كل المؤشرات على الأرض تؤكد أن رغبة أردوغان فى إقامة منطقة عازلة لن تتحقق لأسباب عديدة عودة الدولة ورفع العلم السورى الحل الأمثل لمناطق الأكراد
يبدو أن حلم الرئيس التركى أردوغان القديم فى إقامة منطقة عازلة شمالى سوريا، عاد ينتعش وبقوة فى مخيلته، مع قرب انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، بعد أن كاد يندثر تحت ركام الحقائق على الأرض خلال السنوات التسع الماضية، ورفض واشنطن مسايرة أنقرة لتحقيق هذا الحلم حينها. أردوغان يدعى أن الدافع الإنسانى هو السبب وراء إصراره على إقامة منطقة عازلة فى شمال سوريا، لتكون ملاذا للسوريين الهاربين من عنف النظام وداعش، لكن واقع الأمر أنها ستكون ملاذا آمنا للإرهابيين ليصبحوا إحدى أدواته فى تحقيق حلم العثمانية الجديدة، انطلاقا من المنطقة العازلة المزمع إقامتها فى شمال سوريا. وهذا ما يفسر خفوت حديثه عنها حينما تكون الرياح غير مواتية، ولكنه يعود للتأكيد على ضرورتها عندما يجد الظروف مواتية، وها هو أردوغان يعود هذا الأسبوع وفى حضور أوروبى (المؤتمر الوزارى لعملية بودابست المعنية بإدارة ملف الهجرة الذى عقد فى اسطنبول)، ليؤكد أنه «سينفذ قريبا جدا»، لافتا النظر إلى أن تركيا أتمت استعداداتها على امتداد حدودها ووضعت خططها وإستراتيجياتها الخاصة بهذه المنطقة. وكشف أردوغان عن أنه بحث هذا الموضوع بشكل مفصل مع نظيريه الروسى فلاديمير بوتين، والإيرانى حسن روحاني، خلال قمة سوتشى الثلاثية الأسبوع الماضي، مؤكدا أن الدعم الأوروبى لهذه المنطقة سيمثل إسهاما فى أمن أوروبا، من خلال الحيلولة دون تدفق اللاجئين وإزالة التهديدات الإرهابية. واعتبر أردوغان، أن صيغة المنطقة الآمنة التى طرحها فى الأعوام الأولى للأزمة السورية هى أنسب حل عملى لعودة اللاجئين. ولوح الرئيس التركى بملف الهجرة كورقة ترهيب لأوروبا، مطالبا «الأصدقاء الأوروبيين» بتقديم الدعم اللازم لتركيا، فيما يتعلق بإنشاء المنطقة العازلة المزمع إقامتها فى الجانب السورى من الحدود. ورهن نجاح صيغة المنطقة الآمنة بتولى تركيا الإشراف عليها، وتقديم بقية الدول للدعم المادى واللوجيستي. كل المؤشرات على الأرض تؤكد أن رغبة أردوغان فى إقامة منطقة عازلة لن تتحقق لأسباب عديدة، منها أن أنقرة تريد أن يمتد عمق «الشريط الأمني» إلى 32 كيلومتراً، فيما وافقت واشنطن مبدئياً على 10 كيلومترات. واقترحت موسكو أن يكون العمق بين 5 كيلومترات طبقا لاتفاقية «أضنة»، على أن يتم ذلك بعدما تتحقق السيادة الكاملة للدولة السورية على كامل أراضيها، وترفض موسكو أن تتضمن هذه المنطقة حظرا جويا، وهناك طرف ثالث فى هذه القضية لا يمكن اغفاله، وهو الطرف الكردى الذى يحظى بدعم أمريكى وأوروبي، بينما تتسم علاقته مع تركيا بالعداء. «الأهرام العربى»، توجهت إلى بعض أطراف الأزمة، بالتساؤلات التالية: كيف ترون الأفكار والمشاريع المطروحة من منطقة عازلة مع تركيا إلى إعادة تفعيل اتفاقية اضنة، وما مدى إمكانية تنفيذ إحداهما بضغط دولى وما البديل من وجهة نظركم؟، فكانت الإجابات التالية، والتى استهلها عضو مكتب العلاقات الدبلوماسية فى مجلس سوريا الديمقراطية سيهانوك ديبو بالقول: إن المنطقة، التى اقترحها أردوغان لن تكون آمنة، بل هى تمهيد لغزو جديد فى الشمال السوري، لذا فإننا نرفض قبول أى منطقة عازلة فى هذه المنطقة، فإذا كانت تحت إشراف الأممالمتحدة وبقرار من مجلس الأمن من أجل الحفاظ على وحدة الأراضى السورية ومنع تسلل الإرهابيين الذين ترعاهم تركيا، حيث إن أنقرة متورطة فى الكثير من الوقائع المشابهة خلال السنوات الماضية، سواء بتدريب الإرهابيين أم مساعدتهم للتسلل داخل الأراضى السورية. كما أنه يجب أن تشمل المنطقة العازلة منطقة شرق الفرات، التى تخوض فيها قوات سوريا الديمقراطية، التى يشكل المسلحون الأكراد أبرز مكون فيها، معارك ضد مسلحى تنظيم داعش الإرهابي، كما أنه لا يمكن فصل الأراضى عن بعضهما بعضا، والتأكيد على ضرورة أن تحقق المنطقة الآمنة فرصة مناسبة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين، وبذلك تقطع الطريق أمام أى استعمال لهم بشكل يخالف القوانين الدولية سواء بتجنيدهم، أم الضغط بهم على دول أخرى. ويرى سيهانوك أن هناك طريقين نحو المنطقة الآمنة، أولهما يتفق كل من السلطة فى دمشق والإدارة الذاتية الديمقراطية بإنجاز (اتفاق السيادة)، يتفق فيه الطرفان على حماية كامل الحدود السورية التركية، يرفع فيه العلم السورى الرسمى على كامل الحدود، وأن يكون الاتفاق تحت إشراف ورعاية الأممالمتحدة وبشكل مباشر من واشنطنوموسكو، إذا لم يتفق السوريون على مبدأ حماية السيادة التى هى أرفع من السلطة فى دمشق وأرفع من المعارضة - فعلى أى شيء ممكن الاتفاق عليه؟ والطريق الثاني، فى حال التعذر، وعلى اعتبار سوريا جزءا من محيطها، والعضو المؤسس فى الجامعة العربية، فيمكن تأسيس قوة عربية مشتركة عازلة مهمتها الفصل ما بين تركياوسوريا، أشبه بقوات اليونيفيل ما بين لبنان وإسرائيل، بقرار وإشراف الأممالمتحدة أيضاً. تحدد مهمتها وفق تفاصيل خادمة ومؤطرة للحل السورى وباتفاق وتنسيق ما بين قوات الفصل هذه وقوات سوريا الديمقراطية ومظلتها السياسية مجلس سوريا الديمقراطية. الكاتب والمحلل السياسى طه خليل يوضح أن الإدارات الذاتية لشمال وشرق سوريا نرى وبعد التهديدات التركية باجتياح مناطقنا، واستمرار النظام فى دمشق بذهنيته الإقصائية وعدم اعترافه بالأوضاع المستجدة بعد 2011، وتهربه من الحوار الجاد أن الحل يكمن فى إنشاء منطقة آمنة على طول الحدود مع دولة الاحتلال التركى بإشراف دولي، وإلا فإن دولة أردوغان سترتكب المجازر والإبادات بحق شعوبنا، ﻻ سيما شعبنا الكردي، ومنذ الآن نراه يتقدم لجول للتحالف باقتراح للاستضافة فلول داعش فى المناطق التى يحتلها فى الشمال السوري، وذلك لدمجها مع مرتزقته من فى درع الفرات أو بمسميات أخرى للنيل من مكتسبات شعبنا.. وإطالة أمد الأزمة السورية والمقتلة المستمرة منذ ثمانى سنوات. ويعتقد خليل أن اتفاق أضنة فخ روسى لتركيا لجرها لإعادة العلاقات الطبيعية مع النظام فى دمشق.. ثم ضرب المرتزقة الذين هم فى كنفها ممن يسمون أنفسهم الائتلاف السورى لقوى المعارضة.. سياسيا وعسكريا، وبالتالى إحراق آخر أوراق أردوغان فى الشأن السوري، وأعتقد أن النظام مستعد لتفعيل الاتفاقية المذكورة ليس حبا بتركيا، بل كرها بالأكراد، وبالتالى تحقيق مكسب سياسى وانتصار دبلوماسى للعودة إلى ما قبل 2011 كما يعتقد.. و"كأنك يا أبو زيد ما غزيت ". أعتقد على العالم أﻻ يغدر بالكرد الذين قدموا الآلاف من خيرة أبنائهم وبناتهم لدحر الإرهاب الداعشى والإخوانى دفاعا عن قيم الإنسانية. بالطبع ﻻ نرى فى الأفق دﻻئل قريبة لتحقيق أى من هذه التصورات.. ويبدو أن الأمور ستراوح فى مكانها لحين إيجاد إرادة دولية حقيقية للتدخل وحل كل هذه التعقيدات.. وإلا فإن النزيف السورى سيظل على حاله.. وقد يتجه إلى مستويات أكثر دموية بفعل ردات الفعل من قبل تركيا، التى ستكتشف قريبا أنها لم تنل ما حلمت به من موسكو.. ولم تنسق جيدا مع حلف الناتو التى هى جزء منه.. وستكتشف أنها أصغر من أن تلعب مع الكبار.. فهى فى نظر العالم ليست إلا مجرد حاضنة لتفريخ الإرهاب.. وقد يواجهها شركاؤها فى الناتو بذلك.. قريبا.