برغم أن الباعة الجائلين كانوا جزءا من مظاهر الاعتصام في ميدان التحرير وكان لهم حضور قوي منذ بداية الثورة والاعتصام في ميدان التحرير، حيث جاء معظمهم للبحث عن لقمة العيش وسط أجواء المعتصمين والثوار والزائرين للميدان بعد أن ضاقت بهم الحياة خارجه. منهم من شارك الثوار كفاحهم ونضالهم يوم جمعة الغضب وموقعة الجمل وأخيرا اشتباكات شارع محمد محمود ومنهم من اكتفي بعمله في البحث عن رزقه وسط أعداد الثوار .. ولكن ما حدث أخيرا بين الثوار والباعة الجائلين في التحرير من اشتباكات بالأسلحة النارية والمولوتوف أدت لوجود أكثر من 106 مصابا حسب الإحصائيات الرسمية يعد من أخطر التداعيات التي أثرت علي مسار الاعتصام والثورة في ميدان التحرير حيث خرج بعده الثوار ببيانات تؤكد أن الباعة الجائلين الموجودين داخل الميدان في الاعتصام الأخير 19نوفمبر أصبحوا سببا للشغب والعنف داخل الميدان وأكد البعض أن ما حدث هو أمر مدبر من أجهزة الدولة السيادية كجزء من مخطط لإخلاء الميدان وفض الاعتصام ، وبعد مسلسل العنف الذي استمر بين الباعة والثوار والباعة بعضهم البعض علق الثوار اعتصامهم في ميدان التحرير ونقلوه إلى مجلس الوزراء ... ولتفسير ما حدث في الميدان بين الثوار والباعة الجائلين والرد علي تساؤل هل سيكون الباعة الجائلون أداة للشغب ومحاربة الثوار في أى اعتصام قادم ؟ نجري هذا التحقيق. - من وجهة نظر الثوار المعتصمين في الميدان أنهم أصحاب الحق في اختيار من يوجد في الميدان ويتوافق مع الاعتصام ويحترم الأغلبية في الميدان دون أن يقابل هذا التوجه أى رفض أو عنف.. وتحدث البعض منهم وقال ... - مي دياب أحد المعتصمين في ميدان التحرير والطالبة في كلية الآداب جامعة القاهرة عبرت عن رأي الثوار فيما حدث بين الباعة والمعتصمين قائلة إن الباعة في الأساس موجودون لتقديم خدمات للثوار وفي حالة استغناء الثوار عن تلك الخدمات يجب أن يمتثلوا لهذا المطلب دون عنف، خصوصا أنه في الفترة الأخيرة أصبح البائع في الميدان يسلك سلوكا غير حضاري من أعمال بلطجة وتطاول علي الفتيات والشباب مشيرة أن بعض الباعة قد جاءوا بفتاة سيئة السمعة وقاموا معها بأعمال منافية للآداب، وعندما اكتشف الثوار هذا الأمر قاموا بطردهم جميعا .. وأضافت أن احتياج الثوار من الباعة احتياج بسيط منه شراء الشاي والمياه وبعض السندويتشات وكروت الشحن برغم ذلك هناك أشياء انتشر بيعها داخل الميدان ولا تتناسب مع طبيعة الاعتصام ومنها بيع السمين والممبار أو بيع الأحذية والملابس والنظارات فهؤلاء الباعة لا يحتاجهم الميدان . وتوضح المعتصمة أن معظم الباعة في الميدان ليس مكانهم الأصلي ميدان التحرير، بل جاءوا من ميادين العتبة ورمسيس وغيرها من ميادين وأسواق تجارية ، ومحاولة الثوار إخراجهم من الميدان ليس تعدي علي رزقهم ومكان عملهم، فميدان التحرير هو مفترق طرق رئيسي لا يسمح بوجود باعة فيه في الأوقات العادية . مؤكدة أن معظم الباعة ليس لهم ولاء للثوار ولا يؤمنون بالاعتصام فهم يسعون وراء المال خصوصا أن الثوار وجدوا الكثير من هؤلاء الباعة ضدهم ، وبجانب جهات الأمن في فض اعتصام 8 يوليو في أول رمضان الماضي بالقوة . إستراتيجية إخلاء الميدان - أما خالد سعيد المنسق العام لخدمة المستشفي الميداني داخل التحرير، فأكد أن أحداث العنف بين الباعة والثوار هي جزء من مخطط شامل لفض الاعتصام داخل الميدان يكون فيها الأمن بعيداً عن الأنظار أمام وسائل الإعلام، مشيرا إلى الوسائل التي ينتهجها الأمن لإخلاء الميدان أيضا ومنها محاولات اغتيال الشباب المعتصمين وهناك امثالة علي ذلك، بالإضافة لخطف وتهديد الأطباء حتي لا يوجد في الميدان ذلك بخلاف خفض الروح المعنوية للمعتصمين من خلال زرع باعة وثوار مزيفين داخل الميدان ... وأضاف المنسق أن أحداث الشغب التي حدثت بين الثوار والباعة نتجت بسبب امتلاك بعض الباعة للأسلحة البيضاء والمخدرات ومحاولة ترويجها بين المعتصمين هذا الأمر الذي يسئ إلى الثوار وأهداف الاعتصام أمام الإعلام، مشيرا إلى قرار جماعي من ائتلاف شباب الثورة وحركة 6 إبريل وباقي حركات وائتلافات الثورة المعتصمة في الميدان بإخلاء الميدان من كل الباعة الجائلين علي السواء ووجودهم فقط علي أبواب ومداخل الميدان والمعتصم يذهب إليهم في حالة احتياجه للشراء منهم هذا الأمر الذي وافق عليه بعض الباعة ورفضه البعض الآخر ورد بالعنف وباستخدام الأسلحة النارية مقابل الثوار العزل من السلاح، وعند مواجهة الثوار لهؤلاء القلة المندسة من الباعة البلطجية جاءتهم تعزيزات من خارج الميدان بالأسلحة النارية وكرات اللهب من قبل الأمن مستشهدا بشهادة سكان العمارات المطلة علي ميدان عبد المنعم رياض عندما كانوا يساعدون الثوار بضرب الباعة والبلطجية من فوق الأسطح والبالكونات، حيث رأوا عربات أمن مركزي خرج منها البلطجية ثم رجعوا إليها مع الباعة المشتبكين بعد ضرب المتظاهرين واختفت عن الأنظار سريعا . - أما الكابتن مرسي قنديل بطل مصر السابق في لعبة الكونغ فو وأحد معتصمى التحرير قال : ميدان التحرير لم يعد كسابق عهده أيام ثورة 25 يناير فقد اختلط الحابل بالنابل ولا يستطيع أحد أن يتأكد من هوية الثائر الحقيقي والثائر المزيف المزروع من قبل الأمن وسط المعتصمين. ونفس الأمر في البائع المتجول، مشيرا إلى أن سلوك البائع داخل الميدان أصبح سلوكا غريبا علي الاعتصام فالمنطق ينفي كمية المخدرات الكبيرة الموجودة بحوزة الباعة الجدد والتي لاتتناسب مع إمكاناتهم المادية التي دفعته للعمل في الشارع ليل نهار .. وأرجع الكابتن هذا إلى ضعف الأمن الداخلي داخل الميدان واللجان الشعبية التي تركها الثوار إلى أى متطوع لا يعرف انتماءه إلى أين وإلي وجوه لا تعبر عن روح شباب المتعصمين مرجحا أن اللجان الشعبية الموجودة اليوم في الميدان معظمها عملاء لوزارة الداخلية لإدخال هذه الكمية من المخدرات وشرائط البرشام المخدر والأسلحة البيضاء لتشويه سمعة ثوار التحرير، مشيرا أنه أصيب بحروق من جراء اشتباكات بين الباعة والثوار بكرة نار سقطت عليه وتمت معالجته في المستشفي الميداني داخل التحرير . - أما الباعة الذين ظلوا في الميدان بعد أحداث العنف بين المتظاهرين والباعة المتجولين فكان لهم رأي فيما حدث ومنهم .... - سامح محمد عيد يبيع كروت شحن بجوار مجمع التحرير حاصل علي بكالوريوس تجارة يقول: إنه يعمل في هذا المكان منذ سنتين وعاصر ما حدث من بداية الثورة إلى الآن، مشيرا إلى أن الباعة الجائلين كانوا أكثر عددا في بداية الثورة وذلك لأن سبل العيش والبيع للباعة في ميادين مصر وشوارعها كانت قد انعدمت مع الانفلات الأمني وحظر التجوال وكان الباعة وقتها تمتلكهم روح الثورة وأخلاقياتها .. ويفسر سامح ما حدث أخيرا من اشتباكات بين الباعة والثوار ويقول منذ اعتصام 20 نوفمبر الأخير، وظهرت نوعيات من الباعة لم نشاهدها من قبل في الميدان وكان لهم سلوك يسئ للاعتصام من تعاطي المخدرات والبرشام المخدر وهذا الأمر غير منطقي، لأن البائع الجائل في كل العالم يتحمل هذا العمل الشاق المهين ليكسب قوت يومه بصعوبة ..ويستكمل حديثه بأن الثوار قرروا أن يخلوا الميدان من الباعة جميعا حتي لا يسيئوا للاعتصام ولكن الباعة أصحاب السلوك المشين رفضوا إخلاء الميدان وهاجموا الثوار في البداية بالأكواب الزجاجية والأسلحة البيضاء وانابيب الغاز ثم بالخرطوش وقنابل المولوتوف بمساعدة بلطجية جاءوا من الخارج. نقابة الباعة الجائلين - أما عصام محمود بائع شاي يوجد في الميدان منذ يوم 28 يناير كثائر من الثوار وظل علي هذا الوضع حتي نفدت مدخراته في الاعتصامات المتكررة فلم يجد سبيلاً سوي أن يبيع الشاي لباقي المعتصمين ..وذكر أن ماحدث أخيرا في الميدان بين الثوار والباعة هو أمر مخطط من جهات سيادية لأن الثوار لم يطلبوا من الباعة الخروج من الميدان نهائيا ولكن تم التوصل إلى إخلاء صحن الميدان من الباعة ووجودهم جميعا علي جانبي المداخل والمخارج للميدان، حتي يظهر الاعتصام في التحرير بمظهر حضاري أمام العالم وذلك لأن كثيرا من الباعة الذين وجدوا في الميدان أخيرا كانوا مسجلين خطر ولا يمكن الانتقاء والاختيار بين بائع وآخر فكان هذا الحل هو الأمثل . واستكمل كلامه قائلا: إن بعض الباعة رفضوا إخلاء الميدان، فقامت اللجان الشعبية داخل الميدان بضربهم أولا بالشوم فكان رد الباعة أن استدعوا بعض البلطجية بالسلاح وقنابل المولوتوف للرد علي هذه اللجان وضرب المعتصمين، ولكن في النهاية استطاع الثوار أن ينتصروا عليهم وطردهم نهائيا من الميدان وظل في الميدان الباعة القدامي الباحثين عن الرزق الحلال البعيدين عن أحداث الفوضي والشغب . وأضاف بائع الشاي أن حال الباعة داخل الميدان يعبر عن الحال الذي وصل له شباب مصرمن فقر وضياع مؤكدا انه لا يوجد شارع أو منزل في مصر لا يوجد به شباب عاطل عن العمل والوسيلة الوحيدة لهؤلاء الشباب هو العمل كباعة متجولين في كل ميادين مصر وشوارعها، مشيرا إلى الحكومة إذا كانت تهتم لأمر هؤلاء الشباب وإنقاذ أسرهم من التشرد والجوع لابد أولا أن تنشئ نقابة للباعة الجائلين لبحث مشاكلهم وأن تبني لهم المحافظات مجمعات أكشاك بشكل حضاري في الميادين المصرية بأشكال جمالية فرعونية أو ريفية أو إسلامية بدلا من إنشاء أسواق لهم في الصحراء لا يذهب إليها أحد، موضحا أن هؤلاء الباعة أنفسهم سيحاربون أى تعدى أو فوضي من قبل أى باعة آخرين . خطف الأطباء - ومن ناحيته أكد الدكتور سيد عباس طبيب المخ والأعصاب المتطوع لعلاج الثوار داخل المستشفي الميداني داخل ميدان التحرير أن أحداث العنف بين الباعة والثوار أخيرا نتج عنها إصابات عديدة لكل من الثوار والباعة وصلت إلى 106 حالات إصابة، مشيرا إلى أن المستشفي الميداني استقبل شخصا مدبوحا من رقبته فتم تحويله إلى مشرحة زينهم مباشرة لم يعلن عنه رسميا ذلك بخلاف حالات الحروق والإصابة بالخرطوش الحي والجروح الناتجة عن الشوم والزجاج، واصفا أن ذلك اليوم كان بحق موقعة جمل جديدة ولم يستطع الأطباء المتطوعون في كل الميدان أن يستوعبوا كل هذا العدد من المصابين ... وقال الطبيب إن ما حدث داخل الميدان لإخلائه هو حدث خطير لأن الأمن بدأ في استخدام خطط شيطانية لتحقيق هدفه في فض الاعتصام علي عكس ما كان يصرح به وزير الداخلية يوميا من حرية الاعتصام وغيره من حقوق... وذكر بشكل خاص استهداف الأمن للأطباء المتطوعين داخل الميدان فهو تعرض إلى محاولة خطف وتهديد داخل محطة المترو من قبل شخصيات تشبه ضباط العمليات الخاصة، ولكنه نجا بصعوبة وغيره من الأطباء تعرضوا لنفس الموقف ومنهم من نجا ورجع للميدان ومنهم من لم ينج ولم يرجع إلى الميدان ثانية والعدد كل يوم في تزايد حتي إن الأمن الداخلي داخل الميدان أصبح يذهب مع الأطباء داخل محطات المترو إلى أن يطمئن إلى ذهابهم بعيدا عن الميدان.