بوكو حرام والقاعدة وراء التعمق الإسرائيلى فى إفريقيا بحجة القضاء عليهما الدول الإفريقية قطعت علاقاتها مع إسرائيل عام 73 لكن المصالح لم تتوقف
جاءت زيارة الرئيس الرواندي السابق بول كاجام لواشنطن في السادس والعشرين من مارس الماضي، كضيف شرف المؤتمر السنوي ل"أيباك" كفرصة ذهبية لكي يؤكد قوة علاقة بلاده بإسرائيل ووصف رواندا بأنها صديق وحليف لها. ويعد كاجام بهذا هو أول رئيس دولة إفريقية يلقي كلمة في أكبر منظمة أمريكية مؤيدة لإسرائيل هي منظمة الأيباك وهي اللجنة الأمريكية الإسرائيلية للشئون العامة، وهي أقوى جمعيات الضغط على أعضاء الكونجرس الأمريكي. هدفها تحقيق الدعم الأمريكي لإسرائيل. وقد أرسلت دعوة للرئيس الرواندي لإلقاء كلمة بها فما كان منه إلا تلبية الدعوة والإشادة القوية بإسرائيل والتأكيد على نجاحها وأحقيتها في الوجود والازدهار كعضو كامل العضوية في المجتمع الدولي. العلاقات الجيدة التي تجمع بين إسرائيل ورواندا ليست بالجديدة، فمنذ الزيارة التي قام بها كاجام للقدس عام 2013 تعززت العلاقات بين البلدين واللتين تشتركان في نفس الماضي المأساوي، على حد تعبير مجلة جيوبوليتيك الفرنسية التي أوردت التقرير. وقد توطدت الصداقة بين البلدين عندما امتنعت رواندا عام 2014 عن التصويت على قرار الأممالمتحدة، الذي يدعو إلى إنهاء الاحتلال في الأراضى الفلسطينية.
حلفاء جدد بالطبع لم يكن من السهل الوصول لعلاقات جيدة بين الدول الإفريقية وإسرائيل بسبب دعم هذه الأخيرة لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، إضافة إلى حروبها مع الدول المجاورة وهو ما دعا إسرائيل لتعزيز علاقاتها السياسية والاقتصادية. فلا تخفى على أحد الجولة التاريخية التي قام بها بنيامين نيتانياهو في يوليو من العام الماضي في شرق إفريقيا بما في ذلك أربعة بلدان من بينها رواندا وذلك للبحث عن حلفاء جدد، حيث تم إبرام العديد من الاتفاقيات. لم يكن الهدف فقط من هذا التقارب هو المصالح الاقتصادية بل سعي إسرائيل إلى كسب تأييد الدول الإفريقية في المحافل الدولية، خصوصا أن العديد من البلدان تتطلع إلى فتح أبوابها مع إسرائيل وهو الحلم الذي استغلته إسرائيل لتحقيق حلمها هي أيضا في ضمان مصالحها السياسية والأهم مصالحها الاقتصادية. واستلزمت العودة الإسرائيلية إلى المشهد الإفريقي أكثر من 40 عاما، عندما رفرف علم زامبيا فوق تل أبيب لتصبح الدولة الرابعة عشرة التي تفتح سفارة لها في إسرائيل. كانت إفريقيا قد قطعت كل علاقاتها مع إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973 عندما طلب منهم الرئيس المصري الراحل أنور السادات الدعم والتضامن وذلك أثناء انعقاد دورة منظمة الوحدة الإفريقية آنذاك، حيث قدم العرب العديد من الوعود البراقة خصوصا في مجال النفط وسارت الحال هكذا إلى أن تمزقت العلاقات بين معظم البلدان الإفريقية وإسرائيل باستثناء مالاوي وليسوتو وسوازيلاند التي تشتهر بمناجم الفحم والذهب. في الرابع من أكتوبر 1973 أعلن رئيس زائير موبوتو سيسيكو ارتباط بلاده ارتباطا وثيقا بإسرائيل باعتبارها صديقا مخلصا لبلاده، ولكنه اضطر إلى قطع العلاقات الدبلوماسية من قبيل أن الإنسان يستطيع اختيار أصدقائه، ولكن لا يستطيع اختيار أشقائه، وبناء عليه تم قطع العلاقات مع إسرائيل ولكنها سرعان ما عادت في أوائل الثمانينيات. فقدت إسرائيل جميع اتصالاتها السياسية مع معظم البلدان الإفريقية منذ عام 1973، ولكن المصالح لم تتوقف أبدا، كما يوضح االباحث ليون سيزار بمركز دراسات إفريقيا السوداء في بوردو. ففي صبيحة قطع العلاقات تم تثبيت المصالح الإسرائيلية في بعض العواصم الإفريقية تحت غطاء مصطلح السفارات الغربية. ففي أبيدجان كانت السفارة البلجيكية هي الغطاء الإسرائيلي للمصالح اليهودية هناك كذلك الأمر في الجابون. أما في نيروبي فكانت السفارة الدانماركية هي الغطاء لهذه المصالح، وفى أكرا كان الغطاء هو السفارة السويسرية. وبناء على كل ما مضى ارتفعت الصادرات الإسرائيلية لإفريقيا في الفترة بين عامي 1973 و1979 من 30 إلى 75 مليون دولار. كان هناك أكثر من 30 دولة إفريقية تتبادل التجارة مع إسرائيل، بالإضافة إلى 5 مراسي بحرية مخصصة لشبكة التجارة معها في كل من نيجيريا وكينيا وإثيوبيا وتنزانيا وساحل العاج. وفى بداية الثمانينيات تعدت العقود المبرمة بين الشركات الإسرائيلية سواء للبناء أم هندسة المياه الزراعية أرباحها مليارات الدولارات. تطورت المعاملات أيضا وفي سرية شديدة إلى منتجات شديدة الحساسية مثل الأسلحة والمنتجات الإلكترونية المستخدمة في التطبيقات العسكرية مقابل الألماس والنفط واليورانيوم. وبرغم أنه منذ عام 73 لم تكن هناك علاقات رسمية فإن الموساد والمبعوثين العسكريين ورجال الحراسات الخاصة كانوا يجوبون القارة ذهابا وايابا. بل إنها كانت توفر لهم التدريب على الحماية الشخصية لكبار رجال الدولة. وبرغم ازدهار العلاقات على مر السنين. فإن أحدا لم يجرؤ على التصريح الرسمي بها إلى أن اتخذت زائير هذه الخطوة لتصبح على يد موبوتو أول بلد إفريقي يستعيد علاقاته مع إسرائيل عام 1982. لتتبعها ليبيريا ثم كوت ديفوار وتوالت باقي الدول خصوصا بعد إلغاء قرار الأممالمتحدة عام 1991 بمساواة الصهيونية بالعنصرية، وبعد إدانة إسرائيل صراحة لنظام العنصرية في جنوب إفريقيا، ليصبح اليوم هناك أكثر من أربعين دولة إفريقية لها علاقات دبلوماسية بإسرائيل، منها 14 دولة فتحت سفارات لها في تل أبيب لتختمها زامبيا والتى جاءت بعد رواندا وجنوب السودان. وفي يوليو حققت إسرائيل هدفا جديدا في علاقاتها بإفريقيا عندما نجحت وحدات الكوماندوز التابعة لها في تحرير 100 رهينة تم القبض عليهم على يد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان الرهائن قد تم القبض عليهم أثناء رحلة بين تل أبيب وباريس، وتم تحويل مسار الطائرة إلى مطار عنتيبي قرب كمبالا، وفي أثناء تحرير الرهائن قتل يوناتان نيتانياهو شقيق بنيامين نيتانياهو بينما كان يقود غارة شنتها القوات الخاصة الإسرائيلية، وهو ما دعا بنيامين نيتانياهو إلى استغلال مرور 40 عاما على هذا الحادث ليقوم بزيارته الشهيرة لكل من إثيوبيا وكينيا ورواندا وأوغندا في يوليو عام 2016، معلنا عودة بلاده إلى القارة السمراء، ولكن هذه المرة من الأبواب الأمامية ليعلنها صراحة "عودة إسرائيل إلى إفريقيا وإفريقيا إلى إسرائيل" خصوصا أنه في الستينيات من القرن الماضي استضافت العديد من البلدان الإفريقية الأطباء والخبراء والمستشارين العسكريين من إسرائيل، حيث ترى معظم الدول الإفريقية أنها تتمتع بإمكانات هائلة، وهي النقطة التي ارتكز عليها نيتانياهو إبان زيارته لهما، حيث وافق على فتح وكالة إسرائيلية من أجل التنمية الدولية للبلدان الأربعة، حيث تقوم هذه الوكالة على زيادة التنمية والتكنولوجيا والخبرة الإسرائيلية. واستغلت إسرائيل ما يحدث أخيرا من مواجهات مع جماعات بوكو حرام وحركة الشباب وتنظيم القاعدة لكي تصدر لهذه الدول الإفريقية نصائحها وخبراتها في مجال الدفاع الإسرائيلي والاستخباراتي. وتم تخصيص ميزانية قدرها 13 مليون دولار لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون مع القارة. ويشمل على وجه الخصوص التدريب في مجالات الأمن القومي والصحة. تنظر إسرائيل إلى إفريقيا باعتبارها تملك أعلى معدلات النمو في العالم، كما أن لديها العديد من فرص العمل في المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل بخبراتها مثل مجال الزراعة والاتصالات والطاقة المتجددة والبنية التحتية. وبعيدا عن المصالح التجارية تسعى إسرائيل لضمان دعم البلدان الإفريقية في المؤسسات الدولية، لا سيما فيما يخص الانتقادات المتعلقة باحتلالها للأراضي الفلسطينية وأيضا أنشطتها النووية. وقد وجه الصراع العربي الإسرائيلي بضربة قوية للعلاقات الإسرائيلية مع العديد من الدول الإفريقية في الستينيات، ولفترة طويلة ظلت هذه الدول تصوت ضد إسرائيل أو تمتنع عن التصويت في المحافل الدولية. ويسعى نيتانياهو أن يترجم هذا التقارب الإفريقي إلى لم أصوات الاتحاد الإفريقي ليصب في صالح بلاده، خصوصا أن العديد من الدول هناك تسعى لفتح أبوابها والاستفادة من هذا التقارب وهو ما ترحب به إسرائيل دوما وتسعى إليه، شريطة أن تأتي مصالحها على القمة.