الإرهاب أعلن الحرب على أوروبا كلها.. وشن 46 هجمة الإرهابيون لديهم أجندتهم الخاصة ويعرفون كيفية انتهاز الفرص الدعاية والإعلان أبرز أسلحة الجهاديين على الإنترنت
تعددت الجرائم الإرهابية في أوروبا، لتصبح مسرحا جديدا للأحداث بعد ما كان الوطن العربي فقط هو الهدف الرئيسي.. في تقريره الأخير الذي أصدره مركز تحليل الإرهاب في أوروبا، أورد فيه أرقاما تكاد تكون مفجعة، فبرغم كم الاحتياطات الأمنية الهائلة التي تتخذها الدول الغربية، فإنها لم تسلم مما زرعته بأيديها، خصوصا عندما نعرف أن هناك 24 حادث اعتداء وقع بالفعل فى الفترة بين عامي 2013 و2016 بخلاف 64 محاولة اعتداء أخرى، تم التصدى لها فى نفس الفترة.
جون شارل بيزار أحد الباحثين المهمين فى مجال الإرهاب العالمى يضع علامة استفهام كبيرة حول ما يحدث فى العالم بشكل عام، وفى أوروبا بشكل خاص. فمن وجهة نظره لا يوجد أى دليل على أن التهديد الإرهابى فى أوروبا سيتضاءل على الرغم من ضعف التنظيم الإرهابى، فيوما بعد يوم وبعد هجمات بلجيكا أصبحت لندن التى كانت توصف بأنها أكثر الأماكن أمانا فى العالم هدفا للعمليات الإرهابية المتعددة، والمسألة لم تأت محض مصادفة فالإرهابيين على حد تعبيره لديهم أجندتهم الخاصة ولكنهم لا يعيرون التواريخ أهمية تذكر كما فى الغرب أنهم فقط ينتهزون الفرص وما أكثرها. ففى يوليو 2005 عندما استهدفت قنبلة مترو أنفاق لندن وقتلت 56 شخصا بضربة واحدة، تصبح الرسالة المراد توصيلها إلى العالم أجمع، أن إنجلترا خصوصا لندن أصبحت هدفا للإرهاب ولا يجب الاعتماد على أن غياب الهجمات المميتة منذ عام 2013 على الأراضى البريطانية معناه أن المملكة المتحدة لم تعد مركزا لتهديد الإرهابيين، ولكن الواقع يؤكد أن إنجلتراوالولاياتالمتحدة تعدان من الأهداف الرئيسية لتهديدات الجماعات الإرهابية. فمنذ عام 2013 تم إحباط 13 هجوما من قبل السلطات، كما وقع هجوم بالسكاكين قام به مجموعة من المتعاطفين مع داعش أدى إلى إصابة 3 بجروح فى عام 2015. وفى الوقت الذى وقعت فيه هجمات بروكسل فى مارس 2016 كانت الجماعات الإرهابية تدرس القيام بعمليات أخرى، تشمل أهدافا مختلفة بما فى ذلك بريطانيا نفسها فإن هذه العمليات لم تكتمل.
وبجانب العمليات الإرهابية التى تم العدول عنها فى آخر لحظة أو التى يتم إحباطها، فإن هذه الجماعات تستخدم سلاحا غاية فى الخطورة خصوصا فى الدول الغربية، وهو سلاح الدعاية أو ما جرى العرف على تسميته بالبروباجندا الإعلامية، التى تستهدف البلاد بشكل منتظم من قبل هذه الجماعات خصوصا عن طريق الإعلان دوما عن أنهم هم الذين يقفون وراء أى تفجير هنا أو هناك أو عن طريق الذين يدعون علانية وعن طريق الإنترنت إلى ضرب البلاد. وقد حاولت هذه الجماعات خصوصا داعش فى مناسبات عديدة تنظيم هجمات على الأراضى البريطانية، ولكن دون جدوى. وفقا لعدة شهادات، فإن عدم تمكنهم من القيام بعمليات واسعة النطاق يرجع إلى صعوبة إقناع الإرهابيين بالقيام بعمليات قتل وإرهاب على ترابهم الوطني، وإن كانت بريطانيا تعد ثانى الدول التى لديها عدد لا بأس به من الإرهابيين المتطوعين الذين يقدر عددهم بنحو 600 مقاتل، وهى هنا تأتى فى المرتبة بعد فرنسا، ما يؤكد أن هناك بعدا أمنيا أكبر لدى المقاتلين البريطانيين أكبر من المقاتلين الفرنسيين أو البلجيكيين الذين لديهم استعداد أكبر لضرب بلادهم.
ويوجد فى بريطانيا العديد من أنصار الجماعات الجهادية والمتعاطفين معهم كما كشفتها التحقيقات التى أجريت عقب تفجيرات باريسوبروكسل. فمحمد عبرينى الذى يعد أحد الكوادر اللوجستية فى هجمات باريس، ذهب إلى برمنجهام فى شهر يوليو 2015 بناء على طلب من عبد الحميد أبا عود لاستعادة الأموال التى وفرها المتعاطفون مع داعش. وقد خلصت الدراسة التى أصدرها مركز تحليل الإرهاب فى فرنسا، إلى أن الإرهاب أعلن الحرب على أوروبا كلها بعد أن كان يستهدف فقط فرنساوبلجيكا وألمانيا ولندن. الدراسة تشير أيضاً إلى أنه فى الفترة ما بين 2013 و2016، وكانت أوروبا مسرحا لهجمات مخططة بلغت 64 هجمة منهم 24 هجوما و6 محاولات فاشلة، كان لها ارتباط وثيق الصلة بما يحدث على الأراضى السورية والعراقية.
وكانت الفاتورة أعلى من ذلك بكثير فى باقى البلدان الغربية مثل الولاياتالمتحدة وأستراليا وكندا. واستهدفت هذه الهجمات العديد من الدول الأوروبية مثل فرنساوبلجيكا وألمانيا والمملكة المتحدة، وأيضا السويد والدانمارك وإسبانيا وإيطاليا والنمسا. وأصبح ضرب أوروبا أولوية بالنسبة لداعش لثلاثة أسباب: مشاركة عدة دول أوروبية فى التحالف العسكرى الدولى ضد داعش، ووجود عدد كبير من الجهاديين الأوروبيين فى مسرح العمليات السورية العراقية بلغوا نحو 2800 جهادى وفق آخر الإحصائيات. أما السبب الثالث والأخير فهو قرب أوروبا مع مسرح العمليات الإرهابية فى سورياوالعراق.
من جانب آخر يأتى حادث مطار أورلى الذى حاول فيه مهاجم قتل جندى قبل أن يتم إطلاق النار عليه، ليلقى الضوء على أن العنف الجهادى أصبح موجودا فى الأماكن العامة، وعلى أوروبا أن تتعايش يوميا مع هذا فى العقود المقبلة. فأوروبا الآن تواجه ثلاثة أنماط من العمليات الإرهابية: النمط الأول هو التهديد المباشر والمنظم مثل هجمات باريسوبروكسل والنمط الثانى هو التهديد الموجه، والذى يشبه "الطائرات بدون طيار" الذى يتمثل فى وجود اتصال بين الإرهابيين الموجودين فى مسرح العمليات ومؤيديهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، واستخدام الرسائل المشفرة وإرسال التوصيات وتحديد الأهداف والذى تمثله غالبية الهجمات التى تم التخطيط لها فى فرنسا عام 2016. وأخيرا التهديد المستوحى من الدعاية لهذه الجماعات الذى لا يزال بعيدا إلى حد ما عن أرض الواقع، حيث يستخدم المهاجمون فى هذه الهجمات أدوات بدائية مثل السكاكين والدهس بالسيارات، حيث تظل النتيجة الوحيدة لهذه الهجمات عشوائية وقد تكون مميتة مثل استخدام القنابل وأسلحة الحرب مثلما حدث فى هجوم نيس الذى وقع فى 14 يوليو 2016. وقد تكون بلا نتيجة إذا لم يستطع الجانى التصرف أو التحكم فى أداة القتل التى يستخدمها، فضلا عن أنه من السهل القبض عليه والتعامل معه سريعا من قبل الموجودين خصوصا قوات الشرطة وذلك على عكس الهجوم بالقنابل.
الواقع الآن يشير إلى أن التهديدات ستتطور لمحاولة إعطاء قبلة الحياة مرة أخرى للهجمات الإرهابية، فإن ذلك سيبوء بالفشل لعدة أسباب: أولا بسبب الخسائر الإقليمية والبشرية التى لحقت بمجموعة الدواعش، والتى كان الهدف منها إضعاف وتعطيل قدرتها على إنشاء كوادر إرهابية جديد لشن هجمات فى أوروبا. ثانيا: أجهزة الاستخبارات الغربية تدريجيا خبرة أكثر – عما كانت عليه من عامين - فى معرفة الشبكات التى تشكل تهديدا حاليا، وبالتالى يمكن أن تكون أكثر فاعلية. ومع ذلك، فإنه نظرا لعدد الجهاديين الأوروبيين الذين يشاركون الآن فى سورياوالعراق، فإنه ينبغى أيضا أن يوضع فى الاعتبار وجود عواقب، لذلك سوف تستمر لفترة طويلة ففى تاريخ الجهاد المعاصر فإن المسألة لا تقتصر فقط على التهديدات المباشرة ولكنها أيضا تشمل التطرف. فمن المرجح أن يعود هؤلاء المقاتلين للقيام بأنشطة الدعاية والتبشير وتجنيد مقاتلين جدد.
والسؤال الآن يدور حول أسباب زيادة الهجمات أخيرا، برغم الضعف العام الذى يعانى منه داعش فى سياقها العام فهل ذلك يعد لفتة رمزية لا تعدو كونها مجرد "صحوة موت"؟ والإجابة، أنه فى السياق الحالى من الضعف العام لداعش عسكريا، أصبحت هذه الهجمات حيوية لها من أجل عدم وقف الزخم الذى تعيش فيه منذ أكثر من 3 سنوات مع إعلان الخلافة ومع ذلك، الهجمات التى تقوم بها الدولة الإسلامية ضد الدول الغربية هى جزء من سلسلة متصلة بدأت قبل الهجوم فى الموصل، لذا أصبح من الضرورى تحليل هذا الإجراء على أنه أمر على المدى الطويل وليس ظاهرة مؤقتة، فتهديد داعش هو تهديد متأصل منذ نشأته وهو يتناسب مع طبيعة وجودها كجماعة جهادية كما تطلق على نفسها.
وبناء على وجهة النظر هذه، نجد أن إرهابى فرنسا قد قاموا بتنفيذ هجماتهم فى فرنسا قبل إعلان الخلافة فى يونيو 2014 وحتى قبل قيام ما يسمى الدولة الإسلامية فى العراق والشام فى إبريل 2013 إذ إن أولى الهجمات كانت فى 22 يناير 2013، ليستمر التهديد وتستمر الهجمات إلى وقتنا هذا.
نأتى للسؤال الأخير الذى تطرحه الدراسة وتجيب عنه هو: هل يكفى تدمير داعش لوقف العمليات الجهادية؟ والإجابة أنه تمت هزيمة داعش عسكريا بشكلها الحالي، كما أنها تفقد تدريجيا معاقلها الرئيسية فى العراقوسوريا كما أنها لم تعد قادرة على الاعتماد على قدرتها على الاستقطاب التى كانت المحرك الرئيسى لها، ومع ذلك فإن تدمير هذه المجموعة فى شكلها الحالى لن ينهى التهديد الإرهابى الذى تقوده ومع ذلك، فهذه المجموعة ستعود على الأرجح ولكن تحت الأرض وستظل على أى حال حاضرة فى المنطقة وستستمر جهودها للدعاية والتحريض.