في مثل هذا اليوم من العام المنصرم، أعلن أوردوغان في كلمة متلفزة من مدينة جنق قلعة " أن العلم التركي يرفرف اليوم في عفرين ". ولقد تعمد أوردوغان أن يعلن عن (انتصار قواته) خلال احتفال بالذكرى الثالثة بعد المائة لانتصار الجيوش العثمانية على قوات التحالف، وحرص على استحضار التاريخ حيث قال " انهم يعتقدون ان تركيا ليست قوية مثلما كانت في جنق قلعه. في هذا اليوم الحزين سقطت مدينة عفرين تحت جحافل الدبابات التركية بعد صمود أسطوري لقوات سوريا الديمقراطية، استمر ما يقرب من ثلاثة أشهر، تعرضت خلالها المدينة لحمم من نيران المدافع والصواريخ التركية، في ظل موقف دولي مابين المتواطيء والصامت . عام كامل وشعب عفرين يئن تحت نير الاحتلال التركي الذي يمارس أبشع جرائم الاحتلال، من سرقة ثروات الإقليم الطبيعية والزراعية ونقلها إلى تركيا، وعتقال للمدنيين والإفراج عن بعضهم مقابل فدية مالية، وتهجير الالآف من الأسر الكردية بالإضافة للالآف التي هربت إبان العدوان الهمجي، ويوطن أسراً تركمانية وأسر أتباعه من الارهابيين، وذلك يأتي في إطار سياسة ممنهجة تستهدف التغيير الديموجرافي لطبيعة السكان، وقامت تلك القوات الغازية بتغيير أسماء قرى في الاقليم وشوارع رئيسية وساحات في المدينة الى اسماء تركيىة ضمن خطوات عديدة لتتريك الاقليم . وكانت قوات العدوان التركي قد استهدفت المواقع الأثرية والدينية في عفرين وقصفت الطائرات موقع "براد" الأثري، الواقع جنوب مدينة عفرين، والمسجل على لائحة مواقع التراث العالمي لمنظمة الأممالمتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) منذ عام 2011، بخلاف تدمير معبد "عين دارة"، وموقع النبي هوري (قورش)، و"تل جنديرس" الأثري ، وأدى قصف موقع "براد" الأثري إلى تدمير الكثير من المباني الأثرية المهمة، ومن ضمنها ضريح القديس "مار مارون"، وكنيسة "جوليانوس"، التي تضم الضريح، وتعد من أقدم الكنائس المسيحية في العالم، حيث بنيت نهاية القرن الرابع للميلاد. كما تعرض العديد من الكنائس والأديرة البيزنطية في الموقع الأثري للتدمير، علاوة على معبد وحمام ودور سكنية ومعاصر ومدافن تعود إلى العصر الروماني، خلال القرنين الثاني والثالث للميلاد ، وكان ضريح القديس "مار مارون" قبلة للمسيحيين على مستوى العالم، منذ أن اكتشفته بعثة أثرية فرنسية عام 2002، حيث شهد إقامة العديد الأنشطة والطقوس الثقافية والدينية ، وفور احتلال مدينة عفرين قامت القوات التركية وعملائهم بتحطيم تمثال كاوا الحداد وهو بطل اسطورة كردية ترتبط بعيد النيروز اي اليوم الجديد وبداية الربيع الكردي . لقد توفرت لي فرصة لقاء بعض من أهالي عفرين الذين أدلوا بشهادتهم على الممارسات الوحشية للقوات التركية وعملائهم خلال المنتدى الذي عقد في عامودا شمال سوريا نظمه مركز روج آفا للدراسات الاستراتيجية في الأسبوع الأول من ديسمبر من العام الفائت، ومن خلال هذا اللقاء ترسخ في يقيني ان ممارسات الاحتلال التركي في عفرين تتطابق مع ممارسات العدو الصهيوني الاستيطاني في فلسطينالمحتلة . إن هذا الفاشي الطامح لإحياء الحلم العثماني يمثل خطرا على البشرية ما يستوجب وقفة جادة أمام اطماعه التوسعية .