولا قيمة لها، تتصرف فى الاقتصاد المصرى كأنهم صراف على خزينة وجدها ملقاة فى الشارع، وليس كاقتصاد بحاجة إلى تطوير وحل لمشاكله، فهم يحسبون ما لديهم من أموال وكيف يتم صرفها؟ وهذا منطق صراف على خزنة والمطلوب هو منطق لقيادى يمتلك رؤية للإصلاح. وكل ما أخشاه أن المنطق الاقتصادى للتيارات الإسلامية المهيمنة على السياسة فى مصر لن يختلف عن منطق مبارك.
-يقولون إنهم يمتلكون رؤية خاصة بالبنوك والمرابحة وكيف يتم النهوض بالزراعة وغيرها، فكيف ترى إدارتهم للاقتصاد المصرى؟ هذه الأمور لا تحل مشكلة الاقتصاد المصرى، ثم إن هذا التيار فيه رجال أعمال كبار نشأوا وترعرعوا فى ظل نظام مبارك، وأغلبهم لم ينشئ مشروعات إنتاجية، وإنما لعبوا نفس اللعبة وهى الاستيراد والتجارة والاحتكار. وكذلك هذا حدث فى بلدان أخرى عندما حدث تحول فى اتجاه حكم إسلامى فى السودان، فما حدث هو أن كل الاحتكارات التى كانت قبل الحكم الإسلامى تحولت إلى الإسلاميين وانتهى الأمر، وإذا حدث هذا، فإن نفس النظام سيستمر مع تغيير الوجوه فقط، وسينتج نفس المظالم ولن تكون هناك تنمية إنتاجية. كيف ترى الخطوات التى اتخذتها الحكومة فى مسألة تحقيق العدالة الاجتماعية وتحديدا فى الحدين الأدنى والأقصى للأجور؟ فشل ذريع تحديدا فى مسألة العدالة الاجتماعية، فهناك غنى فاحش وفاجر وإنفاق عام سفيه ومبذر، وبالفعل هناك مقاومة شديدة جدا، لإقرار الحد الأدنى للأجور، فهم يتعللون بقلة الموارد، فى حين أنهم ينفقون على تجديد القصور الرئاسية وعلى شراء سيارات مرسيدس للوزراء و سيارات bmw لقوات الأمن، وأشكال أخرى من الفساد والتبذير. وكل مشكلتهم التعلل بعدم الحصول على معونات أو مساعدات مالية، أما فيما يتعلق بالحد الأقصى للأجور، فالسبب الوحيد أن من بيدهم القرار سيخسرون ، فهم يحصلون على ملايين فى الشهر، مع أنه من المنطقى إذا أقر حد أقصى للأجر، فإن الوفر المتحقق يمكن أن يغطى الجزء المطلوب من احتياجات إقرار الحد الأدنى للأجر، لكن المنطق السائد الآن أننا نحن السادة وسنستمر سادة وليذهب الجميع إلى الجحيم.
- بماذا تفسر إصرار حكومات ما بعد الثورة على أن تكون الضرائب ذات سعر ثابت، ويرفضون أن تكون ضرائب تصاعدية كما هى الحال فى الدول المتقدمة؟ يأتى ذلك فى إطار حماية الطبقة الغنية، والدليل على أن حكومة عصام شرف عندما جرأت أن تضع معدل ضريبة منخفضا جدا على الأرباح فى البورصة وهو 5%، وهذا أمر مستقر فى كل الدول الرأسمالية، عدل عن هذا القرار فى اليوم الثانى نظرا لاعتراض أصحاب الأموال. وعموما لابد من أن تكون ضرائب تصاعدية، مع التأكيد على الضرائب المباشرة مثل الضريبة على الدخل والثروة، خصوصا فى وقت الأزمة لابد من وجود ضرائب على الثروة ولو لمرة واحدة، وهذا هو فى رأيى دليل الوطنية. ماذا تقصد بدليل الوطنية؟ أى بلد فى أزمة وهناك أغنياء غنى فاحش، وفقراء فقر مدقع ومطحونين، فالوطنية تقتضى أن نسثتمر فى صندوق لدعم الاقتصاد والعدالة الاجتماعية يسهم فيه الأغنياء بنسبة من ثرواتهم وليس فقط مجرد دخلهم. فكل بارونات مصر لابد أن يتنازلوا طواعية عن جزء من ثرواتهم لدعم الاقتصاد.
- كيف ترى إحجام الدول العربية الخليجية عن دعم مصر بعد الثورة.. البعض يرى أن ذلك حدث بأوامر مباشرة من الولايات المتحدة الأمريكية أم أن هناك تخوفا خليجيا من تصدير الثورة المصرية إلى المنطقة الخليجية؟ هذا الأمر متعلق بشقين، شق متعلق بمصر، فالنظام التسلطى الفاسد حول مصر إلى بلد مستجدى، وهذا لا يتفق مع قيمة وكرامة مصر، فبعد أن كانت مصر الدولة الرائدة فى المنطقة العربية، أصبحت الدولة المستجدية للمعونات، وهذا يجب أن ينتهى تماما، كما فى حدود وموارد مصر المتاحة مع توقف الإنفاق المبذر والسفيه. الشق الثانى متعلق بمجلس التعاون الخليجى برئاسة السعودية، لكن القيادة الفعلية والتنفيذية قطرية، ضد انتصار الثورات الشعبية العربية وليس المصرية فقط، صحيح أن الدول الخليجية كان يهمها الثورة اليمنية، وقاتلوا إلى أن نجحوا فى حماية على عبدالله صالح، لأن الفكرة الأساسية لديهم ألا يستقر فى الجزيرة العربية فكرة محاكمة ولى الأمر. الحقيقة أن العمل على بناء القدرة الذاتية هو السبيل لمقاومة أى ضغوط من الخارج.
-ذكرت أن القيادة سعودية والتنفيذية قطرية، والبعض يرى أن هناك صراع قطريا - سعوديا فى القيادة لمنطقة الخليج؟ أنا أرى أن قطر هى القيادة الفعلية، وهى رأس الحربة لمجلس التعاون الخليجى، ولا يوجد فى أنظمة الحكم تلك مفكرون، فالمفكر والمدبر فى مكان ما فى الولايات المتحدة الأمريكية وربما إسرائيل.
-وإذا كانت قطر أو الدول الخليجية عموما لا تريد أن تنجح الثورات العربية فلماذا تساعد بعض الثوات سواء بالدعم المعنوى أم الدعم المادى كما حدث فى الثورة الليبية؟ هل هو الإطاحة برءوس الأنظمة؟ الهدف ليس فقط الإطاحة بالرءوس للأنظمة فقط، وإنما هو إقامة نظم حكم إسلامية على النمط الخليجى، ليس إسلاميا كإيران لكن إسلاميا كالسعودية. وما وجه الاستفادة الخليجية من ذلك؟ أن يتحول المد التحررى العربى ولا يمكن الإطاحة بهذه الأنظمة فى يوم من الأيام. لكن هذا يحدث بشكل ما فى مملكة البحرين، فهناك انتفاضة شعبية شيعية؟ ليس بعد، فالمعركة مفتوحة، فالنظام فى البحرين يقاوم، والمقاومة الخليجية شديدة، و هذا عكس ما حدث فى ليبيا مثلا، حيث نجحت قطر والخليج بالدفع إلى تدخل حلف الأطلنطى، وتحاول الآن فعل نفس الشىء فى سوريا.
-بمناسبة ذكر الدول الخليجية كيف يمكن حل مشاكل العمالة المصرية هناك؟ فى رأيى أن أهم أخطاء الحكم التسلطى، هو تركز السلطة فى يد فرد، وهذا سبب اعتراضى على مرشحى الرئاسة حتى الآن، فلا أحد منهم تحدث عن تقييد السلطات المطلقة للرئيس الموجودة فى الإعلان الدستورى مثلا. وإذا استمر الوضع الحالى، واستمر تسول مصر للمعونات، فلن يتحسن الوضع ولن نستطيع استرداد مكانة مصر كصانعة لسياسات فى المنطقة، كل ذلك يتوقف على إنهاء عقلية الاستجداء، وبدء صنع مجتمع قوى وقادر أن يصبح رائدا مرة أخرى فى المنطقة. هل ترى أن ذلك ممكن الحدوث فى ظل المعطيات المتوافرة الآن فى المرحلة الانتقالية؟ بالتأكيد إذا لم نفهم المعطيات على أنها فلوس فى خزانة كما تفكر حكومات الثورة المصرية.
- حتى بعد سيطرة الإخوان والسلفيين على المجلسين والحديث الدائر عن رئيس توافقى؟ ما تقولينه عقبات وقتية، والسؤال الأهم دور الحركة التاريخية للمجتمع المصرى، فمصر لديها القدرة البشرية والمادية على التصحيح.
- فى رأيك ما نظام الحكم الأمثل فى مصر؟ أرى أن يكون نظام رئاسياً برلمانياً، فأى إنسان فى الدنيا يجد سلطات مطلقة يفسد فسادا مطلقا. وأحد أوجه العتاب الشديد للمستشار طارق البشرى، أنه لم يقيد سلطات الرئيس فى التعديلات الدستورية، فمازال طبقا للإعلان الدستورى الذى أصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن الرئيس يعين نائبه ويعين رئيس الوزراء والوزراء ويعفيهم ويعين المحافظين وما شابه. فكل هذه السلطات المطلقة تجعل من الرئيس شخصا مستبدا.
- فيما يتعلق باسترداد الأموال المهربة.. هل يمكن استعادة تلك الأموال وكم تبلغ؟ حتى الآن تلك الإمكانية صفر، لأن جزءا من إساءة حكم المرحلة الانتقالية هو التهاون الواضح فى العمل على استعادة هذه الأموال. وبالتأكيد إذا أخذ كل العصابة ليس مبارك وابنيه فقط، فكاترين آشتون، مسئولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبى تحدثت منذ عدة أيام عن أنها تتعدى مائتى مليار دولار.
- فى إطار تقييمك للثورات التى حدثت إلى متى سيستمر التخبط فى المرحلة الانتقالية؟ تقديرى ليس نتاج خبرات تقييم لثورات العالم، لكن نتاج تحليل الأوضاع فى مصر، فهذا التخبط لن ينتهى بانتخاب رئيس للجمهورية، فكل من تحدث مع قيادات المجلس العسكرى من القيادات الأمريكية وآخرهم رئيس الأركان الأمريكى، أقروا بأن المجلس العسكرى لن يسلم السلطة بسهولة ويسر. لذلك فإن الشهور القليلة المقبلة ستكون مضطربة جدا وحبلى بالكثير من المفاجآت، وأشك فى أن قيادات المجلس العسكرى ستنسحب تماما من الحكم بعد انتخاب رئيس، لكن طبيعة الصراع وما سيتمخض عنه أمر صعب التنبوء به الآن، ورغبتهم الأساسية الحصول على مركز متميز ليس فقط لضمان الحصانة من المساءلة والمحاسبة، لكن لدور متميز لقيادات المجلس فى المجتمع المصرى.
- فى الفترة الأخيرة كثر الحديث عن قرب مصر من التجربة الباكستانية، خصوصا مع اختيار السفيرة الأمريكية لمصر بعد الثورة، والتى كانت موجودة فى باكستان وحصول العسكر هناك على مكانة متميزة، وحكم الإسلاميين فى تركيا، فإلى أى التجربتين نحن أقرب؟ فى اعتقادى أن اختيار السفيرة الأمريكية، والتى ربما يكون لها دور فى باكستان أمر هامشى، والاعتبار الأهم هو فى طبيعة قيادات المجلس العسكرى الموجودة وطبيعة القوى السياسية المهيمنة حاليا على الساحة، وللأسف هذا الوضع يرشحنا إلى حالة قريبة من باكستان. وصحيح أن الموجودين فى الحكم فى تركيا إسلاميون، لكن تلك الطبقة الإسلامية الحاكمة فى تركيا جاءت بعد تجربة تحديث ضخمة جدا، وهم أنفسهم نتاج هذه التجربة، فمن يتحدث عن مقارنة بين مصر وتركيا يهزى، فنحن بيننا وبين تركيا فى سنوات التقدم ما لا يقل عن خمسين أو ستين عاما. وما الواجب فعله من جانب القوى السياسية غير الإسلامية فى مصر حتى لا نكون مثل باكستان؟ الأمل الوحيد لتلك التيارات الساسية أن ينغمسوا فى السياسة الشعبية وعلى المستوى الشعبى بشكل قوى، كما فعل الإخوان والسلفيون، فمن كان يتوقع أن يأخذ السلفيون 40% من نتائج الانتخابات. وهى بالمناسبة مفاجأة بعضها سار، بمعنى أن السلفيين لديهم غشم سياسى بالتأكيد، فهم لم يمارسوا سياسة قبل الآن، لكنهم أقل مراوغة من الإخوان.
- هل ترى أنه يمكن حدوث توافق بين المجلس العسكرى والإخوان على رئيس توافقى؟ الإخوان كتلة تصويتية ضخمة، وإذا حدث هذا فإنه إجهاض حقيقى لثورة 25 يناير، ويماثل ما حققه مجلس التعاون الخليجى فى اليمن، لأن انتخاب عبد ربه منصور هادى هو استمرار للنظام السابق، ومن ثم إجهاض للثورة اليمنية.
- كتبت فى إحدى مقالاتك عن معوقات انتشار حقوق الإنسان فى الوطن العربى وأن إمكانية الدفاع عنها متدنية بسبب البيئة السياسية غير المواتية ووهن منظمات حقوق الإنسان وفسادها.. فكيف ترى وضعها الآن؟ صورة منظمات حقوق الإنسان متفاوتة من وقت إلى آخر، ومن مكان إلى آخر، و بالتأكيد هناك فساد فى منظمات حقوق الإنسان، لكن هذا مرتبط إلى حد كبير بغياب الجهد التطوعى فى العمل وغياب التمويل المالى المحلى والاعتماد على التمويلات الأجنبية، والأمر مختلف فى الدول العربية، ففى المغرب وتونس درجة التطوع فى المجتمع المدنى والمنظمات متقدم كثيرا عما كان فى مصر. وفى مصر، كانت هناك معركة ضخمة منذ عشرين عاما، لكن للأسف نتيجة لطبيعة المرحلة وتبعية نظام الحكم للغرب وبالذات الولايات المتحدة الأمريكية، اقتصر التيار الذى كان يدفع فى اتجاه الاعتماد على التمويل الأجنبى، والمنطق الذى ساد فى تلك المنظمات أنه إذا كانت الدولة معتمدة على المعونات فلماذا لا نأخذ نحن؟ ولابد من توضيح أنه كان هناك فساد على مستوى بعض الشخصيات، وهذا أمر معروف، وهناك أناس انتقلوا من فئة الكادحين إلى فئة أصحاب السيارات الفارهة فى سنوات قليلة.
-إذا صنفنا الدول العربية فى مسألة حقوق الإنسان فمن يأتى فى المقدمة ومن فى المؤخرة؟ المجتمع المدنى فى تونس والمغرب أقوى، وتاريخ المجتمع المدنى فى تونس رائع، وهذا هو السبب الأساسى فى الثورات العربية، بدأت فى تونس قبل أى دولة أخرى، وعلى الرغم من أن نظام بن على حاول القضاء على المجتمع المدنى هناك، فإنه لم ينجح، والسبب الثانى فى الثورة التونسية أن التعليم هناك أفضل من مصر بمراحل فى جودة التعليم، وهما أيضا السببان الأساسيان لحسن إدارة المرحلة الانتقالية فى تونس.
-ذكرت أن الجيل الثالث لحقوق الإنسان والحقوق المستحدثة، مثل حق البيئة الصحية وحق إعادة توزيع الدخل. ففى أى جيل تقع المنطقة العربية من أجيال حقوق الإنسان؟ نحن فى المنطقة العربية فى مرحلة ما قبل الميلاد، وتحديدا فى مصر نحن فى مرحلة ما قبل الميلاد، لأن جميع الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والمدنية والسياسية كانت ومازالت مهدرة. أما فى بعض البلدان العربية مثل بلدان الوفرة المالية - الخليج تحديدا - فبعض الحقوق الاجتماعية والاقتصادية موجودة، لكن الحقوق المدنية والسياسية مهدرة إلى حد كبير، خصوصا ما أعتبره بحرية المفتاح، وهى حرية الرأى والتنظيم، وهى تجر بقية الحريات، وحرية التنظيم تعتمد على مكونين رئيسيين، المكون الأول هو التجمع المدنى السلمى، والمكون الثانى هو: إنشاء منظمات المجتمع المدنى السياسيى بحرية مطلقة، وعندما يتحقق ذلك فإن بقية الحريات الأخرى ستأتى، مما يؤدى إلى خلق مجتمع مدنى نشط وحيوى وفاعل يدافع عن مجمل المصلحة العامة بما فيها كامل منظومة حقوق الإنسان. أما فى شمال إفريقيا فالوضع مشوش وفى مرحلة عدم استقرار، ففى ليبيا حاليا انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان لا تقل عما كان يحدث فى عهد القذافى، لكن ما قد يحدث بعد سبعة أشهر يمكن أن يختلف. وإذا حاولت التوقع فإن فرصة تونس والمغرب فى مرحلة محترمة من حيث احترام حقوق الإنسان أعلى بكثير من مصر وليبيا.
- تحدثت عن الثقافة العربية المعاصرة، وهى بدرجات متفاوتة، هجين من مجتمع عربى لآخر، وأنها تعانى غياب العروبة وهيمنة الغرب، فمن أين أتت تلك الثقافة الهجين؟ أتت من مقولة ابن خلدون الشهيرة «إن المغلوب مولع بتقليد الغالب»، فنحن مغلوبون ومنكسرون كعرب، ومن ثم نقلد الغالبين، وأنا مهموم بمسألة اللغة العربية الموجودة الآن، فنحن نكسرها يوميا ونحتقرها وننشئ لغات هجينا تحت ضغط العولمة. واحتقار الذات يؤدى إلى احتقار اللغة، مع أن اللغة هى معين الهوية وهى وعاء الإبداع الحقيقى والابتكار. ودائما أقارن بين اليابان وكوريا وبيننا، فاليابان بعد الهزيمة فى الحرب العالمية الثانية، غيرت الدستور وحلت الجيش ورفضت المساس باللغة اليابانية، وهذا فى رأيى سبب تقدم اليابان، فالهوية اليابانية أسهمت فى صناعة المجد اليابانى الحديث وفى كوريا الجنوبية لا توجد وسيلة إعلام سواء خاصة أم عامة إلا وتتحدث اللغة الكورية الفصحى، على الرغم من أن كوريا الجنوبية صنيعة أمريكية فى الاقتصاد والتكنولوجيا، لكن الحفاظ على الهوية القومية هو أحد أهم عناصر بناء القدرة الذاتية.
-هل ترى أن بداية النهضة المرجوة فى مصر تبدأ بالتعليم أم ماذا؟ التعليم أحد المحاور الرئيسية، وليس التعليم فى حد ذاته، لكن منظومة اكتساب المعرفة، بمعنى التعليم المستمر مدى الحياة. فجزء مما يسمى بعصر المعرفة، هو فكرة تقاوم المعرفة، فمن يتعلم اليوم يجد أن معرفته لا تصلح بعد عامين أو ثلاثة، فلابد أن يكون هناك استمرار فى التعليم مدى الحياة، سواء بالرجوع إلى المعاهد التعليمية أو بالتعليم على شبكات التعليم عن بعد. والشق الثانى هو البحث العلمى والتطوير التكنولوجى.
- ما الاختيارات المتاحة أمام الشعب المصرى هل نهتم بالتعليم أم بالبحث العلمى ونصف الشعب المصرى أمى لا يعرف القراءة ولا الكتابة؟ فى الحقيقة ممكن، فعلى الرغم من كل المآسى الموجودة فى مصر، فمازال لدينا عنصر بشرى قادر ومنتج، والدليل على ذلك أن المصرى فى أى نظام جيد ينتج إنتاجا جيدا، وعلى الرغم من الواقع المتخلف الحالى لمصر عندما نقارنها بالسعودية مثلا، نجد أن مصر تنتج فى المعرفة والبحث العلمى سواء بالنشر فى المجلات العلمية المعترف بها أو فى مجال براءات الاختراع. ووفرة المال لا تشترى تقدما، وإنما العنصر البشرى القادر والمبدع هو الذى يصنع التقدم عن طريق الإنتاج المعرفى، ونحن فى مصر لدينا ميزة نسبية رائعة لكن مهملة، والمجتمعات المتقدمة الآن يقاس تقدمها بما ينتجون من معرفة وليس بما لديها من ذهب أو بترول أو أموال. ولمعرفة مدى إهمال النظام السابق للبحث العلمى، فمصر تخصص 2% من ناتجها المحلى للبحث العلمى والتطوير التكنولوجى، بينما تخصص إسرائيل 5% من ناتجها للبحث العلمى. يعنى 100 مرة ضعف مصر.
-وبما تفسر الإعلان المتكرر عن التطوير المستمر للمناهج التعليمية فى مصر؟ لا يوجد تطوير للتعليم فى مصر، فكل ما يحدث فى هذا المجال هو لعب على الهوامش، مرة أخرى لأن النظام لا يريد عقولا مبدعة وناقدة. وأهم شىء فى تطوير التعليم هو رفع الجودة. بمعنى أن من يدخلون النظام التعليمى يخرجون بقدرات متميزة فى التحليل والنقد وهما يؤديان دائما إلى نقد النظام السياسى، لذلك لا يوجد نظام تسلطى يعمل على تطوير التعليم. عموما لابد من تغيير تركيبة المناهج وطرق التعليم والتقييم بشكل جذرى فى جميع مراحل التعليم فى مصر، حيث تؤدى إلى تحفيز ملكات النقد والتحليل مؤدية إلى الابتكار والإبداع، ولابد من التحول إلى اكتساب المعلومة والمعرفة عن طريق الجهد الذاتى، والفكرة تبدو بسيطة لكن المطلوب لتحقيقها ليس سهلا.
-كيف ترى امكانية استعادة دور مصر الريادى فى المنطقة بالقوة الناعمة؟ مصر من الممكن أن تلعب دورا رياديا عندما تكون قادرة على إنتاج ما يسمى بالقوة الناعمة التى تميزنا بها فى فترات، وفقدانها فى فترة الاستجداء التى قام عليها نظام مبارك. وأقصد بالقوة الناعمة الإبداع الثقافى والفنى والعلمى والتكنولوجى، وذلك لأن الحكام ركزوا على المال ولفئة قليلة من الشعب المصرى، والبداية الحقيقية لعودة مكانة مصر تبدأ بالحكم الديمقراطى الذى يحترم حقوق الإنسان، بالإضافة إلى مجموعة عناصر أهمها التعليم والبحث العلمى والتطوير التكنولوجى والاقتصاد الإنتاجى الذى يدعم المشروعات الصغيرة والصغرى، ولا يركز فقط على الملكية الخاصة لكن أيضا على الملكية العامة والتعاونية والإدارة التعاونية. لأنه فى ظل الرأسمالية المنفلتة والاحتكارية، يتم التركيز على دعم المشروعات الخاصة وتشجيع رأس المال الكبير فقط.
- وماذا عن الملكية العامة التى تم بيعها؟ أرى أنها عملية نهب، وأقترح أن يتضمن الدتسور الجديد نصوصا لاستعادة هذه المشروعات التى بيعت، ويعوض أصحابها فقط بما دفعوه وليس بقيمتها الحالية، لأنهم دفعوا فى النهاية نسبة ضئيلة من قيمتها الحقيقية. لكن قد يرى البعض ذلك تراجعا عن النظام الاقتصادى الحر؟ نحن ليس لدينا نظام اقتصادى حر، لكنه نظام منفلت واحتكارى تخجل منه أعتى النظم الرأسمالية، فالاحتكار هو أحد أعداء الرأسمالية الحقيقية، والفكر الحر يقوم على الحرية الكاملة والمنافسة التامة، وهذا هو ما يضمن الكفاءة والعدالة. أما إهدار المنافسة والكفاءة الاقتصادية ودعم الاحتكار ليس بحرية لكنه فساد وإفساد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.