هاني فاروق دلالات مهمة حملتها زيارة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين إلى مصر يوم الخميس الماضي، وهي الأولى من نوعها لزعيم خليجي بعد ثورة 30 يونيو 2013، بعثت برسائل عديدة إلى الداخل والخارج وأكدت على عمق الروابط التاريخية الوطيدة والأزلية التي تربط بين الدولتين بشكل خاص على مر التاريخ وبين دول الخليج عموما التي أيدت الشعب المصري في تقرير مصيره في 30 يونيو. لم يكن هذا الأمر بالجديد على البحرين ودول الخليج الذين كانوا أيضا شركاء مهمين في قهر العدو الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973، الذي نحتفل بمرور 40 عاما على تحقيقه اليوم. ولن ينسى التاريخ أنه كان لشعب البحرين وقفات مشرفة إلى جانب الحركة الوطنية المصرية خلال مراحلها المتعاقبة فساند ثورة 1919، كما تفاعل شعب البحرين مع ثورة 23 يوليو 1952 وقراراتها الكبرى، كما شهدت مدن البحرين مظاهرات حاشدة تضامنا مع الشعب المصري في مواجهة العدوان الثلاثي عام 1956، ونتذكر في مصر المشاعر الوطنية الفياضة ومواقف التأييد والمساندة المعنوية التي صاحبت بناء السد العالي، وتجاوب البحرينيين مع حملة التبرعات لصالح المجهود الحربي بعد نكسة عام 1967. فعلى الصعيد السياسي، أولى الرسائل التي حملتها زيارة العاهل البحريني أن مملكة البحرين لن تدخر جهدا في تحقيق الدعم السياسي والمادي إلى مصر في حربها ضد الإرهاب واستقرارها سياسيا وأمنيا واقتصاديا، مؤكدا أهمية تكاتف جهود القوى السياسية المصرية للحفاظ على التوافق الوطني لتواصل الشقيقة مصر دورها الريادي الكبير في خدمة الأمة العربية والإسلامية ونصرة قضاياها العادلة وتعزيز التضامن العربي ودعم مسيرة العمل العربي المشترك، مما يؤكد على عمق العلاقات المصرية البحرينية والخليجية التي ترتبط في آمالها وآلامها وطموحاتها عن بعضها البعض، فمملكة البحرين تمثل بعدا استراتيجيا كبيرا لمصر، فأمن مصر شرقا يبدأ من الخليج العربي، وعليه كانت دوما القيادة المصرية تؤكد على أن أمن البحرين هو خط احمر لأمن مصر القومي، كما أن استقرار مصر أيضا هو استقرار للجميع كون مصر هي العمق الاستراتيجي للوطن العربي على مر التاريخ. العاهل البحريني أشار في هذا الإطار إلى أن العلاقة الحميمة بين جمهورية مصر ودول مجلس التعاون مهمة جدا، قائلا إن دور مملكة البحرين في رئاسة الدورة الحالية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية يؤكد على ذلك وتدعمه المملكة بكل الإمكانيات المتاحة تحقيقا لرغبة الشعوب ووحدة الهدف والمصير، وهذا ما تم بالفعل وسيبقى. الزيارة أكدت أيضا على تطابق رؤية مصر والبحرين إزاء العديد من قضايا المنطقة، بشأن التطورات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط خصوصا تلك المتعلقة بالمبادرات لإحياء مباحثات السلام بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي وصولا الى الحل العادل والدائم والشامل وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، كما تتفق الدولتان في نظرتيهما مستجدات الأوضاع على الساحة السورية، وأهمية عودة الأمن والاستقرار إلى ربوع سوريا الشقيقة وبما يحفظ للشعب السوري الشقيق أمنه واستقراره ووحدته الوطنية، وهي الكلمات التي عبر عنها العاهل البحريني في زيارته لمصر، مؤكدا أهمية رسم استراتيجية شاملة للأمن القومي العربي. وعلى الصعيد الاقتصادي، تأتي ثاني رسائل زيارة العاهل البحريني التي حملت التي رغبة جارفة في تنمية العلاقات الثنائية وتعزيز وتطوير التعاون المشترك في المجالات الاقتصادية والتجارية والثقافية والمعلوماتية والعسكرية وذلك من خلال تفعيل دور اللجنة البحرينية المصرية المشتركة التي أنشئت في 20 ديسمبر 1992، ومن هنا يبرز دور مجلس الأعمال المصري البحريني الذي تأسس في شهر ديسمبر من 1999، لمتابعة تنفيذ اتفاقيات التعاون بين البلدين في كافة المجالات وتدعيم هذه العلاقات لنقلها إلى أفاق أرحب في المستقبل، حيث تربط مصر والبحرين العديد من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم والبرامج التنفيذية للتعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والإعلامية والثقافية والسياحية والزراعية والقضائية والبيئية وفي مجالي النقل الجوي والطرق وتعزيز التجارة البينية بين البلدين. فمملكة البحرين، قيادة وحكومة وشعباً، تقف دائما مع الشعب المصرى، وتحترم إرادته الحرة وما يختاره ويقرره بشأن حاضره ومستقبله، ويبرز ذلك أيضا من خلال مسارعة المملكة في ظل اهتمام وحرص خاص من الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين لتقديم كل مساعدة ممكنة للأشقاء فى مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو، وتُرجم هذا الاهتمام على وجه السرعة فى زيارة وفد على مستوى عالٍ برئاسة نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة إلى القاهرة، وضم عدداً من كبار المسئولين الاقتصاديين ورجال الأعمال، بهدف بحث السبل الكفيلة بزيادة وتيرة الاستثمارات البحرينية فى مصر، والتى تقدر بنحو مليارى دولار، وهناك رعاية كبيرة من جانب حكومة البحرين برئاسة الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس مجلس الوزراء، والأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولى العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، لتفعيل عمل اللجان المشتركة بين البلدين الشقيقين، لا سيما في المجالات الاقتصادية والاستثمارية وتوسيع آفاق التعاون فى كافة المجالات. ويبرز هنا أهمية الاقتراح الذي طرحه الشيخ راشد بن عبد الرحمن آل خليفة السفير البحرينيبالقاهرة حول أهمية دراسة إقامة ملتقى استثمارى بحرينى - مصرى، بهدف طرح الفرص الاستثمارية المتاحة ويتم دعوة المستثمرين العرب بما يصب فى مصلحة التعاون الاقتصادى المشترك، باعتبار أن أمن واستقرار مصر هو من أمن واستقرار جميع الدول العربية.. ويمكن أن يعقد هذا المؤتمر سنويا بالتبادل بين المنامة والقاهرة. كما يحفل تاريخ البلدين بمحطات مضيئة في مجال التعاون والتفاعل الثقافي، منها حضور البحرين ومشاركتها عام 1927 في التظاهرة الثقافية العربية الكبرى في مصر عندما بويع أحمد شوقي أميراً للشعراء، حيث اقترح اثنان من أبرز شعراء البحرين وهما عبدالله الزايد وخالد الفرج أن تشارك البحرين في هذه المناسبة بتقديم هدية رمزية عبارة عن نخلة من الذهب الخالص ذات عروق منضدة باللؤلؤ حيث تبرع حاكم البحرين أنذاك وأعضاء نادى المحرق الأدبي بنقود تكفى لإعداد تلك الهدية وهي نخلة يبلغ طولها 30 سنتيمترا وجذعها وسعفه من الذهب الخالص أما ثمرها فبلح من اللؤلؤ الحر وتم إرسال الهدية بالبريد البحرى مع قصيدة للشاعر خالد الفرج يقول مطلعها: من منبت الدر تسليم وتكريم لشاعر اللغة الفصحى وتقديم حياك من دارنا البحرين لؤلؤها والنخل إذ بسمت فيه الأكاميم ورد أحمد شوقي بعد مبايعته أميراً للشعراء بقوله: قلدتنى الملوك من لؤلؤ البحرين آلاءها ومن مرجانه نخلة لاتزال في الشرق معنى من بداوته ومن عمرانه ولا تزال هذه النخلة الذهبية ولؤلؤها موجودة بالقاهرة ضمن آثار أحمد شوقي تجسد بمعناها ورمزها علاقة البحرين بمصر. الرسالة الثالثة لجلالة الملك، حملت الشكر والتقدير للمواقف المشرفة لمصر ولشعبها الشقيق إلى جانب البحرين قيادة وشعبا والتي هي موضع التقدير والاعتزاز. كما وجهت زيارة الملك حمد بن عيسى دعوة لقادة الخليج والعلم أجمع إلى زيارة مصر في رسالة مفادها أن مصر هي بلد الأمن والأمان.