نقابة المهندسين تقرر قيد خريجي الجامعات الأجنبية في هذه الحالة    وزير قطاع الأعمال ومحافظ قنا يتفقدان مجمع الألومنيوم بنجع حمادي (صور)    مصر ترفض التنسيق مع إسرائيل في دخول المساعدات من معبر رفح    وزيرة خارجية سلوفينيا: ندين العملية العسكرية برفح الفلسطينية.. وعلى إسرائيل عدم تصعيد الوضع    الدوري الممتاز، عبد الرؤوف يعلن تشكيل البلدية أمام الأهلي    وزير الشباب من سوهاج: حجم الدعم المالي للاتحادات 512 مليون جنيه استعدادًا للأولمبياد    معظمهم طلاب مدارس، إصابة 25 شخصا بحادث سير في تركيا    يسرا عن اعتزال عادل إمام: بيحب شغله لدرجة غير عادية    الصحة: 110 مستشفى تستقبل 6 آلاف مريض فلسطيني منذ أكتوبر    ميتروفيتش يقود هجوم الهلال أمام الحزم    مهند العكلوك: مشروع قرار لدعم خطة الحكومة الفلسطينية للاستجابة لتداعيات العدوان الإسرائيلي    محافظ القليوبية يناقش تنفيذ عدد من المشروعات البيئة بأبي زعبل والعكرشة بالخانكة    اليوم العالمى للمتاحف.. متحف إيمحتب يُطلق الملتقي العلمي والثقافي "تجارب ملهمة"    لمدة أسبوعين.. قصور الثقافة تقدم 14 مسرحية بالمجان بالإسماعيلية وبورسعيد وشرم الشيخ    إيمي سمير غانم ل يسرا اللوزي بعد رحيل والدتها: "هنقعد معاهم في الجنة"    وزير الأوقاف يحظر تصوير الجنائز بالمساجد مراعاة لحرمة الموتى    عمرو الورداني للأزواج: "قول كلام حلو لزوجتك زى اللى بتقوله برة"    حصاد 4 آلاف فدان من محصول الكمون في الوادى الجديد    خالد عبدالغفار: وزارة الصحة وضعت خططا متكاملة لتطوير بيئة العمل في كافة المنشأت الصحية    رئيس صحة الشيوخ في يوم الطبيب: الدولة أعطت اهتماما كبيرا للأطباء الفترة الأخيرة    الخميس المقبل.. «اقتصادية النواب» تناقش خطة التنمية الاقتصادية ومنع الممارسات الاحتكارية    استعدوا لنوم عميق.. موعد إجازة وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024    «هشمت رأسه وألقته من أعلى السطح».. اعترافات المتهمة بقتل زوجها في قنا    رئيس"المهندسين" بالإسكندرية يشارك في افتتاح الملتقى الهندسي للأعمال والوظائف لعام 2024    محافظ كفر الشيخ يعلن بدء التشغيل التجريبي لقسم الأطفال بمستشفى الأورام الجديد    آخرها هجوم على الاونروا بالقدس.. حرب الاحتلال على منظمات الإغاثة بفلسطين    إلغاء جميع قرارات تعيين مساعدين لرئيس حزب الوفد    نقيب الأطباء يشكر السيسي لرعايته حفل يوم الطبيب: وجه بتحسين أحوال الأطباء عدة مرات    مواصفات وأسعار سيات إبيزا 2024 بعد انخفاضها 100 ألف جنيه    أخبار الأهلي : طلبات مفاجئه للشيبي للتنازل عن قضية الشحات    وزير التموين: مصر قدمت 80 ٪ من إجمالي الدعم المقدم لقطاع غزة    المالية: الدولة تحشد كل قدراتها لتمكين القطاع الخاص من قيادة قاطرة النمو الاقتصادي    «الأرصاد» تكشف حقيقة وصول عاصفة بورسعيد الرملية إلى سماء القاهرة    نتائج منافسات الرجال في اليوم الثاني من بطولة العالم للإسكواش 2024    قروض للشباب والموظفين وأصحاب المعاشات بدون فوائد.. اعرف التفاصيل    باسم سمرة يكشف سر إيفيهات «يلا بينا» و«باي من غير سلام» في «العتاولة»    جامعة القاهرة تستضيف وزير الأوقاف لمناقشة رسالة ماجستير حول دور الوقف في القدس    البابا تواضروس يدشن كنيسة "العذراء" بالرحاب    تأجيل محاكمة المتهم بقتل 3 مصريين في قطر    ضبط المتهمة بالنصب والاحتيال على المواطنين في سوهاج    الإمارات تهاجم نتنياهو: لا يتمتع بأي صفة شرعية ولن نشارك بمخطط للمحتل في غزة    عقوبة استخدام الموبايل.. تفاصيل استعدادات جامعة عين شمس لامتحانات الفصل الدراسي الثاني    التنمية المحلية: استرداد 2.3 مليون متر مربع بعد إزالة 10.8 ألف مبنى مخالف خلال المراحل الثلاثة من الموجة ال22    إحالة العاملين بمركز طب الأسرة بقرية الروافع بسوهاج إلى التحقيق    المفتي يحسم الجدل بشأن حكم إيداع الأموال في البنوك    «صفاقة لا حدود لها».. يوسف زيدان عن أنباء غلق مؤسسة تكوين: لا تنوي الدخول في مهاترات    مباشر مباراة المنصورة وسبورتنج لحسم الترقي إلى الدوري الممتاز    القاهرة الإخبارية: أنباء عن مطالبة الاحتلال للفلسطينيين بإخلاء مخيمات رفح والشابورة والجنينة    التنمية المحلية: تنفيذ 5 دورات تدريبية بمركز سقارة لرفع كفاءة 159 من العاملين بالمحليات    المشاركة ضرورية.. النني يحلم بتجنب سيناريو صلاح مع تشيلسي للتتويج بالبريميرليج    ما حكمُ من مات غنيًّا ولم يؤدِّ فريضةَ الحج؟ الإفتاء تُجيب    معسكر مغلق لمنتخب الشاطئية استعدادًا لكأس الأمم الأفريقية    بعد وصفه ل«الموظفين» ب«لعنة مصر».. كيف رد مستخدمي «السوشيال ميديا» على عمرو أديب؟    مصرع مهندس في حادث تصادم مروع على كورنيش النيل ببني سويف    سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 11-5-2024    حادثة عصام صاصا على الدائري: تفاصيل الحادث والتطورات القانونية وظهوره الأخير في حفل بدبي    مجلس الأمن يدعو إلى إجراء تحقيق مستقل وفوري في المقابر الجماعية المكتشفة بغزة    طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا في شارع القصاصيب بجباليا شمال قطاع غزة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المفكر اللبنانى كريم مروة ل«الأهرام العربي»: أوباما ارتكب خطأ فادحاً فى مصر

حزب الله استدرج إسرائيل لتدمير لبنان
الإسلام السياسى استولى على الثورات بالمال

التدخل الخارجى سينهى الحروب الأهلية فى الدول العربية

أخطأ الناس فى فهم «الدين أفيون الشعوب»

معاداة اليسار للدين أكاذيب

أمريكا لن تتخلى عن المنطقة

حزب الله نشأ بقرار إيرانى - سورى

الأحزاب الشيوعية وافقت على قرار التقسيم بضغط من موسكو

ولاية الفقيه بدعة إيرانية

ولاءات المعارضة السورية موزعة بين الخليج وروسيا وأمريكا وإيران

جمال عبدالناصر قائد تاريخى.. لكنه كان أسيرا للأحلام


ابن شيخ جنوبى فى لبنان، جعله يختم القرآن فى كتاب القرية فآمن بالقومية العربية، وأرسله للعراق للدراسة فتحول إلى الاشتراكية، وعاد إلى بيروت فانتسب للحزب الشيوعى اللبنانى، ونشط خلال مؤسساته المحلية ومنها إلى المؤسسات المناظرة الأممية، إلى أن أصبح قياديا فى الحزب، ففجر مع جورج حاوى ثورة داخل الحزب على قادته وتبعيته للاتحاد السوفيتى .

فى نهاية الحرب الأهلية فى لبنان التى استمرّت خمسة عشر عاماً، حاول أن يمارس استقلاليته، وهو نائب الأمين العام للحزب، فى التعبير عن أفكاره، بما فى ذلك فى قراءة نقدية للتجربة الاشتراكية. وكان كتابه بعنوان “حوارات” أحد أبرز وجوه التعبير عنها، وصولاً إلى القول إن التجربة الاشتراكية العالمية تمرّ بأزمة تهدد بانهيارها. وكان سبّاقاً فى هذه القراءة. وقد ناقشه فى أفكاره فى الكتاب أربعون مثقفاً عربياً من جميع الاتجاهات. وكان بينهم ثلاثة رجال دين، اثنان مصريان وثالث لبناني.

هو الآن فى السابعة والثمانين من عمره، فى كامل لياقته الذهنية والجسدية. يتابع عمله الفكرى فى تأليف الكتب، وفى المشاريع الثقافية التى يبتغى منها إعطاء دور للثقافة وللمثقفين فى تجديد حياة بلداننا فى الاتجاه الأكثر تقدماً وحرية وعدالة اجتماعية. يتابع هذا العمل من دون أن ينتمى إلى أى تنظيم سياسى أو إلى أية حركة سياسية . إنه كريم مروة، التاريخ والمستقبل.

أن تجلس إلى كريم مروة، المفكر اللبنانى الكبير، فأنت فى حضرة الحيوية الفكرية، وفى حواره مع «الأهرام العربى»، فجر أكثر من قنبلة موقوتة لا يجرؤ أحد غيره على الاقتراب منها، فقد قال بوضوح إن الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما، ارتكب خطأ فادحا فى مصر حين دعم جماعات الإسلام السياسى وأوصلها إلى الحكم، وأن ولاية الفقيه بدعة إيرانية، وأن حزب الله استدرج إسرائيل لتدمير لبنان، وأن المعارضة السورية ارتكبت خطيئة باستخدامها السلاح، وأن اليسار لم يعد طليعيا، لكنه لا يزال يؤمن بما جرى من انتفاضات فى الدول العربية، وأنه لابد من تجديد الخطاب الدينى، ولم ينس أن يوجه سهامه لأمراء الطوائف فى لبنان.. وإلى تفاصيل الحوار.

ما رأيك فيما يجرى فى سوريا الآن؟
عندما قامت الحركة الثورية فى سوريا فى العام 2011، كانت استكمالا لما كان قد بدأ فى سوريا فى مطلع الألفية الجديدة، حيث ظهر تيار ديمقراطى من المثقفين والنخبة السياسية يطالب بالتغيير .
الثورة السورية فى بداياتها كانت رائعة حيث كانت سلمية، لكن بشار الأسد استطاع أن يستدرج القائمين عليها وتحويلها إلى مسلحة. ولى علاقات بعدد كبير من قادة الثورة السورية قلت لهم إنهم أخطأوا عندما انجروا إلى حمل السلاح، وأنهم سيدفعون ثمنا باهظا جراء ذلك، وهذا ما جرى .

الآن، الحركة الثورية السورية أين هى؟

لقد انتهت المعارضة عما كانت عليه فى بدايتها، كما أكد لى أحد أركانها، حيث توزعت إلى ولاءات خليجية وتركية وفرنسية وأمريكية، ونجح بشار فى أن يظهر وكأنه يحارب الإرهاب الذى أصبح يشكل خطرا على العالم بأجمعه.

وتخلت الأنظمة العربية عن دعم المعارضة السورية، فأصبح الوضع فى سوريا بين ثنائية داعش الإرهابية والنظام، ودخلت روسيا على الخط كداعمة للنظام فى مواجهة الإرهاب. مما أعطى للنظام قوة كان يفتقد إليها، وهى قوة ملتبسة فى الشروط الراهنة. إذ إن سوريا اليوم هى فى قبضة قوى خارجية متعددة ومتناقضة المصالح ومتناقضة فى الآن ذاته مع مصلحة الشعب السوري. يكفى للدلالة على ذلك مئات الآلاف من القتلى والجرحى والمعاقين وعشرات الآلاف الذين ماتوا تحت التعذيب وملايين المهجرين فى شتى بقاع الأرض، وبالأخص فى بلدان الجوار. وإذا كان تنظيم “داعش” يبدو وكأنه فى نهايته، وهو أمر صحيح، فإن المشكلة الأساسية التى ستظهر بعد أن تسكت المدافع، هى سوريا ما بعد الحرب. أية سوريا ستكون فى ضوء الصراع المقبل أو الاتفاق بشروط معينة بين القوى الخارجية التى لكلّ منها موقع فى داخل سوريا. وبرغم كلّ ما جرى ويجرى ففى رأيى بأن المرحلة المقبلة ستكون مرحلة انتقالية يحدد طبيعتها ما هو مشترك بين الوضع فى سوريا والوضع فى العراق والوضع فى لبنان بوجه عام. وإذ أقول مرحلة انتقالية فلكى أشير، ربما فيما يشبه الحلم، بأن ما بعد المرحلة الانتقالية وخلالها، سيكون لمن يعتبرون أنفسهم استمراراً للثورة السورية الأولى دور عليهم أن يستخلصوا فيه الكثير من الدروس من الأعوام المليئة بالكوارث. وهذا الدور لا يستطيع أن يحدده إلا أصحابه انطلاقاً من الوقائع وبنفس طويل.

ولكن المشهد على الساحة السورية يوضح بجلاء وجودا قويا للجماعات الإرهابية من داعش إلى النصرة وغيرها، إضافة إلى الحضور الأمريكى والروسى والتركى والإيرانى؟

ظاهرة داعش لا يقتصر حضورها على الساحة السورية، بل نجدها فى ليبيا واليمن والعراق، وظهرت فى أغلب بلدان العالم. والسؤال الكبير الذى لا أجد جوابا عليه: كيف تحولت ظاهرة داعش إلى حركة بهذا الحجم البشرى المتنوع وقوة التسليح الحديث والقدرة المالية الهائلة؟

حتما هناك من يرعى داعش، وفى تقديرى أن الأنظمة الاستبداية مثل بشار الأسد لعبت على هذه القضية. إذ أراد توصيل رسالة للعالم مفادها، أنا أو الإرهاب أقول ذلك، وأعلن بثقة أنه سيتم التغلب على داعش وستتحرر سوريا والعراق وبلدان أخرى منها. لكن المشكلة هى أن لظاهرة داعش فى بلداننا، قديماً وحديثاً، عناصر أساسية فى صلب الأنظمة الاستبدادية وعناصر أخرى فى تخلف المؤسسات الدينية عن القيام بإحداث التجديد الضرورى فى الإسلام، لمنع استخدام أمثال ظاهرة داعش لبعض نصوص إسلامية تاريخية قديمة. هل تعتقد أن داعش تستند إلى نصوص دينية؟
أشهد أنا الشيوعى ابن رجل الدين والدى الشيخ أحمد أن فى القرآن كثرة كبيرة من الآيات التى تؤكد على القيم الإنسانية فى الإسلام، قيم الحرية والتسامح والاعتراف بالآخر وقيم العقل والمعرفة كما يقول الحديث الشريف: اطلبوا العلم ولو فى الصين. هذه الآيات هى التى على المؤسسات الدينية أن تعتبرها الأساس فى الدين. وباسمها تقوم، ومعها المجتمعات العربية برمتها، باستئصال الحركات السلفية التكفيرية من أمثال ظاهرة داعش.

فى رأيى هذا الكلام فيه تبسيط مخل، حيث لا أتصور أن نظاما مهما يكن حرصه على البقاء، أن يخرب بلاده بهذا الشكل، من أجل الاحتفاظ بالسلطة؟ ولعلنا لاحظنا أن قوات الناتو كانت تضرب فى الجيش الليبى دعما للتنظيمات الإرهابية، وفى اعتقادى أن المنطقة أصبحت على شفا حرب أهلية بفعل فاعل غربى - أمريكى وأدوات محلية ما تعليقك؟

إن النظام السورى لم يعد صاحب قرار، بل ينفذ قرارات دولية وإقليمية، ولكل هذه القرارات نماذجها وأسماؤها، من دون الدخول فى التفاصيل.
إذن المستقبل فى ضوء هذه الحالة الغريبة، عندما تسكت المدافع، وسوف تسكت غدا أو بعد غد، بعد التدمير البشرى والاقتصادي، هذا المستقبل الآتى سيكون مرحلة انتقالية لزمن لا نستطيع تحديد مجيئه فيما يتعلق بسوريا. أما مصر فلها وضع مختلف. لكن ما فعله الإخوان فى مصر سيترك بصماته على المستقبل الآتي. ولن أدخل هنا فى التفاصيل المتصلة بالواقع الراهن فى مصر وفيما يتعلق بمستقبلها. أقول ذلك برغم أننى مقتنع بأن ما قامت من أجله الثورة فى مصر سيتحقق عاجلاً أم آجلاً. لكن شرط تحققه هو أن تتشكل فى شروط جديدة القوى التى ستكمّل ما قامت من أجله الثورة.

وماذا عن الناتو فى ليبيا؟

يبقى أن أشير إلى ما طرحته فى سؤالك حول ليبيا والناتو وأمريكا والإرهاب لأقول إننى مختلف فى هذا الجمع العجيب الغريب من المواقف. فلليبيا وضع خاص مثل سائر البلدان العربية. المهم أن القذافى ذهب. يبقى أن يتمكن الليبيون فى ظل ما يجرى من تدخل خارجي، بما فى ذلك من قبل الأمم المتحدة، المهم أن يتمكن الليبيون أصحاب القضية من مواقع وأفكار ومرجعيات مختلفة من اتفاق فيما بينهم حول مستقبل ليبيا الذى يطمحون إليه. وبرغم أننى كنت وما زلت ضد الشكل الذى تتخذه أمريكا وأوروبا فى مواجهة الإرهاب، فإننى لا أبرئها من دور ما فى جعل هذا الإرهاب باسم داعش يتخذ صفته العالمية. وأود أخيراً لا آخر أن أحمّل المسئولية لما جرى ويجرى فى بلداننا من كوارث سنظل ندفع ثمنها غالياً لزمن، أحمّلها لأنظمة الاستبداد بصيغها المختلفة وللحركات التكفيرية وللمؤسسات الدينية الإسلامية التى لم تقم بدورها فى تحرير الدين من استخدام هذه القوى التكفيرية له ضد قيمه الإنسانية فى أعمالها الإرهابية المتوحشة.

كيف نخرج من هذا المأزق، الذى أسهمت فى دخولنا إليه «الثورات» التى برأتها مما جرى، لكن الواقع يقول إنها أسهمت فى خلق حالة الفوضى والدمار الذى نعيشه؟

أنت تحمل الثورات ما جرى من تدمير وخراب وفوضى وأنا لا أتفق مع رؤيتك . وقد حددت المسئولية عما جرى ويجرى فى جوابى عن سؤال سابق.

كيف الخروج من المأزق الوجودى؟

أختلف معك بشكل كامل عندما تحمل الثورات العربية المسئولية عما جرى.
فالذين قاموا بالثورات هم أناس تعبوا من القهر ومن الجوع ومن الذل وأرادوا التغيير. ولكن المشكلة أنهم عبّروا عن حالة عفوية طبيعية، دون أن يتمكنوا من توفير الشروط لإحداث التغيير. كيف تحملهم المسئولية بينما الأنظمة الاستبدادية هى من واجهت الثورات بوحشية .

أنا أحمل المسئولية للمخطط الخارجى الذى جرى واستغل حاجة الناس، ويمكنك الرجوع إلى «وليام أنجدال» ومذكرات «هنرى ليفى»، فمنذ غزو العراق حتى الآن ربيع معولب خارجيا - ما تعليقك؟

عندى رأى أعلنته مرارا وأكدته فى كتاباتى، أن بلداننا العربية لم تتحرر منذ استقلالها حتى الآن من الدور الخارجى، كأنظمة وقوى سياسية. لكن لكل مرحلة وضعها الخاص، وظروفها الخاصة .
إذا لم نأخذ ذلك بعين الاعتبار نكون مخطئين. لكن فى الوقت نفسه، علينا أن نحمّل المسئولية لمن استبدوا فى بلداننا منذ الاستقلال حتى الآن.
هذه الأنظمة هى المسئولة عن التدخل الخارجى، وهى المسئولة عن ولادة «الداعشية» وأمثالها، وهى المسئولة عن استمرار الحالة الراهنة.
انطلاقا من هذا التقييم الموضوعى علينا أن نفكر كيف نتابع المعركة، آخذين بعين الاعتبار الوضع الذى نحن فيه. لكن علينا أن نكون واقعيين. والواقعية تجعلنا نرى كيف ستنتهى هذه الحروب.
وكما أرى بالعين المجردة فإنها ستنتهى بتدخلات. أى أن التدخل الخارجى هو الأساس فى حل هذه الحروب، بصيغه المختلفة وتناقضاته، من أمريكا وأوروبا إلى روسيا ومن تركيا ودول الخليج إلى إيران .

وماذا عن لبنان؟

فى لبنان انتهت الحرب الأهلية ولكننا ندفع ثمن الحرب الأهلية فى سوريا، وندفع ثمن التدخلات فى سوريا ولبنان، حيث تتحكم فى لبنان مجموعة من أمراء الطوائف وزعوا البلد إلى حصص فيما بينهم.

لقد قلت للشباب، ما العمل لكى نخرج لبنان مما هو فيه منذ زمن طويل، وبشكل خاص فى الزمن الذى أصبح فيه لبنان مرهوناً إلى ما ستنتهى إليه الحرب فى سوريا. اقترحت على الشباب أن يسهموا فى تأسيس تيار ديمقراطى مدنى عابر للطوائف كمدخل لإحداث التغيير. لكن المهمة صعبة وتحتاج إلى زمن ضروري. ونحن محكومون بالأمل وبالعمل لتحقيق هذه المهمة. أرى أن هذه التجربة فى لبنان التى أشرت إليها يمكن أن تتكرر فى أى من بلداننا العربية، مع مراعاة ظروف ومعطيات واقع كل بلد.

ما تقييمكم لتجربة حزب الله فى لبنان؟
حزب الله لعب دورا كبيرا فى المقاومة. وكنا خصوماً فى البداية. فنحن كيساريين من أطلق المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلى . وكان لنا دور أساسى فى إخراج الاحتلال من العاصمة ومن مناطق عديدة وصولاً إلى الشريط الحدودي. لكن حزب الله جاء بقرار إيرانى - سورى لمنع المقاومة ذات الطابع اليسارى واحتكر المقاومة حتى تحرير الأرض المتبقية من الاحتلال. وكانت لمقاوميه بطولات علينا أن نعترف بها موضوعياً حتى، ونحن نرى أن الحزب أخطأ بعد التحرير بالاستمرار فى البقاء على سلاحه، بدلاً من أن يفعل كما فعلته جميع المقاومات فى العالم. إذ سلّمت سلاحها للدولة انطلاقاً من أن مرحلة ما بعد التحرير مختلفة عن مرحلة ما قبل التحرير. فبعد التحرير الدولة هى المسئولة وحدها عن كل ما يتصل بالدفاع عن الحدود وبكل ما يتصل بوظائفها كدولة تعنى بشئون البلاد فى جميع المرافق وتهتم بحياة المواطنين. وقد كان لهذا الخطأ الذى ارتكبه الحزب فى البقاء على سلاحه، مفاعيله التى جعلت الوضع فى البلاد فى حالة عدم استقرار وانقسامات وصراعات وخراب لكل مرافق الحياة. وبالطبع فمن الخطأ تحميل المسئولية عن ذلك لحزب الله وحده. فجميع القوى فى السلطة وخارجها تتحمل المسئولية عن الوضع الصعب الذى يعيش فيه لبنان اليوم وربما لزمن لا أستطيع تحديده.
تقييمك لحرب يوليو 2006 مع إسرائيل؟

كتبت أثناء حرب تموز «يوليو» خمسة مقالات فى جريدة «لومانتيه» الفرنسية، وجهت خلالها نقدا صريحا لقيادات حزب الله، لأنها استدرجت إسرائيل إلى حرب دمرت لبنان.
وخلال لقاء مع أحد قيادات حزب الله وكان وزيرا وصديقاً، قلت له إن ما قاله السيد حسن نصر الله خلال الحرب «لو كنت أعلم ..» يعنى أنه يعترف بالخطأ الذى أشرت إليه. وأضفت قائلاً: كيف تقتلون جنوداً وضباطاً إسرائيليين داخل الأراضى الإسرائيلية وتتوقعون أن إسرائيل لن ترد. وكان من نتائج ذلك الخطأ تدمير لبنان. وقلت له إننى وأنا أوجه هذا النقد لموقف حزب الله فى الحرب، فإننى أقدر تقديراً عالياً البطولات التى اجترحها مقاومو حزب الله، وأعتز بتلك البطولات.

البعض يرى أن ما سمى بالربيع العربى كان شتاء إسلاميا، ويؤكد ذلك أنه أسهم فى الحضور السياسى القوى للإخوان المسلمين فى مصر وتونس وليبيا وسوريا؟

ما جرى فى تونس ومصر وليبيا أن حركة الإخوان كانت القوى السياسية الأكثر تنظيما، أما فى سوريا فالإخوان كانوا جزءا ضعيفاً من المعارضة، وهم ليسوا مع حركة النصرة أو داعش. وفى اليمن الحوثيون هم فئة من الزيديين كفرقة إسلامية تحولوا خلال الحرب فى اليمن إلى حلفاء لإيران وتحالفوا مع خصمهم التاريخى على عبد الله صالح. ولا حل لهذا الوضع إلا بتسوية سياسية بدور أساسى للأمم المتحدة.

وحزب الإصلاح اليمنى فرع للإخوان؟

الوضع فى اليمن مختلف. وليس لدى جواب عن سؤالك لعدم معرفتى بحركة الإصلاح.

أكرر .. لماذا الإسلام السياسى؟

التنظيمات التى كانت لديها قواعد منظمة وتملك أموالا هى جماعات الإسلام السياسي. لذلك استولت على الثورات وجرى ما جرى .

بماذا تفسر موقف الرئيس الأمريكى السابق باراك أوباما الداعم للإسلام السياسى؟

هذ سؤال كبير . عندما صعد أوباما إلى السلطة أوحى لنا بأنه سيحدث تغييرا كبيرا فى السياسة الأمريكية تجاه المنطقة. وإذا به يتحول إلى داعم للإخوان المسلمين. وهذا أمر مثير للعجب. أرى أن أوباما اعتبر أن الإخوان المسلمين قوة أساسية يمكن أن تشكل نوعاً من الاستقرار للمنطقة، ولهذا راهن عليهم . وهو خطأ فادح لا تزال مصر تدفع ثمنه.
بالتأكيد هناك دور لأمريكا لم تتخل عنه فى منطقتنا العربية، حيث الثروات الطبيعية . وهذا ما تؤكده مجريات الأحداث سواء ما فعل أوباما أم ما يفعله ترامب الآن تجاه المنطقة .
وهنا وفى ضوء ظاهرة داعش والموقف الملتبس لأمريكا بالذات فى المنطقة، يطرح سؤال من أين جاء داعش ومثيلاته ومن موّله وسلّحه ونشره فى العالم. نحن أمام ضرورة استثنائية لاعادة تحديد ما هو الإسلام، واستخراج القيم الأساسية من القرآن التى تعبر عن مفاهيم الإسلام الحقيقية . وبالطبع لست من يقوم بهذه المهمة، بل يقوم بها من نعتبرهم الإسلاميين المستنيرين، وهم موجودون فى عالمنا العربى والإسلامي.

إن المؤسسات الدينية العريقة مثل الازهر وغيره تظهر منها من وقت لآخر مواقف تشير إلى أنه آن الأوان لتجديد الخطاب الدينى، وهذا أمر جيد. لكن فى تقديرى أن هذه المؤسسات وحدها لن تقوم بتجديد الخطاب الديني، وإن قوى المجتمع بتياراتها المختلفة، لا سيما المدنية منها، هى التى عليها أن تقف إلى جانب القوى الدينية المستنيرة، من أجل جعل عملية التجديد فى الدين عملية حقيقية وليس مجرد شعارات.

وما الحل؟

لم يعد هناك حل سوى أن نطبق ما جاء فى النصوص القرآنية من قيم التسامح وحق الاختيار مثل لا إكراه فى الدين ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، و«لست عليهم بمسيطر إنما أنت مذكر. وهناك الكثير من هذه القيم فى القرآن، يجب اعتمادها كأساس فى الإسلام. وأذكّر هنا بحديث شريف للنبى محمد قرأته فى كتاب للعلامة اللبنانى الشيخ عبد الله العلايلى «أين الخطأ». يقول الحديث «يرسل الله للمسلمين كل مائة عام من يجدد لهم دينهم».

لماذا تحول بعض من عناصر اليسار خصوصا المتطرف منهم إلى اعتناق فكر الليبرالية المتوحشة؟ ولماذا انحاز بعضهم للإسلام السياسى فى ثوراتهم؟

ليست لدى إجابة حول أسباب انحيازهم للإسلام السياسى . أما سبب تحولهم إلى الليبرالية، فمرجعه إلى أنهم خرجوا من التجربة الشيوعية بعد انهيارها بقناعة مفادها أن كل ما جاء فى التجربة لم يكن واقعياً، فضلاً عن أن التجربة كانت حافلة بعناصر الخلل النقيضة لقيم الاشتراكية. وهى العناصر التى قادت التجربة إلى الفشل، وخلقت حالة من اليأس والإحباط عند الذين كانوا جزءا من التجربة أو على هامشها فى بلداننا وفى سائر بلدان العالم.

أنا استشهدت فى أحد كتبى بنصين مهمين أحدهما للينين والآخر لبليخانوف. بليخانوف كتب فى وصيته التى أصدرها فى عام 1918 عام وفاته متوجهاً إلى ماركس قائلاً ما معناه إن الطبقة العاملة التى جعلها ماركس فى مشروعه لتغيير العالم حاملة تحقيق هذا المشروع، لم تعد اليوم كما كانت عليه فى زمن ماركس. إذ أصبح للأنتلجنسيا فى التاريخ الذى يتحدث فيه بليخانوف دور أساسى من دون أن يلغى الدور للطبقة العاملة فى التغيير. بل هو يجعلها شريكة لقوى أخرى ولّدتها العلوم والتقنيات الحديثة.

وعندما انتصرت الثورة البلشفية وانتهت الحرب الأهلية وأصبحت السلطة للعمال والفلاحين قال لينين فى حديث لقادة التثقيف فى الحزب الشيوعى ما مفاده. إننا فقراء وروسيا مدمرة، كيف نعيد إعمارها، بما لا نملك من إمكانات . ويجيب لينين عن هذا السؤال بالقول إنه لا غنى عن استدعاء الرأسمال الروسى الهارب، واستدعاء الرأسمال الأمريكى والعالمى، وسوف يأتى هذا الرأسمال بشروطه وليس بشروطنا. وهذا أمر مجحف. وعلينا أن نقبله. أما أن نقبله لنعمر بلادنا المدمرة أو نظل فقراء. وعندئذ سنكون فى حالة صراع بين سلطة العمال والفلاحين وبين الرأسمال. وعلينا أن نحافظ على التوازن بين هاتين القوتين. فإذا فشلنا وانتصر علينا الرأسمال فى هذا الصراع وفى هذه الظروف التاريخية بالذات فإن علينا أن نستقبل فشلنا بدم بارد”.
لقد استنتجت من هذه المقولات أن الموقف المطلق ضد الرأسمالية خطأ، لأنه دون رأسمالية لا يمكن البناء، وأن المعركة مع الرأسماليين ليست حقدا طبقيا، بل معركة لكى نفرض على الرأسمالى أن يسهم فى عملية بناء بلداننا تحت قيادة الدولة المدنية الحديثة وبمشاركة المجتمع بمؤسساته السياسية والاجتماعية والثقافية.

كيف تقيم تجربة عبد الناصر؟

أرى أن عبد الناصر كان أسير أحلامه، التى وضعها فى كتاب فلسفة الثورة. ولكى يحقق تلك الأحلام قام بعدد من المغامرات بدءا من الوحدة مع سوريا مرورا بحرب اليمن وانتهاء بنكسة يونية 1967 .
ترى أن الوحدة مع سوريا مغامرة؟

إنها مغامرة بالتأكيد مرتين. مرة لأنها جرت بسرعة ومن دون مراعاة للشروط المختلفة بين البلدين، ومرة لأنها اقترنت بحلّ الأحزاب وباعتقالات للمعترضين على صيغة الوحدة من دون الاعتراض على مبدئها. وسادت فى تلك المرحلة حملة اعتقالات فى سوريا كان القسط الأكبر منها للشيوعيين الذين مات بعضهم تحت التعذيب وفى مقدمتهم القائد الشيوعى اللبنانى فرج الله الحلو الذى جرى تذويب جسده فى الأسيد. وجرت اعتقالات فى مصر للشيوعيين ومات تحت التعذيب عدد منهم كان فى مقدمتهم القائد الشيوعى شهدى عطية الشافعي. ثم انتهت تلك الوحدة “المغامرة” بالفشل بعد ثلاث سنوات تأسس بعدها نظام استبدادى فى البلدين وما تلا ذلك من أحداث.

لكن هذه الملاحظات التى أقدمها جواباً عن سؤالك حول الرئيس عبد الناصر فإننى لا أستطيع إلا أن أشير إلى الخصائص التى تميّز بها هذا القائد التاريخى لمصر برغم كل الأخطاء التى ارتبطت بعهده.

ما ظروف انضمامك للحزب الشيوعي؟

بدأت منذ شبابى الباكر فى سن الخامسة عشر بكثرة من الأسئلة حول واقع بلداننا، وصادف ذلك نهاية الحرب العالمية الثانية. صنفت نفسى قومياً عربياً ديمقراطياً معادياً للعنصرية محترماً لبطولات الجيش السوفيتى فى الحرب العالمية. وفى عام 1947 أرسلنى والدى إلى العراق لمتابعة دراستى الثانوية فى مدارسها برعاية ابن عمه المفكر التراثى حسين مروة. وكانت قد حدثت وقائع سياسية فى لبنان وفى أكثر من بلد عربى أثارت استنكاري. وكان أبرزها فى لبنان تزوير الانتخابات ومخالفة دستور الجمهورية. ثمّ تبع ذلك قرار تقسيم فلسطين. وكان لفلسطين فى حياتى وفى وجدانى موقع كبير. فكتبت مقالاً فى جريدة “الرأى العام” لصاحبها الشاعر الكبير محمد مهدى الجواهرى فى شهر ديسمبر بعنوان “لا بد من ثورة”. ثم حصلت انتفاضة شعبية فى العراق شاركت فيها. لكنها انتكست بسبب الخلافات بين القوى السياسية الشيوعيين والقوميين العرب. وتلت ذلك الحرب العربية فى فلسطين لمنع قرار التقسيم والهزيمة النكراء التى منيت بها الجيوش العربية وتضييع فلسطين. جميع هذه الأحداث قادتنى إلى التحول بصفتى قومياً عربياً إلى الفكر الاشتراكي. وكان أول نص قرأته هو “البيان الشيوعي”.

«من كل حسب قدرته .. ولكل حسب حاجته» شعار يرى البعض أنه كان أحد أسباب انهيار التجارب الاشتراكية.. ما تعليقك؟

كارل ماركس فى كتابه “نقد برنامج جوتا”، الذى وجهه للحزب الاشتراكى الألمانى قال إن «دزينة برامج رائعة فى نصها لا قيمة لها على الإطلاق مقابل برنامج يضع مهمات قابلة للتحقيق». ويقول ماركس فى الكتاب ذاته: إنه عندما نتحدث عن المساواة، إذا أطلقنا المساواة، نكون مخطئين، لأن المساواة فى جوهرها تعنى المساواة فى الفرص. لا يمكن أن نعتبر أن جميع الناس متساوون. على العكس من ذلك، ليس من الممكن أن يكون الكفء وغير الكفء متساويين.

أما ما بعد التاريخ الذى تحدث عنه إنجلز عن الشيوعية القادمة «من كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته»، هذا كلام إذا أخذناه بحرفيته يمكن اعتباره كلاماً شعبوياً. لكن عندما تحدث إنجلز عن هذه المسألة، تحدث عن الحلم الطوباوى الذى كان دائما يحكم حركة التاريخ، ولكن دون أن نكون أسرى اليوتوبيا .

نفكر، نحلم بأن نصل إلى ذلك، مع احترامنا الحقيقى للوقائع التى نحن فيها، هكذا إذا أردنا أن يحدث التغيير. وإذا كنا نريد تحويل أحلامنا إلى حقائق نكون نعمل ضد أفكارنا، أى نكون شعبويين. ونكون بذلك متناقضين مع فكر ماركس.

وماذا عمن يرى أن جزءا من أزمة اليسار العربى تعود إلى علاقته الملتبسة بكل من الدين والعروبة؟

لا أعتبر أن اليسار، اليسار الشيوعى تحديداً، كان منذ ثورة أكتوبر 1917 وحتى قبل قيامها فى موقع العداء للدين. إذ اعتبر لينين أن المشروع الاشتراكى هو مشروع سياسي، وأن المنتمين إليه إنما ينتمون إلى برنامجه السياسى بمعزل عن العقائد التى ينتمون إليها. ورحّب فى أحد مقالاته بالكاهن للانتماء إلى الحزب الاشتراكى الديمقراطى إذا كان موافقاً على برنامجه السياسي. وهذا الموقف الأساسى للشيوعية ظلّ من حيث المبدأ هو ذاته، برغم أن ستالين خرقه عندما هدم كنيسة على شاطئ نهر موسكو وبنى منتجعاً سياحياً بديلاً منها. لكن الشيوعيين فى بلداننا كانوا من حيث المبدأ أمناء لموقف لينين وليس لموقف ستالين. ولم يدمجوا فى موقفهم من المؤمنين بين الموقف الفلسفى عند ماركس الذى جاء فى أحد نصوصه فى وصفه للدين بأنه “أفيون الشعب”، وبين المحتوى السياسى لبرنامج الحزب الشيوعى فى كل بلد وفق شروطه.

وماذا عن مقولة «الدين أفيون الشعوب»؟

فهمى يختلف عن المتداول لنص ماركس حول “الدين أفيون الشعب”. إذ هو يعتبر أن من حق المؤمنين أن يلجأوا إلى ما يريحهم، بما فى ذلك فى اللجوء إلى الغيبيات وإلى الدين تحديداً ما داموا لم يجدوا حلولاً لمشكلاتهم، ومنها على وجه الخصوص حقهم فى الحياة الكريمة والعيش الكريم. وهى المهمة الأساسية للحركة الشيوعية. ومعروف أن ماركس وإنجلز فى أحد نصوصهما اعترضا على التهجم على الدين من قبل الهيجليين الشباب، معتبرين أن الدين هو الوعى الأول للبشر منذ فجر التاريخ.

لكن الناس اعتبروا هذه المقولة مقدسة؟

أذكر فى هذا السياق أن إحدى منظمات حزبنا الشيوعى فى الخمسينيات فى أحد الأرياف كانت تتفق مع راعى الكنيسة فى الدعوة إلى عقد اجتماع الخلية عبر دقات معدودة من جرس الكنيسة. وكانت للحزب الشيوعى العراقى فى النجف علاقة مع العديد من رجال الدين. وكان الأمر كذلك بالنسبة للحزب الشيوعى السوداني.
وأود هنا أن أتوقف عند حدثين فى تاريخ حزبنا اللبناني. الحدث الأول يتمثل فيما اعتبرناه نحن الجيل الثانى فى قيادة حزبنا ثورة التجديد فى فكر وسياسات وأشكال نضال الحزب باسم الاشتراكية فى صيغتها المعاصرة. وهى الثورة التى قامت فى عام 1966 وانتهت بعقد مؤتمر الحزب فى عام 1968 الذى صدرت عنه مجموعة من الوثائق تكرّس مفهومنا الجديد المختلف للاشتراكية. الحدث الثانى يتمثل فى المحاضرة التى دعيت لإلقائها فى عام 1993 فى مركز الإمام الخومينى الثقافى فى بيروت لمناقشة رسالة الخومينى إلى جورباتشوف التى دعاه فيها إلى التخلى عن الشيوعية والدخول فى الإسلام. سألت يومها رجل الدين المشرف على المؤسسة كيف يريدنى أن أناقش تلك الرسالة وأنا فى الموقع المختلف. فقال لى من دون تردد نريد منك من موقعك أن تعطى رأيك بهذه الرسالة بكامل حريتك. فألقيت المحاضرة وطرحت فيها موقف حزبنا من الدين وموقف الشيوعية بشكل عام من الدين، وانتقدت فى المحاضرة بعض مواقف آنية، لأحزابنا الشيوعية من الدين نقيضاً للموقف الأصلى لماركس وإنجلز ولينين وللشيوعية من الدين. وأعلنت للحاضرين بأن دعوة الخومينى لجورباتشوف للتخلى عن الشيوعية بكل ما ارتبط بها من قيم والدخول فى الإسلام، وتحديداً لمفهوم الخومينى للإسلام وهو مفهوم خاص به، ويختلف فى كثير من النصوص والمفاهيم عن القيم الأساسية فى الإسلام، أعلنت أن تلك الدعوة فى غير مكانها. ولم أشأ أن أدخل فى نقاش حول رأيى فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولا فى رأيى فى ولاية الفقيه أننى أعتبرها بدعة إيرانية.

هذه علاقة اليسار بالدين.. ماذا عن العروبة؟

فيما يتعلق بموقف الشيوعيين من العروبة ففيه التباس لا بد من توضيحه. ذلك أن الأحزاب الشيوعية العربية فى المشرق تحديداً كانت مع قرار تقسيم فلسطين الذى اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة، بخلاف موقفها السابق ضد التقسيم، وذلك بناء على طلب رسمى مع الإصرار من قبل الاتحاد السوفيتى الذى وافق على قرار التقسيم. الأمر الذى أعطى الانطباع بأن للشيوعيين العرب موقفاً ملتبساً من المفهوم العام للعروبة وللقومية العربية. وإذا كان الشيوعيون قد اتخذوا ذلك الموقف المشار إليه، فإنه لا يلغى ما ارتبط بتاريخ الأحزاب الشيوعية العربية من نضالات حول كل القضايا العربية، وفى مقدمتها قضية فلسطين. وأذكّر فى هذا السياق من لا يعرف التاريخ بأن الحزبين الشيوعيين السورى اللبنانى والفلسطينى فى عام 1932 أصدرا بياناً أكدا فيه انتماءهما الأساسى للعروبة وطنهم الجامع ودعيا إلى وحدة عربية فيدرالية ديمقراطية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.