هنا فى قصر «الصفا» المطل على الحرم المكى الشريف، ثلاث قمم جاءت فى الوقت المناسب. الأحداث المتلاحقة تزامنت مع العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم. المملكة لها تاريخ حافل فى القمة العربية من أجل الحفاظ على الاستقرار. الملك سلمان بن عبد العزيز، خادم الحرمين الشريفين، يواصل مهمة المؤسسين، يدرك حجم المخاطر ويتحرك بقدرها، يمتلك حكمة وحنكة من نوع خاص. المنعطف التاريخى الذى تمر به المنطقة يدق ناقوس الخطر. ثلاث قمم «عربية وخليجية وإسلامية»، تختلف جداول الأعمال، لكن الهدف واحد. جاء الجميع من كل صوب وحدب، ليشارك، باحثا عن «السلام» فى أطهر بقعة فى العالم «مكةالمكرمة». هذه القمم تختلف باختلاف الظروف المحيطة بها. الدعوة إليها انطلقت منالأحداث التى باتت تهدد الأمن القومى العربى. استهداف الملاحة البحرية وخطوط النفط بالخليج، صار هدفا وأوراق ضغط، تلعب بها إيران لزعزعة المنطقة، ومواصلة التغلغل والتدخل فى شئون الدول. طهران تحاول أن تصنع «طهران» صغيرة فى كل منطقة. الحوثيون فى اليمن، وحزب الله فى لبنان، و«الجهاد الإسلامى» فى غزة، و«الحشد الشعبى» فى العراق، هذا التمدد يحتاج إلى وقفة. الصمت يقود إلى تزايد الخطر أمام مشروعات الملالى التخريبية. التحرك بعين حمراء أحيانا كثيرة، يعيد وضع الأمور فى نصابها الصحيح. الملك سلمان كان حريصا على التشاور والتنسيق مع قادة وزعماء الدول الشقيقة فى مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وجامعة الدول العربية، فى كل ما من شأنه تعزيز الأمن والاستقرار فى المنطقة، وذلك من خلال بلورة موقف موحد تجاه القضايا والأحداث الجارية، والوقوف صفا واحدا أمام التحديات الكبرى.. رسائل القمم الثلاث واضحة وقاطعة لمن يهمه الأمر. مواجهة تهديدات الأمن القومى العربى، ومكافحة الإرهاب والتصدى لمحاولات التدخل فى شئون البلاد المجاورة، ووضع حد للدول التى تدعم وتمول الإرهاب، وتأكيد ثوابت القضية الفلسطينية، والحفاظ على الدولة الوطنية، والوصول إلى موقف عربى موحد يستند إلى قراءة الواقع والمنطقة، لقطع الطريق على كل ما يجر المنطقة إلى مساحة خطر مستقبلية. أجواء هذه القمم الثلاث، تسيطر عليها روح العروبة ووحدة المصير المشترك، والثوابت الراسخة والمتوارثة التى توقظها دائما المواقف الفاصلة والحاسمة. حزام التوتر يلف الإقليم بالكامل، علينا الانتباه لحجم هذا الخطر. تهديدات الخليج لا تنفصل عما يدور فى شمال إفريقيا «ليبيا والجزائر»، وأيضا لا تنفصل عما يدور فى السودان، فضلا عن أن علاقته مركزية بما يدور فى اليمن وسوريا والعراق. وكلاء التخريب والفوضى، يواصلون رسم خرائط التمزيق والتقسيم، يدركون أنهم خرجوا من حسابات المستقبل، فيتصرفون وفقا لنظرية «اللعبة الصفرية» لكن ما أشبه الليلة بالبارحة، القمة العربية ال 29 فى الظهران بالمملكة، وضعت فى مقدمة بيانها ضرورة وأهمية اليقظة لوقف الأطماع الإقليمية التى تستهدف أراضى الدول العربية والتوغل فيها، وطالب البيان إيران بالكف عن الأعمال الاستفزازية التى من شأنها أن تقوض بناء الثقة، وتهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة. نعم تدرك المملكة دورها المهم فى إحداث توازنات المنطقة وتوحيد الصف، والاتفاق على قرارات موحدة، فعلى مر التاريخ قامت المملكة بهذه المهمة، وعلينا أن نتذكر أنه فى قمة 16 أكتوبر 1974، التى عقدت فى الرياض، وضمت كلا من مصر والسعودية والكويت وسوريا ولبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، ودعت المملكة فيها إلى وقف إطلاق النار فى لبنان، وإعادة الحياة الطبيعية إليه، واحترام سيادته، ورفض تقسيمه وإعادة إعماره. أما فى قمة 28 مارس 2007، التى عقدت بالرياض، فقد جددت المملكة الالتزام العربى بالسلام العادل والشامل كخيار إستراتيجى، وأكدت احترام وحدة وسيادة واستقلال العراق، وهويته العربية والإسلامية، وفى قمة 15 إبريل عام 2018، التى عقدت بمدينة الظهران، وقد سميت بقمة القدس، وتناولت قضية القدس كمحور رئيسى فى نقاشها، هذا غير أن المملكة احتضنت العديد من القمم الخليجية، وكان آخرها القمة الخليجية التاسعة والثلاثين يوم 9 ديسمبر 2018، بقصر الدرعية بالرياض، برعاية خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، التى تناولت صيانة الأمن والاستقرار ومكافحة التنظيمات الإرهابية عبر التكامل الأمنى لدول المجلس. هذه القمم الثلاث وما سبقها تأتى ضمن سياق عام، يؤكد الدور التاريخى للمملكة فى تحقيق الاستقرار بالمنطقة.