الأسماء التى اخترتها لشخصيات روايتى حقيقية وذات دلالة فى المجتمع الليبيى تأخر الأدب الليبى لتخاذل المؤسسة الثقافية وتقاعس الأدباء والكتاب الليبيين أنفسهم
العمل اللامع الذى يأسر اللب عن الربيع العربى لم يأت بعد
تتوقع الروائية الليبية نجوى بن شتوان، أن تقتنص روايتها «زرايب العبيد» جائزة البوكر لهذا العام، وتؤكد حتى وإن لم تحمل لقب البوكر، فقد فازت فعلاً فى لفت الانتباه للأدب الليبى المقبل من خلفيات عدة. وتشير «بن شتوان» أن الأسباب كثيرة وراء عدم انتشار الأدب الليبي، منها العزلة التى فرضت على ليبيا عقود طويلة، وتخاذل المؤسسة الثقافية عن دورها فى الترويج للأدباء والكتاب الليبيين، وتقاعس الأدباء والكتاب أنفسهم عن خوض المشاركات الخارجية. الكتابة نداهة كل العصور، كيف سحرتك وكيف اكتشفتيها بداخلك؟ مذ سنواتى الدراسية الأولى، كنت أميل للقراءات الأدبية، وقد لاحظ معلمى قدرتى التعبيرية فى موضوعات التعبير والرسم، لكن أحداً لم يحدثنى عن شيء اسمه الكتابة أو ما يرتبط بهذا العالم ، اكتشفت كل شيء بنفسي شيئاً فشيئاً وفهمت أن ما وجد معى هو موهبة ستكبر معى لأنى أحبها. لم أقرر أبداً أن أصبح كاتبه، لكن ظروف كثيرة صاغتنى وقادتنى إلى هذا الاتجاه، وجدت نفسى أكتب بشكل طفولى وغير محدد، ثم مع الوقت ترتب كل شيء فى داخلي، كنت أسميها هوايتى ورياضتى المفضلة ومازلت، فيها أجد نفسى وهذا الارتباط بينى وبينها كاف. فى روايتك «زرايب العبيد» تخترقى عوالم روائية جديدة على الرواية الليبية والعربية، من خلال تابوت اجتماعية وتاريخية فى تاريخ المجتمع الليبى لماذا؟ لم أقصد أبداً اختراق أى تابو، لكن الحياة فى عالمنا العربى تكاد تصبح هى نفسها تابو لكثرة الممنوع فيها بالعلن والمتداول بالسر ، وأنا إذ فعلت بطريقة غير مقصودة أكون قد تكلمت عن الحياة لدينا، وكم تتخذ شكلاً غريباً ومعقداً يجعل منها تابو! شخصيات الراوية «السيد محمد والأمة تعويضة، «عتيقة»، «فاطمة»،»علي» محمد، «للاعويشة»،»الحاج أحمد الكبير»، درمة وعيدة وجاب الله وسقاوة وسالم وعلى وفاطمة والفقى وحسين وسالم ومفتاح ويوسف وغيرها كم اقتربت من الواقع؟ الأسماء التى اخترتها للشخصيات حقيقية وذات دلالة فى المجتمع الليبيي، وهى تعكس نمطاً حياتياً كان شائعاً فى الماضي. لماذا اخترتى «زرايب العبيد» اسما لروايتك مع أنه اسم يرمز لأماكن الحيوانات؟ اسم زرايب العبيد اسم مكان حقيقى لم اسمه أنا إنما أطلقه عليها الناس وعاش قروناً طويلة فى تاريخ المكان ورسخ فى الذاكرة الاجتماعية جيلاً بعد آخر حتى وصلني، إنه لشدة انعدام شروط الحياة الإنسانية فيه مكان يليق بالحيوانات وليس بالبشر، وهذا دليل على ما أحاط حياة ساكنيه من بؤس وامتهان. ما فعلته أنا هو إننى أسميت الشيء باسمه و نفضت عنه التراب وأخرجته للحياة وأريته للآخرين من خلال الرواية وقدمته بالهوية التى وجدتها عليها. بهذه الرواية الثرية تخطو «نجوى بن شتوان» بثقة واقتدار فى عالم الرواية الليبية والعربية وتضع بصمتها الخاصة فى هذا المشهد الروائى الكبير، هذه الرواية بلا شك تؤثر فى نفسية القارئ.. ألم ترهقك؟ بلى، أرهقتنى وأتعبتنى وهى أول عمل أبكى فيه برغم أننى صانعة شخصياته ومصممة مصائرها، كنت أسأل نفسى لماذا بكيت ومما؟ ولا أجد جواباً محدداً إلا لشعورى بحجم الآلام والمعاناة التى عاشها ساكنو الزرايب الحقيقيون الذين لم تبلغنا قصصهم، عاشوافى الظل والهامش ورحلوا كما عاشوا دون أن يعلم بوجودهم أحد، إن الصورة الحقيقية التى عثرت عليها لزرايب العبيد، وتعرفت منها لأول مرة على المكان، سببت لى الحزن كلما تأملتها، وكلما تقمصت شخصيات من وجدوا فيها . بعض الأدباء يراهنون على مغامرة التجريب فى الشكل الأدبى الروائي/ القصصي، أنت رهانك فى الغالب مختلف، هو رهان التفاعل المباشر مع حركة المجتمع من خلال العمل الأدبي.. فهل هو اختيار أم طبيعة تكوين شخصى لديك؟ كتبى تحمل أساليب مختلفة، أعتقد أن ذلك مهم لتطوير تقنية الكتابة ، دون تجريب لن يحدث نمو. ليس مهماً فقط العثور على الفكرة فى الكتابة بل أيضاً اكتشاف الأسلوب الذى تقال به ويناسبها، فى كل كتابة أجرب والدليل أن الزرايب ولدت من أولتماس بينى وبين تاريخ ليبيا الاجتماعي. الخيال كان له دور كبير فى إنجاح روايتك “زرايب العبيد” إلى أى مدى اتكلت عليه؟ الجزء الأكبر من الرواية يقوم على المتخيل، أنا لا أستنسخ واقعاً بل استنطق حوادث وأملأ الفراغات التى وجدتها فى الصورة. وقد استعملت ماهو حقيقى من العادات والتقاليد لتطعيم العمل بصفة الواقعية، هكذا أكون قد لعبت وتلاعبت بالحكاية حتى أوصلتها لما أريد. معالم المكان تبدو حاضرة بوضوح الرواية وتداخلت الأزمنة فى هذه الرواية, كيف انتقلتى من أزمنة بعيدة وأخرى قريبة بهذه الرشاقة من دون أن تدخل القارئ فى متاهات؟ يبدو لى هنا أن الكاتب مثل مرشد سياحى لمدينة مجهولة لا يمكن تصميم خارطة دقيقة لها، عليه أن يكتشف كل تفاصيلها بنفسه ويعرف مداخلها ومخارجها دون أن يدله أحد، ويخترع دروبه فيها وحكاياتها، لكيلا يشعر من يرشدهم بالملل أو التعب. القارئ لرواية” زرايب العبيد” يجدها مليئة بالخيبات والانكسارات والشخصيات البائسة والمكسورة وبها أيضا جانب مبهج رغم كل هذه الخيبات ماذا قصدت من ذلك؟ أن أكتب الحياة ، وقد فعلت . إلى أى مدى تتعايشى مع بطل روايتك، وهل تضفى عليه بعضا من صفاتك الشخصية أم تتركه لتحديد مصيره بنفسه؟ شخصياتى فى زرايب العبيد متعددة، ذكور وإناث، لكننى برغم تعايشى معها لم أضفِ عليها شيئاً من صفاتى الشخصية، ماعدا إعطائها نفس الاسم، نسبتها لى كجزء من عائلتى البيولوجية (بن شتوان) تحريراً لها من ربقة الرق وفقدان الهوية ، وربما جاء ذلك رغبة منى فى تحريرها إلى الأبد مع أن الاسم نفسه قيد! صدر لك بعض الأعمال القصصية والروائية الأخرى منها على سبيل المثال “قصص ليست للرجال”، قصص “وبر الأحصنة”، رواية ،”طفل الواو”، مجموعة قصصية، “مضمون برتقالي”، رواية، “الملكة”، مجموعة قصصية، “الجدة صالحة”، مجموعة قصصية وغيرها حديثنا عنها؟ أعمالى تجارب متنوعة فى كتابة القصة القصيرة بأسلوب يناسبني، هناك روايتان هما وبر الأحصنة و مضمون برتقالى وهما عملان مختلفان تماماً فى التجريب، بالمجمل لم تحظ أعمالى بالدراسة أو النقد الكافى، فالحياة الثقافية لدينا خاملة جداً ولا أحسب أنها تختلف كثيراً عن باقى آقطار العالم العربي. هل الكتابة تمرد؟ بالنسبة لى أراها تحررا أكثر منها تمرداً، إنها أكثر شيء حر وجميل لأنه بلا قواعد ولا يحتكم إلا إلى الذائقة. لا أجد حيزاً أكثر بهاءً فى هذا الكون من عالم الكتابة غير الخاضع. كيف تقيمين نفسك ككاتبة وسط نظيراتك الليبيات؟ وهل ترين أن حضورك بأعمالك القصصية والروائية يضيف لكى بصمتك الخاصة؟ هناك كتاب كثر فى ليبيا من الجنسين، و لكل رتمه الخاص به، لكنى أعتقد بأنى مثابرة وملتزمة بصرامة على مزاولة رياضتى المفضلة أكثر من سواي، كونها لا ترتبط بمصدر عيشي، وهى بهذا محررة من أى قيد و تجعلنى متحررة من العمل بوظيفة كاتب! بصمتى الخاصة موجودة فى أعمالي، من اعتاد قراءاتى يستطيع اكتشاف أى نص لى حتى وإن لم يوضع عليه اسمي. شخصيتى الساخرة المتهكمة بحزن واضحة للقارئ المبصر. ما الأرضية التى تنطلقى منها عند البدء فى الكتابة؟ وماهو الأكثر تأثيرا عليك الكتابة أم النقد؟ أهتم كثيراً بخلق الأفكار وحياكتها أكثر من النقد، أتمشى طويلاً لأنتجها فى خيالي، وخلال ذلك تتداعى الأفكار وتأتيني، لا أجلس للكتابة وأنا دون فكرة محددة، لكن نموها أو تطورها أتركه خلال عملية الكتابة تفسها، غالباً ما أبدأ بفكرة صغيرة تتطور تلقائياً أثناء كتابتى لها حتى تصل إلى الاستواء. ليبيا من الدول العربية التى شهدت ثورة فى رأيك هل أثرت ثورات الربيع العربى على النتاج الإبداعى.. هل نجح المبدعون فى التعبير عنها أدبيا؟ ليس بعد، كل ما قدم هو أعمال مستعجلة، العمل اللامع الذى يأسر اللب عن الربيع العربى والربيع الليبيى لم يأت بعد. هاجس البحث عن هوية للرواية العربية أو التى يكتبها كُتاب عرب كيف ترينه؟ وهم وعبث، الكتابة أوسع من هكذا محددات،وعلى الكتاب أن يتحرروا من التعقيد وخلق اختناقات يعشقون البقاء عندها! لماذا لا تترجم كتبُنا العربية، إلى لغات أجنبية، لنُقرأ بالشكل الذى نستحق؟! هذه مشكلة نحن سببها، تقديم أنفسنا للآخر مسئوليتنا نحن وليست مسئولية الآخر بالدرجة الأولى، احسب كم وزارة ثقافة لدينا فى العالم العربي، ثم احسب كم قدمت كل وزارة من أعمال للترجمة ثم قس ذلك إلى ما صرف لها من ميزانيات لتعرف الناتج! إن حجم الفاقدكبير . أين الأدب الليبى من الحضور العربى والدولي؛ ألا تلاحظين أنه بعيد كل البعد عن الساحة العربية والحضور الثقافى؟ هل هذه مشكلة مؤسسات أم مشكلة أفراد؟ الأسباب كثيرة وراء عدم انتشار الأدب الليبي، منها العزلة التى فرضت على ليبيا عقودا طويلة، ومنها تخاذل المؤسسة الثقافية عن دورها فى الترويج للأدباء والكتاب الليبيين، وتقليد الآمر لمن ليسوا أهلاً له، وتقاعس الأدباء والكتاب أنفسهم عن خوض المشاركات الخارجية، هناك فرص كثيرة اليوم مع انتشار وسائل التواصل وانفتاحها لا يستفيد منها الأديب الليبى إلا فى مواطن الدردشة! هل ترين أن الحريات العربية مازالت تعانى من القيود؟ مازالت وستظل. بمن تأثرتى فى كتاباتك الأدبية المختلفة عربيا وعالميا؟ قرأت الكثير، أسماء معروفة وأخرى غير معروفة، أعتقد إننى لست من الأشخاص الذين يميلون إلى لون معين أو ذوق محدد فى القراءة، لذلك أبحث عن الشيء الذى يفاجئنى ككل، فى البداية استهوانى الأدب الروسى وأحببت كل كتابه، ثم اكتشفت أدب أمريكا اللاتينية ومازال يشدنى بوتيرة أكبر، برغم إننى قد أحب قصة ولا أتذكر اسم كاتبها، بشكل عام فى هذا الأدب يعجبنى خيال ماركيز وواقعية غاليانو وهما الأكثر إلتصاقاً بي. ما جديدك الفترة المقبلة؟ وماذا تتوقعى لروايتك بالقائمة القصيرة؟ بدأت فى كتابة عمل روائى جديد، لكنى لا أكتب بشكل منتظم، جهودى مبعثرة فى أمور حياتية أخرى، قد لا أنهيها قريباً، إضافة إلى مجموعة قصصية سأدفع بها إلى النشر قريباً . أتوقع لها الفوز حتى وإن لم تحمل لقب البوكر لهذا العام، فقد فازت فعلاً فى لفت الانتباه للأدب الليبيى المقبل من خلفيات عدة.